مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2025/01/20 19:36
نعم انتصرت غزة.. ولا عزاء للمُثبِّطين !
في الوقت الذي عمت الفرحة وغمرت أرجاء غزة وفلسطين والأمة بأسرها على إثر توقيع اتفاقية وقف إطلاق النار، وفي الوقت الذي اعتُبر هذا الاتفاق نصرًا مؤزرًا للفلسطينيين، خرج من يفسد هذه الفرحة بقصد أو بغير قصد، وهو يشير إلى أعداد القتلى والمصابين وحجم الدمار الذي لحق بالقطاع، ويندد مجددًا بطوفان الأقصى، ويحمل المقاومة مسؤولية هذا الدمار، ومن ثم يرى أنها فرحة لا مبرر لها، وأنه لا ينبغي أن يوصف هذا الاتفاق بأنه نصر للفلسطينيين.

لا ريب أننا جميعًا تحترق أفئدتنا لهذه الخسائر البشرية والمادية التي أصابت غزة منذ بدء المعارك، لكن صاحب هذا المنحى يجهل أو يتجاهل مفهوم النصر والهزيمة، فالأمر ليس متعلقا بفارق أعداد القتلى بين الطرفين، وإنما يتحقق النصر بتحقق الأهداف.

العدو الإسرائيلي قد خسر هذه المعركة مع أن عدد قتلاه أقل بكثير من قتلى أهل غزة، لأنه وببساطة لم يحقق أيًا من أهدافه التي حركت آلته التدميرية ضد قطاع غزة.

نتنياهو كان يهدف إلى تحرير الأسرى الإسرائيليين بلا شرط وبعيدا عن التفاوض مع المقاومة الفلسطينية، وها هو يتخلى عن هدفه، ويرضخ لاتفاقية إنهاء القتال.

وكذلك كان يهدف إلى القضاء على المقاومة وإفنائها، ويصدع الرؤوس بإعلان هذا الهدف، ومع ذلك ها هي المقاومة كانت تجالد الجيش الإسرائيلي حتى آخر لحظة، وتكبده الخسائر المتتابعة، ولم يستطع القضاء عليها.

أيضا كان هدفه إجلاء أهل غزة من القطاع، وها هي جموع النازحين تستعد للعودة من الجنوب الذي تكدسوا فيه إلى ديارهم في شمال ووسط غزة.

وأما غزة بشعبها الصامد ومقاومتها الباسلة فقد انتصرت لا ريب، ونوجز مظاهر هذا النصر بما يتسع له المقام في الإشارات التالية:

أولا: إحباط صفقة القرن التي كانت ستؤدي إلى تهجير الفلسطينيين وتمكين الصهاينة من فلسطين.

ثانيًا: وقف عملية تهويد الأقصى التي كانت أوشكت على الانتهاء قبل معركة طوفان الأقصى.

ثالثا: إحياء تدويل القضية الفلسطينية التي كانت قد تجمدت في المجتمع الدولي.

رابعًا: كسب التعاطف الدولي وتعريف شعوب الغرب بالقضية الفلسطينية التي تعمد الإعلام الغربي تغييب وعي الشعوب عن الإحاطة بها، وتخلصت هذه الشعوب من أسر الرواية الأحادية الصهيونية.

خامسًا: تحريك الضفة ونابلس وجنين وسائر المدن الفلسطينية باتجاه خيار المقاومة، والذي كان هدفًا للمقاومة في غزة منذ البداية.

سادسًا: تحطيم أسطورة القوة الإسرائيلية، والتي كانت تبحث عن نصر زائف وهمي في هدم البيوت على رؤوس المدنيين، لكنها على الصعيد الميداني، منيت بخسائر فادحة، وأثبتت فشلها في تحقيق نصر على الأرض.

سابعًا: خلخلة الداخل الإسرائيلي وإفقاد الجماهير الإسرائيلية ثقتها في الحكومة اليمينية المتطرفة التي باعت لها الوهم.

ثامنًا: إلحاق الخسائر الفادحة بالكيان الإسرائيلي، مئات القتلى من الضباط والجنود، وعشرات الآلاف من المصابين، وما يقارب نصف هؤلاء المصابين يعانون من صدمات نفسية، وكثير منهم يعالجون في المصحات النفسية أو خرجوا بعاهات مستديمة تخرجهم نهائيا من الخدمة، إضافة إلى تسجيل عشرات الحالات من الانتحار بين صفوف الجنود.

وتم تهجير أكثر من نصف مليون إسرائيلي ونزوح 143 ألف شخص، كما أن هناك خسائر فادحة في قطاع السياحة والاستثمار، وتفاقم معدلات الفقر، وشلل بقطاع البناء، وتفاقم عجز الميزانية، وازدياد حجم الهجرة العكسية.

تاسعًا: دوليا جرى إصدار مذكرة اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع السابق يوآف جالانت.

عاشرًا: شحن هائل للجماهير العربية والإسلامية تجاه القضية الفلسطينية، وازدياد الوعي العربي والإسلامي بالخطر الصهيوني وتشابك مصالحه مع الغرب.

إن البطل الأول في هذه الحرب هو شعب غزة، الذي قدم أهله مثلا فريدا في الصمود والصبر، وإن كان هذا الشعب قدم عشرات الآلاف من الشهداء، فهذه ضريبة تدفعها كل الشعوب التواقة إلى الاستقلال.

شهداء غزة عند ربهم يرزقون، ومصابوها في أجر، وديارهم سوف تُبنى من جديد، وهذا الجيل الذي شهد تلك الحرب الضروس، لا خوف عليه بعد اليوم، فهو الجيل الذي عاش الأهوال ولن يثنيه شيء، وسوف يكون التحرير على يديه بإذن الله.

فحق لأهل غزة وسائر فلسطين وأمتنا كلها بأن نفرح بهذا النصر المبين، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
أضافة تعليق