هو داعية ومجاهد وفقيه مغربي، ومن علماء المذهب المالكى ومن زعماء الإصلاح الإسلامى، جدد الإسلام بإفريقيا ووضع الأسس الأولى لدولة المرابطين فى المغرب الأقصى. فبالرغم من دخول القبائل البربرية فى الإسلام منذ فجر الفتوحات فإن الإسلام الصحيح ومع مرور الزمن ضاع بين البربر، فتبرك المسلمون هناك بالقبور وانتشرت بينهم الموبقات، فأراد شيخ منهم يدعى يحيى بن إبراهيم الجدالى، أن يصلح حال قبيلته فقرر الذهاب لأداء فريضة الحج وفى عودته ذهب إلى مدينة القيروان بتونس يطلب المساعدة من شيوخها لكى يعيد قبائل صنهاجة البربرية إلى طريق الإسلام الصحيح، فاختاروا له رجلا من البربر اسمه الشيخ عبدالله بن ياسين والذى ولد فى أوائل القرن الخامس الهجرى بالمغرب وفى شبابه رحل إلى الأندلس وهى فى عهد ملوك الطوائف وأقام بقرطبة سبع سنين واجتهد فى تحصيل العلوم الإسلامية. رحل الشيخ عبدالله بن ياسين وترك خلفه ماله وأهله، إلى قبيلة يحيى بن إبراهيم الجدالى فى قلب الصحراء الموريتانية القاحلة، وبعد أن مكث معهم فترة يدعوهم إلى ترك المعاصى ويشرح لهم العقيدة الإسلامية الصحيحة، طلب منه الناس أن يتركهم على حالهم وان يعود لبلده، ولكن الشيخ عبدالله بن ياسين رفض العودة وأصر على البقاء ليدعو الناس إلى طريق الحق، فحرق الناس بيته وطردوه خارج القبيلة فأصبح طريدا فى صحراء موريتانيا ولكنه أصر على الاستمرار فى دعوته، فبدلا من أن يرجع إلى أهله اتجه جنوبا إلى أدغال إفريقيا ليعبر نهر السنغال وهناك فى جزيرة منعزلة أقام خيمة ورابط فيها فكانت خيمة الرباط الأولى (وفى اللغة حين تنصب خيمة خارج الحضر تسمى رباط)، ثم بعث رسالة إلى أهل البربر يخبرهم فيها بأنه من أراد تعلم دين الله فليأته فى رباطه فى أرض السنغال، فهب إليه خمسة من شباب البربر فأخذ الشيخ يعلمهم معنى التوحيد فاقتنع الشباب الخمسة بدعوة الشيخ فذهبوا إلى وطنهم وأحضروا عائلاتهم ونصبوا خيامهم حول خيمته فسموا بالمرابطين.
وبعد مرور أربعة أعوام صار بين يدى الشيخ عبدالله بن ياسين ألف رجل من المرابطين، وفتح الله على دعوة الشيخ عبدالله بن ياسين بدخول زعيم قبيلة بربرية قوية اسمها (لمتونه) فى الإسلام الصحيح ويدعى هذا الرجل: (يحيى بن عمر اللمتونى) ودخل معه رجال قبيلته وعددهم سبعة آلاف رجل فى جماعة المرابطين وأصبح عدد المرابطين اثنى عشر ألفا لينشر ابن ياسين المرابطين بين القبائل البربرية يدعوهم إلى دين الله الصحيح. وبعد فتره قصيرة توفى زعيم القبيلة يحيى بن عمر اللمتونى، وتولى زعامة قبيلة لمتونة من بعده شقيقه أبوبكر بن عمر اللمتونى والذى استمر فى تأييد الشيخ عبدالله بن ياسين.
وبينما الشيخ عبدالله بن ياسين ينشر دعوته أغارت قبيلة من القبائل المبتدعة الرافضة لدعوته على الشيخ ومن معه من المرابطين فطلب المرابطون منه أن يبقى فى خيمته إلا أن الشيخ عبدالله بن ياسين تناول سيفه وقال إنى لأرجو أن يرزقنى الله الشهادة فإذا قتلت فادفنونى فى نفس المكان الذى استشهد فيه، وفعلا استشهد فى هذه المعركة ودفن فى يوليو 1059 م، عام 451 هـ بعد 11 عاما مرت منذ خروجه من منزله إلى الصحراء القاحلة لإصلاح الدين فى القبائل، وبعد أن نجح أيضا فى إنشاء جماعة المرابطين والتى بدأها بخيمة على نهر السنغال وبعد العمل الفكرى والسياسى والاستراتيجى الذى قام به لإعادة ربط الصلة بين شمال المغرب الأقصى والعمق الصحراوى ثقافيا واقتصاديا وسياسيا، لكى تصبح جماعة المرابطين اكبر إمبراطورية عرفتها إفريقيا وأوروبا والتى بسطت نفوذها على كل المغرب العربى بدءا من تونس وحتى الجابون فى وسط إفريقيا. واستطاعت هذه الدولة إنقاذ الأندلس من سقوط مبكر لمده 250 عامًا.
نقلاً عن صحيفة روزاليوسف