✍د.عبدالقوي القدسي
الإثنين ١٢ نوفمبر ٢٠١٨
تنتسب البشرية إلى حواء وآدم، فالناس جميعًا إخوة في الإنسانية، والاختلاف في اللون أو اللغة، أو الفكر والمعتقد يجب أن يكون اختلاف تنوُّع لا تضاد، ولكن، وبسبب نوازع الخير والشر التي تتجاذب الإنسان فقد يحدث الطغيان، ويختل ميزان التعايش والسلام، ولذلك فلم يترك الله البشرية فريسة لطغيان نوازعها، ولنزغات الشيطان المتربص بها فأرسل رسله تَتْرا ليعالجوا الانحراف ويعيدوا الإنسان إلى جادة الصواب، وكانت رسالة محمد (ﷺ) هي مسك الختام، وكانت للأرض غيثًا ونورًا بعد أن حل القحط، وانتشر الظلم والظلام، وكان رسولنا المصطفى -كما وصفه الذي اصطفاه- للعالمين رحمة، وللأرض نورًا.
"التعايش" كلمة جميلة تحمل كل معاني التقدير والاحترام للآخر، وتتجاوز كل تعقيدات الخلافات المصطنعة، كلمة تعني العيش بسلام ونبذ الحروب، ونشر قيم التسامح، والمحبة والوئام.
نداءات القرآن بـ "يا أيها الناس "، " يا بني آدم .." تذكير بالأصل المشترك، وما أعظم الشعور برابط الأخوة عند ذوي الألباب؟!!
لا يكتمل إيمان المسلم ما لم يؤمن بكل الأنبياء، وبديانات السماء، كما لا يدخل الجنة من يؤذي جاره ولو كان على غير دينه.
أسس النبي(ﷺ) أول دولة في المدينة على أساس المواطنة، ووضع أول دستور للبشرية يحترم الحقوق والحريات، ويستوعب مواطني الدولة من الطوائف الثلاث:( المسلمين- اليهود- المشركين)، وفي ظل قيمة "التعايش الحضارية" حلّ للمسلم أن يأكل طعام أهل الكتاب، ويتزوج منهم، وبسبب قيمة التعايش لم يأذن الإسلام بهدم كنيسة، ولا معبد للمخالفين له في المعتقد .
"التعايش" لا يعني القبول بالعقائد المنحرفة، والسلوكيات الخاطئة، فالإسلام - على سبيل المثال- لم يداهن أهل الكتاب في انحرافاتهم التي جعلت من الله ثالث ثلاثة، ونسبت إليه البُخْل والولد، وادعت الأفضلية على الخلق والتمثيل الحصري للخالق، وأكلت-بالباطل- أموال الناس، ولكن يعني أننا بالرغم عن هذا كله يمكن أن نعيش معًا، ونتجادل بالحسنى ونتحاور .
عندما تغيب لغة التعايش تحل لغة القوة، ويحل الدمار، ويُهرع الناس للاحتكام إلى قانون الغاب، حيث القوي فيه يأكل الضعيف، وهذا ما شهدته البشرية في صراعها عبر التاريخ، وقد ذهب ضحية ذلك الصراع الملايين من البشر حتى أدركت الدول المتحاربة بأن العيش معاً ممكناً .
في ظل التعايش تستقر البلدان، وفي ظل الاستقرار تحدث التنمية وتزدهر الأوطان، والمعادلة بسيطة إذ أنه وفي ظل الحرب سيتجه الناس لشراء الباروت وتدمير الأرض والإنسان ، وفي ظل الاستقرار سيتنافس الناس على التنمية والإعمار، وشتان بين الحالتين!!
بعد صلح الحديبية بين المسلمين، وقريش انتشر الإسلام أضعافاً مضاعفة وفي سنتين -فقط- وصلت دعوة الإسلام إلى جميع ملوك الأرض، وفي تاريخنا المعاصر، وبعد الحرب العالمية الثانية شهد العالم طفرة صناعية، وتكنولوجيا لم تشهدها البشرية في كل تاريخها، لانتهاج الدول قيمة :" التعايش".
نتحدث عن التعايش في ظل اختلاف الأفكار والمعتقدات، فهل يمكن أن يغيب هذا المصطلح في ظل المعتقد الواحد ؟!!! الواقع يقول نعم، فالكثير من المعارك التاريخية نشبت بين أبناء الملة الواحدة، وأول معركة على وجه الأرض كانت بين ابني آدم بنص القرآن .
ترزح بلادنا تحت نيران حرب مدمرة نتجت عن غياب قيمة"التعايش"، فالأمراض السلالية والمناطقية القديمة انبعثت من جديد لتصنع حواجز فولاذية بين أبناء المجتمع، وقيم التعايش السلمي.
لتحقيق "التعايش الحضاري" لا بد من دولة حديثة تتعامل بالمساواة مع الجميع، وتسعى إلى خدمة المجتمع بكل فئاته، وتحقيق الرفاهية لأبنائه، وتحترم الفسيفساء الفكرية والمذهبية، وتضع قوانين صارمة تضمن عدم اعتداء الأفراد والطوائف على بعضهم، وبهذا وحده سنعيش معاً، كما تعيش باقي مجتمعات العالم بأمن وسلام على الرغم من وجود مئات الأديان، والطوائف، والمعتقدات.