بقلم: د. فؤاد بن عبده محمد الصوفي
انطلق نشاط عدد من الإسلاميين في مطلع العشرينات من القرن الماضي وكانت قد نبتت صحوتهم في أرض قاحلة ومرت بمراحل مخاض عسيرة حيث تكرر وأدها في أكثر من قطر وبأكثر من مرحلة، ففي عام 1949م تم اغتيال رجل الإصلاح والدعوة الشيخ حسن البنا وتوالت الأحداث باغتيال بعض رموز العمل الإسلامي ومحاكمتهم وإعدام بعضهم.
وفي مطلع الثمانينات دكت قوات الأسد الأب مدينة حماه، التي يسكنها جمهور من الإسلاميين بالدبابات وذلك في يناير كانون الثاني من عام 1982م.
وبعد ما يقرب من عشر سنوات من نكبتهم في سوريا كان نجاحهم في الجزائر حيث خاضوا الانتخابات النيابية عام1991م وكُللت مشاركتهم بالنجاح، فتم الانقلاب عليهم وإقصاؤهم بإلغاء تلك الانتخابات وإرجاعهم إلى الوراء زمنا غير قصير.
وكان العمل الإسلامي في مراحل نهضته الأولى منكبَّا على العمل الإنساني والاجتماعي الخيري والدعوي فتوسعت اهتماماته وبرز قادته فتعرف الناس عليهم وعلى جهودهم فأسسوا الجمعيات الخيرية والمؤسسات العلمية و الإنسانية حتى برعوا في ذلك ونافسوا كثيرًا من الجهات التي سبقتهم شعبيةً كانت أو رسمية وهذا الطابع الإنساني أهّلهم للمشاركة في الشأن العام وسياسة شئون الدولة وتوفرت القدرات المختلفة لدى كثير من الكوادر.
ومع صعود الديمقراطية وما رافقها من معطيات كالحرية السياسية ومشاركة الشعوب في اختيار حكامها وعلو صوت المؤسسات الحقوقية المحلية والدولية ؛ ظن الإسلاميون أن ذلك ضامنا لهم من بطش الأنظمة الاستبدادية فوجدوا فيها متنفساً وتوجهوا نحو تأسيس تكتلات سياسية ليخرج نشاطهم إلى العلن وبتراخيص حكومات تلك الأقطار فتمكنوا من التأثير والمشاركة في صنع القرار بعد أن نضج مشروعهم السياسي وتفهمت رؤاهم الفكرية الواقع والمستقبل ومعطياته ومتطلباته؛ في وقت تعرضت فيه شعوب المنطقة لقدر كبير من الاستبداد السياسي واحتكار الثروة والسلطة بين الأنظمة القائمة رافق ذلك فساد إداري ومالي أضعف الدول وأنهك مؤسساتها .
فاجتمعت لهم خدمتهم للشعوب وقربهم منهم وارتباط مشروعهم بطموحات الأجيال ووجدانهم الديني وهويّتهم الثقافية؛ فتوجهت الجماهير نحو اختيارهم والعزوف عن المشروع العلماني المتآكل.
وفازوا في الدوائر الانتخابية فدخلوا المجالس النيابية والمحلية وشكَّل كثير منهم نموذجاً فريداً في الإدارة والتفاني في خدمة المجتمع فاكتسبوا بذلك رصيداً من الخبرات ورصيداً من الجماهير التي زادت من الالتحام بهم والقرب منهم.
زاد هذا الامتداد الأفقي والراسي من هلع الأنظمة التي تربَّت على الاستبداد والفساد ورأت ألاَّ مستقبل لها أمام صحوة تسحب البساط وتنقض على مكاسبها وتوقف مد توسعهم السلطوي فأحست بخسارة في مراكز القوى الاجتماعية والإدارية التي طالما أخضعتها ردحا من الزمن.
وصاحب التمدد الأفقي ضعف في مستوى النوعية في تربية الملتحقين بصفوف العمل الإسلامي لانشغال القيادت الدعوية المؤثرة بالشأن العام وفي العمل السياسي والبرلماني.
وأما التمدد الرأسي فقد صاحبه شعور الحكام بأن الإسلاميين يقدمون أنفسهم كبديل عن الأنظمة ما دفعهم إلى حبْك المؤامرات السرية ضدهم والاعتقالات والاغتيالات ظانين أن ذلك سيصرف الناس عنهم.......للحديث بقية.