مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2017/01/18 15:38
الجريمة و المجرم -آراء و تحليلات-
الجريمة و المجرم
آراء و تحليلات
 
سميرة بيطام
 
يقول اللواء أحمد بسيوني أبو الروس في كتابه التحقيق الجنائي و التصرف فيه و الأدلة الجنائية  أنه كلما رصد الباحث الجنائي من العلوم و الفنون المختلفة كلما زادت قدرته على التفكير السليم و تحقيق النتائج المطلوبة من التحقيق و من العلوم التي ينبغي أن يلم بها الباحث الجنائي حتى يمكنه من أداء عمله على الوجه الأمثل مايلي :
1-العلوم  القانونية
2-علم النفس
3-علم الاجرام
4-علم الفراسة
5-فن التنكر
فحقل الأمن العام الذي يعمل فيه الباحث الجنائي ذو شقين : الشق الأول هو شق المنع و يهدف الى العمل على منع الجريمة و الشق الثاني هو شق الضبط و يهدف الى كشف الجريمة بعد وقوعها و العمل على ضبط مرتكبيها و الأدوات المستخدمة في ارتكابها ثم يقوم بتقديم الجناة الى العدالة و في الحالتين نجد الباحث الجنائي ينفذ القانون و يطبق الاجراءات القانونية و من ثم فهو يدرس قانون الاجراءات الجنائية الذي يوضح كيفية أدائه لعمله في جمع الاستدلالات و في أوقات و ظروف لتفتيش المتهم نص عليها القانون و لا يجوز تجاوزها و من هنا تظهر أهمية دراسة قانون الاجراءات الجنائية.
و لو أن التركيز يبدو لي أكثر  على فهم شخصية المجرم و سبب اتيانه للجريمة و الغرض منها ، كما أن معقدات الأمور تجعل من المحقق الجنائي شخص ذو مهام متعددة و هو ما يخلق لديه نوع من المسؤولية الكبيرة الملقاة على عاتقه و كذا حجم التعب الذي يعيشه في حياته اليومية و كيفية التوفيق بين كون الشخص محققا جنائيا و بين كونه شخص عادي يعيش في أسرة و يباشر كامل الحقوق و الواجبات مع أفرادها.
فهناك نظريات عديدة في علم الجريمة و صفات المجرم ، يمكن القول أن المؤلفين في التخصص الجنائي يتمتعون بخاصية الذكاء الفطري الذي يجعلهم يتحرون و يدققون قبل التأليف و الخوض في غمار ميدان أقل ما يقال عنه حساس و دقيق و صعب و فيه من الخطورة وما يعرض صاحبه للمضرة.
و للدكتور عايد عواد الوريكات في كتابه نظريات علم الجريمة يرى من خلال وصفه لرأي "كوني" من أنصار نظريات الوصم و الصراعية التعددية كيف أصبح راديكاليا و المعنى كون الكلمة الأصل أو الجذر ، حيث في مجموعة مؤلفاته و مقالاته بدءا من كتابه نقد النظام القانوني سنة 1974 ومؤلفه مشكلة الجريمة سنة 1977 و كتابه الطبقة و الدولة و الجريمة سنة 1977 ، حيث في نقده للنظام القانوني و الذي وضع فيه ستة مبادئ تتمحور حول مفهوم القانون الجنائي أنه مجرد أداة لخدمة أبناء الطبقات الحاكمة و أنه أداة اضطهاد ضد الفقراء و يقوم بتنفيذ ذلك المؤسسات التابعة له و أن الحل الوحيد لمشكلة الجريمة يتمثل في نظام اشتراكي يخلو من الصراع الطبقي و الاضطهاد و الاحتكار.
أما في كتابه "الطبقة و الدولة و الجريمة " فهناك محاولة أكثر نضجا و أقل راديكالية من سابقه ، حيث يرى المجتمع لا يتكون فقط من طبقتين بل هناك طبقات فرعية لكل منهما و يرى أنه مع تزايد أرقام البطالة يصبح دور الدولة أكثر تعقيدا و ليس مجرد استخدام القانون لخدمة الطبقة الغنية.
و لو أن هذا الرأي قد يكون بمثابة رد على من ينتقد رؤيته للجريمة و المجرم و ظروف انتعاش الظاهرة في المجتمع و منه ذهب المؤلف الى تصنيف الجريمة الى نوعين :
1-جرائم السيطرةCrime of domination:و تشمل جرائم الضبط الاجتماعي و جرائم السيطرة الاقتصادية.
2-جرائم الاحتواء و المقاومةCrime Of Accommodation And Resistance:و هي تشمل جرائم الشوارع و الجرائم الشخصية و جرائم المقاومة.
لكن مهم جدا التركيز على السلوك الانساني لفهم شخصية المجرم ، كون المعززات الاجتماعية تدعم و تخدم رغبة الجانح أو المجرم على النحو الذي يلبي حاجة الاجرام فيه ، فالتعريفات الاجتماعية لا تلبي فينا كقانونيين الحاجة و الكفاية من دراسة ظاهرة الجريمة  في المجتمع أو في دول ان ما كنت في مقارنات و مقاربات برسوم و تخطيطات لونية توضح النسب  في الاختلافات ، فمهما تم شرح و تفصيل الظروف الاجتماعية كسبب أو كدافع لارتكاب الجريمة فهذا غير كاف و ربما ليس أولويا مقارنة بجرائم العود و التي تتكرر بصفة مطردة و بين تقاربات زمنية قريبة جدا ، لتحول التركيز لدى الباحثين من الالتفات الى البيئة الاجتماعية الى محاولة فهم ذهنية المجرم ، لأنه هناك أشخاص محرومين و فقراء و لا يرتكبون جرائم و هناك بيئة غنية وافرة المال و الامكانيات و يرتكب صاحبها الجريمة ، و هذا ما سعت اليه نظرية لومبروزو الى التركيز على دراسة الفرد المجرم و أسباب الجريمة و التي  أرجعها الى أسباب بيولوجية وراثية أو صفات نفسية أو بناء اجتماعي.
أما نظرية الوصم و التي حاول من خلالها عالم الجريمة الأمريكي تانيوم أن يوسع من القوة التفسيرية للنظريات المفسرة للجريمة و لكن بشكل  جديد، اذ ركز على العمليات الاجتماعية التي تحدث و ذلك بعد أن يتم الحكم على الشخص بأنه منحرف، و  أطلق على هذه العمليات تسمية "تهويل الشر-The Drametization Of evil، كون الانحراف صراع بين الجماعة و المجتمع بشكل عام ، و هذا مختصر نظرة تانيوم":
"هناك تغير تدريجي من تعريف فعل معين على أنه شر الى تعريف الشخص نفسه على أنه شر ، و بالتالي فان جميع أفعاله تصبح مريبة و مشكوكا فيها، و من وجهة نظر المجتمع فالفرد الذي عادة ما يقوم بأشياء معينة يصبح شخصا سيئا غير مرغوب و من وجهة نظر الشخص سوف يحدث التغير نفسه ،فاليافع المنحرف يصبح شريرا لأنه لا يعتقد بأنه صالح".
لكن بالتمعن في هذه النظرية لا يمكن للعقل المحلل بالمنطق أن يجزم أن كل شخص انحرف انحرافا ظرفيا أو زمانيا لسلوك شرير يحكم عليه أنه شخص شرير ، فقد ترتكب الجريمة منه بسبب عامل نفسي مؤقت و قد يكون لهذا السبب من أحقية في انبثاق صفة الاجرام على الشخص و بالتالي يصبح مجرما في نظر المجتمع و القانون و العدالة ، و قد لا يبدو كذلك لمن لازم هذا الشخص و تفهم ظرف الدافع للجريمة على أنه كان بمثابة دفاع عن نفس مثلا أو تعبير لرغبة تم حرمانه منها قهرا و اضطهادا، فالاضطهاد بحسب وجهة نظري هو ما يوازي و يساوي الشر و ليس سلوك الشخص العادي الظرفي و المنحاز عن أن يكون سويا هو ما حوله الى مجرم ، فيجب التدقيق في العوامل و الأسباب و الظروف ، اذ ليس كل من يرتكب جريمة هو بدافع الاجرام كغريزة انتقامية و عدوانية ، فأحيانا تغدو الجريمة حالة دفاع عن حرمان سبقه ظلم أو استعباد أو قهر و بالتالي ربط الأحداث و العوامل و اسقاطها على شخصية المنحرف تعطينا دلائل و مؤشرات أخرى للجريمة و ليس لظاهرة الاجرام كسلوك منحرف و مخالف للقانون و إلا فكيف يفسر ارتكاب ابن عائلة غني و موفور الصحة و في كامل قواه العقلية لجريمة قتل في حق فتاة قاصر ؟ و كيف يفسر ارتكاب شاب لجريمة سرقة و هو ثري؟ و هل يتوافق الغنى مع جريمة السرقة مثلا؟.
و هنا يمكن استحضار نظرية العالم ركلس الذي وضع مؤلفا عن الجريمة سنة 1940 و في سنة 1950 وضع كتاب مشكلة الجريمة ، حيث أوضح في مؤلفه الأخير عدم التركيز لمسألة السببية بل انتقل الى التركيز حول كيفية تجريم الأفعال الانسانية و كيف تصل الى جهات التحقيق، و منها انبثقت نظرية الاحتواء و نظرية مفهوم الذات، حيث أنه يرى أن الأطفال الذين يتعرضون للاحتواءات الداخلية و الخارجية أقل ميلا نحو الجريمة ،و لو أن التأكيد النسبي لتمام هذه النظرية يبقى تشوبه بعض التساؤلات كون بعض الأطفال تم احتوائهم بصيغة الرعاية الوالدية و لكنهم يرتكبون جرائم في الخفاء بعيدا عن أعين أوليائهم لتبقى النزعة الاجرامية غامضة و معقدة و صعبة الفهم لتنوع السلوكات و طريقة التفكير و طريقة التعاطي مع مشكلات الحياة و حتى مع نجاحاتها ، و بالتالي يصعب فهم المجرم و الجريمة في آن واحد..كما يصعب الحكم أو التأكيد أو الاقرار على النسبة الاجرامية في شخص المعتدي أو المجرم.
و بالتالي يمكن العودة الى التركيز الى  تحقيق الأمن العام بالمنع بدل التعمق في معقدات شخصية المجرم و بالتالي منع الجريمة قبل وقوعها و هو ما يمثل الوجهة الوقائية للعمل الجنائي في فنيات التعامل مع احتمالات الاجرام في مجتمع ما بالنظر الى المعطيات الموجودة و كذا الدلائل المستحدثة بفعل تطور التكنولوجيا الحديثة و تسارع وتيرة الثورة البيولوجية ، و تبقى الوقاية خير من العلاج ، لأن من الوقاية ما يمنع حدوث الشيء أفضل من علاجه و قد تتحقق النتيجة و قد لا تتحقق.
 
 
 
 

 
أضافة تعليق