بقلم: د. فؤاد بن عبده الصوفي*
يقول الله تبارك وتعالى مبيناً لهذه الحقيقة : ﴿والَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدىً وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ﴾ سورة محمد [الآية 17 ]فلما بذلوا الجهد في سبيل الحصول على الهداية منَّ الله عليهم بها ومنحهم إياها .
يقول سيد قطب رحمه الله في ظلاله حول هذه الآية:’’ فالذين اهتدوا بدؤوا هم بالاهتداء ، فكافأهم الله بزيادة الهدى ، وكافأهم بما هو أعمق وأكمل : ﴿وآتاهم تقواهم ﴾ سورة محمد [الآية 17 ] ([2]) ويقول سبحانه في قصة أهل الكهف: ﴿إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدىً﴾ سورة الكهف [الآية :13]ويعلق الشيخ محمد المختار الشنقيطي رحمه الله على هذه الآية فيقول :’’ويفهم من هذه الآية الكريمة: أن من آمن بربه وأطاعه زاده ربُّه هدى. لأن الطاعة سبب للمزيد من الهدى والإيمان’’([3]).
بيْد أن قلة الوعي وضعف التوعية وندرة التدقيق في الأعمال القلبية جعلت فئاماً من الناس يفهمون ظاهراً من أمر الهداية دون التدقيق في متعلقاتها ودون توجِّهٍ للحرص عليها وصار الإنسان لمجرد محافظته على بعض الطاعات البسيطة ظن بذلك أنه قد نال المقام ووصل إلى المرام ، لذلك ترى أعماله التعبدية لا تزيد قيد شعرة عن كونها أعمال ظاهرة غائبة المعنى فاقدة الروح وبالتالي معدومة الأثر .
هذا الإحساس ينتج عنه ضعف في حرص المسلم على الاهتداء والازدياد من الطاعات ، لظنه أن الله قد منَّ عليه بالهداية والتوفيق الكاملَين ، وبالتالي فإن هذه المرتبة من الهداية التي وصل إليه تصيبها الشيخوخة فتبلى وتخلَق وتضعف قواها من فترة لأخرى كما جاء في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(إن الإيمان ليخلق في جوف أحدكم كما يخلق الثوب فاسألوا الله تعالى أن يجدد الإيمان في قلوبكم )([3])ولم يبق معه سوى الشكل والعياذ بالله .
فالمجاهدة على القيام بالطاعات والإكثار منها والمحافظة على روحها ورونقها هو الطريق المتين والسلوك المعين للارتقاء إلى سبيل المهتدين، والحصول على منْحة الهداية من رب العالمين.
لاسيما في هذا الزمن الذي باتت عبادة العاملين فيه ضربا من العادة ، في ظل غياب التكافؤ بين المطلوب من العمق الإيماني والإعداد التربوي وبين الأمواج المتلاطمة من الفتن...
هذا والحمد لله رب العالمين وهو حسبنا ونعم الوكيل وللحديث بقية إن شاء الله تعالى
------------------
([1]) إحياء علوم الدين بتصرف [ج 1 / ص 99]
([2]) في ظلال القرآن – [6 / 448]
([3]) أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن بتصرف يسير[3/213]
([4]) رواه الحاكم والطبراني في ’’ الكبير ’’ وصححه الألباني في صحيح الجامع [حديث رقم :1590]
*المدير العام