مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2016/06/10 17:32
إشراقة قرآنية "وما ظلمناهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون... "
في جو أخوي فريد، كانت هناك زيارات عديدة، بين الأهل و الأقارب، و الالتقاء مع صديقات الطفولة ..تكون بالطبع هناك جلسات رائعة، و مناقشات أروع، في الكثير من الأمور التي تشغل المرأة و البيت و الأولاد، و كذلك في خضم هذه الحياة و تلاطم أمواجها في هذه السنة، التي مرت فيها أحداث على الأمة الإسلامية و العربية التي عصفت بها عصفا، و التي توالت عليها من كل حدب و صوب...و طبعا أثارت آراء مختلفة، و وجهات نظر تتباين أحيانا و تتقارب أحيانا أخرى... و قد تبدو لنا هذه الأحداث أنها تجري صدفة و اتفاقا و ما هي كذلك، بل هي تحدث وفقا لسنن كونية أحكمها الله، و من مقتضى تلك السنن أن لكل مُسبَبٍ سبب، و لكل معلول علة، سواء تعلق ذلك بالطبيعة الجامدة، أم الحياة الاجتماعية، فالرخاء الاقتصادي له أسبابه و دواعيه، كما تكون للتخلف الاقتصادي علله و مبرراته، و لو رجعنا إلى القرآن لوجدناه في كثير من سوره يدعونا للتأمل في الحضارات التي سادت ثم بادت، لنتعرف على الأسباب التي جعلتها تسود، و تلك التي جعلتها تضعف و تنهار، و ليؤكد لنا أن العنصر الإنساني يلعب دورا أساسيا في هذا و ذاك، و لا أحد يستطيع أن ينكر أن ما يلحق المجتمعات من نكسات في هذا المجال أو ذاك، إنما هو بفعل الانحراف المرضي الذي يتطرق إلى سلوك أفرادها، فتختل حياتها الاقتصادية و السياسية و الاجتماعية، كما جاء في قوله تعالى : " و إذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا " فكما أن للعالم الفيزيائي قوانينه الصارمة التي تحكم ظواهره، فكذلك هو الحال بالنسبة لعالم الاجتماع الإنساني قوانينه التي تؤثر في نظمه السياسية و الاقتصادية و ما إلى ذلك... فهذه الحروب التي تعصف بالعالم العربي على وجه الخصوص، لا يختلف اثنان أن السبب الرئيس في نشوبها، هو النظم الجبرية التي سيطرت على المنطقة مما جعل سكانها يستجيبون لدعوة الأطراف الخارجية لهم للتمرد على حكامهم، وهذا ما نبه إليه القرآن في قوله تعالى في سورة الفجر:" ألم تر كيف فعل ربك بعاد إرم ذات العماد التي لم يخلق مثلها في البلاد وثمود الذين جابوا الصخر بالواد وفرعون ذي الأوتاد الذين طغوا في البلاد فأكثروا فيها الفساد فصب عليهم ربك سوط عذاب إن ربك لبالمرصاد " وهذا النبي صلى الله عليه وسلم يؤكد ذلك فيما روي عنه من أحاديث توقف الدكتور محمد راتب النابلسي عند واحد منها وهو: عنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ بَيْنَا أَنَا رَدِيفُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ إِلَّا آخِرَةُ الرَّحْلِ، فَقَالَ: ((يَا مُعَاذُ بْنَ جَبَلٍ، قُلْتُ: لَبَّيْكَ رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ، ثُمَّ سَارَ سَاعَةً، ثُمَّ قَالَ: يَا مُعَاذُ، قُلْتُ: لَبَّيْكَ رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ، ثُمَّ سَارَ سَاعَةً، ثُمَّ قَالَ: يَا مُعَاذُ، قُلْتُ: لَبَّيْكَ رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ، قَالَ: هَلْ تَدْرِي مَا حَقُّ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ ؟ قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: حَقُّ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ أَنْ يَعْبُدُوهُ، وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، ثُمَّ سَارَ سَاعَةً، ثُمَّ قَالَ: يَا مُعَاذُ بْنَ جَبَلٍ، قُلْتُ: لَبَّيْكَ رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ فَقَالَ: هَلْ تَدْرِي مَا حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ إِذَا فَعَلُوهُ، قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ أَنْ لَا يُعَذِّبَهُمْ)). (متفق عليه) وها هو بعد سرده للحديث عمد إلى شرحه فقال: هذا الكلام كلام النبي عليه الصلاة والسلام، والنبي لا ينطق عن الهوى، وفي بعض الأحاديث التي نقلت عن سيدنا سعد بن أبي وقاص قال: ((ثلاثة أنا فيهن رجل، وفيما سوى ذلك فأنا واحد من الناس، ما صليت صلاة فشغلت نفسي بغيرها حتى أقضيها، ولا سمعت حديثاً من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا علمت أنه حق من الله تعالى، ولا سرت في جنازة فحدثت نفسي بغير ما تقول حتى أنصرف منها )). فالمؤمن حينما يقول النبي شيئاً يفهمه، ويوقن به، ويطبقه، فيسلم، أما الذي يتوهم أن أكل أموال الناس بالباطل يعد ربحاً مغرياً، ويجهل أن الله سيدمره، لأن المال الحرام يذهب، ويذهب بصاحبه، وأن المال الحلال ينفق، ولكن يبقى صاحبه موفور الكرامة... ويضيف قائلا: ((أريد أن أقول: ما من خطأ يصيب الإنسان، أو ما من مشكلة تصيب الإنسان، أو ما من محنة تصيب الإنسان إلا بسبب خطأ في السلوك ناتج عن خطأ في التصور. أحياناً يموت الأب، ويترك أولادا، أحد أولاده قوي، أكبر أولاده، وله سطوة على إخوته، يأخذ الثروة كلها، ويدع لأخوته الفتات، ويظن أنه بحكم قوته وعمره، وسيطرته وهيمنته، هذا من حقه، ولم يدخل الله في حساباته النتيجة. والله سمعت قصصاً كثيرة ؛ أن هذه الثروة التي اغتصبها من إخوته، وتمتع بها تذهب أدراج الرياح، ويضطر أن يعمل محاسباً عند إخوته الذين حرمهم من هذه الثروة، لو كان طالب علم لا يقدم على هذا العمل، هناك حساب، هناك متابعة، هناك عقاب، هناك تأديب، هناك نتائج للعمل. لذلك اعتقد يقيناً أنه ما من مشكلة تصيب إنساناً إلا بسبب معصية ارتكبها، دقق الآن، وما من معصية ارتكبها إلا بتصور خاطئ، لذلك فلنصحح تصوراتنا حتى تصح أعمالنا حتى نسلم، ونسعد في الدنيا والآخرة. طبعا لو قاس كل فرد ما جاء في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم، وما ذكره العلامة النابلسي في شرحه له، لوجد الإنسان نفسه يجيب عن أسئلة كثيرة متشعبة كانت تجول في رأسه ليعلم من أين بدأ وإلى أين ينتهي ...ولماذا حدث لأمتنا ما حدث، إذ لا يعقل أن تنهال عليها المصائب وتنصب عليها البلايا لغير ما سبب أو علة، فالله سبحانه وتعالى يقول : "وما ظلمناهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون" ...فلنعيد النظر في علاقتنا بالله، ولنعمد إلى إصلاحها حتى تعود الأمور إلى مجاريها وينصلح الحال ويرتاح البال...
أضافة تعليق