أمال
ليتنا نُوهَب القدرة على أن نرى أنفسنا كما يرانا الآخرون، عندئذ نكون قد حررنا أنفسنا من كثير من الزلات و النزوات العشوائية" (روبرت بيرنز) لا خلاف على أن لأستاذ الناجح هو الذي يستحوذ على انتباه طلابه طوال وقت الحصة، فقناعته أنه لا تَعلم بدون انتباه و هناك الكثير من السلوكيات التي تساعد المعلم على جذب انتباه طلابه، و طبعا فإن لكل مرحلة من مراحل الدراسة تقنياتها الخاصة بها. فإذا كان الأستاذ متعلقا بهذه الرسالة السامية، و يؤمن بالقيم الروحية، و يحب الأطفال، فكيف يستطيع أن يدخل إلى قسمه و هو يرسم على محياه تعابير جامدة ليس لها إلا نتيجة واحدة، ألا و هي كره التلميذ لمادته التي يدرسها له، أو هذه الساعة التي يقضيها معه، في مثل ذلك الجو من الكآبة و السآمة. إن كثيرا من الأساتذة و للأسف الشديد لا يفقهون ثقافة التعامل الحسن مع التلميذ، و ذلك لإفتقارهم للخبرة البيداغوجية، التي يمكن بفضلها الوصول بالتلميذ و معلمه إلى أعلى مراتب التقدير و الاحترام، و تبادل الآراء و الأفكار الناجحة، التي تخدم الأستاذ و الطالب في آن واحد. و تأتي بعدها ثقافة الجانب الصحي في المؤسسات التربوية، ينبغي تحسين المتابعة الصحية للتلاميذ في أي ظرف كان، و خاصة الهياكل الاستشفائية و الأطباء في تقديم تسهيلات لهم، مع ضرورة أن يدرس الأستاذ في بداية السنة حالات التلاميذ، و يتواصل مع أوليائهم، و إقتراح الحلول الاستعجالية في حال وقوع التلميذ في أزمة، كما أنه من المستحسن توفير سيارات الإسعاف كاملة التجهيزات خاصة في المدارس البعيدة عن المراكز الاستشفائية، و طبيبا في كل مدرسة على الأقل. و لابد للقطاع التربوي أن يحرص على توفير الوجبات الصحية النظيفة، التي تناسب أعمارهم، دون أن نغفل عن الجانب النفسي و الإنساني، حيث يعاني بعض التلاميذ المرضى من المعاملة السيئة لبعض الأساتذة، التي تضاعف من معاناتهم، حيث أن آلاف التلاميذ يتركون مقاعد الدراسة سنويا، بسبب الأمراض المزمنة، و في نفس الوقت، بسبب غياب العناية النفسية. كلنا نعرف عن طريق الخبرة أن أي اضطراب انفعالي حاد، يترك آثاره على الشخص الذي يقع تحت وطأته، فهو يؤثر فيما يقول، و في الطريقة التي يتحدث بها، فنعرف مثلا أن من الخير لنا أن نتخذ الحيطة في الكلام إذا ما اعترتنا مشاعر الغضب، و أنه حتى لو إتخذنا الحيطة فقد تخوننا ألسنتنا نظرا لما بين الحديث و المشاعر من علاقة وثيقة، و قد نسمَعُ أنفسَنا نتلفظ بما نعرف أننا سوف نندم على التلفظ به، أو قد نسمَع أنفسنا نسترسل في الحديثِ في وقت كان ينبغي لنا فيه أن نلتزم الصمت... فإذا جمعنا كل هذه المعاني و لاعتبارات، و حاولنا أن نضبطها و نحن ، نلقي درسا، أو محاضرة، أو كلمة على مجموعة من التلاميذ، فلا بد أن نركز أولا على طريقة الإلقاء، التي لا بد أن نكون متمكنين منها كأساتذة، هذا في حد ذاته فن، من فنون التربية ، فهناك مهارات متنوعة لقيادة التلميذ و ضبط سلوكه، نستطيع أن نذكر منها: التفاهم و الاتصال الشفهي مع التلميذ باللطف و اللين، فإنه يفتح الكثير من الأبواب و يغلق الكثير من الأبواب، و كذلك وضع قوانين واضحة و مفهومة مناسبة و متوافقة مع قدرة التلميذ و مرحلة نموه، كذلك تشجيعه و التحدث إليه بطريقة محترمة، و بذل النصح له في الاطار الصحيح، و أن يكون انتقادنا له بناء و بطريقة لبقة.. إن هدوء القسم الذي يأتي بفعل القهر و الضغط من قبل الأستاذ، يقود إلى الإضرار الأكيد بالصحة النفسية للتلميذ، و هذا لا يخدم المعلم نفسه و لا تلاميذه، و لا مادته التي يقدمها لهم، فكل شيء يكون مكروها، و غير مرغوب فيه...فبمثل هذه الأمور الإيجابية، يمكن لك أيها الأستاذ الجليل، أن تصير قدوة لتلاميذك، فكم من تلميذ انبهر بأستاذه، و أخذ منه الكثير من القيم الجميلة، و الكثير من العلم المفيد، و بقيت بينهم هذه العلاقة الطيبة إلى أن أصبح الطالب أستاذا...ا و أعلم أخي أن التربية تسبق التعليم وتتقدم عليه، فالوطن بقدر ما هو في حاجة إلى الطبيب الماهر، و المهندس الخبير، و العالِم المبدع، هو أحوج قبل هذا وذاك إلى المربي الفاضل، الذي يلهم بسلوكه القويم و تصرفه السليم أبناءه و بناته ما يحفز فيهم الهِمَم، و يحملهم على التحلي بجميل الخصال، و رفيع القيم، و أذكرك أخي الأستاذ مقالة العالية بنت شريك لولدها مالك حينما وجهته إلى الإمام ربيعة الرأي في المدينة المنورة على ساكنها أفضل الصلاة و أزكى السلام، قائلة له:"سر إلى ربيعة الرأي و خذ عنه أدبه قبل علمه، و كذلك كان و نبغ ذلك الطفل و صار إمام عصره حتى قيل: لا يفتى و مالك في المدينة، و ما كان ذلك ليكون لو لم يكن سلوك أستاذه و شيخه ملهما و حافزا...