د. فؤاد بن عبده محمد الصوفي*
يتوهم البعض أن قيمة أي مجتمع تكمن في مقدار ما يمتلك من ثروة اقتصادية وبما تطاول من بنيان وشيّد من قصور؛ بيد أن الحقيقة ليست كذلك، إنما تنبع من القيم الحضارية التي اكتسبها وبما يمارس من السلوكيات الأخلاقية التي تتجسد بمواقفه العملية.
ومنذ وقت غير بعيد وأمتنا ترفل بالقيم السامية التي ترعرعت في أحضانها الأجيال وارتوت من ينابيعها الوجدان، وكان دأب الآباء والمربين السعي الدؤوب نحو تمكين تلك القيم في نفوس الوِلْدان منذ صِغرهم إلى أن يشبّوا ويتعودوا عليها حتى تصير جزءا أساسيا من قناعاتهم وعاداتهم اليومية، فتشرئب بها أفئدتهم وتسير في دمائهم فتزداد عمقا وتمكينا.
كما أن صفحات التاريخ الإسلامي سجلت لنا نماذج عديدة من أولئك الآباء الذين دأبوا على تمكين القيم في الأبناء بربطهم بينابيع تلك القيم كالمساجد وحلقات القرآن، وإحياء التلاوة في بيوتهم، وإقامة الأذكار في منازلهم, ولم يكتفوا بهذا بل يأتي الأب بالمربي إلى بيته ليربي أبناءه ويهذب سلوكهم ويُمكِّن الأخلاق في نفوسهم.
كانت هذه الصورة المشرقة وقيمنا الحضارية في مأمن حيث يرضعها الأبناء في البيوت ويتلقّونها في المساجد والمحاضن والَمحاضِر ويتلقَّفونها في الأسواق والشوارع، فلا خوف في الأب على ابنه ولا المربي على متربيه فكل العوامل المحيطة مساعدة على تمكين القيم فهي مأمونة من الانحراف مستمرة في الازدياد والتمكين.
بينما تجد قيمَنا في الوقت الحاضر مهددة بالانهيار معرضة للزوال، ففي كل زاوية معاول هدم لتدميرها وسحائب غيمٍ لطمسها وذئاب بشرية تعمل على اقتلاعها، فهي في المدارس والجامعات والمؤسسات التعليمية المعاصرة, مهددة بنزعات الأفكار القومية والاشتراكية والسلالية التي تنخر عبابها في عقول بعض النشطاء من رواد الحركات الطلابية و راكدة في بعض عقول مخلفات عهود الانحطاط من الأكاديميين في تلك المؤسسات.
بل هي كذلك مهددة بالإحلال والإبدال في بيوت الله التي كانت الحاضن الأول للشباب حيث يعمل بعض النشطاء في التسويق للأفكار المتشددة، واختطاف قناعات الشباب الذين قلوبهم معلقة بالمساجد واستغلال ذلك في سلب قيم السلام والمحبة، واستبدالها بقيم الإقصاء و التفسيق والتكفير والتشيُّع الذي يأكل الأخضر واليابس.
ولما فرح الناس بالنهضة الإعلامية والتقدم التكنولوجي والتقني والانفجار الإعلامي إذا بالإعلام يغدو خادما للرذيلة ومعولا هادما للفضيلة؛ وما من مدر إلا وهدد قيمه ودمر أخلاقه، حتى كاد جدار القيم أن ينقض فلم يسلم من شره الأبناء والبنات بل لم يسلم من ذلك الآباء والأمهات.
ومع توسع دائرة الاختلاط والتبرج وكل المهيِّجات؛ قلَّت فاعلية التربية الوقائية وضعفت المناعة وتعوَّد الناس على المظاهر السيئة واعتادوا عليها وألفوا مشاهدتها من خلال شاشات التلفزة التي غزت كل بيوتنا فتأثر سلوك الناس بما يشاهدون.
فقد ذكر بعض الكتاب أن هناك دراسات علمية تشير إلى أن هناك تأثيراً مباشراً وملحوظاً للتلفاز مثلا على سلوك وتفكير مشاهديه، فقد صرح الدكتور براندون سنتروال المتخصص بدراسة مصادر الأمراض أنه لو لم يخترع التلفاز لكان هنالك في أمريكا في هذا العصر انخفاض في الإجرام، بنسبة عشرة آلاف جريمة قتل سنوياً، وسبعين ألف جريمة اغتصاب، وسبعمائة ألف جريمة عنيفة!! وقد توصل الدكتور براندون إلى هذه النتائج إثر دراسة دامت نحواً من ثلاثين سنة، حيث رأى أن التلفزيون دخل أمريكا وكندا سنة 1945م وبعد حوالي ثلاثين سنة من دخوله ارتفعت نسبة القتل في الدولتين بنسبة 93% في أمريكا و92% في كندا!!
كما قام عدد من ضباط الشرطة بدراسة ظواهر الاغتصاب والقتل الفردي والجماعي فوجدوا أن للمواد الإباحية المشاهَدة تأثيراً كبيراً ومباشراً وملحوظاً في جميع هذه الجرائم، حتى أصبحت هذه سمة معروفة وموحدة لدى المكثرين من الاغتصاب أو القتل..[1]
وقد أظهر استطلاع من خلال مجموعة كبيرة ممن يقتنون أجهزة استقبال للقنوات أن: 62% منهم يرى أن القنوات الفضائية تعتمد على المرأة بشكل أساسي وذلك لجذب المشاهدين، وقال 89% منهم أن أكثر ما تقدمه هذه القنوات يتعارض مع قيمنا وعاداتنا، وطالب 95% منهم بفرض رقابة على ما تبثه هذه القنوات لخطره[2] .
فكانت نتيجة ذلك الإدمان التعود على رؤيتها والاستسلام لها والرضى الضمني بها والقناعة بالعجز عن إنكارها وتغييرها فصار الأب يقتنع بالممكن والمربي يغرس من القيم الممكنة والمتربي يحاول أن يطبق الممكن فوهنت قيمنا الحضارية وضعفت شكيمتنا واستكانت نفوسنا فرضينا بالممكن منها , فهل من يقظة لدى المربين والآباء والمعنيّين لإحداث ثورة ثقافية شاملة تعتمد على تعميق قيمنا الحضارية وإعادة سيرها من الممكن إلى التمكين.
*المشرف العام على الموقع
يتوهم البعض أن قيمة أي مجتمع تكمن في مقدار ما يمتلك من ثروة اقتصادية وبما تطاول من بنيان وشيّد من قصور؛ بيد أن الحقيقة ليست كذلك، إنما تنبع من القيم الحضارية التي اكتسبها وبما يمارس من السلوكيات الأخلاقية التي تتجسد بمواقفه العملية.
ومنذ وقت غير بعيد وأمتنا ترفل بالقيم السامية التي ترعرعت في أحضانها الأجيال وارتوت من ينابيعها الوجدان، وكان دأب الآباء والمربين السعي الدؤوب نحو تمكين تلك القيم في نفوس الوِلْدان منذ صِغرهم إلى أن يشبّوا ويتعودوا عليها حتى تصير جزءا أساسيا من قناعاتهم وعاداتهم اليومية، فتشرئب بها أفئدتهم وتسير في دمائهم فتزداد عمقا وتمكينا.
كما أن صفحات التاريخ الإسلامي سجلت لنا نماذج عديدة من أولئك الآباء الذين دأبوا على تمكين القيم في الأبناء بربطهم بينابيع تلك القيم كالمساجد وحلقات القرآن، وإحياء التلاوة في بيوتهم، وإقامة الأذكار في منازلهم, ولم يكتفوا بهذا بل يأتي الأب بالمربي إلى بيته ليربي أبناءه ويهذب سلوكهم ويُمكِّن الأخلاق في نفوسهم.
كانت هذه الصورة المشرقة وقيمنا الحضارية في مأمن حيث يرضعها الأبناء في البيوت ويتلقّونها في المساجد والمحاضن والَمحاضِر ويتلقَّفونها في الأسواق والشوارع، فلا خوف في الأب على ابنه ولا المربي على متربيه فكل العوامل المحيطة مساعدة على تمكين القيم فهي مأمونة من الانحراف مستمرة في الازدياد والتمكين.
بينما تجد قيمَنا في الوقت الحاضر مهددة بالانهيار معرضة للزوال، ففي كل زاوية معاول هدم لتدميرها وسحائب غيمٍ لطمسها وذئاب بشرية تعمل على اقتلاعها، فهي في المدارس والجامعات والمؤسسات التعليمية المعاصرة, مهددة بنزعات الأفكار القومية والاشتراكية والسلالية التي تنخر عبابها في عقول بعض النشطاء من رواد الحركات الطلابية و راكدة في بعض عقول مخلفات عهود الانحطاط من الأكاديميين في تلك المؤسسات.
بل هي كذلك مهددة بالإحلال والإبدال في بيوت الله التي كانت الحاضن الأول للشباب حيث يعمل بعض النشطاء في التسويق للأفكار المتشددة، واختطاف قناعات الشباب الذين قلوبهم معلقة بالمساجد واستغلال ذلك في سلب قيم السلام والمحبة، واستبدالها بقيم الإقصاء و التفسيق والتكفير والتشيُّع الذي يأكل الأخضر واليابس.
ولما فرح الناس بالنهضة الإعلامية والتقدم التكنولوجي والتقني والانفجار الإعلامي إذا بالإعلام يغدو خادما للرذيلة ومعولا هادما للفضيلة؛ وما من مدر إلا وهدد قيمه ودمر أخلاقه، حتى كاد جدار القيم أن ينقض فلم يسلم من شره الأبناء والبنات بل لم يسلم من ذلك الآباء والأمهات.
ومع توسع دائرة الاختلاط والتبرج وكل المهيِّجات؛ قلَّت فاعلية التربية الوقائية وضعفت المناعة وتعوَّد الناس على المظاهر السيئة واعتادوا عليها وألفوا مشاهدتها من خلال شاشات التلفزة التي غزت كل بيوتنا فتأثر سلوك الناس بما يشاهدون.
فقد ذكر بعض الكتاب أن هناك دراسات علمية تشير إلى أن هناك تأثيراً مباشراً وملحوظاً للتلفاز مثلا على سلوك وتفكير مشاهديه، فقد صرح الدكتور براندون سنتروال المتخصص بدراسة مصادر الأمراض أنه لو لم يخترع التلفاز لكان هنالك في أمريكا في هذا العصر انخفاض في الإجرام، بنسبة عشرة آلاف جريمة قتل سنوياً، وسبعين ألف جريمة اغتصاب، وسبعمائة ألف جريمة عنيفة!! وقد توصل الدكتور براندون إلى هذه النتائج إثر دراسة دامت نحواً من ثلاثين سنة، حيث رأى أن التلفزيون دخل أمريكا وكندا سنة 1945م وبعد حوالي ثلاثين سنة من دخوله ارتفعت نسبة القتل في الدولتين بنسبة 93% في أمريكا و92% في كندا!!
كما قام عدد من ضباط الشرطة بدراسة ظواهر الاغتصاب والقتل الفردي والجماعي فوجدوا أن للمواد الإباحية المشاهَدة تأثيراً كبيراً ومباشراً وملحوظاً في جميع هذه الجرائم، حتى أصبحت هذه سمة معروفة وموحدة لدى المكثرين من الاغتصاب أو القتل..[1]
وقد أظهر استطلاع من خلال مجموعة كبيرة ممن يقتنون أجهزة استقبال للقنوات أن: 62% منهم يرى أن القنوات الفضائية تعتمد على المرأة بشكل أساسي وذلك لجذب المشاهدين، وقال 89% منهم أن أكثر ما تقدمه هذه القنوات يتعارض مع قيمنا وعاداتنا، وطالب 95% منهم بفرض رقابة على ما تبثه هذه القنوات لخطره[2] .
فكانت نتيجة ذلك الإدمان التعود على رؤيتها والاستسلام لها والرضى الضمني بها والقناعة بالعجز عن إنكارها وتغييرها فصار الأب يقتنع بالممكن والمربي يغرس من القيم الممكنة والمتربي يحاول أن يطبق الممكن فوهنت قيمنا الحضارية وضعفت شكيمتنا واستكانت نفوسنا فرضينا بالممكن منها , فهل من يقظة لدى المربين والآباء والمعنيّين لإحداث ثورة ثقافية شاملة تعتمد على تعميق قيمنا الحضارية وإعادة سيرها من الممكن إلى التمكين.
*المشرف العام على الموقع