مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2014/08/17 20:10
فكرة «التوافق».. ومصادر الشرعية السياسية للحكم
بقلم: السفير د. عبدالله الأشعل

ظهر مصطلح التوافق المجتمعي والسياسي في مصر بعد الانتخابات الرئاسية مباشرة، وكان معناه أن فوز الرئيس في صناديق الانتخاب بفارق بسيط عن منافسه يؤدي إلى شقاق مجتمعي، على أساس أن «د. مرسي» فاز بأصوات «الإخوان المسلمين» و«السلفيين»، ولكن النسبة العظمى مما حصل عليه جاءت من المعسكر المعادي للنظام السابق، ويضم أطيافاً متعددة من المجتمع، أما منافسه الفريق «أحمد شفيق» فقد فاز بأصوات النظام السابق، وقطاع من الشعب المصري الذي لا يرتاح للتيار الإسلامي وفي مقدمته «الإخوان المسلمون». معنى ذلك؛ أن المجتمع قد انقسم انقساماً صحياً وليس سلبياً وراء رمزين؛ أحدهما يمثل الثورة والنظام الجديد، كما أن الفريق «أحمد شفيق» يمثل النظام السابق بلا جدال، وأنه يفخر بذلك، وأن قانون العزل السياسي كلف مجلس الشعب حياته، كما قضى بعدم دستوريته، وكذلك تمكن من الترشح والفوز بأصوات أكثر من 12 مليوناً من الناخبين الذين قدر عددهم إجمالاً بأكثر قليلاً من 25 مليوناً في مرحلة الإعادة. والحق أن فكرة «التوافق» عبرت عن نفسها بعدة مصطلحات أخرى؛ فهي من ناحية تعني التسامح والمصالحة مع النظام السابق في نطاق المستقبل الجديد لمصر، وهو طابع الثورة المصرية السلمية، ولكن هذه المصالحة اقتصرت أحياناً على التسوية المالية للأموال المنهوبة أو التسوية مع رجال أعمال النظام السابق، ولكنها لم تشمل أبداً التسامح فيما يتعلق بالقصاص، خاصة وأن الرئيس جعل في صدر برنامجه الانتخابي تحقيق العدالة لضحايا الثورة بعد أن تم تبرئة معظم المتهمين بقتل الثوار. وعندما طُرح الدستور للاستفتاء، ظهر مصطلح «التوافق» مرة أخرى قبل إقرار الدستور، وهو مصطلح هذه المرة بالغ الغموض، ولكنه ينصرف في أحد المعاني إلى عدم وضع نصوص تثير خلافاً واختلافاً بين طوائف المجتمع، ويبدو أن «الجمعية التأسيسية» قد حاولت تحقيق هذا التوافق، ولكن الصراع السياسي هو الذي أعاد الشقاق الحاد بين الشعب المصري حول الاستفتاء على الدستور.. وعندما تم إقرار الدستور بأغلبية 64%، رغم كل المحاولات اليائسة التي بذلت لتعويق الاستفتاء وإفشاله وتشويه الدستور وتبغيض الشعب المصري فيه بمختلف السبل، والزعم بما ليس فيه أو يؤدي إليه، ظهر مرة أخرى مصطلح «التوافق»، وألح المعارضون على ضرورة إسقاط الدستور رغم تصويت الشعب عليه، وهذا من الناحية القانونية يعتبر جريمة، ولكنه من الناحية السياسية وفي ظروف مصر السياسية يعتبر أمراً مفهوماً، على أساس أن مصر لم تعرف الديمقراطية من قبل، وأن هناك خلطاً واضحاً بين الشرعية والشعبية؛ أي تحريك الشعب ضد الشرعية التي رسمها الشعب نفسه، أو بعبارة أدق التمرد على نتائج صندوق الانتخاب، أو بعبارة أوضح تحريك الشارع لإلغاء نتائج الانتخابات مادامت هذه النتائج تمليها عوامل لا تتاح للتيار المعارض. وجوهر المشكلة - كما نذكر دائماً - هو عجز هذا التيار عن فهم التيار الإسلامي، واستيعاب التطور الهائل الذي وقع في مصر بعد الثورة في تركيب المجتمع المصري، وعلاج هذه الحالة لا يمكن أن يتم بالتوافق أي التراضي على قسمة معينة وإنما عن طريق ضبط العلاقة بأولويات وطنية بين الطرفين. ولعلنا نذكر أن للشرعية مصادر متعددة؛ منها الشرعية الدستورية، والشرعية الانتخابية، وشرعية الكفاءة في إدارة البلاد، وشرعية عدد أوراق القوة السياسية، وهناك أخيراً شرعية رضا الشعب عن النظام من الناحية السياسية وليس من الناحية الانتخابية، وهذا يتوقف على سياسات النظام أكثر من توقفه على نوعية النظام وطبيعته؛ ولذلك فإن النظام الحالي في مصر بحاجة إلى تماسك المجتمع والالتفاف حول مشروعات قومية، وتهيئة البيئة الصالحة للتنافس الديمقراطي.. فللمعارضة وظائف أساسية، ليس من بينها كراهية النظام أو حبه، وإنما إقناع الشعب بالطرق المشروعة بأحقية المعارضة بالحكم، وليس عن طريق الإثارة السياسية والتهييج الجماهيري. نخلص مما تقدم إلى أن «التوافق» أهم أدوات الشرعية السياسية، ولكن تطبيق أحكام الدستور هو أداة الشرعية الدستورية، والفارق بينهما هو الفارق بين الرضا السياسي بالنظام وبين نتائج انتخابات الصندوق.
*المجتمع
أضافة تعليق