مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2014/08/17 20:10
الإسلاميون في السُّلطة
د. عبدالله الأشعل
الظاهرة التي أتاحتها ثورات «الربيع العربي» في مصر وليبيا وتونس هي صعود الإسلاميين، ويقصد بهم الجماعات التي يسميها الغرب «الإسلام السياسي»؛ أي الذين استخدموا الإسلام أداة لمعارضة النظم المستبدة، وإن هذه الثورات التي ساهمت فيها الجماعات الإسلامية كجزء من معارضة الشعوب للنظم المستبدة الفاسدة اقتلعت الحكام، كما اقتلعت الخوف منهم في نفوس الشعوب بعد أن أصبح الموت أيسر من الحياة. وقد أثبتت الثورات العربية نجاعتها في اقتلاع النظم المستبدة بديلاً عن طريقتين سابقتين، هما العنف الذي صنف على أنه إرهاب ضد السلطة وانتهاك للقانون الذي وضعته السلطة، والطريقة الثانية هي أن يقوم العمال باقتلاع أرباب الأعمال على الطريقة الماركسية.. وقد ثبت عقم الطريقتين لسبب بسيط هو أن الاقتلاع الأيديولوجى سواء الماركسي أو الإسلامي بطريق العنف لا تشاطره الشعوب التي تفضل طرقاً سلمية لاقتلاع النظم دون أن تتحول حياتها بعد ذلك إلى تضييق ديني أو سطوة شيوعية ثبت فشلها في نظم الحكم الشيوعية خلال الحرب الباردة. وقد قاوم الغرب طويلاً وجود الإسلاميين في السلطة، وساهم بشكل وافر في تشويه صورة الإسلام والمسلمين، واتخذ من تفجيرات سبتمبر 2001م ذريعة للحملة على العالم الإسلامي والتضييق على الجاليات الإسلامية في الغرب. من ناحية أخرى، كان الغرب يستخدم الجماعات الإسلامية للضغط على الحكومات العربية حتى تزداد استجابة لمطالبه، بل إن الغرب استعان ببعض الحكومات العربية المتخصصة في فنون التعذيب لانتزاع الاعترافات المطلوبة في السجون السرية العربية، كما حدث في مصر والمغرب والأردن وغيرها.. وهكذا ظل الإسلام والمسلمون في نظر الحكومات العربية بشكل عام شبحاً يهدد سلطانهم، فنالوا أكبر قدر من المطاردة، وكانت جماعة الإخوان المسلمين في مصر هي النموذج في هذا الباب. ولعلنا لاحظنا أن «مبارك» في لحظاته الأخيرة في السلطة كان يردد أن البديل له هو الفوضى أو التيار الإسلامي، فكان هذا القول يدفع الغرب إلى التمسك به حتى لا يواجه البديل المر، ولكن الثورة أجبرت الغرب على التدرب لتغيير نفسه، وألا يصر على منع التغيير في المعسكر الإسلامي، وتحتفظ الذاكرة الغربية بانقلاب العسكريين على الإسلاميين في الجزائر منذ 20 عاماً؛ حتى لا يواجه بنظام حكم إسلامي ليس مستعداً له، كما أن الغرب الذي يتشدق بالديمقراطية لم يطق «حماس» التي وصلت إلى السلطة بنفس طريق الديمقراطية الغربية وهي الانتخابات.. فهل الغرب أصبح مستعداً لما تسفر عنه الانتخابات في مصر وتونس وليبيا وغيرها مع وضوح غلبة التيار الإسلامي، أم أن الغرب يعدُّ لنموذج جديد يؤدي إلى تطويع النموذج الإسلامي وفقاً للمعطيات الغربية، وأن يكون قبول هذا النموذج جزءاً من التغير والتحول الذي قَبِل به الغرب في التعامل مع العالم الإسلامي؟ وهل يكون الخضوع للمشروع الصهيوني جزءاً من هذا النموذج الإسلامي العربي المقترح، أم أن الغرب سوف يتخذ موقفاً منطقياً لا يحرج الإسلاميين وفي نفس الوقت تتقبله «إسرائيل»؟ المشكلة عند الغرب ليست في تطبيق الشريعة الإسلامية، وليست في كون الحكم في الدول العربية، ولكن المشكلة هي موقف هذه النظم من «إسرائيل»؛ لأن النظم الإسلامية سوف تطالب بحقوق الشعب الفلسطيني، وبالتصدي لـ«إسرائيل» ونزعاتها العدوانية والتوسعية، وتخشى «إسرائيل» أن تنادي هذه النظم بالجهاد من أجل فلسطين بالملايين؛ مما لا ينفع معه سلاح ذري أو غيره. يبدو أن الغرب لن يفلح هذه المرة في فرض النظم التي يريدها على شعوب ثائرة، كما يجب على النظم الإسلامية أن تحترم هويتها وألا تصل مرونتها إلى حد الخروج من ذاتها؛ لأن الشعوب سوف تختار هذه القوى الإسلامية بناء على فكرها المستنير، وعلى ضمان استقلال بلادها وتحقيق العدالة فيها، وتلك هي المعضلة التي يواجهها الغرب. ولعلنا نلاحظ أن التيارات الإسلامية السياسية ليست على درجة واحدة من الوعي السياسي؛ لأن البيئة الاجتماعية والسياسية في كل بلد تحدد مستوى هذا الوعي.. ففي مصر على سبيل المثال، فإن «جماعة الإخوان المسلمين» هي أقدم الجماعات الإسلامية التي انخرطت في فترات مختلفة في تجارب سياسية ومواقف مع السلطة وضدها، انتهت إلى حالة المطاردة السياسية والاقتصادية للجماعة بالطريقة التي يعرفها الجميع، وقد أدى زوال نظام «مبارك» من السلطة - رغم بقاء ظلاله في مفاصلها - إلى تفعيل الجماعة لجناحها السياسي على أن يظل جزءاً من الجسد يمارس السياسة من منطلق الدعوة، أو هو معمل اختبار للسياسة في ضوء الدعوة، وهذه تجربة جديدة سوف تكشف الأيام عن مدى جدواها، كما أن الجماعة حاولت أن تظهر قدراً عالياً من المرونة في بيئة متحركة بسرعة، فاستبدلت شعار «الإسلام هو الحل» إلى شعار «نحمل الخير لمصر»، وهو شعار تلتقي فيه مع كل التيارات السياسية. أما حركة «النهضة» التونسية، فإن حالة القهر الدائمة والتشتيت والمطاردة قد انتهت بزوال «بن علي»، ولكن قُرْب تونس من الثقافة الغربية وجمعها بين التراثين العربي الإسلامي والفرنسي أدى إلى الميل نحو الاعتزاز بالإسلام كهوية مع التمسك بالحرية كنمط حياة، لدرجة أن حزب «النهضة» وصف خطه بعد انتخابات المجلس التأسيسي للدستور والتي فاز فيها بما يقارب نصف الأصوات بأنه أقرب إلى العلمانية، وهو مصطلح يؤشر إلى مفهوم محدد للعلمانية، ربما يقترب من مفهوم حزب «العدالة والتنمية» في تركيا، وهو المصطلح الذي أحدث أزمة بين «أردوغان» خلال زيارته الأخيرة لمصر والإخوان المسلمين. ولذلك فإن المفاهيم يجب أن تفهم في سياقاتها، وإذا خرجت عنها فقدت معناها وتعرضت للتحريف.. وفي كل الأحوال، فإنه يمكن القول: إن تقدُّم التيارات الإسلامية في الحياة السياسية العربية يحتاج إلى بعض الوقت للتعرف على صيغ الحكم التي تتصورها هذه التيارات لحكم بلاد إسلامية أطاحت فيها النظم المستبدة بمقومات الحياة الإسلامية .
*المجتمع
أضافة تعليق