د.فؤاد بن عبده محمد الصوفي*
تاريخ الإضافة: 4/1/2013 ميلادي - 20/2/1434 هجري
مِن طبيعة النفس البشرية السليمة التعلقُ بمَن أسدى إليها بعض الإحسان، ولو كان عرَضًا قليلاً وشيئاً يسيرًا؛ فقد جُبلت القلوب على حبِّ مَن أحسن إليها.
ولو تذكَّر المؤمن قدرَ مِنَح الله - تعالى - له، وعطاياه الجسيمة، ونعمه السابغة، لاستحيا منه، وتوقَّف عن اقتراف الإثم وارتكاب الجُرْم، ولتَعلَّقَ قلبُه به - سبحانه - ولأحَبَّه ووَلع بالأنس به، وبالتقرُّب إليه، ولَحَرَص على رضاه، ولتلذَّذَ بالإذعان له، ولرضخ على عتبة بابه وانحنى في محاريبه.
وحين يَتناسى القلب جزيل نعم الله - تعالى - تَكسل الجوارحُ عن طاعته، ويَنصرف القلب إلى وجهة غير وجهتِه، ويتعلَّق القلب بالعباد، ويَنصرف عن ربِّ العباد؛ فيُصبِح يَقيس الأمور بمقاييسَ بشريةٍ مادية، مؤمنًا بالظواهر والمظاهِر، مُنصرفًا عن الأسرار والبواطِن.
ولذلك؛ فقد عُني السالكون كثيرًا بالتذكير بنِعَم الله - تعالى - التي أخبَر - سبحانه - عن عجز البشر عن حصرها؛ فقد قال - عزَّ مِن قائل -: ﴿ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [النحل: 18].
فحصْرُها بعيد المرام، وكيف يَحصرُها العبدُ وهو لا يَعلم كثيرًا منها؟ يقول - سبحانه وتعالى - مُذكِّرًا عباده بنعمه:﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ * وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ * وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ ﴾ [إبراهيم: 32 - 34].
ويقول سبحانه: ﴿ أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ ﴾ [لقمان: 20].
فكل هذه الشواهد وغيرها كثير في القرآن الكريم والسنة النبوية - تؤكِّد على القَدر الكبير مِن إنعام الله - تعالى - على عباده.
وهو تذكير للقلوب المؤمنة بأنعُمِ الله؛ لعلَّ ذلك يكون مطيَّةً للعبد للسير في رحاب الله، وفي التعلُّق به، واللهج بذكره، والإنابة إليه.
ثم إن للقلوب المتعلِّقة بالله مِنحًا مِن نوع خاص، فالقلب المتعلِّق بالله يَمتلئ سعادة واطمئنانًا، والقلب المتعلق بالله يُكْسى بالوقار، ويُزيَّن بمحبة الله - تعالى - ومعيته الخاصة، كما قال - عز وجلَّ -: ﴿ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ ﴾ [البقرة: 194]، ﴿ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴾ [البقرة: 153] ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ﴾ [البقرة: 222]، ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [البقرة: 195]، وكثيرٌ من الآيات تُذكِّرنا بحب الله لمَن تعلَّق به - سبحانه - ولاذ بجنابه وبرهنَ على ذلك التعلُّقِ بالسلوك.
وفي الحديث القدسي المشهور:
((ولم يَزل العبد يتقرَّب إليَّ بالنوافل حتى أحبه))، فبتقرُّب العبد إلى الله بالنوافل يُحبُّه الربُّ - سبحانه - فإذا أحب الربُّ العبدَ، تألق العبدُ، وتغيَّر سلوكُه، وتحسَّن حالُه، فيصير كما قال - سبحانه وتعالى - في الحديث القدسي: ((... كنتُ سمْعَه الذي يسمَع به، وبصره الذي يبصر به...))[1]، قال ابن القيم: ’’فإن سَمِع سمعَ بالله، وإن أبصر أبصر به، وإن بطش بطش به، وإن مشى مشى به، وهذا تحقيق قوله - تعالى -: ﴿ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ ﴾ [النحل: 128]’’[2].
وهكذا تتألَّق قلوبنا، وتَسمو نفوسنا، وتعلو أخلاقنا حين يكسوها حبُّ الله - عز وجل - بمحبته، وحين يرعانا برعايته وعنايته، وصدَقَ الله حين قال لنبيِّه موسى - عليه السلام - مبيِّنًا منزلته: ﴿ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي﴾ [طه: 39].
وقال لنبيِّه محمد - صلى الله عليه وسلم -: ﴿ وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ ﴾ [الطور: 48].
فالقلوب عندما تَصدُق في تعلُّقها بالمولى - سبحانه وتعالى - تتألَّق سعادةً وروعة ونورًا وتَنطلِق بالحِكمة، وذلك ثمرة عاجلة مِن ثمار ذلك التعلُّق والتذلُّل والانكسار بين يدَي رب العالمين، فالتألُّق ثمرة من ثمار التعلُّق.
أما القلوب البعيدة عن التعلق بالله تعالى، فإنها تعيش في خِذلان وحرمان؛ لانقطاعها عن الله وتعلُّقها بغيره؛ يقول ابن القيم - رحمة الله عليه -: ’’ومَن لم يكن له تعلُّق بالله العظيم، وكان منقطعًا عن ربه، لم يكن الله وليَّه ولا ناصِرَه ولا وكيلَه’’[3]
اللهم ارزقنا التعلُّق بك، واللهج بذكرك، واجعلنا ممن تشملهم رعايتُك وعنايتك، إنك نعم المولى ونعم النصير، والحمد لله ربِّ العالمين.
*المشرف العام على الموقع
=بالتزامن مع موقع الألوكة
تاريخ الإضافة: 4/1/2013 ميلادي - 20/2/1434 هجري
مِن طبيعة النفس البشرية السليمة التعلقُ بمَن أسدى إليها بعض الإحسان، ولو كان عرَضًا قليلاً وشيئاً يسيرًا؛ فقد جُبلت القلوب على حبِّ مَن أحسن إليها.
ولو تذكَّر المؤمن قدرَ مِنَح الله - تعالى - له، وعطاياه الجسيمة، ونعمه السابغة، لاستحيا منه، وتوقَّف عن اقتراف الإثم وارتكاب الجُرْم، ولتَعلَّقَ قلبُه به - سبحانه - ولأحَبَّه ووَلع بالأنس به، وبالتقرُّب إليه، ولَحَرَص على رضاه، ولتلذَّذَ بالإذعان له، ولرضخ على عتبة بابه وانحنى في محاريبه.
وحين يَتناسى القلب جزيل نعم الله - تعالى - تَكسل الجوارحُ عن طاعته، ويَنصرف القلب إلى وجهة غير وجهتِه، ويتعلَّق القلب بالعباد، ويَنصرف عن ربِّ العباد؛ فيُصبِح يَقيس الأمور بمقاييسَ بشريةٍ مادية، مؤمنًا بالظواهر والمظاهِر، مُنصرفًا عن الأسرار والبواطِن.
ولذلك؛ فقد عُني السالكون كثيرًا بالتذكير بنِعَم الله - تعالى - التي أخبَر - سبحانه - عن عجز البشر عن حصرها؛ فقد قال - عزَّ مِن قائل -: ﴿ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [النحل: 18].
فحصْرُها بعيد المرام، وكيف يَحصرُها العبدُ وهو لا يَعلم كثيرًا منها؟ يقول - سبحانه وتعالى - مُذكِّرًا عباده بنعمه:﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ * وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ * وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ ﴾ [إبراهيم: 32 - 34].
ويقول سبحانه: ﴿ أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ ﴾ [لقمان: 20].
فكل هذه الشواهد وغيرها كثير في القرآن الكريم والسنة النبوية - تؤكِّد على القَدر الكبير مِن إنعام الله - تعالى - على عباده.
وهو تذكير للقلوب المؤمنة بأنعُمِ الله؛ لعلَّ ذلك يكون مطيَّةً للعبد للسير في رحاب الله، وفي التعلُّق به، واللهج بذكره، والإنابة إليه.
ثم إن للقلوب المتعلِّقة بالله مِنحًا مِن نوع خاص، فالقلب المتعلِّق بالله يَمتلئ سعادة واطمئنانًا، والقلب المتعلق بالله يُكْسى بالوقار، ويُزيَّن بمحبة الله - تعالى - ومعيته الخاصة، كما قال - عز وجلَّ -: ﴿ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ ﴾ [البقرة: 194]، ﴿ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴾ [البقرة: 153] ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ﴾ [البقرة: 222]، ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [البقرة: 195]، وكثيرٌ من الآيات تُذكِّرنا بحب الله لمَن تعلَّق به - سبحانه - ولاذ بجنابه وبرهنَ على ذلك التعلُّقِ بالسلوك.
وفي الحديث القدسي المشهور:
((ولم يَزل العبد يتقرَّب إليَّ بالنوافل حتى أحبه))، فبتقرُّب العبد إلى الله بالنوافل يُحبُّه الربُّ - سبحانه - فإذا أحب الربُّ العبدَ، تألق العبدُ، وتغيَّر سلوكُه، وتحسَّن حالُه، فيصير كما قال - سبحانه وتعالى - في الحديث القدسي: ((... كنتُ سمْعَه الذي يسمَع به، وبصره الذي يبصر به...))[1]، قال ابن القيم: ’’فإن سَمِع سمعَ بالله، وإن أبصر أبصر به، وإن بطش بطش به، وإن مشى مشى به، وهذا تحقيق قوله - تعالى -: ﴿ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ ﴾ [النحل: 128]’’[2].
وهكذا تتألَّق قلوبنا، وتَسمو نفوسنا، وتعلو أخلاقنا حين يكسوها حبُّ الله - عز وجل - بمحبته، وحين يرعانا برعايته وعنايته، وصدَقَ الله حين قال لنبيِّه موسى - عليه السلام - مبيِّنًا منزلته: ﴿ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي﴾ [طه: 39].
وقال لنبيِّه محمد - صلى الله عليه وسلم -: ﴿ وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ ﴾ [الطور: 48].
فالقلوب عندما تَصدُق في تعلُّقها بالمولى - سبحانه وتعالى - تتألَّق سعادةً وروعة ونورًا وتَنطلِق بالحِكمة، وذلك ثمرة عاجلة مِن ثمار ذلك التعلُّق والتذلُّل والانكسار بين يدَي رب العالمين، فالتألُّق ثمرة من ثمار التعلُّق.
أما القلوب البعيدة عن التعلق بالله تعالى، فإنها تعيش في خِذلان وحرمان؛ لانقطاعها عن الله وتعلُّقها بغيره؛ يقول ابن القيم - رحمة الله عليه -: ’’ومَن لم يكن له تعلُّق بالله العظيم، وكان منقطعًا عن ربه، لم يكن الله وليَّه ولا ناصِرَه ولا وكيلَه’’[3]
اللهم ارزقنا التعلُّق بك، واللهج بذكرك، واجعلنا ممن تشملهم رعايتُك وعنايتك، إنك نعم المولى ونعم النصير، والحمد لله ربِّ العالمين.
*المشرف العام على الموقع
=بالتزامن مع موقع الألوكة