د. فؤاد الصوفي*
ضعف المعاني الإيمانية وقلة الاهتمام بمولدات الطاقة الروحية و قلة التأثر بالتوجيهات التربوية صارت ثُلما واضحًا في أوساط بعض المنتسبين للعمل الإسلامي والمتربين في أحضان رياضه ؛ والأدهى من ذلك إصابة بعض من امتطى مواقع مرموقة وتبوأ مقاعد قيادية في العمل الإسلامي المعاصر بذلك .
وحينما نعيش عن كثب مع المتربين وطلاب العلم وربما مع بعض المحسوبين على القيادات الدعوية نشعر بضعف الحس التربوي والمعاني الإيمانية التي كنا نلمسها من قبل .وإذا سعينا للبحث عن السر في ذلك لوجدنا أن السبب الرئيس :هو النصيب المتواضع من الأعمال التعبدية وضعف أثر ه مما أضعف المناعة لدى بعض المربين والمتربين وقلل التأثير والتأثر، لا سيما في واقعنا المعاصر .
ولو تأملنا في حال السلف وأحوالهم وكيفية عباداتهم ومقدار حرصهم على إتقان تلك العبادة والإكثار منها ؛لوجدنا ما يبهر العقول ويعجب النفوس ، ولوجدنا كيف كانوا ينعمون بأجواء من الروحانية العالية التي تفرزها تلك الأعمال التعبدية السليمة والكثيرة والتي كانوا يجدون آثارها على سلوكهم ووارداتها على قلوبهم, فكانت تؤثر فيهم وينعكس ذلك التأثير على متربيهم، وذلك لإتقانهم لها ولقلة تعرضهم للمشاهد المحرمة.
أما نحن اليوم فعباداتنا تقل عن عباداتهم كما وكيفا وبالتالي فواردتها قليلة لا ترتقي بنا إلى مستوى الوقاية فقد ظهر الفساد في البر والبحر والجو. ففي البر مشاهد محرمة. وفي البحر والجو كذلك وفي كل وسيلة من وسائل المواصلات، ترى أو تسمع ما يغضب الله عز وجل تفسُّخٌ أخلاقي أو صور سافرة, أو موسيقى صاخبة وكل ذلك له أثر سلبي على رونق العبادة وضعف الشعور بوارداتها.
يقول عبد الله بن عباس رضي الله عنهما" إن للحسنة ضياء في الوجه، ونوراً في القلب ، وسعة في الرزق، وقوة في البدن ومحبة في قلوب الخلق"([1])وهذا الوارد حينما يكون قويا يحقق الوقاية من الوقوع في الزلل ومن التأثر به.
ويقول سعيد حوى رحمه الله :"..ولنعلم أن العمل في الشريعة له وارادته على القلب وأن لكل نوع من العمل وارادته النورانية إلى قلب المسلم وأن هناك أعمالاً بعينها وارادتها في المقام الأعلى مثل التعلق في المساجد وكثرة الذكر والتسبيح وإقامة الصلوات وإيتاء الزكوات والخوف من اليوم الآخر"([2])
وقد كان سيدنا حنظلة رضي الله عنه يشعر بتعكير صفوه وضعف روحانيته بمجرد مفارقته للجو الإيماني في حضرة النبي صلى الله عليه وسلم. ولم يكن يتعرض لمشاهد من المحرمات كالتي نتعرض لها اليوم؛ فقد ورد في الصحيح أنه ذهب إلى النبي صبى الله عليه وسلم فقال: ..نافق حنظلة يا رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وما ذاك)؟ فقال : يا رسول الله، نكون عندك تذكرنا بالنار والجنة كأنها رأى عين، فإذا خرجنا من عندك عافسنا([3]) الأزواج والأولاد والضيعات نسينا كثيرا،([4]) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( والذي نفسي بيده، لو تدومون على ما تكونون عندي، وفي الذكر، لصافحكم الملائكة على فرشكم وفي طرقكم، ولكن يا حنظلة ساعة وساعة) ثلاث مرات ([5].)
ولأن أدائنا للعبادات ليس كما كان السابقون وأن عالمنا اليوم مليء بالمظاهر المحرمة ؛ فإننا بحاجةٍ ماسةٍ للتحديث في الأساليب التربوية الفردية منها والجماعية لنحقق مبدأ العبودية ولتنموا فينا المناعة . وهذا التحديث يكون بمضاعفة الكَم من أعمال البر ، و بالحرص على إجادة وإتقان العبادات من حيث الكيف, كما أن الخطاب التربوي الموجه يستلزم أن يقوم باستنهاض همم المتربين للقيام بالعبادات على وجه أفضل. فالقيام بالفرائض في بيوت الله في جماعة مع المحافظة على نوافل الصلوات ونوافل الصيام ونوافل الذكر وسنن الأحوال بشكل مستمر يؤدي ذلك بدوره إلى رفع المستوى الإيماني في النفوس وبالتالي سيرتفع مؤشر الوقاية عند المربين وعند المتربين.
ثم الحث الدائم على الذكر الكثير سواء المتعلق بأذكار الصلوات أو أذكار الصباح والمساء أو الأذكار المطلقة ؛ فلم يصف الله عز وجل نوعا من العبادات بالكثرة كما وصف الذكر فقد أمر الله بالإكثار منه فقال تعالى:(واذكروا الله ذكرا كثيرا) (الأحزاب/ 41 ) وامتدح عباده الصالحين بالذكر الكثير فقال سبحانه :(والذاكرين الله كثيراً والذاكرات) (الأحزاب /35).
علاوة على ذلك ضرورة الاهتمام بالجانب العلمي وخاصة فيما يتعلق بفقه معرفة الله وفقه القلوب ثم ما يلحق ذلك من العلوم النافعة ويقدم فيها الأقرب أثرًا على سلوك الفرد وممارسته ويضاف إليه قدرٌ كبيرٌ من فهم القرآن الكريم ومن فهم السنة النبوية.
بهذه الوسائل وبالثبات عليها وتوعية الأفراد بممارستها سنحقق –إن شاء الله – قدراً كبيراً من العبودية لله تعالى ،وسنكتسب تربية وقائية تقينا كثيرًا من آثار ما نسمع ونرى ونشاهدـ وستشيد هذه الأعمال في نفوسنا جدارًا يحصننا من ممارستها وحاجزًا مانعا من الوقوع في الزلل والتلوث بوبائه ومن التأثر بها إن شاء الله تعالى.
وفقنا الله جميعا إلى طاعته ووقانا من الزلل وأعاننا على ذكره وشكره وحسن عبادته.
*المشرف العام على موقع الوفاق الإنمائي للبحوث والتدريب
ضعف المعاني الإيمانية وقلة الاهتمام بمولدات الطاقة الروحية و قلة التأثر بالتوجيهات التربوية صارت ثُلما واضحًا في أوساط بعض المنتسبين للعمل الإسلامي والمتربين في أحضان رياضه ؛ والأدهى من ذلك إصابة بعض من امتطى مواقع مرموقة وتبوأ مقاعد قيادية في العمل الإسلامي المعاصر بذلك .
وحينما نعيش عن كثب مع المتربين وطلاب العلم وربما مع بعض المحسوبين على القيادات الدعوية نشعر بضعف الحس التربوي والمعاني الإيمانية التي كنا نلمسها من قبل .وإذا سعينا للبحث عن السر في ذلك لوجدنا أن السبب الرئيس :هو النصيب المتواضع من الأعمال التعبدية وضعف أثر ه مما أضعف المناعة لدى بعض المربين والمتربين وقلل التأثير والتأثر، لا سيما في واقعنا المعاصر .
ولو تأملنا في حال السلف وأحوالهم وكيفية عباداتهم ومقدار حرصهم على إتقان تلك العبادة والإكثار منها ؛لوجدنا ما يبهر العقول ويعجب النفوس ، ولوجدنا كيف كانوا ينعمون بأجواء من الروحانية العالية التي تفرزها تلك الأعمال التعبدية السليمة والكثيرة والتي كانوا يجدون آثارها على سلوكهم ووارداتها على قلوبهم, فكانت تؤثر فيهم وينعكس ذلك التأثير على متربيهم، وذلك لإتقانهم لها ولقلة تعرضهم للمشاهد المحرمة.
أما نحن اليوم فعباداتنا تقل عن عباداتهم كما وكيفا وبالتالي فواردتها قليلة لا ترتقي بنا إلى مستوى الوقاية فقد ظهر الفساد في البر والبحر والجو. ففي البر مشاهد محرمة. وفي البحر والجو كذلك وفي كل وسيلة من وسائل المواصلات، ترى أو تسمع ما يغضب الله عز وجل تفسُّخٌ أخلاقي أو صور سافرة, أو موسيقى صاخبة وكل ذلك له أثر سلبي على رونق العبادة وضعف الشعور بوارداتها.
يقول عبد الله بن عباس رضي الله عنهما" إن للحسنة ضياء في الوجه، ونوراً في القلب ، وسعة في الرزق، وقوة في البدن ومحبة في قلوب الخلق"([1])وهذا الوارد حينما يكون قويا يحقق الوقاية من الوقوع في الزلل ومن التأثر به.
ويقول سعيد حوى رحمه الله :"..ولنعلم أن العمل في الشريعة له وارادته على القلب وأن لكل نوع من العمل وارادته النورانية إلى قلب المسلم وأن هناك أعمالاً بعينها وارادتها في المقام الأعلى مثل التعلق في المساجد وكثرة الذكر والتسبيح وإقامة الصلوات وإيتاء الزكوات والخوف من اليوم الآخر"([2])
وقد كان سيدنا حنظلة رضي الله عنه يشعر بتعكير صفوه وضعف روحانيته بمجرد مفارقته للجو الإيماني في حضرة النبي صلى الله عليه وسلم. ولم يكن يتعرض لمشاهد من المحرمات كالتي نتعرض لها اليوم؛ فقد ورد في الصحيح أنه ذهب إلى النبي صبى الله عليه وسلم فقال: ..نافق حنظلة يا رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وما ذاك)؟ فقال : يا رسول الله، نكون عندك تذكرنا بالنار والجنة كأنها رأى عين، فإذا خرجنا من عندك عافسنا([3]) الأزواج والأولاد والضيعات نسينا كثيرا،([4]) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( والذي نفسي بيده، لو تدومون على ما تكونون عندي، وفي الذكر، لصافحكم الملائكة على فرشكم وفي طرقكم، ولكن يا حنظلة ساعة وساعة) ثلاث مرات ([5].)
ولأن أدائنا للعبادات ليس كما كان السابقون وأن عالمنا اليوم مليء بالمظاهر المحرمة ؛ فإننا بحاجةٍ ماسةٍ للتحديث في الأساليب التربوية الفردية منها والجماعية لنحقق مبدأ العبودية ولتنموا فينا المناعة . وهذا التحديث يكون بمضاعفة الكَم من أعمال البر ، و بالحرص على إجادة وإتقان العبادات من حيث الكيف, كما أن الخطاب التربوي الموجه يستلزم أن يقوم باستنهاض همم المتربين للقيام بالعبادات على وجه أفضل. فالقيام بالفرائض في بيوت الله في جماعة مع المحافظة على نوافل الصلوات ونوافل الصيام ونوافل الذكر وسنن الأحوال بشكل مستمر يؤدي ذلك بدوره إلى رفع المستوى الإيماني في النفوس وبالتالي سيرتفع مؤشر الوقاية عند المربين وعند المتربين.
ثم الحث الدائم على الذكر الكثير سواء المتعلق بأذكار الصلوات أو أذكار الصباح والمساء أو الأذكار المطلقة ؛ فلم يصف الله عز وجل نوعا من العبادات بالكثرة كما وصف الذكر فقد أمر الله بالإكثار منه فقال تعالى:(واذكروا الله ذكرا كثيرا) (الأحزاب/ 41 ) وامتدح عباده الصالحين بالذكر الكثير فقال سبحانه :(والذاكرين الله كثيراً والذاكرات) (الأحزاب /35).
علاوة على ذلك ضرورة الاهتمام بالجانب العلمي وخاصة فيما يتعلق بفقه معرفة الله وفقه القلوب ثم ما يلحق ذلك من العلوم النافعة ويقدم فيها الأقرب أثرًا على سلوك الفرد وممارسته ويضاف إليه قدرٌ كبيرٌ من فهم القرآن الكريم ومن فهم السنة النبوية.
بهذه الوسائل وبالثبات عليها وتوعية الأفراد بممارستها سنحقق –إن شاء الله – قدراً كبيراً من العبودية لله تعالى ،وسنكتسب تربية وقائية تقينا كثيرًا من آثار ما نسمع ونرى ونشاهدـ وستشيد هذه الأعمال في نفوسنا جدارًا يحصننا من ممارستها وحاجزًا مانعا من الوقوع في الزلل والتلوث بوبائه ومن التأثر بها إن شاء الله تعالى.
وفقنا الله جميعا إلى طاعته ووقانا من الزلل وأعاننا على ذكره وشكره وحسن عبادته.
*المشرف العام على موقع الوفاق الإنمائي للبحوث والتدريب
([1]) الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي (ص 74)
([2])تهذيب تربيتنا الروحية بتصرف، سعيد حوى، تهذيب: وليد عبد اللطيف الصيفي (ص:21).
([3])عافس : لاعب الأزواج والأولاد وعالج معايشه واشتغل بهم
([4])الضيعات : المعايش
([5])صحيح مسلم (8 / 94) رقم :2750 .