مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2014/08/17 20:10
ثأر المجتمعات
خالد حسن
23-7-2011
ليس ثمة ما يدفع المجتمعات العربية اليوم للخضوع والخنوع للحكام، تداعت الدوافع وتصدعت الجدر وانكشف الغطاء وتنامى الوعي. فالقمع فقد سطوته والمال فقد إغراءه والشرعية افتُضح زيفها. والمؤكد أن ثقافة المجتمعات تغيرت، والثأر لكرامتها مسألة وقت وشروط، وعقلها مفتوح أكثر من مثقفيها، ولا تنتظر ساعة الصفر من جهة معينة، والتواصل المباشر فيما بينها تخطى الحواجز، ويغريها كثيرا التنعم بالحرية والكرامة بما لا تصمد معه رشوة ولا سطوة ولا قمع ولا حبس ولا منع..
ستثأر باقي المجتمعات العربية لكرامتها المهدورة وحقوقها المغتصبة. القضية أكبر من معارضة تقليدية خاملة، إنها ثأر المجتمعات.
الإلغاء السياسي والتهميش الاجتماعي والإبعاد والاعتقال وأنواع المنع والإهانة بأشكالها وطقوسها، تعزز شروط الانفجار الاجتماعي، وتكسبه حضورا في الوجدان.
إضعاف المجتمع والحجر عليه يزيد النظام انغلاقا وانكماشا وعزلة. لا تأبه مجتمعات اليوم بقصة النخب وصعودها وانحسارها، ولا بالتغيير من فرق أو من تحت، ولا تنتظر فتوى من أحد، أيا كان، وكل التحالفات وشبكات الإسناد التي صنعت خيوطها السلطة لن تصمد أمام ثأر المجتمعات.
مجتمعات اليوم ترفض الرباعية التاريخية الموروثة: أن يصير أحدنا مستعبَدا أو مهمشا أو متجاهَلا أو موؤودا.
وترفض مجتمعات اليوم التنازل عن حقوقها والتضحية بكرامتها وحريتها لصالح أولوية المواجهة مع العدو الصهيوني، حتى صارت ’’حتمية تاريخية’’ من بقايا أزمنة الانحطاط السياسي: لا تتم المواجهة ولا تكسب الدولة المنعة إلا إذا كان الشعب مستعبدا منزوع الحرية والكرامة، ويفترض هذا أن شعبا حرا طليقا حاضرا لا يقاوم ولا ينافح؟
ليس ثمة ما يدفع المجتمعات العربية اليوم للخضوع والخنوع للحكام، تداعت الدوافع وتصدعت الجدر وانكشف الغطاء وتنامى الوعي. فالقمع فقد سطوته والمال فقد إغراءه والشرعية افتُضح زيفها.
ليس ثمة عفوية في هذه الثورات، ولا أؤمن بها، ولكنها السنن والشروط، فكما للنهضة شروط وللتسلط قاعدة وتحالفات يرتكز إليها، فإن للثأر الاجتماعي شروطا وبيئة حاضنة.
فالتظاهر والاعتصامات في الميادين اختيار واعي واتجاه مقاوم وتواصل مباشر (الفاسبوك) أكثر منه سلوك ’’عفوي’’، مع الإقرار بالشرارة التي توافرت لها شروط الانتشار، كما في حالة الثائر التونسي، البوعزيزي.
مشكلة كثير من الباحثين والمراقبين والكتاب، أنهم حبسوا رؤيتهم للمجتمعات على قوالب وتقسيمات ومفاهيم موروثة، أخضعوها للملاحظة والمتابعة، حجبتهم عن رؤية مناطق حية في جسد هذه الأمة، غفلوا عنها أو تجاهلوها، فكان أن صنعت الثورات والانتفاضات في كل من مصر وتونس وليبيا واليمن وسوريا، ومرشحة للثأر لكرامتها في بلدان عربية أخرى، متى توفرت لها الشروط.
صحيح أن هذه الثورات لا تملك تنظيما ولا قائدا فذا ولا رجل الملحمة ولا برنامجا صارما، وهذا سر قوتها وزخمها، وليس مؤشرا على عفويتها، وإنما لأن الانتماء الضيق قيد وحجر وحبس، والانتظار السلبي والخمول وحسابات النخب وجبن المثقفين، باعد المسافة بينهم وبين صناع الثورات.
المؤكد أن ثقافة المجتمعات العربية تغيرت، والثأر لكرامتها مسألة وقت وشروط، وعقلها مفتوح أكثر من مثقفيها، ولا تنتظر ساعة الصفر من جهة معينة، والتواصل المباشر فيما بينها تخطى الحواجز، ويغريها كثيرا التنعم بالحرية والكرامة بما لا تصمد معه رشوة ولا سطوة ولا قمع ولا حبس ولا منع.
نداء الفطرة وحاجتنا للحرية والكرامة لا يضاهيهما أولوية صراع أو أمن واستقرار حاكم أو تنمية مزيفة.
ويصبح المنع والتوقيف والاعتقال أمام قوة المجتمعات وتنامي وعيها وسعة أفقها مما ضاقت به القوالب السياسية والاجتماعية الموروثة، تصرفا عبثيا، يعجل بالثأر ولا يؤخره.
والسؤال اليوم ليس هل تثأر المجتمعات لكرامتها، وإنما متى تثأر؟
*العصر
أضافة تعليق