مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2014/08/17 20:10
دفاعا عن ثوار ليبيا
خالد حسن
23-6-2011
لو تراجع الثوار عن خيارهم في مواجهة القذافي لحصدهم حصدا واقتلعهم من جذورهم، وليس ثمة من ينازعه شهوة الإجرام والانتقام الوحشي، وهذا محل إجماع، وإن هم اكتفوا بتحرير الشرق الليبي، ستطاردهم لعنة التاريخ والأجيال، وسيسجل عليهم أنهم قسموا بلادهم بأيديهم وأنابوا عن الاستعمار في صنعته المفضلة..

ثوار ليبيا مظلومون، فأخطاء الناتو وتباطؤه في الحسم وضعف قدراته وطموحاته التي تجاوزت إمكاناته، يتحمل وزرها الثوار الأحرار.

فهم ثوار الناتو ومرتزقته وأيتامه، وجالبو العار لبلادهم،هكذا بكل قسوة وفظاظة، وعلى مسافة آلاف الأميال يطلق بعض الكتاب والمعلقين العنان لأصواتهم وأقلامهم المكيفة، لقذف هؤلاء الثوار بما ليس فيهم.

ويسرد بعض الغيارى على أوطاننا قائمة من المصالح وحزمة أنابيب النفط وحفروا باطن الأرض وأخرجوا الكنوز والمعادن في ليبيا، ’’اكتشفها’’ الناتو ليقايض بها ’’ثواره’’ بعد الإطاحة بالقذافي. أن يستفيد الشعب الليبي من ثروات بلاده بعقود مع شركات غربية، خير من أن تستنزف وتنهب من حاكم متسلط وتوزع على عائلته ومقربيه.

مع رحيل القذافي وضد تدخل الناتو، ما أعقل هذه الكلمات وما أريحها وما أسهل مخارجها، لكن من احتل باطن الأرض وظاهرها في ليبيا، الناتو أم القذافي؟ وهل هناك رحيل بلا كلفة؟ ومن قصف من البر والبحر والجو؟ وليت هؤلاء الكتاب والمعلقين يدلوننا على خريطة الطريق للتخلص من الاحتلال الداخلي بزعامة القذافي؟

نعم الناتو احتل السماء الليبية وقصف أهدافا أكثرها عسكرية تابعة لكتائب القذافي، بطلب ليس من سياسييه المعارضين فقط، وإنما من أغلبية الليبيين، غير أنه طرف خارجي قصف بطلب من مستضعفين في الداخل، لكن ماذا عمن احتل أرضهم ونهب ثرواتهم أكثر من أربعين سنة؟ والثروات التي يتباكى عليها هؤلاء، هل كانت ملكا للشعب الليبي قبل احتلال الناتو للسماء الليبية؟

هناك احتلال ناهب إجرامي قبل أن يستعين أغلبية الليبيين بطائرات الناتو، على ضعف في أدائه وشك في قدراته، فهل نُصبَر الليبيين، وما عليهم إلا الرضوخ للاحتلال داخلي، الذي أفقر البلاد والعباد، إلى ما لا نهاية، أم نلجأ للجيفة بعد نفاذ مخزون الحياة الحرة الكريمة، اضطرارا لا اختيارا؟

دعنا من المسوغات، هل هؤلاء أحرص من ثوار ليبيا وأحرارها على استقلال بلادهم؟ وهل تقذف الثورة الليبية بشبابها وشيبها وخيرة أبنائها إلى مناطق القتال لدحر المحتل الداخلي، لتمكن للاحتلال الخارجي؟ هل يعقل هذا؟

لو تراجع الثوار عن خيارهم في مواجهة القذافي لحصدهم حصدا واقتلعهم من جذورهم، وليس ثمة من ينازعه شهوة الإجرام والانتقام الوحشي، وهذا محل إجماع، وإن هم اكتفوا بتحرير الشرق الليبي، ستطاردهم لعنة التاريخ والأجيال، وسيسجل عليهم أنهم قسموا بلادهم بأيديهم وأنابوا عن الاستعمار في صنعته المفضلة.

فمن فُرضت عليه الثورة دفاعا عن النفس والعرض والأرض ومواجهة المحتل الداخلي، تحكمه ظروف خاصة لا يقدرها إلا من يكتوي بنارها، ويواجه الآلة الإجرامية الوحشية للقذافي وجيش مرتزقته.

والثوار واجهوا آلة الحرب للقذافي، قبل فرض الحظر الجوي وقصف الناتو، ومستمرون في قتالهم ضد إجرام القذافي، وموقف الناتو لا يغير من حسابات وتقديرات الثوار، وهم رافضون لأي وجود عسكري بري للناتو، وعزموا على اقتحام تعزيزات القذافي في طرابلس، ومصصمون على إتمام ثورتهم، فما قطعوه من مسافات وما حسموه من خيارات، يستحيل معها القبول بأنصاف الحلول أو التوفيقات السياسية المهلكة أو التنازلات العاصفة.

وهم مطالبون بحماية ثورتهم من الاحتلال الخارجي والاختلال الداخلي، وأن تسرق أو تُتخطف من بين أيديهم، أما تفاصيل اللحظة الثورية وما بعدها، فهذا أمر متروك لصناعها وسياسييها ومفكريها، فهم أقدر على صياغة مستقبلهم وتحقيق الاستقلال الثاني، استقلال الإرادة والقرار.
*العصر
أضافة تعليق