مع الله أم مع صنّاع الغفلة
22-7-2010
إننا لا نسخر إلا من أنفسنا حينما نرضى طائعين أن نتبع صنّاع الغفلة وننبهر بما يقدمونه ونتأثر بفكرهم ونظرتهم للحياة!! إننا حينما نعطي العقل إجازة مفتوحة من التفكير، ونرضى بمن يريد أن يختطف منا أجمل ساعات العام ولياليه، نكون ـ وبأيدينا ـ قد أسهمنا في صناعة الغفلة والدفاع عنها. فهل هذا خيار ناجح واختيار جدير بالاعتبار؟!!
بقلم مريم عبدالله النعيمي
إنها دعوة صريحة للغفلة في رمضان تتوالى صورها عاما بعد عام، وتصدم في فكرتها وطبيعتها أفراد المجتمع كلما اقترب الموسم الفضيل والشهر المبارك.
دعانا الله لبذل أقصى الجهد في الشهر الكريم لنعتذر له عن تقصيرنا في حقه، وعن زللنا وغفلتنا طيلة العام، ودعانا القائمون على فضائياتنا أن نتجمهر لنحملق ساعات وساعات في وجوه، شوّهها ’’البوتكس’’ وتكبير الشفاه وكمية المساحيق التي تكفي لتلويث البيئة والإضرار بطبقة الأوزون التي أضر بها سلوك البشر!!
إنها الأطنان من الغفلة ظاهرة وباطنه في اللغة الماكرة التي نشهدها في كل عام، وإلا فما معنى تلك الملابس المبهرجة والوجوه التي كأنها توشك أن تنزل لـ’’السيرك’’ لتضحك الأطفال والعجائز، بل وتلك العبارات والنقاشات الحادة التي تجلجل في أماكن التصوير وأنحائه وزواياه.
مسلسلات يزعمون أنها خليجية، وإذا بها شكلا ومضمونا وروحا تقع خارج التصنيف، وتصنف في مجال البهرجة والزيف والعبث بالأمور، وعلينا نحن أن نصفق وأن نزدرد الكذبة ونبتلعها حسب المقاس المعروض والوصف المشاهد!!
بكل بساطة ودونما حاجة لاختصاصيين في علم النفس، يمكن القول إن أغلب ممثلات الخليج جاوزن حد المنطق والمعقول، ويمارسن ضحكا على الأذقان والعقول وهن يمضغن بعض المفردات التابعة لقاموس أهل الخليج.
إن الأسرة الخليجية في زمانها الأول ويوم أن كان العيش صعبا والحال ضيقا، كانوا في سعة من أخلاقهم وفي صلة مع ذواتهم وقيمهم التي لم يضعفها فقر أو حر أو بيئة قاسية.
والأسرة الخليجية اليوم، رغم التحديات التي تواجهها ما زالت في منأى عن السقوط إلى المستوى الهابط الذي تظهر عليه أغلب نجمات الخليج (الممثلات).
نعم هناك مساحة شاسعة بين الفئتين، ومن المشين والمعيب ومن السخرية بالذات أن نظن أن هذه المسلسلات تعكس ما يدور في البيت الخليجي المعاصر الذي ما زال يقدم للمجتمع صورا مضيئة لشباب ناجح وفتيات يبحثن عن فوز حقيقي لا فوز مزيف ومغشوش.
أذكر أنني تابعت بعد انقضاء الشهر الفضيل مسلسلا خليجيا كتبته ومثلته حياة الفهد، وكان يناقش جحود الأبناء ورغبتهم في نهب مال الأب وهو حي يرزق!!
كانت الصورة الأكثر قبحا للبنت الشابة غير المتزوجة التي كانت مهووسة بالملابس والبهرجة ومتابعة الموضة، وكانت شرسة الطباع حادة السلوك قاسية القلب باردة المشاعر، لا تعرف لأب حقا ولا لأم واجبا!!
لم تكن جرعات المسلسل المتهالك الأداء والمضمون لتقنعني بأن المسلسل يناقش قضية تستحق النظر أو تستوجب إعلان حالة الطوارئ.
لقد أرادت كاتبة المسلسل وبطلته أن تقنعنا بأن ثمة أزمة في الأخلاق والمروءة والفضيلة وقيم الحياء تراكمت في بيت واحد، لكني أسألها هل هذه الصورة لها امتداد حقيقي ووجود في بيوتنا وعوائلنا؟!!
وهل يوجد في بيت واحد إخوة وشقيقة يقدمون من أصناف الجحود واللامبالاة بأبويهم ما يثير الاشمئزاز ويبعث على الرثاء، كما يقدمه هذا العمل الغريب.
وحتى لو قلنا إن الصورة لها ظل في الواقع، فإلى أي حد يجسد هذا الظل واقعا قائما ومنتشرا ومكررا وله حضور في النسيج الاجتماعي الخليجي؟!!
إن الصورة غير الأخلاقية التي عبرت عنها تلك الفتاة الابنة في هذا العمل لا تعكس الوضع الطبيعي والقائم اليوم في أسرنا، وحتى لو كانت هناك سلوكيات شاذة، فهل سيصل الأمر بتلك الفتيات إلى الحد الذي ظهرت فيه الممثلة التي جسدت ذلك الدور؟!!
في الحقيقية إنه المكر السيئ ’’ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله’’. ونشر القبح وتجسيده وتقديمه على أنه نموذج متوفر بكثرة في الحياة هو كذب ومغالطة كبيرة.
وكم من مقالات كتبت، وسطور خطت، وأسماء لها وزنها ناشدت أن تكون الأعمال الخليجية المقدمة في رمضان قريبة من الحياة، وليس بها كل ذلك الافتعال والتصنع والغرابة!!
والسؤال الأكبر: أو في شهر التواصل والوصال وشهر الفضل والزيادة في العبادة وأعمال البر، تتهاوى أعمال صرفت عليها الملايين لتسحب البساط من تحت أقدام المراهقين والكبار وتنقلهم من تفقد رصيدهم مع الله إلى البحث في (الريموت) عن ساعات جديدة يمضيها الصائم مع صناع الغفلة والعابثون بالحقائق المشوهون للصور؟!!
هل هذا هو الخيار المناسب لأيام من العام معدودة تأتي على مهل وتذهب على عجل، وتأتي متروية وتغادر مسرعة، فهل هذه كرامة رمضان وقدره لديكم وهل هذا الموسم العظيم يستحق أن يقابل بكل هذا المكر وكل تلك السخرية؟!!
إننا لا نسخر إلا من أنفسنا حينما نرضى طائعين أن نتبع صنّاع الغفلة وننبهر بما يقدمونه ونتأثر بفكرهم ونظرتهم للحياة!!
إننا حينما نعطي العقل إجازة مفتوحة من التفكير، ونرضى بمن يريد أن يختطف منا أجمل ساعات العام ولياليه، نكون ـ وبأيدينا ـ قد أسهمنا في صناعة الغفلة والدفاع عنها. فهل هذا خيار ناجح واختيار جدير بالاعتبار؟!!
*العصر
22-7-2010
إننا لا نسخر إلا من أنفسنا حينما نرضى طائعين أن نتبع صنّاع الغفلة وننبهر بما يقدمونه ونتأثر بفكرهم ونظرتهم للحياة!! إننا حينما نعطي العقل إجازة مفتوحة من التفكير، ونرضى بمن يريد أن يختطف منا أجمل ساعات العام ولياليه، نكون ـ وبأيدينا ـ قد أسهمنا في صناعة الغفلة والدفاع عنها. فهل هذا خيار ناجح واختيار جدير بالاعتبار؟!!
بقلم مريم عبدالله النعيمي
إنها دعوة صريحة للغفلة في رمضان تتوالى صورها عاما بعد عام، وتصدم في فكرتها وطبيعتها أفراد المجتمع كلما اقترب الموسم الفضيل والشهر المبارك.
دعانا الله لبذل أقصى الجهد في الشهر الكريم لنعتذر له عن تقصيرنا في حقه، وعن زللنا وغفلتنا طيلة العام، ودعانا القائمون على فضائياتنا أن نتجمهر لنحملق ساعات وساعات في وجوه، شوّهها ’’البوتكس’’ وتكبير الشفاه وكمية المساحيق التي تكفي لتلويث البيئة والإضرار بطبقة الأوزون التي أضر بها سلوك البشر!!
إنها الأطنان من الغفلة ظاهرة وباطنه في اللغة الماكرة التي نشهدها في كل عام، وإلا فما معنى تلك الملابس المبهرجة والوجوه التي كأنها توشك أن تنزل لـ’’السيرك’’ لتضحك الأطفال والعجائز، بل وتلك العبارات والنقاشات الحادة التي تجلجل في أماكن التصوير وأنحائه وزواياه.
مسلسلات يزعمون أنها خليجية، وإذا بها شكلا ومضمونا وروحا تقع خارج التصنيف، وتصنف في مجال البهرجة والزيف والعبث بالأمور، وعلينا نحن أن نصفق وأن نزدرد الكذبة ونبتلعها حسب المقاس المعروض والوصف المشاهد!!
بكل بساطة ودونما حاجة لاختصاصيين في علم النفس، يمكن القول إن أغلب ممثلات الخليج جاوزن حد المنطق والمعقول، ويمارسن ضحكا على الأذقان والعقول وهن يمضغن بعض المفردات التابعة لقاموس أهل الخليج.
إن الأسرة الخليجية في زمانها الأول ويوم أن كان العيش صعبا والحال ضيقا، كانوا في سعة من أخلاقهم وفي صلة مع ذواتهم وقيمهم التي لم يضعفها فقر أو حر أو بيئة قاسية.
والأسرة الخليجية اليوم، رغم التحديات التي تواجهها ما زالت في منأى عن السقوط إلى المستوى الهابط الذي تظهر عليه أغلب نجمات الخليج (الممثلات).
نعم هناك مساحة شاسعة بين الفئتين، ومن المشين والمعيب ومن السخرية بالذات أن نظن أن هذه المسلسلات تعكس ما يدور في البيت الخليجي المعاصر الذي ما زال يقدم للمجتمع صورا مضيئة لشباب ناجح وفتيات يبحثن عن فوز حقيقي لا فوز مزيف ومغشوش.
أذكر أنني تابعت بعد انقضاء الشهر الفضيل مسلسلا خليجيا كتبته ومثلته حياة الفهد، وكان يناقش جحود الأبناء ورغبتهم في نهب مال الأب وهو حي يرزق!!
كانت الصورة الأكثر قبحا للبنت الشابة غير المتزوجة التي كانت مهووسة بالملابس والبهرجة ومتابعة الموضة، وكانت شرسة الطباع حادة السلوك قاسية القلب باردة المشاعر، لا تعرف لأب حقا ولا لأم واجبا!!
لم تكن جرعات المسلسل المتهالك الأداء والمضمون لتقنعني بأن المسلسل يناقش قضية تستحق النظر أو تستوجب إعلان حالة الطوارئ.
لقد أرادت كاتبة المسلسل وبطلته أن تقنعنا بأن ثمة أزمة في الأخلاق والمروءة والفضيلة وقيم الحياء تراكمت في بيت واحد، لكني أسألها هل هذه الصورة لها امتداد حقيقي ووجود في بيوتنا وعوائلنا؟!!
وهل يوجد في بيت واحد إخوة وشقيقة يقدمون من أصناف الجحود واللامبالاة بأبويهم ما يثير الاشمئزاز ويبعث على الرثاء، كما يقدمه هذا العمل الغريب.
وحتى لو قلنا إن الصورة لها ظل في الواقع، فإلى أي حد يجسد هذا الظل واقعا قائما ومنتشرا ومكررا وله حضور في النسيج الاجتماعي الخليجي؟!!
إن الصورة غير الأخلاقية التي عبرت عنها تلك الفتاة الابنة في هذا العمل لا تعكس الوضع الطبيعي والقائم اليوم في أسرنا، وحتى لو كانت هناك سلوكيات شاذة، فهل سيصل الأمر بتلك الفتيات إلى الحد الذي ظهرت فيه الممثلة التي جسدت ذلك الدور؟!!
في الحقيقية إنه المكر السيئ ’’ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله’’. ونشر القبح وتجسيده وتقديمه على أنه نموذج متوفر بكثرة في الحياة هو كذب ومغالطة كبيرة.
وكم من مقالات كتبت، وسطور خطت، وأسماء لها وزنها ناشدت أن تكون الأعمال الخليجية المقدمة في رمضان قريبة من الحياة، وليس بها كل ذلك الافتعال والتصنع والغرابة!!
والسؤال الأكبر: أو في شهر التواصل والوصال وشهر الفضل والزيادة في العبادة وأعمال البر، تتهاوى أعمال صرفت عليها الملايين لتسحب البساط من تحت أقدام المراهقين والكبار وتنقلهم من تفقد رصيدهم مع الله إلى البحث في (الريموت) عن ساعات جديدة يمضيها الصائم مع صناع الغفلة والعابثون بالحقائق المشوهون للصور؟!!
هل هذا هو الخيار المناسب لأيام من العام معدودة تأتي على مهل وتذهب على عجل، وتأتي متروية وتغادر مسرعة، فهل هذه كرامة رمضان وقدره لديكم وهل هذا الموسم العظيم يستحق أن يقابل بكل هذا المكر وكل تلك السخرية؟!!
إننا لا نسخر إلا من أنفسنا حينما نرضى طائعين أن نتبع صنّاع الغفلة وننبهر بما يقدمونه ونتأثر بفكرهم ونظرتهم للحياة!!
إننا حينما نعطي العقل إجازة مفتوحة من التفكير، ونرضى بمن يريد أن يختطف منا أجمل ساعات العام ولياليه، نكون ـ وبأيدينا ـ قد أسهمنا في صناعة الغفلة والدفاع عنها. فهل هذا خيار ناجح واختيار جدير بالاعتبار؟!!
*العصر