’عرسنا في الجنة’ رواية لبنانية غسلت ذنوبا كثيرة
من عمق المأساة ومن نيران القنابل الثقيلة التي تسقط في البيوت على سيدة تنشر الغسيل في شقتها، خرج أبطال القصة (أسامة) الشخصية الثرية بغناها بالانفعالات، وتمتعها بكاريزما خاصة منذ الطفولة وحتى لحظة مغادرة ساحة الأحداث. و(عبير) البطلة الثانية في القصة والتي أبدع الكاتب في وصف ثراء شخصيتها وتحديد ملامح تميزها ونضوجها المبكر، في وقت فرضت فيه الحرب غير العادلة على جيل جديد كانت له طموحه وآماله وتطلعاته وكان من حقه أن يتعلم ويعمل ويحيا في أمن وأمان!! (حسام) الشخصية الثالثة التي ظهرت منذ بداية القصة، وتحركت في مسرح الحياة لتصنع أحداثا متباينة
غسلت ذنوبا كثيرة وصححت صورة كان يغشاها الضباب، كما هيأت للقارئ لأن يرتقي بطموحه من جديد في رؤية القلم اللبناني النظيف، وهو يزداد إشراقا في سماء الأدب فيصلح كثيرا من العطب، ويعيد الصورة المتألقة للفكر العربي القادم من لبنان الذي كان وما يزال رائدا للنهضة العربية ومشاركا فاعلا لنجاحها الفكري!!
من جميل صنع الأقدار، أن المهندس الأديب عزام حدبا، شاركنا بتعليق في قائمة الردود في المقال الفائت (رسالة اعتذار...لأدبائنا الكبار)، وقد وجه لنا مشكورا دعوة مفتوحة لقراءة روايته الأنيقة عرسنا في الجنة، تاركا رابط الموضوع لكل من يتحمس لإجابة دعوته.
من جانبي، بدأت في قراءة الرواية المتاحة إلكترونيا دون إبطاء، رغم أنه لم يكن لدي على الإطلاق أية فكرة عن رواية عرسنا في الجنة. قبل تسجيل ملاحظاتي وانطباعاتي حول محتوى القصة، ينبغي شكر الكاتب مرتين، الأولى لأنه بادر وأعلن عن عمله، وهذه دعوة ليشارك كل من لديه عمل جيد بتعريفنا به، خاصة وأن عزاءنا الآن مع الانترنت، أما خارج هذا الفضاء الرحب، فهو الصمت المدوي والعته الكامل عن تمييز طريق أي طريق للدعاية والإعلان لأعمال متميزة وللتعريف بإمكانات هذه الأمة المباركة!
الأمر الثاني، سخاء الكاتب في إدراج الرواية كاملة من المقدمة حتى الخاتمة على شبكة الانترنت، مما يهيئ للجميع فرصة قراءة الرواية، ضاربا مثلا حيا لمن يغار على عمله، ويخشى أن يندثر تحت نيران صديقة اسمها الطبعة الأولى والثانية ولربما الثالثة لسعداء الحظ من الروائيين والكتاب.
لا يخفى أن حظ كثير من رواياتنا الإسلامية المعاصرة في الانتشار، كان قليلا، وكم من رواية ما زالت فتية وما زالت معانيها العميقة تستحق الاهتمام، ضرب عليها سهم الاحتكار فالاندثار بسهامه الطائشة، فصيّرها تحفة قديمة وهي التي كان يجب أن تخرج من متحف الذكريات إلى عالم النشر والتداول مرات ومرات!!
لقد أبت عقول عدد من ناشرينا العرب أن تسير بالنجاح الفكري حتى آخر الشوط، فوضعت له متاريس من صنع الخيال المحض، ليتبدد جهد جميل وعمل كان يستحق البقاء والخلود!!
نعود للرواية الأنيقة (عرسنا في الجنة)، والتي اختير لها زمن خاص ومكان خاص وشخصيات فريدة في ثراها وغناها، امتد بها الزمن منذ الطفولة، وحتى سن النضوج والاندماج في معترك الحياة. كانت تلك الشخصيات شاهدة على زمن مر، وعصر رخص فيه ثمن الإنسان لدى صانعي الحرب العبثية في لبنان لحد، هو البشاعة الكاملة والوحشية التي تجرد فيها الضمير وتقزمت فيها القيم، والتي جرى تحويلها وتشويهها في ذهن صانعي حرب الانتقام ضد أبناء شعبهم وإخوتهم في الدم والأرض والتاريخ المشترك!!
من عمق المأساة ومن نيران القنابل الثقيلة التي تسقط في البيوت على سيدة تنشر الغسيل في شقتها، خرج أبطال القصة (أسامة) الشخصية الثرية بغناها بالانفعالات، وتمتعها بكاريزما خاصة منذ الطفولة وحتى لحظة مغادرة ساحة الأحداث.
و(عبير) البطلة الثانية في القصة والتي أبدع الكاتب في وصف ثراء شخصيتها وتحديد ملامح تميزها ونضوجها المبكر، في وقت فرضت فيه الحرب غير العادلة على جيل جديد كانت له طموحه وآماله وتطلعاته وكان من حقه أن يتعلم ويعمل ويحيا في أمن وأمان!!
(حسام) الشخصية الثالثة التي ظهرت منذ بداية القصة، وتحركت في مسرح الحياة لتصنع أحداثا متباينة، وتفاجئنا في منتصف رحلتها لتحقيق الذات بدورة كاملة، واستعادة للجذور، وكأنه ما من نجاح حقيقي إلا إذا ارتبط بفكر ومنهج وكان له امتداده في الذاكرة والوطن!! شخصيات ثرية ومضيئة، تمكن الأديب عزام ديبا من تقديمها في روايته، لتصنع مع باقي الشخوص والأحداث سيرا متكاملة لفرسان في الزمن الصعب.
إنها ملحمة بطولية امتزجت فيها الدماء بالآمال الكبار وتفاوتت فيها الألوان وتجاذبت فيها المعاني في خضم أحداث، كان فيها البطل (أسامة) يخوض معركته في الثأر لأحبائه، باحثا عن ذاته مفتشا عن صوته الداخلي الذي يصغي إليه مرة ويسكته أخرى، حتى إذا بلغ الانفعال بالقارئ ذروته وازداد حرصه على نجاح البطل في إدراك الحقائق من حوله، جاءنا الرد سريعا، والجواب مطواعا لنجد (أسامة) بطل القصة والشخصية غير التقليدية للصورة المرسومة في ذاكرتنا عن شباب العرب، يعود من جديد أكثر نقاء واقترابا من دينه وهويته وقيمه الحقيقية.
لعب أبطال القصة دورهم بكفاءة في تقديم معان أصيلة بأسلوب هو الغاية في الابتكار والعرض الرصين، فقاسم صديق الطفولة تتطور شخصيته نحو الأفضل في كل موقف ومحنة. كان (قاسم) بطلا حقيقيا وداعية عصريا وأنموذجا أبدع الكاتب في تحليل شخصيته، مقدما برهانا جديدا على وعيه الإسلامي وثقافته كأديب ملتزم يتمتع بعقلية خصبة استمدها من ثقافة شرعية واسعة. الاستشهاد بالآيات القرآنية وتفنيد الحق من الباطل وبيان الظالم من المظلوم في الحرب الأهلية اللبنانية، كان إضافة نوعية لهذه الرواية الإسلامية التي جمعت أداوت النجاح الفريد.
كان بإمكان الأديب عزام أن يكتفي بالعموميات في طرح إشكالية الحرب الأهلية الظالمة، دون أن يخوض في البحث عن الظالم والمظلوم في فتنة سوداء ومحنة عاصفة، تجرع الشعب اللبناني كله ويلاتها حتى بات فيها الحليم حيران!!
لكن كاتب هذه الرواية لم يكن حيرانا على الإطلاق كانت الصورة لديه واضحة وجلية، وهو يتخذ من إمام المسجد (الشيخ مسعود)، ثم من (قاسم) صديق الطفولة المؤمن نموذجين شاهدين على بطلان الأسس التي قامت عليها الحرب اللبنانية وعبثية فكرة زج الشارع اللبناني في لعبة ماكرة يكون فيها الدم البريء أرخص من رغيف الخبز!!
الرواية الغنية بالمعاني الإسلامية الصحيحة المتدفقة في لغة هي السلاسة والرقة في آن معا، تشمخ بالمرأة وتضعها في مكانها اللائق، فالأديب الأستاذ عزام حدبا عرف كيف يقدم فتيات قصته ونساءها بطريقة صحيحة فوجدنا البنت البارة (عبير) والقريبة الرائعة راوية القصة (حنين) والفتاة الذكية (ليلى)، التي قضت الأقدار أن تضعها في محنة عاصفة لم يكن لها ذنب بوقوعها، وأبى قلم الأديب عزام إلا أن ينصفها ويفتح لها نافذة للرجاء والأمل لا تخيب!!
معان عميقة عمق الحياة بتدفقها، وراسخة رسوخ المبادئ في نفوس أصحابها ودافئة دفئ القلوب الباحثة عن حياة كريمة في لجة الأزمة، وفي وقت كادت تطير بها كثير من العقول عطرت صفحات رواية (عرسنا في الجنة).
من الأسئلة الصعبة التي أجابت عليها هذه الرواية الأنيقة، إمكانية نضوج شخصيات تتمتع بفهم وذكاء فطري، وتحترم ثوابت الدين وتلتزم بأوامره ونواهيه تزامنا مع الرصاص الطائش والغدر الكامل واللعب بمصير شعب ومقدرات أمة!!
إن الدعوة إلى الإسلام هي عمل سهل في وقت الرخاء، لكنها تغدو مهمة عسيرة المنال حين تتطاير الجثث في الهواء وتدوي القنابل داخل المسجد، ولذا فعمق الأثر الإيماني الذي تتركه هذه الرواية في نفس قارئها كبير، لذلك أقول لن يكون سهلا تقبل أي ضعف في دور الداعية المسلم بعد أن وجدنا نموذجا (للشيخ مسعود)، وهو يصر على الالتزام ببيت الله والقنابل تدوي فوق رأسه!!
كما لم يعد ممكنا تقبل حياة ترف شباب العرب اليوم، ونحن نرى تسابق حسام وأسامة وقاسم إلى الجنة في الحرب التي شنها اليهود ضد جنوب لبنان!!
قبل الختام أقول: لم أوف هذه الرواية حقها، ولم تستطع عباراتي أن تعرف بهذه الرواية التي تستحق أن تنتشر على مستوى العالم.
رواية عرسنا في الجنة من إنتاج دار أجيال. صدرت نهاية عام 2006م، عدد صفحات الرواية 211 صفحة من القطع المتوسط وهي متاحة في نسختها الالكترونية على رابط http://www.hayran.info/articles.php?catid=99&id=362
كلمة أخيرة أقولها للكاتب: لقد أتعبت من سيجيء بعدك من كتاب الرواية الإسلاميين، لأنهم بعد صدور هذه الرواية، لم يعودوا فقط مطالبين بامتلاك أدوات الكتابة الروائية من جوانبها الفنية والموضوعية فحسب، بل صار مطلوبا منهم امتلاك ثقافة شرعية وفهم واسع لمقاصد الشريعة الإسلامية على النحو الذي توفر لروايتك التي تستحق الخلود!!
إن أحد أهم أسرار قوة تأثير هذه الرواية، نضوج الفكر الديني والفهم الإسلامي الصحيح لكثير من القضايا التي عرض لها الكاتب بطريقة فريدة، فقدم حلولا من الشريعة الإسلامية للمشكلات التي تعرض لها الأبطال، ما أضفى على هذا العمل بعدا علميا يثري القارئ ويزيده شرحا وإيضاحا لموقف الإسلام من القضايا التي أثارتها الرواية.
هذا بالإضافة لما تتمتع به من أدوات الجذب وامتلاك ناصية الكتابة الروائية في قالب لا يمل. هذه دعوة لرحلة موفقة مع أسامة وعبير وسائر شخصيات رواية عرسنا في الجنة.
*العصر
من عمق المأساة ومن نيران القنابل الثقيلة التي تسقط في البيوت على سيدة تنشر الغسيل في شقتها، خرج أبطال القصة (أسامة) الشخصية الثرية بغناها بالانفعالات، وتمتعها بكاريزما خاصة منذ الطفولة وحتى لحظة مغادرة ساحة الأحداث. و(عبير) البطلة الثانية في القصة والتي أبدع الكاتب في وصف ثراء شخصيتها وتحديد ملامح تميزها ونضوجها المبكر، في وقت فرضت فيه الحرب غير العادلة على جيل جديد كانت له طموحه وآماله وتطلعاته وكان من حقه أن يتعلم ويعمل ويحيا في أمن وأمان!! (حسام) الشخصية الثالثة التي ظهرت منذ بداية القصة، وتحركت في مسرح الحياة لتصنع أحداثا متباينة
غسلت ذنوبا كثيرة وصححت صورة كان يغشاها الضباب، كما هيأت للقارئ لأن يرتقي بطموحه من جديد في رؤية القلم اللبناني النظيف، وهو يزداد إشراقا في سماء الأدب فيصلح كثيرا من العطب، ويعيد الصورة المتألقة للفكر العربي القادم من لبنان الذي كان وما يزال رائدا للنهضة العربية ومشاركا فاعلا لنجاحها الفكري!!
من جميل صنع الأقدار، أن المهندس الأديب عزام حدبا، شاركنا بتعليق في قائمة الردود في المقال الفائت (رسالة اعتذار...لأدبائنا الكبار)، وقد وجه لنا مشكورا دعوة مفتوحة لقراءة روايته الأنيقة عرسنا في الجنة، تاركا رابط الموضوع لكل من يتحمس لإجابة دعوته.
من جانبي، بدأت في قراءة الرواية المتاحة إلكترونيا دون إبطاء، رغم أنه لم يكن لدي على الإطلاق أية فكرة عن رواية عرسنا في الجنة. قبل تسجيل ملاحظاتي وانطباعاتي حول محتوى القصة، ينبغي شكر الكاتب مرتين، الأولى لأنه بادر وأعلن عن عمله، وهذه دعوة ليشارك كل من لديه عمل جيد بتعريفنا به، خاصة وأن عزاءنا الآن مع الانترنت، أما خارج هذا الفضاء الرحب، فهو الصمت المدوي والعته الكامل عن تمييز طريق أي طريق للدعاية والإعلان لأعمال متميزة وللتعريف بإمكانات هذه الأمة المباركة!
الأمر الثاني، سخاء الكاتب في إدراج الرواية كاملة من المقدمة حتى الخاتمة على شبكة الانترنت، مما يهيئ للجميع فرصة قراءة الرواية، ضاربا مثلا حيا لمن يغار على عمله، ويخشى أن يندثر تحت نيران صديقة اسمها الطبعة الأولى والثانية ولربما الثالثة لسعداء الحظ من الروائيين والكتاب.
لا يخفى أن حظ كثير من رواياتنا الإسلامية المعاصرة في الانتشار، كان قليلا، وكم من رواية ما زالت فتية وما زالت معانيها العميقة تستحق الاهتمام، ضرب عليها سهم الاحتكار فالاندثار بسهامه الطائشة، فصيّرها تحفة قديمة وهي التي كان يجب أن تخرج من متحف الذكريات إلى عالم النشر والتداول مرات ومرات!!
لقد أبت عقول عدد من ناشرينا العرب أن تسير بالنجاح الفكري حتى آخر الشوط، فوضعت له متاريس من صنع الخيال المحض، ليتبدد جهد جميل وعمل كان يستحق البقاء والخلود!!
نعود للرواية الأنيقة (عرسنا في الجنة)، والتي اختير لها زمن خاص ومكان خاص وشخصيات فريدة في ثراها وغناها، امتد بها الزمن منذ الطفولة، وحتى سن النضوج والاندماج في معترك الحياة. كانت تلك الشخصيات شاهدة على زمن مر، وعصر رخص فيه ثمن الإنسان لدى صانعي الحرب العبثية في لبنان لحد، هو البشاعة الكاملة والوحشية التي تجرد فيها الضمير وتقزمت فيها القيم، والتي جرى تحويلها وتشويهها في ذهن صانعي حرب الانتقام ضد أبناء شعبهم وإخوتهم في الدم والأرض والتاريخ المشترك!!
من عمق المأساة ومن نيران القنابل الثقيلة التي تسقط في البيوت على سيدة تنشر الغسيل في شقتها، خرج أبطال القصة (أسامة) الشخصية الثرية بغناها بالانفعالات، وتمتعها بكاريزما خاصة منذ الطفولة وحتى لحظة مغادرة ساحة الأحداث.
و(عبير) البطلة الثانية في القصة والتي أبدع الكاتب في وصف ثراء شخصيتها وتحديد ملامح تميزها ونضوجها المبكر، في وقت فرضت فيه الحرب غير العادلة على جيل جديد كانت له طموحه وآماله وتطلعاته وكان من حقه أن يتعلم ويعمل ويحيا في أمن وأمان!!
(حسام) الشخصية الثالثة التي ظهرت منذ بداية القصة، وتحركت في مسرح الحياة لتصنع أحداثا متباينة، وتفاجئنا في منتصف رحلتها لتحقيق الذات بدورة كاملة، واستعادة للجذور، وكأنه ما من نجاح حقيقي إلا إذا ارتبط بفكر ومنهج وكان له امتداده في الذاكرة والوطن!! شخصيات ثرية ومضيئة، تمكن الأديب عزام ديبا من تقديمها في روايته، لتصنع مع باقي الشخوص والأحداث سيرا متكاملة لفرسان في الزمن الصعب.
إنها ملحمة بطولية امتزجت فيها الدماء بالآمال الكبار وتفاوتت فيها الألوان وتجاذبت فيها المعاني في خضم أحداث، كان فيها البطل (أسامة) يخوض معركته في الثأر لأحبائه، باحثا عن ذاته مفتشا عن صوته الداخلي الذي يصغي إليه مرة ويسكته أخرى، حتى إذا بلغ الانفعال بالقارئ ذروته وازداد حرصه على نجاح البطل في إدراك الحقائق من حوله، جاءنا الرد سريعا، والجواب مطواعا لنجد (أسامة) بطل القصة والشخصية غير التقليدية للصورة المرسومة في ذاكرتنا عن شباب العرب، يعود من جديد أكثر نقاء واقترابا من دينه وهويته وقيمه الحقيقية.
لعب أبطال القصة دورهم بكفاءة في تقديم معان أصيلة بأسلوب هو الغاية في الابتكار والعرض الرصين، فقاسم صديق الطفولة تتطور شخصيته نحو الأفضل في كل موقف ومحنة. كان (قاسم) بطلا حقيقيا وداعية عصريا وأنموذجا أبدع الكاتب في تحليل شخصيته، مقدما برهانا جديدا على وعيه الإسلامي وثقافته كأديب ملتزم يتمتع بعقلية خصبة استمدها من ثقافة شرعية واسعة. الاستشهاد بالآيات القرآنية وتفنيد الحق من الباطل وبيان الظالم من المظلوم في الحرب الأهلية اللبنانية، كان إضافة نوعية لهذه الرواية الإسلامية التي جمعت أداوت النجاح الفريد.
كان بإمكان الأديب عزام أن يكتفي بالعموميات في طرح إشكالية الحرب الأهلية الظالمة، دون أن يخوض في البحث عن الظالم والمظلوم في فتنة سوداء ومحنة عاصفة، تجرع الشعب اللبناني كله ويلاتها حتى بات فيها الحليم حيران!!
لكن كاتب هذه الرواية لم يكن حيرانا على الإطلاق كانت الصورة لديه واضحة وجلية، وهو يتخذ من إمام المسجد (الشيخ مسعود)، ثم من (قاسم) صديق الطفولة المؤمن نموذجين شاهدين على بطلان الأسس التي قامت عليها الحرب اللبنانية وعبثية فكرة زج الشارع اللبناني في لعبة ماكرة يكون فيها الدم البريء أرخص من رغيف الخبز!!
الرواية الغنية بالمعاني الإسلامية الصحيحة المتدفقة في لغة هي السلاسة والرقة في آن معا، تشمخ بالمرأة وتضعها في مكانها اللائق، فالأديب الأستاذ عزام حدبا عرف كيف يقدم فتيات قصته ونساءها بطريقة صحيحة فوجدنا البنت البارة (عبير) والقريبة الرائعة راوية القصة (حنين) والفتاة الذكية (ليلى)، التي قضت الأقدار أن تضعها في محنة عاصفة لم يكن لها ذنب بوقوعها، وأبى قلم الأديب عزام إلا أن ينصفها ويفتح لها نافذة للرجاء والأمل لا تخيب!!
معان عميقة عمق الحياة بتدفقها، وراسخة رسوخ المبادئ في نفوس أصحابها ودافئة دفئ القلوب الباحثة عن حياة كريمة في لجة الأزمة، وفي وقت كادت تطير بها كثير من العقول عطرت صفحات رواية (عرسنا في الجنة).
من الأسئلة الصعبة التي أجابت عليها هذه الرواية الأنيقة، إمكانية نضوج شخصيات تتمتع بفهم وذكاء فطري، وتحترم ثوابت الدين وتلتزم بأوامره ونواهيه تزامنا مع الرصاص الطائش والغدر الكامل واللعب بمصير شعب ومقدرات أمة!!
إن الدعوة إلى الإسلام هي عمل سهل في وقت الرخاء، لكنها تغدو مهمة عسيرة المنال حين تتطاير الجثث في الهواء وتدوي القنابل داخل المسجد، ولذا فعمق الأثر الإيماني الذي تتركه هذه الرواية في نفس قارئها كبير، لذلك أقول لن يكون سهلا تقبل أي ضعف في دور الداعية المسلم بعد أن وجدنا نموذجا (للشيخ مسعود)، وهو يصر على الالتزام ببيت الله والقنابل تدوي فوق رأسه!!
كما لم يعد ممكنا تقبل حياة ترف شباب العرب اليوم، ونحن نرى تسابق حسام وأسامة وقاسم إلى الجنة في الحرب التي شنها اليهود ضد جنوب لبنان!!
قبل الختام أقول: لم أوف هذه الرواية حقها، ولم تستطع عباراتي أن تعرف بهذه الرواية التي تستحق أن تنتشر على مستوى العالم.
رواية عرسنا في الجنة من إنتاج دار أجيال. صدرت نهاية عام 2006م، عدد صفحات الرواية 211 صفحة من القطع المتوسط وهي متاحة في نسختها الالكترونية على رابط http://www.hayran.info/articles.php?catid=99&id=362
كلمة أخيرة أقولها للكاتب: لقد أتعبت من سيجيء بعدك من كتاب الرواية الإسلاميين، لأنهم بعد صدور هذه الرواية، لم يعودوا فقط مطالبين بامتلاك أدوات الكتابة الروائية من جوانبها الفنية والموضوعية فحسب، بل صار مطلوبا منهم امتلاك ثقافة شرعية وفهم واسع لمقاصد الشريعة الإسلامية على النحو الذي توفر لروايتك التي تستحق الخلود!!
إن أحد أهم أسرار قوة تأثير هذه الرواية، نضوج الفكر الديني والفهم الإسلامي الصحيح لكثير من القضايا التي عرض لها الكاتب بطريقة فريدة، فقدم حلولا من الشريعة الإسلامية للمشكلات التي تعرض لها الأبطال، ما أضفى على هذا العمل بعدا علميا يثري القارئ ويزيده شرحا وإيضاحا لموقف الإسلام من القضايا التي أثارتها الرواية.
هذا بالإضافة لما تتمتع به من أدوات الجذب وامتلاك ناصية الكتابة الروائية في قالب لا يمل. هذه دعوة لرحلة موفقة مع أسامة وعبير وسائر شخصيات رواية عرسنا في الجنة.
*العصر