هكذا توزع الكراسي
-
إنه شخص مريض القلب، عليل الروح، سقيم الضمير، لا يبالي إن عبث بميزانية المؤسسة ورماها تحت أقدام أجانب يجلبهم تحت مسمى الخبراء. لا يبالي إن لعب وخلط وباع في الناس واشترى. لا يبالي إن كان ما يقوم به يصب في جانب الإصلاح أو في جانب الهدم، فكلاهما سيان، المهم أن لا يهدم جانبه، ولا تضيع منه فرصة لقضم شيء من المال والجاه والنفوذ. هو عبد درهمه ودولاره، يضحك ملئ شدقيه إن وصله خبر زيادة رصيده من هذا الباب أو ذاك، ويتلوى من الألم، إن ضاعت منه فرصة كانت ستجلب له بعض المال...
حادثات الدهر تأتي بالبدع
ترفع العبد وللحر تضع
والعبد هنا عبد المال لا الرق، بالمعنى الشائع للكلمة، والسؤال يشق نفسه إلى عنان السماء في مرحلة من مراحل سقوط المروءة وضياعها تحت أقدام اللئام. ولكن من هم العبيد اليوم، وما هو الدور الذي يمارسونه بنجاح لا يحسدون عليه، وإن كان يحسدهم من هو أقل منهم لؤما بدرجة أو اثنتين.
من عجيب ما تأتي به الأيام، هذا التهاوي في المستوى الأخلاقي للعرب، وتحديدا يتناول المقال أولئك الذين قُدر لهم أن يستلموا كرسيا ويكون لهم شأن على بعض الناس في وقت من الأوقات.
هؤلاء اللئام ممن فقدوا المروءة وما عادوا يعرفون معناها أو يتصورون وجودها أصلا في الأرض، أفسدوا حياتنا بشكل غير مسبوق.
يصادفك هذا اللئيم الذي فارقته المروءة لتنمو في جذر قلوب الكرام، يلقاك في مؤسسة جديدة رفع الحاكم لها راية وسلمها لبعض المغفلين، ووزع الأدوار بصورة يرثى لها العقلاء والشرفاء في كل مكان.
وبقدر انخفاض مستوى الإنسانية، وبقدر غياب الضمير، وبعدد مرات خفض الرأس وانكساره وذله بين يدي المسؤول الأول أو من هو فوقه، توزع الكراسي وتُقسم المناصب.
فهذا فلان تعرف من سيرته الذاتية، تهالكه على المال وحبه للسلطة ورغبته العارمة في الوصول سريعا لأعلى درجات السلم، إنه شخص مرغوب ومطلوب، يأسرك بتهالكه وسقوط رأسه وانحنائه المستمر كلما مر الزعيم الأول أو الثاني أو أي زعيم يفوقه في الجاه والمنصب.
إنه شخص مريض القلب، عليل الروح، سقيم الضمير، لا يبالي إن عبث بميزانية المؤسسة ورماها تحت أقدام أجانب يجلبهم تحت مسمى الخبراء.
لا يبالي إن لعب وخلط وباع في الناس واشترى. لا يبالي إن كان ما يقوم به يصب في جانب الإصلاح أو في جانب الهدم، فكلاهما سيان، المهم أن لا يهدم جانبه، ولا تضيع منه فرصة لقضم شيء من المال والجاه والنفوذ.
هو عبد درهمه ودولاره، يضحك ملئ شدقيه إن وصله خبر زيادة رصيده من هذا الباب أو ذاك، ويتلوى من الألم، إن ضاعت منه فرصة كانت ستجلب له بعض المال.
أصدقاؤه من أمثاله، وحلفاؤه من أشباهه وأنظاره يبش لأشباهه من المزيفين ويكفهر وجهه إن رأى شريفا يقترب من مؤسسته أو يطلب مقابلته، غاضب الوجه مكفهر الجبين إذا ما سمع صوت أحد الشرفاء قريبا من نافذة مكتبه الوثير.
يفرح بلقاء الغرباء والدخلاء على وطنه ويؤلمه أن يرى قوة في أبناء الوطن. شجعان العقول والرأي ألد أعدائه، وكل من لديه إرادة وقوة في قول الحق والدفاع عنه يضع تحته عشر خطوط حمراء ويقصيه من دائرة المقربين والحلفاء والأصحاب.
توزع الكراسي والمناصب على هؤلاء الذين ثكلتهم أمهاتهم وهم أحياء وافتقدتهم أخواتهم الحرائر وهم يدبون على الأرض، لأن دبيبهم كدبيب الثعالب أو أكثر ضررا ومكرا.
تثكل أحدهم أمه حين ربته وظنت به الخير، فأتاها منتفخ الجيب خاوي الروح هزيل النفس مسلوب الإرادة.
يحسب كل صيحة عليه، ويظن كل خطب سيحيق به، وإذا ما سمع عن أحد معارفه أنه أقيل من منصبه قال إذن سأكون التالي فيزدادا بالمنصب تشبثا، وبالكرسي التصاقا حتى لو سألوه رأيه لأوصى أن يحمل الكرسي قريبا من قبره حتى يطمئن أنه ما من أحد سيأتي بعده ليجلس عليه فتبًّا له ألف مرة.
قد يلقى السؤال نفسه وسط حريق الفعل الشائن والعمل القبيح الذي بدا من عبد الكرسي والمال والسلطان: كيف تراخت همة ذلك التعيس وأوصلته إلى هذا الباب المسدود؟ وكيف ضاعت منه شجاعته، فاتخذ له بوقا يسبح للسلطان ويهتف بحمده؟ بل كيف خان ضميره ووطنه وأمته وباع كل شيء من أجل لاشيء؟
بل كيف نسي يوم أن كان شابا رقيق القلب ينظر للعالم بعيون ملؤها الحب والسلام، فإذا به بعد زمن ماردا من مردة الإنس، يشيع الخمول والضعف وينشر المرض في أنحاء تلك المؤسسة التي عثر بها الحظ فسقطت في أتون ناره الظالمة.
هكذا يتم توزيع الكراسي في عدد من أوطان العرب، وكلما انخفض مؤشر المروءة كلما زاد الطلب، وأصبح الكرسي قريبا من أنامل فقير القلب والضمير.
هكذا توزع الكراسي، وتقسم المناصب، ويرسخ لبقاء أولئك التعساء عاما بعد عام، ويجدد لهم في الولاية وتفرش لهم الورود وتعطر مكاتبهم بالبخور والفل والياسمين.
هكذا توزع الكراسي في عدد من أوطان العرب، وكلما عرف عن فقير القلب والرأي والضمير أنه يعكر على الصالحين، ويسئ للأخيار والنابهين، ويترصد للموهوبين، ويضعف من همة العاملين، زادت من حوله النياشين وتضاعفت أرقام رصيده في البنوك.
هكذا توزع الكراسي في بلدان العرب، إلا من تلك الاستثناءات التي تبقي شيئا من الدفء في أوصال حياتنا الباهتة، وتفتح طاقة للتجدد في بحور القلق والأرق من جثوَ هؤلاء على أرضنا الطيبة، ومشيهم الكريه فوقها. ولو كانت الأرض تنطق للعنتهم وبصقت في وجوههم فهم عالة في ثوب مسؤول، وآفة في ثوب أنيق!!
هكذا توزع الكراسي لكل دعي وأفاق وفاشل يكشف سجله الدراسي عن أفول نجمه قبل أن يبزغ، وتعكس سيرته الذاتية خبالا وقلة حيلة ووعي وإدراك.
سيرته الذاتية التي تعريه وتفضح ماضيه تتحول لأوراق من ذهب ولمغناطيس يجذب السادة الكبار للترحيب وتوسيع المجلس لضم هؤلاء الجدد أذناب الناس وأشباههم.
سيرته الذاتية الخالية من مواقف الشجاعة والتضحية والعطاء هي صك الغفران والقبول وبريد الوصول السريع لقلب ذلك المسؤول الذي يروق له أن يرى الكاذبين والفاشلين من حوله وقد ارتقوا السلم وصاروا من علية القوم وسادتهم.
في زمن صار فيه الشريف آخر المطلوبين، وأقل الناس شأنا في عرف أولئك المسؤولين يُفسح المجال سريعا وتفتح الأبواب على مصراعيها لترحب لتدفق صناع الغفلة في حين تختفي الرغبة في تقديم الأكفاء ورعاية المتميزين.
التميز الوحيد خيانة الضمير وسقوط الهمة وهذه مطالب كل حاكم لا يريد لصناع الرأي والفكر أن يزاحموه في قرار، أو يسألوه عن خطوة فاشلة تضر بالوطن وتطيح بكرامة الإنسان.
في زمن توزع فيه الكراسي والمناصب للأذناب وقطعان البشر من المشدودين للغرب المنجذبين نحوه بكل ما أتوا من قوة تغدو مجابهتهم واجب، والتصادم معهم دين، وفضحهم دليل جسارة وثقة عالية بالنفس.
في زمن كهذا ولحظة كالتي يمر بها الأحرار اليوم يغدو نعت هؤلاء بأسمائهم الصريحة والوقوف في وجههم عملا من أعمال الخير الذي يصب في المصلحة العليا للوطن والأمة.
في مثل هذا الزمن الذي استنسر فيه البغاث، يجب تعرية كل هذا الباطل، وفضح كل هذا الزيف، ومواجهة كل هذا البهتان والطغيان.
قد يُثار سؤال هام: لماذا يطول الزمن أحيانا بهؤلاء، وتترفق بهم الحياة كثيرا قبل أن يطاح بهم، والإجابة أن سقوط همة الكثيرين وعجزهم عن المواجهة، هو الذي يطيل عمر هؤلاء ويمدهم بزمن أطول بكثير من أن أي احتمال.
سقوط همة الكثيرين، وخوفهم وترددهم، رغم معرفتهم بحال تلك الفئة المزيفة من الجالسين فوق الكراسي هو الذي يجعل هؤلاء يتمددون كالسرطان ويواصلون افتئاتهم على المصلحة العليا وقذفهم لأهداف الوطن ومطالبه.
ركود الذهن وعجز الضمير وغبش الرؤية وانخفاض الطموح لدى عدد كبير منا هو الذي يمهد ويجدد لهؤلاء تلقائيا مكوثهم المزري فوق تلك الكرسي.
إنقاذ ما يمكن إنقاذه من أهداف الوطن ومصالحه، يأتي عبر حزمة مواجهة صريحة ومباشرة مع أولئك الأذناب وإخبارهم بحالهم، وبأنه لم يعد ثمة داع لمزيد من المداهنة والصمت المخجل، فمن باع مرة، وباع ألف مرة، وباع مليون مرة، لم يعد ثمة داع لابتسامة مزيفة يحيى بها أو مصافحة باردة أصبح لا يستحقها.
ومن لا يستحق الابتسامة أو المصافحة، فعلى بقائه السلام هذا ما يدركه العارفون، فكم عارف بيننا، وكم لدينا من الجاهزية والاستعداد لتكسير عظام أولئك الأوغاد؟
هذا سؤال إجابته هي المعضلة، فليست المعضلة في وجودهم فحسب، بل في سقوط همة من يعرفهم ويدرك الشر من وجودهم، ثم ينحني للعاصفة ويقول لها: مري بسلام!!
*العصر
-
إنه شخص مريض القلب، عليل الروح، سقيم الضمير، لا يبالي إن عبث بميزانية المؤسسة ورماها تحت أقدام أجانب يجلبهم تحت مسمى الخبراء. لا يبالي إن لعب وخلط وباع في الناس واشترى. لا يبالي إن كان ما يقوم به يصب في جانب الإصلاح أو في جانب الهدم، فكلاهما سيان، المهم أن لا يهدم جانبه، ولا تضيع منه فرصة لقضم شيء من المال والجاه والنفوذ. هو عبد درهمه ودولاره، يضحك ملئ شدقيه إن وصله خبر زيادة رصيده من هذا الباب أو ذاك، ويتلوى من الألم، إن ضاعت منه فرصة كانت ستجلب له بعض المال...
حادثات الدهر تأتي بالبدع
ترفع العبد وللحر تضع
والعبد هنا عبد المال لا الرق، بالمعنى الشائع للكلمة، والسؤال يشق نفسه إلى عنان السماء في مرحلة من مراحل سقوط المروءة وضياعها تحت أقدام اللئام. ولكن من هم العبيد اليوم، وما هو الدور الذي يمارسونه بنجاح لا يحسدون عليه، وإن كان يحسدهم من هو أقل منهم لؤما بدرجة أو اثنتين.
من عجيب ما تأتي به الأيام، هذا التهاوي في المستوى الأخلاقي للعرب، وتحديدا يتناول المقال أولئك الذين قُدر لهم أن يستلموا كرسيا ويكون لهم شأن على بعض الناس في وقت من الأوقات.
هؤلاء اللئام ممن فقدوا المروءة وما عادوا يعرفون معناها أو يتصورون وجودها أصلا في الأرض، أفسدوا حياتنا بشكل غير مسبوق.
يصادفك هذا اللئيم الذي فارقته المروءة لتنمو في جذر قلوب الكرام، يلقاك في مؤسسة جديدة رفع الحاكم لها راية وسلمها لبعض المغفلين، ووزع الأدوار بصورة يرثى لها العقلاء والشرفاء في كل مكان.
وبقدر انخفاض مستوى الإنسانية، وبقدر غياب الضمير، وبعدد مرات خفض الرأس وانكساره وذله بين يدي المسؤول الأول أو من هو فوقه، توزع الكراسي وتُقسم المناصب.
فهذا فلان تعرف من سيرته الذاتية، تهالكه على المال وحبه للسلطة ورغبته العارمة في الوصول سريعا لأعلى درجات السلم، إنه شخص مرغوب ومطلوب، يأسرك بتهالكه وسقوط رأسه وانحنائه المستمر كلما مر الزعيم الأول أو الثاني أو أي زعيم يفوقه في الجاه والمنصب.
إنه شخص مريض القلب، عليل الروح، سقيم الضمير، لا يبالي إن عبث بميزانية المؤسسة ورماها تحت أقدام أجانب يجلبهم تحت مسمى الخبراء.
لا يبالي إن لعب وخلط وباع في الناس واشترى. لا يبالي إن كان ما يقوم به يصب في جانب الإصلاح أو في جانب الهدم، فكلاهما سيان، المهم أن لا يهدم جانبه، ولا تضيع منه فرصة لقضم شيء من المال والجاه والنفوذ.
هو عبد درهمه ودولاره، يضحك ملئ شدقيه إن وصله خبر زيادة رصيده من هذا الباب أو ذاك، ويتلوى من الألم، إن ضاعت منه فرصة كانت ستجلب له بعض المال.
أصدقاؤه من أمثاله، وحلفاؤه من أشباهه وأنظاره يبش لأشباهه من المزيفين ويكفهر وجهه إن رأى شريفا يقترب من مؤسسته أو يطلب مقابلته، غاضب الوجه مكفهر الجبين إذا ما سمع صوت أحد الشرفاء قريبا من نافذة مكتبه الوثير.
يفرح بلقاء الغرباء والدخلاء على وطنه ويؤلمه أن يرى قوة في أبناء الوطن. شجعان العقول والرأي ألد أعدائه، وكل من لديه إرادة وقوة في قول الحق والدفاع عنه يضع تحته عشر خطوط حمراء ويقصيه من دائرة المقربين والحلفاء والأصحاب.
توزع الكراسي والمناصب على هؤلاء الذين ثكلتهم أمهاتهم وهم أحياء وافتقدتهم أخواتهم الحرائر وهم يدبون على الأرض، لأن دبيبهم كدبيب الثعالب أو أكثر ضررا ومكرا.
تثكل أحدهم أمه حين ربته وظنت به الخير، فأتاها منتفخ الجيب خاوي الروح هزيل النفس مسلوب الإرادة.
يحسب كل صيحة عليه، ويظن كل خطب سيحيق به، وإذا ما سمع عن أحد معارفه أنه أقيل من منصبه قال إذن سأكون التالي فيزدادا بالمنصب تشبثا، وبالكرسي التصاقا حتى لو سألوه رأيه لأوصى أن يحمل الكرسي قريبا من قبره حتى يطمئن أنه ما من أحد سيأتي بعده ليجلس عليه فتبًّا له ألف مرة.
قد يلقى السؤال نفسه وسط حريق الفعل الشائن والعمل القبيح الذي بدا من عبد الكرسي والمال والسلطان: كيف تراخت همة ذلك التعيس وأوصلته إلى هذا الباب المسدود؟ وكيف ضاعت منه شجاعته، فاتخذ له بوقا يسبح للسلطان ويهتف بحمده؟ بل كيف خان ضميره ووطنه وأمته وباع كل شيء من أجل لاشيء؟
بل كيف نسي يوم أن كان شابا رقيق القلب ينظر للعالم بعيون ملؤها الحب والسلام، فإذا به بعد زمن ماردا من مردة الإنس، يشيع الخمول والضعف وينشر المرض في أنحاء تلك المؤسسة التي عثر بها الحظ فسقطت في أتون ناره الظالمة.
هكذا يتم توزيع الكراسي في عدد من أوطان العرب، وكلما انخفض مؤشر المروءة كلما زاد الطلب، وأصبح الكرسي قريبا من أنامل فقير القلب والضمير.
هكذا توزع الكراسي، وتقسم المناصب، ويرسخ لبقاء أولئك التعساء عاما بعد عام، ويجدد لهم في الولاية وتفرش لهم الورود وتعطر مكاتبهم بالبخور والفل والياسمين.
هكذا توزع الكراسي في عدد من أوطان العرب، وكلما عرف عن فقير القلب والرأي والضمير أنه يعكر على الصالحين، ويسئ للأخيار والنابهين، ويترصد للموهوبين، ويضعف من همة العاملين، زادت من حوله النياشين وتضاعفت أرقام رصيده في البنوك.
هكذا توزع الكراسي في بلدان العرب، إلا من تلك الاستثناءات التي تبقي شيئا من الدفء في أوصال حياتنا الباهتة، وتفتح طاقة للتجدد في بحور القلق والأرق من جثوَ هؤلاء على أرضنا الطيبة، ومشيهم الكريه فوقها. ولو كانت الأرض تنطق للعنتهم وبصقت في وجوههم فهم عالة في ثوب مسؤول، وآفة في ثوب أنيق!!
هكذا توزع الكراسي لكل دعي وأفاق وفاشل يكشف سجله الدراسي عن أفول نجمه قبل أن يبزغ، وتعكس سيرته الذاتية خبالا وقلة حيلة ووعي وإدراك.
سيرته الذاتية التي تعريه وتفضح ماضيه تتحول لأوراق من ذهب ولمغناطيس يجذب السادة الكبار للترحيب وتوسيع المجلس لضم هؤلاء الجدد أذناب الناس وأشباههم.
سيرته الذاتية الخالية من مواقف الشجاعة والتضحية والعطاء هي صك الغفران والقبول وبريد الوصول السريع لقلب ذلك المسؤول الذي يروق له أن يرى الكاذبين والفاشلين من حوله وقد ارتقوا السلم وصاروا من علية القوم وسادتهم.
في زمن صار فيه الشريف آخر المطلوبين، وأقل الناس شأنا في عرف أولئك المسؤولين يُفسح المجال سريعا وتفتح الأبواب على مصراعيها لترحب لتدفق صناع الغفلة في حين تختفي الرغبة في تقديم الأكفاء ورعاية المتميزين.
التميز الوحيد خيانة الضمير وسقوط الهمة وهذه مطالب كل حاكم لا يريد لصناع الرأي والفكر أن يزاحموه في قرار، أو يسألوه عن خطوة فاشلة تضر بالوطن وتطيح بكرامة الإنسان.
في زمن توزع فيه الكراسي والمناصب للأذناب وقطعان البشر من المشدودين للغرب المنجذبين نحوه بكل ما أتوا من قوة تغدو مجابهتهم واجب، والتصادم معهم دين، وفضحهم دليل جسارة وثقة عالية بالنفس.
في زمن كهذا ولحظة كالتي يمر بها الأحرار اليوم يغدو نعت هؤلاء بأسمائهم الصريحة والوقوف في وجههم عملا من أعمال الخير الذي يصب في المصلحة العليا للوطن والأمة.
في مثل هذا الزمن الذي استنسر فيه البغاث، يجب تعرية كل هذا الباطل، وفضح كل هذا الزيف، ومواجهة كل هذا البهتان والطغيان.
قد يُثار سؤال هام: لماذا يطول الزمن أحيانا بهؤلاء، وتترفق بهم الحياة كثيرا قبل أن يطاح بهم، والإجابة أن سقوط همة الكثيرين وعجزهم عن المواجهة، هو الذي يطيل عمر هؤلاء ويمدهم بزمن أطول بكثير من أن أي احتمال.
سقوط همة الكثيرين، وخوفهم وترددهم، رغم معرفتهم بحال تلك الفئة المزيفة من الجالسين فوق الكراسي هو الذي يجعل هؤلاء يتمددون كالسرطان ويواصلون افتئاتهم على المصلحة العليا وقذفهم لأهداف الوطن ومطالبه.
ركود الذهن وعجز الضمير وغبش الرؤية وانخفاض الطموح لدى عدد كبير منا هو الذي يمهد ويجدد لهؤلاء تلقائيا مكوثهم المزري فوق تلك الكرسي.
إنقاذ ما يمكن إنقاذه من أهداف الوطن ومصالحه، يأتي عبر حزمة مواجهة صريحة ومباشرة مع أولئك الأذناب وإخبارهم بحالهم، وبأنه لم يعد ثمة داع لمزيد من المداهنة والصمت المخجل، فمن باع مرة، وباع ألف مرة، وباع مليون مرة، لم يعد ثمة داع لابتسامة مزيفة يحيى بها أو مصافحة باردة أصبح لا يستحقها.
ومن لا يستحق الابتسامة أو المصافحة، فعلى بقائه السلام هذا ما يدركه العارفون، فكم عارف بيننا، وكم لدينا من الجاهزية والاستعداد لتكسير عظام أولئك الأوغاد؟
هذا سؤال إجابته هي المعضلة، فليست المعضلة في وجودهم فحسب، بل في سقوط همة من يعرفهم ويدرك الشر من وجودهم، ثم ينحني للعاصفة ويقول لها: مري بسلام!!
*العصر