مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2014/08/17 20:10
مراد هوفمان: تكريمك دين في أعناقنا
مراد هوفمان: تكريمك دين في أعناقنا
*مريم النعيمي
وإذ وقع الاختيار على مفكر غربي مسلم نافح عن الإسلام في الغرب، وشكل بصموده وكفاحه الثقافي صورة مضيئة للعالم، الذي اكتملت قناعته بشرف الانتساب للإسلام والدفاع عنه عقيدة وشريعة ونموذجا صالحا للحياة يحق لنا أن نشعر بان العرب يتذكرون من يقف بجانبهم ومهما تأخر رد الجميل، فإنه لا شك آت.
بقلم مريم عبدالله النعيمي

لم يكن عام 1951 عاما عاديا في حياة الدكتور مراد هوفمان الذي اختير هذا العام ليكون الشخصية الإسلامية من قبل جائزة دبي الدولية للقرآن الكريم ففي ذلك العام تعرضت السيارة التي كان يستقلها لحادث مروع وهو في طريق العودة من كلية الاتحاد بشينيكتادي بولاية نيويورك، حيث كان ما يزال طالبا فيها.

وفي يوم 28 يوليو من ذلك العام، وبالقرب من ’’هول سبرنجز’’ بولاية مسيسيبي، دهس سائق مخمور سيارته بينما كان عائدا على الطريق السريع من أتلانتا إلى ممفيس. ويعلق هوفمان على الحادث المفزع قائلا: ’’كانت خسارتي في هذا الحادث تسع عشرة من أسناني. وبعد انتهاء الجراح من خياطة ذقني وشفتي السفلى، سألني قائلا: إنه من الممكن إصلاح وجهي بعد سنوات عن طريق إجراء عملية تجميل’’، وأضاف قائلا: ’’إن مثل هذا الحادث لا ينجو منه في الواقع أحد، وإن الله يدخر لك يا عزيزي شيئا خاصا جدا’’.

ثم يضيف قائلا: ’’ولقد كنت أفكر في هذا الأمر، وأنا أتجول في هول سبرنجز بذراع مربوطة وضمادة تحيط بالذقن وفم مخيط. وكنت أفكر في ما أرفه به عن نفسي في يوم عيد ميلادي العشرين. ولكن كل شيء كان يؤلمني.. تناول الطعام أو الشراب، أو التنزه، أو الإجابة عن الأسئلة، وأخيرا ذهبت لأقص شعري، فهذا على الأقل لا يؤلم. ولم أدرك المغزى الحقيقي لنجاتي وبقائي على قيد الحياة إلا بعد ثلاثين سنة، عندما أشهرت اعتناقي للإسلام’’.

لا يستطيع كل من يقرأ السطور السابقة التي ضمنها السفير الألماني السابق مراد هوفمان كتابه ’’الطريق إلى مكة’’، أن يتجاوزها دون أن يشعر ببعض الذهول أمام درجة اليقين التي تترجمها معاني كلماته.

فكيف استطاع أن يربط بين حادث مروع جرى له وهو في العشرين من عمره بحادثة اعتناقه الإسلام، وهو في الخمسين من عمره، وتحديدا في عام 1980 وبين كلمات الجراح الذي أشرف على تضميد جروحه، والتي تضمنت بشارة له بأن الله يدخره لشيء عزيز.

كانت كلمات الطبيب خير عزاء للطالب الذي كاد أن يذهب ضحية سائق مخمور لكنها أخذت أبعادا أكبر بكثير من كونها عبارة عزاء وتسلية للخاطر عن جروح والأم يمر بها إنسان.

وجد السفير الألماني في إسلامه الذي عثر عليه بعد رحلة كثيرة المفاجآت مع العالم العربي الذي تجلى له المشهد الأول منه عام 1962م، وهو في الجزائر تأويلا لا يضاهى لكلمات الطبيب الذي أشرف على علاجه.

لم يكن الشيء العزيز الذي يدخره الله للطالب الألماني ذو السنوات العشرين، والذي يدرس في الولايات المتحدة سوى دخوله في الإسلام بعد ثلاثين عاما.

واللافت أن الرجل عرف النجاح المهني وصادف حياة أسرية مستقرة ويمتلك مزايا ربما لو امتلكها غيره لما احتاج للتفكير في كلمة عابرة قالها طبيب لشاب أصيب بجروح بالغة.

فالنجاح المهني لدى البعض هو بحد ذاته غاية إذا ما تحققت لم يعد بعد ذلك من حاجة ليسأل ذاته، أو ينقصه شيء أم أنه امتلك كل شيء، وهل يمشي في المسار الصحيح أم أن حياته المهنية الناجحة لا تدع له مجالا لمناقشة تلك الأفكار والبحث عن إجابات لها؟!!

الجانب الآخر من القصة يتجاوز الرجل النابه الذي ألهب حماس عدد من الحكام العرب وهو يصلي خلفهم الأعياد ويشاركهم طقوس العبادة بملامحه الغربية وهيئته التي تدل على أنه قادر على أن يتجاوز خصوصية الجغرافيا واختلاف الأعراق ويندمج في منظومة المجتمعات المسلمة بشكل قد لا يتوفر لبعض أبناء المسلمين.

كان يحضر طيلة شهر رمضان في مجلس ملك المغرب الراحل الحسن الثاني، حيث كان العلماء يأتون من مختلف دول العالم الإسلامي يقيمون مجالس العلم في قصره بشكل يومي، وكان يعجب لتواضع ملك المغرب الراحل وجلوسه على الأرض تاركا الجلوس على الكرسي للعلماء الذين يتناوبون في شرح دروسهم اليومية.

وجد الرجل في الإسلام عزاء عن كل خسارة ماضية أم آتية يتوقع حدوثها، وحين شنت عليه حملة ضارية على إثر تغيير دينه لم يحرك ذلك شعرة في رأسه كما يظهر من سطور الكتاب الذي تتابعت كلماته لترسم صورة كاريزمية لشخصية تقول عن نفسها بعد فترة من الالتزام بالعقيدة الإسلامية ما يلي: ’’إنني كنت قريبا من الإسلام بأفكاري قبل أن أشهر إسلامي في عام 1980، بنطق الشهادتين متطهرا كما ينبغي، وان لم أكن مهتما حتى ذلك الحين بواجباته ونواهيه فيما يختص بالحياة العملية. لقد كنت مسلما من الناحية الفكرية أو الذهنية، ولكني لم أكن كذلك بعد من الناحية العملية. وهذا على وجه اليقين ما يتحتم أن يتغير الآن جذريا. فلا ينبغي أن أكون مسلما في تفكيري فقط، وإنما لا بد أن أصير مسلما أيضا في سلوكياتي’’.

هذه العبارة المركزة التي لخصت جانبا مهما في شخصية هذا الرجل تحفزنا لنتساءل عن تلك الدقة المتناهية في التفريق ما بين الاعتقاد المجرد وبين التطبيق العملي في تصور من وجد أنه كان مسلما بالفكر قبل أن يدخل رسميا في هذا الدين.

فالاعتقاد النظري على أهميته الفائقة، لا يكفي لتحقيق الإيمان، بل لا بد من التلازم بين القول والعمل لتتحقق المصداقية ويحصل الانسجام الداخلي الذي هو حماية من الزيغ والانحراف.

لقد عثر الرجل على تأويل غير مسبق لسبب نجاته من حادث مروري مروع كاد يودي بحياته، لكن المحزن حقا أن كثيرين مروا بحوادث ربما هي أفظع مما تعرض لها الرجل وقد نجاهم الله منها، فهل فكر أحدهم يوما بأنه ما بقي بين الأحياء إلا لشيء عزيز يدخره له الله؟

أغلب الظن أنه لو فكر كل شخص بالكيفية التي فكر بها هذا الرجل الألماني، فإننا كنا سنحظى بالعشرات من أمثاله الذين تترجم أعمالهم اعتزازا بالحق، الذي عرفوه بات اليوم أعز من الكبريت الأحمر.

في هذه الأيام المباركة، قررت اللجنة المنظمة لفعاليات جائزة دبي الدولية للقرآن الكريم، أن يكون الدكتور مراد هوفمان، شخصية العام الإسلامية للدورة الثالثة عشرة لهذه الجائزة الرفيعة القدر والقيمة، ولهذه المؤسسة التي تعمل بجد واجتهاد لتقديم أفضل ما لديها خدمة لكتاب الله، واهتماما بحفظة القرآن في العالم كله.

وإذ وقع الاختيار على مفكر غربي مسلم نافح عن الإسلام في الغرب، وشكل بصموده وكفاحه الثقافي صورة مضيئة للعالم، الذي اكتملت قناعته بشرف الانتساب للإسلام والدفاع عنه عقيدة وشريعة ونموذجا صالحا للحياة يحق لنا أن نشعر بان العرب يتذكرون من يقف بجانبهم ومهما تأخر رد الجميل، فإنه لا شك آت.

نعم ـ في رأيي المتواضع ـ كان يجب أن يكون التكريم مبكرا جدا وعلى أرفع المستويات ومن مختلف الدول العربية لهذا المفكر الكبير الذي شكل إسلامه صدمة للغرب المتحذلق، والذي يرى نفسه فوق الجميع.

إن إسلام هوفمان كان غصة في حلوق كارهي الإسلام من ساسة الغرب المتغطرسين، واليوم ونحن في دبي، نكرم هذا العملاق، فإننا نذكر الغرب أيضا أن رابطة الإسلام تجمعنا بإخوتنا في الدين، وأننا كيان واحد ومهما تنوعت الألسن وتباينت الثقافات فإن دينا كالإسلام قادر على أن يهضم ذلك الاختلاف في بوتقته بعد أن يهذب نفوس أتباعه ويعيد تشكيلهم من جديد.

للجنة المنظمة لجائزة دبي الدولية للقرآن الكريم كل الشكر والتقدير وللشيخ محمد بن راشد آل مكتوم الشكر والتقدير على اهتمامه الكبير بتواصل الدور الإيجابي لجائزة دبي الدولية للقرآن الكريم.

هذا الدور الذي جعل من الجائزة، وهي في عامها الثالث عشر، فكرة حية تثير الحماس لحفظ كتاب الله، وتشعل المنافسة للوصول بمستوى الحفظ والإتقان إلى أقصى حدود التمكن، والذي رافقها دورات ومحاضرات وأنشطة طيلة عام كامل، تقدم فيه هذه المؤسسة الرائعة أفضل ما لديها في خدمة الإسلام والفكر الصحيح.
*العصر
أضافة تعليق