الشيخ ناصر في الطريق إلى الحق
-د.محمد الأحمري
الشيخ ناصر لا نزايد عليه، فقد سبق أن سار في طريق الحرية ودفع ثمن ذلك سنين سجن طويلة، والآن وقت التقدم للمزيد من العمل الفكري في تنوير الناس بالحق فيما يصلح لهم من الأفكار.. وقد تنبه الشيخ إلى أن الحصار كسره تحرر الأتراك وديمقراطيتهم، ومن دون ذلك، كانوا سيبقون لزمن الله أعلم به يموتون جوعا، كما يموت عرب من التخمة والمذلة. إني أهنئ الشيخ بهذه الخطوة الفكرية المهمة، آملا أن تتلوها خطوات نحو البراءة من الجمود والتجرد للحق، والانتقال من امتداح عارض للحرية إلى الدعوة الجادة لها وللديمقراطية،
بقلم د. محمد الأحمري
التحليلات التي رافقت وتبعت حملة سفينة الحرية التي فكت بعض الحصار الظالم على غزة تستحق الاهتمام، فالذين كتبوا وتحدثوا جعلوا من الحادثة فرصة لتطبيق أفكارهم وتبيين ولائهم، فكما أشرقت عند بعضهم لحظات وعي محمودة، وتكشفت له أنوار الحرية التركية، فقد كشفت الحادثة أيضا ظلمات الليكود العربي المستميت بضراوة، وحقد على كل مبادرة قد تضر بالصهيونية، وحملوا راية نتنياهو وعيروا أبطال الحرية بأنهم متطرفون، أو موالون لآخرين كل تفانيهم حمية لنتنياهو ولإرهابه الصهيوني، وحشوا للغافلين والخائفين وتجنيدا لهم صف الصهاينة.
وكذا، فإن القوميين العرب فرحوا بكسر الحصار وحزنوا أن القيادة الإنسانية إسلامية وليست عربية، والوطنيون من العرب الشرفاء يتحسرون قائلين: ’’آه لو كان لنا وطن’’، أو كان لنا همة ومروءة أو مكانة محترمة لكنّا سبقنا لكسر الحصار، أو على الأقل شارك بعضنا، وأضعف الإيمان أن نكبت أصوات المنافقين والليكوديين عندنا!
وقد أفادت الحملة في تنوير بعض الذين لم يدركوا بعد معنى الحرية وأثرها الخطير في رفع الظلم وبناء العزة، فمثلا نشرت مجلة ’’سبق’’ مقابلة مع الشيخ ناصر العمر ثم أعاد نشرها على صفحته ’’المسلم’’ (1).
وقد فرحت أن الشيخ رجع إلى الحق في مسألة الحرية، وامتدحها في سياق بيان أنها سبب كسر الحصار على غزة، لم أستغرب عودة الشيخ للحق في هذا الموضوع، فهو ممن نحسبهم يحبون الحق ويسعون إليه، وربما تصده عن الحق الصوادّ المعتادة، فقد سررت له بخطوته إلى الحق لما تحدث يمجّد الحرية، ويجعلها سببا في قدرة الأتراك على كسر حصار غزة، وقد أبرزت ’’سبق’’ وموقع الشيخ القول: ’’وعزا د.العمر الموقف التركي مقارنة بالموقف العربي إلى أجواء الحرية التي تعيشها تركيا بخلاف الدول العربية التي تعاني من تضييق على مثل هذه الأنشطة المتجاوبة مع المحاصرين في غزة، والتي لم تسمح بانطلاق هذه الحملات من الداخل العربي’’، وهذا تلخيص الموقعين لأنه يقول من نصه: ’’أنا أرى أن مواقف تركيا الجديدة مشجعة، فتركيا تملك من الحرية ما لا نملك في الدول العربية’’.
أكتب هذا لأني أتوقع أن يكسر الشيخ هذا الحاجز النفسي الذي يمنعه من الترويج لأهم فكرتين ساهمتا في رقي الإنسان في العصور الحديث تقنية وتنظيما وتيسيرا للحياة، فالحرية تقدم له وللأمة أكثر من موقع ’’المسلم’’ على النت أو مركز ’’تأصيل’’، ولكن الشيخ وقف خائفا أو متغافلا عن أن التيار الإسلامي الهادئ كما يسميه في تركيا لم تأت به الحرية وحدها، وهي مقصد من مقاصد الشريعة كما يرى الإمام الطاهر بن عاشور، بل الديمقراطية قرينتها، التي أيدها جلة علماء الإسلام ومناضليه ونخبة مفكريه في عصرنا، ومن دون الديمقراطية لربما بقيت تركيا طويلا تحت ظلمات المستبدين المتخلفين من العساكر الطورانيين، الذين يخدمون الناتو جنودا وأرضا ويقمعون مواطنيهم رشوة لسادتهم ليبقوهم.
إن أمة المسلمين فيها مال ورجال، ولو كانت بلاد العرب حرة مستقلة وفيها شيء من الديمقراطية لما كان الغزاويون يموتون جوعا في القطاع واختناقا في الأنفاق، مع أن حكومات العرب وسعت ثروتها خصومها الأخطر، وسخرت كثير من مداخيلها للدعاية الصهيونية وللحروب الاستعمارية، بل وحتى في نصرة عملاء في السلطة الفلسطينية، كما وضح تقرير مجلة ’’فانيتي فير’’ (2)، الذي فصل علاقة التمويل للانقلاب على الديمقراطية في فلسطين.
إن البناء الفكري يا شيخ من أهم ما يجب التوجه إليه، ومراجعة المواقف الخاطئة سابقا من مسألتي الحرية والديمقراطية، وقياسه على الحق والنفع، لا على تاريخ الأفكار والعقائد، وأين ولدت هذه وأين ماتت تلك، نحن سكان عصر جديد نلاقي تحديات جديدة لا ينقذنا منها تجربة السلف في عهد ضعفهم، بل نحن مسؤولون عن هذه الأمة، حاضرا ومستقبلا، ألا نسكنها ظلمات التراث، ونغلق عليها آفاق الحق ونور النبوة.
نعم بضاعتنا قد تكون قليلة، ولكن الجهل بالأفكار المفيدة لا يجوز أن يكون سببا لرد الحق الذي نفع العالم، أما التسكع على جمع مساوئ الديمقراطية والحرية لتبرير استمرار الجهل وإبقاء الظلام، فهذا لا يعني أننا سنصفي قلاعنا، بل يحرص كثيرون منا على بقاء الظلام الفكري مخيما فيها، فلنفتحها أسئلة ونقاشا حرا وبحثا عن طريق للخلاص.
الشيخ ناصر لا نزايد عليه، فقد سبق أن سار في طريق الحرية ودفع ثمن ذلك سنين سجن طويلة، والآن وقت التقدم للمزيد من العمل الفكري في تنوير الناس بالحق فيما يصلح لهم من الأفكار.
وعندما تغيب النصوص وتتشتت الدروب، فلنا من نور العقول وحجج المصالح ما يدفع للبحث عن مخارج، وقد تنبه الشيخ إلى أن الحصار كسره تحرر الأتراك وديمقراطيتهم، ومن دون ذلك، كانوا سيبقون لزمن الله أعلم به يموتون جوعا، كما يموت عرب من التخمة والمذلة.
إني أهنئ الشيخ بهذه الخطوة الفكرية المهمة، آملا أن تتلوها خطوات نحو البراءة من الجمود والتجرد للحق، والانتقال من امتداح عارض للحرية إلى الدعوة الجادة لها وللديمقراطية، سعيا لخير الأمة حاكما ومحكوما والله الهادي إلى سواء السبيل.
1 ـ رابط اللقاء مع الشيخ ناصر العمر:
http://almoslim.net/node/129221
2 ـ مقال فانيتي فير عن الانقلاب الفتحاوي على غزة
*العصر
-د.محمد الأحمري
الشيخ ناصر لا نزايد عليه، فقد سبق أن سار في طريق الحرية ودفع ثمن ذلك سنين سجن طويلة، والآن وقت التقدم للمزيد من العمل الفكري في تنوير الناس بالحق فيما يصلح لهم من الأفكار.. وقد تنبه الشيخ إلى أن الحصار كسره تحرر الأتراك وديمقراطيتهم، ومن دون ذلك، كانوا سيبقون لزمن الله أعلم به يموتون جوعا، كما يموت عرب من التخمة والمذلة. إني أهنئ الشيخ بهذه الخطوة الفكرية المهمة، آملا أن تتلوها خطوات نحو البراءة من الجمود والتجرد للحق، والانتقال من امتداح عارض للحرية إلى الدعوة الجادة لها وللديمقراطية،
بقلم د. محمد الأحمري
التحليلات التي رافقت وتبعت حملة سفينة الحرية التي فكت بعض الحصار الظالم على غزة تستحق الاهتمام، فالذين كتبوا وتحدثوا جعلوا من الحادثة فرصة لتطبيق أفكارهم وتبيين ولائهم، فكما أشرقت عند بعضهم لحظات وعي محمودة، وتكشفت له أنوار الحرية التركية، فقد كشفت الحادثة أيضا ظلمات الليكود العربي المستميت بضراوة، وحقد على كل مبادرة قد تضر بالصهيونية، وحملوا راية نتنياهو وعيروا أبطال الحرية بأنهم متطرفون، أو موالون لآخرين كل تفانيهم حمية لنتنياهو ولإرهابه الصهيوني، وحشوا للغافلين والخائفين وتجنيدا لهم صف الصهاينة.
وكذا، فإن القوميين العرب فرحوا بكسر الحصار وحزنوا أن القيادة الإنسانية إسلامية وليست عربية، والوطنيون من العرب الشرفاء يتحسرون قائلين: ’’آه لو كان لنا وطن’’، أو كان لنا همة ومروءة أو مكانة محترمة لكنّا سبقنا لكسر الحصار، أو على الأقل شارك بعضنا، وأضعف الإيمان أن نكبت أصوات المنافقين والليكوديين عندنا!
وقد أفادت الحملة في تنوير بعض الذين لم يدركوا بعد معنى الحرية وأثرها الخطير في رفع الظلم وبناء العزة، فمثلا نشرت مجلة ’’سبق’’ مقابلة مع الشيخ ناصر العمر ثم أعاد نشرها على صفحته ’’المسلم’’ (1).
وقد فرحت أن الشيخ رجع إلى الحق في مسألة الحرية، وامتدحها في سياق بيان أنها سبب كسر الحصار على غزة، لم أستغرب عودة الشيخ للحق في هذا الموضوع، فهو ممن نحسبهم يحبون الحق ويسعون إليه، وربما تصده عن الحق الصوادّ المعتادة، فقد سررت له بخطوته إلى الحق لما تحدث يمجّد الحرية، ويجعلها سببا في قدرة الأتراك على كسر حصار غزة، وقد أبرزت ’’سبق’’ وموقع الشيخ القول: ’’وعزا د.العمر الموقف التركي مقارنة بالموقف العربي إلى أجواء الحرية التي تعيشها تركيا بخلاف الدول العربية التي تعاني من تضييق على مثل هذه الأنشطة المتجاوبة مع المحاصرين في غزة، والتي لم تسمح بانطلاق هذه الحملات من الداخل العربي’’، وهذا تلخيص الموقعين لأنه يقول من نصه: ’’أنا أرى أن مواقف تركيا الجديدة مشجعة، فتركيا تملك من الحرية ما لا نملك في الدول العربية’’.
أكتب هذا لأني أتوقع أن يكسر الشيخ هذا الحاجز النفسي الذي يمنعه من الترويج لأهم فكرتين ساهمتا في رقي الإنسان في العصور الحديث تقنية وتنظيما وتيسيرا للحياة، فالحرية تقدم له وللأمة أكثر من موقع ’’المسلم’’ على النت أو مركز ’’تأصيل’’، ولكن الشيخ وقف خائفا أو متغافلا عن أن التيار الإسلامي الهادئ كما يسميه في تركيا لم تأت به الحرية وحدها، وهي مقصد من مقاصد الشريعة كما يرى الإمام الطاهر بن عاشور، بل الديمقراطية قرينتها، التي أيدها جلة علماء الإسلام ومناضليه ونخبة مفكريه في عصرنا، ومن دون الديمقراطية لربما بقيت تركيا طويلا تحت ظلمات المستبدين المتخلفين من العساكر الطورانيين، الذين يخدمون الناتو جنودا وأرضا ويقمعون مواطنيهم رشوة لسادتهم ليبقوهم.
إن أمة المسلمين فيها مال ورجال، ولو كانت بلاد العرب حرة مستقلة وفيها شيء من الديمقراطية لما كان الغزاويون يموتون جوعا في القطاع واختناقا في الأنفاق، مع أن حكومات العرب وسعت ثروتها خصومها الأخطر، وسخرت كثير من مداخيلها للدعاية الصهيونية وللحروب الاستعمارية، بل وحتى في نصرة عملاء في السلطة الفلسطينية، كما وضح تقرير مجلة ’’فانيتي فير’’ (2)، الذي فصل علاقة التمويل للانقلاب على الديمقراطية في فلسطين.
إن البناء الفكري يا شيخ من أهم ما يجب التوجه إليه، ومراجعة المواقف الخاطئة سابقا من مسألتي الحرية والديمقراطية، وقياسه على الحق والنفع، لا على تاريخ الأفكار والعقائد، وأين ولدت هذه وأين ماتت تلك، نحن سكان عصر جديد نلاقي تحديات جديدة لا ينقذنا منها تجربة السلف في عهد ضعفهم، بل نحن مسؤولون عن هذه الأمة، حاضرا ومستقبلا، ألا نسكنها ظلمات التراث، ونغلق عليها آفاق الحق ونور النبوة.
نعم بضاعتنا قد تكون قليلة، ولكن الجهل بالأفكار المفيدة لا يجوز أن يكون سببا لرد الحق الذي نفع العالم، أما التسكع على جمع مساوئ الديمقراطية والحرية لتبرير استمرار الجهل وإبقاء الظلام، فهذا لا يعني أننا سنصفي قلاعنا، بل يحرص كثيرون منا على بقاء الظلام الفكري مخيما فيها، فلنفتحها أسئلة ونقاشا حرا وبحثا عن طريق للخلاص.
الشيخ ناصر لا نزايد عليه، فقد سبق أن سار في طريق الحرية ودفع ثمن ذلك سنين سجن طويلة، والآن وقت التقدم للمزيد من العمل الفكري في تنوير الناس بالحق فيما يصلح لهم من الأفكار.
وعندما تغيب النصوص وتتشتت الدروب، فلنا من نور العقول وحجج المصالح ما يدفع للبحث عن مخارج، وقد تنبه الشيخ إلى أن الحصار كسره تحرر الأتراك وديمقراطيتهم، ومن دون ذلك، كانوا سيبقون لزمن الله أعلم به يموتون جوعا، كما يموت عرب من التخمة والمذلة.
إني أهنئ الشيخ بهذه الخطوة الفكرية المهمة، آملا أن تتلوها خطوات نحو البراءة من الجمود والتجرد للحق، والانتقال من امتداح عارض للحرية إلى الدعوة الجادة لها وللديمقراطية، سعيا لخير الأمة حاكما ومحكوما والله الهادي إلى سواء السبيل.
1 ـ رابط اللقاء مع الشيخ ناصر العمر:
http://almoslim.net/node/129221
2 ـ مقال فانيتي فير عن الانقلاب الفتحاوي على غزة
*العصر