مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2014/08/17 20:10
حتى لا تتحول غزة إلى جرح مصر النازف
حتى لا تتحول غزة إلى جرح مصر النازف
د. عبدالله الأشعل
جوهر المشكلة بين القاهرة وغزة ليس علاقة النظام المصري ﺒ«حماس»، ولكنه يتعلق بوضع مصر في الإقليم. ومن دون دخول في تفاصيل معروفة، فإنني بهذه السطور أريد أن أفتح ملفاً تجب دراسته بكل الصدق والتجرد حتى لا تظل غزة جرحاً لا يندمل بالنسبة إلى مصر، ولذلك أريد أن أضع الفكرة في نقاط محددة. أولاً: إن سكان غزة لديهم ميل نفسي، بحكم سطوة المشروع الصهيوني، وعشم هائل وآمال كبار تجاه مصر، تماماً كما يشعر سكان الضفة الغربية والقدس تجاه الأردن، ولذلك عمدت إسرائيل، ولأسباب أخرى، إلى تأمين مصر والأردن في اتفاقات سلام تضمنها واشنطن وتكفل للدولة العبرية اليد الطولى في التفسير والتنفيذ. فقد كانت غزة تحت الإدارة المصرية حتى 1967 كما كانت الضفة الغربية وشرق القدس جزءً من الأردن، ولكن مصر تفاوضت على سيناء وأغفلت غزة تماماً، كما أن الملك حسين فك الارتباط مع الضفة والقدس 1988، للسبب نفسه وهو أن تكون منظمة التحرير الفلسطينية هي المحتل الشرعي والوحيد لكل الشعب الفلسطيني داخل كل الأراضي الفلسطينية المحتلة وخارجها. ولذلك تظل المسؤولية القانونية على مصر تجاه غزة والتعامل معها بحكم الجوار بما يكسر حدة الاحتلال ويفوت الفرصة على مخططاته فيها. فلم تطالب مصر أن تنطبق على ذلك أحكام قانون الاحتلال الحربي التي تبقي على النظم الإدارية والقضائية والقانونية للإقليم المحتل وتعصمه من الضم والإلحاق والحكم العسكري المباشر. وتسبب هذا الموقف المصري من غزة من مجمل الأراضي العربية الأخرى المحتلة في عهد السادات إلى مطالبة إسرائيل مصر بالتركيز على أراضيها وضبط العلاقات معها بحيث تترك المنطقة تحت هيمنة إسرائيل، كما أدى هذا الموقف أيضاً إلى أن الفقه الإسرائيلي برر الاستيلاء على غزة والضفة بأنها كانت تحت احتلال مصري وأردني، وإسرائيل كسبت الحرب فصارت هذه الأراضي غنائم ومكافأة، وهي النظرية نفسها التي طبقتها على سيناء والجولان، على رغم تداعي منطق هذه النظرية من الناحية القانونية. ثانياً: من أغرب الملاحظات أن الحكومة المصرية دأبت على إرضاء إسرائيل حتى على حساب مصالح مصر المباشرة والواضحة، بل وعمدت إلى تحميل نفسها التزامات ليست واردة في معاهدة السلام لمجرد أنها تريد أن تسوق للحركة الوطنية المصرية مبرراً قانونياً يخرسها. وتطبيقاً لذلك تمكنت إسرائيل من إقناع مصر بأن سيطرة «حماس» على غزة خطر عليها، وأن نجاح تجربة «حماس» سيغري «الإخوان المسلمين» في مصر ويقوي ساعدهم في السعي إلى السلطة. وبذلك يكون التصدي ﻠ«حماس» و«الإخوان» مصلحة مشتركة للحكم في مصر وإسرائيل. وهكذا نشأ الربط بين «حماس» و«الإخوان». وما دامت «حماس» قريبة من سورية وإيران، فقد وجدت مصر أيضاً مصلحة مشتركة أخرى وتكرست تصريحات الكثيرين في مصر في صدد هذه النقاط وﺒ«تشييع» صورة «حماس» و«الإخوان» عند المجتمع المصري، وهذا يخدم المصلحة المشتركة للحكم وإسرائيل، فهو استهدف كحركة مقاومة تذكر العالم بأصول المشكلة قبل تمام ابتلاعها، وهو ضرب للاخوان حتى يظل الحكم آمناً لأصحابه، ولو كان «الإخوان» حتى يهوداً لتم التصدي لهم، ولذلك فإن تصدي النظام لهم دافعه القضاء على خصم سياسي، وليس كما روج بعض خصومه بأنه معاد للإسلام ومنحرف صوب العلمانية. ثالثاً: تحمست مصر لانتخابات فلسطين 2006 ونزاهتها التي يتمناها الشعب المصري عنده، ولكن مصر ناصرت رئيس السلطة ضد المجلس التشريعي الذي يشكل مع الرئيس أجهزة السلطة، ويبدو أن فكرة الخلاص من «حماس» استقرت كلما تقدمت فكرة تصفية «الإخوان المسلمين» مع فارق مهم يتمثل في أن التصدي ﻠ«حماس» يرضي إسرائيل وواشنطن، وأنه تحرش بإيران وسورية ما دامت علاقتهما بواشنطن سيئة، ولذلك سيختلف المؤشر المصري وينسجم مع المؤشر الأمريكي منهما.
رابعاً: في محرقة غزة التي يعلم الجميع تفاصيلها بدءاً بزيارة ليفني للقاهرة وإعلان الحملة منها، مروراً بموقف مصر الذي حمل «حماس» المسؤولية عن الصواريخ واستفزاز إسرائيل وانتهاك التهدئة وانتهاءً بظهور مصر بكل مواقفها خلال المحرقة كما لو كانت راضية وأحياناً متوافقة مع إسرائيل. ثم غضبت مصر لاتفاق حظر الأسلحة بين ليفني وكونداليزا رايس مع استمرار إغلاق معبر رفح بحجج غير صحيحة قانونياً، وانتهاء ببناء الجدار الفولاذي بكل ملابساته الإسرائيلية والأمريكية، بعد السماح لإسرائيل باجتياح سيناء وضرب الانفاق بالتعاون مع مصر وكأن مصر تسعى مع إسرائيل إلى كسر إرادة الشعب في غزة حتى يتخلص من «حماس». ولكن النتيجة أن «حماس» تقوى، وصورة مصر هي التي تتعرض للضرر، بخاصة مع توالي بعثات التحقيق وايجاد صعوبات لمرور الإعانات والأدوية، والمواقف المتضاربة والتصريحات الرسمية غير المنطقية ثم بعثات كسر الحصار وآخرها «شريان الحياة»، واعتصام أعضائها في شوارع القاهرة.
خامساً: من الواضح أن ملف غزة بكل أوراقه، الحصار/ المعابر/ الأنفاق/ الجدار/ إعادة الإعمار، مع قضايا المصالحة التي تتحقق، والضغوط الإسرائيلية والأمريكية لاستنزاف مصر، كل هذه الأوراق تحتاج إلى دراسة واقعية تنظر إلى الأمور بهدوء وعقلانية، وأن يكون هدف الدراسة وضع تصور ذكي لكيفية تناول ملف غزة بعد أن أدت تطوراتها إلى إحراج مصر، وسيظل جرحاً نازفاً لمصر. وبدلاً من شحن الشعب رؤاه واستعدائه على عدو مصطنع وصرف نظره عن عدونا الحقيقي الأبدي السرطاني وهو إسرائيل، بدعاوى الوطنية المزيفة والأمن القومي وإخفاء الرأس في الرمال بينما العالم كله يرى، يجب أن تدرس هذه القضايا وأن تكون المواقف شفافة حتى يساند المجتمع المصري ما يراه جاداً من قضايا ومواقف. إن الخلل في المواقف المصرية في غزة لن يعالجها تناقض التصريحات والتضحية بمصالح مصر لمصلحة إسرائيل وواشنطن، بل إن هذا المسلك يدفع إسرائيل إلى المزيد من التوحش والاستخفاف بمصر والمصريين ويعرض مصالح المصريين لخطر محقق في بيئتهم الطبيعية، وهي البيئة العربية.
وأخيراً، فإن معاهدة السلام لا تلزم مصر بالعمل مع إسرائيل لإبادة سكان غزة مهما كانت الذرائع، بل إن نجدة مصر لسكان غزة حق لهم في وجه سياسة الإبادة الإسرائيلية.
*التجديدالعربي
أضافة تعليق