خاص الوفاق- الدعوة لفتح أبواب الاجتهاد واستئناف مسيرته من ثوابت الخطاب الإسلامي وأدبيات الدعاة والمصلحين والمفكرين منذ بدايات عصر النهضة الحديثة وخاصة مع بروز ظاهرة الإمام محمد عبده،وقد خطت العملية الاجتهادية خطوات رائدة على أكثر من صعيد ومازال سيرها يقوى ويتعزز مع الأيام.
وللاجتهاد الشرعي أصول وضوابط ومنهجية معروفة عند الدارسين لا يستقيم إلا بها، ولقد وجد تياران في الساحة الإسلامية المعاصرة يتحدثان عن الاجتهاد ويقفزان بدرجات متفاوتة على أصوله وضوابطه ومنهجيته،يتمثل الأول في الاتجاه التغريبي الذي لا يعني الاجتهاد عنده أكثر من إخضاع أحكام الشرع ومنظومته الفكرية والسلوكية للقيم الغربية فهو يتجاوز الثوابت وبالتالي لا علاقة له بالاجتهاد المعروف في الثقافة الإسلامية.
أما التيار الثاني فيتمثل في المدرسة النصوصية الحرفية الظاهرية التي تنطلق من ثوابت الإسلام لكنها لا تكاد تمارس أي نوع من الاجتهاد بسبب انشغالها بالنصوص الجزئية وإعراضها عن المقاصد والمعاني أي بسبب اعتمادها رؤية تفكيكية تاريخية ماضوية تنتصر للنصوص بفهم تقليدي أقرب إلى الجمود غير آبهة بما يحيط بالوقائع والأفراد والأمم من ظروف متغيرة تحتاج إلى المعرفة الفقهية الواسعة إلى جانب النظر الثاقب سواء في النصوص أو أحوال المكلفين من ضيق وسع وعلم وجهل وإرادة حرة وإكراه ومتانة في الدين أو رقة،وهذا ما يحتاج إليه المجتهد والمفتي لينصر دين الله ويثبت عباده على طريق الاستقامة.
إن الاجتهاد في الشريعة-والفتوى وجهه الأبرز- ليس هو التناول الحرفي للآيات والأحاديث إنما هو فهم الوحي والتعامل معه بأدوات استقر المسلمون على اعتبارها وهي أصول الفقه أي المنهجية التي تحكم تحرك عقل المجتهد والفقيه والمفتي ،ولذلك يعمد هؤلاء إلى الإجماع-وهو المجال الأقل إسعافا لهم- ويعملون بالقياس فإن خشوا أن يؤدي إلى ضرر تحولوا إلى الاستحسان،ثم هم ينشدون المصالح فإن خافوا أن تفضي إلى مفاسد سدوا الذرائع ،ويتخلصون من أنواع الإكراه التي تعيق تحصيل الحقوق والتزام الشرع بالحيل المقبولة شرعا.
ولا يخفى على طلبة العلم أن القياس كفيل بتوفير كثير من الحلول الفقهية لذلك يستكثر منه العلماء الراسخون-إلى جانب الأخذ بالمصالح- في معترك الاستئناف الحضاري لكسب معركة الحياة على مستوى الأمة كلها،وهو نقيض الجمود على الظاهر الذي يلغي المقاصد بل يتجاوز الفهم السائغ،فدلالة الأقوال ليست مطلقة وإنما تكون وفق دلالة الأحوال فتشير إلى الواجب أو الندب من جهة والحظر والمكروه من جهة ثانية إلى جانب مساحات أخرى يرتادها العارفون باللسان العربي من الفقهاء و المفتين،وقد ذكروا مثلا أن لكلمة’’قضى’’عشرين معنى مختلفا بحسب سياقها في القرآن الكريم،ولذلك فرقوا بين معاني النفاق فقد يكون عقديا وقد يكون سلوكيا وأكبر وأصغر إلى آخره...،ومن قديم حذر العلماء من خطورة إنزال المجاز منزلة الحقيقة فليس من اغتاب في رمضان قد أفطر كما قد يفهم من قول الله تعالى((أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا)).
فمباحث الألفاظ هذه تحتاج إلى رسوخ في اللغة العربية فكيف بالمباحث التي تتلوها وتتناول النص في سياقه ثم في سياق موضوعه إلى غير ذلك مما تقتضيه منهجية الاجتهاد والفتوى وكل هذا يجعل الموقف الظاهري موقفا سطحيا ساذجا يسقط مجالين من أعظم مجالات الشريعة هما المقاصد والمصالح خاصة مع ما اعترى الحياة من تطور وتعقيد وانفلات فكري ونفسي لا يمكن علاج معضلاتها إلا من خلال الغوص المنهجي الجريء في أعماق النصوص وروحها وكلياتها وقواعدها مما حدا بالفقهاء أن يراعوا المصالح والضرورات وظروف الإكراه بالنسبة للأفراد والمؤسسات والأمة،ومن الواضح أن كل هذا يقتضي توفر العقل المتفتح والنفس المطمئنة والذوق الرفيع ويقصي من يعاني التزمت الفكري والقلق النفسي وتبلد الحس من أصناف تغلب عليها الغلظة وسوء الظن مع أن من أهم ما يفضي بالعملية الاجتهادية إلى النجاح أن يفهم الفقيه الإنسان كما خلقه الله لا كما يريد له هو أن يكون وأن يصدر فتواه في إطار حركة الحياة لا بمعزل عنها ولا عكس تيارها من باب أولى،وفي الحياة قوي وضعيف وظالم لنفسه ومقتصد وسابق بالخيرات بل في الفرد الواحد إقبال وإدبار وصعود وهبوط وكلهم مسلمون يتناولهم المجتهد والمفتي فيدور مع أحوالهم بعلم وذكاء وصبر وبصيرة وعطف وشفقة وهذا ما يفرض عليه استصحاب النسبية في اجتهاده وإفتائه ليحل مشكلات الناس الشرعية فإذا غفل عن قاعدة النسبية أو لم يعتبرها كان بصرامته وإطلاقاته فتنة للمسلمين والملتزمين منهم بخاصة، فمهمته الحقيقية تعبيد الناس لله بالحسنى لا قهرهم بتوخي الأشد والأحوط في كل شيء ،ولا يستطيع هذا إلا بالاعتماد على التفكير العلمي المناهض للركود والجمع بين الأصالة والتجديد وإعمال العقل الحصيف في تدبر النصوص الشرعية مع معايشة حركة الحياة.
ورغم كثرة الجامعات والمعاهد الإسلامية وخريجيها فإن الممارسين للاجتهاد والإفتاء بالطريقة المرجوة قليل عددهم فيما يلتحق أغلبيتهم بالطبقة التقليدية التي أثبتت محدودية عطائها ومصداقيتها ،أو تنسحب إلى ساحات التدين الفردي وتلك خسارة كبرى للفقه وللمشروع الإسلامي وإنما ينعقد الأمل على المجامع الفقهية الحديثة النشأة مثل مجامع الفقه العالمية ومجمع فقهاء الشريعة في أمريكا والمجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث لأنها تجمع أصحاب مؤهلات الاجتهاد ومواصفاته من التبحر في العلم والالتصاق بالواقع والتقوى والغيرة على الدين والتوجه التجديدي والنزعة المقاصدية.
بقي التنبيه على أن العمل الاجتهادي المطلوب لا يجوز أن ينصب على أسئلة الأفراد في ميدان الشعائر والأخلاق وإنما يتصدى لأوضاع الأمة السياسية والدعوية والاقتصادية والاجتماعية والتربوية وعلاقاتها الخارجية بالإجابة والتأسيس حتى من غير تلقي سؤال سائل،فهذه وظيفة الفتوى الحقيقية بل وظيفة التجديد والاجتهاد من أجل إعادة بعث الأمة الشاهدة ببيان حقوقها وتأكيد ممارستها لها في جميع المجالات والضمانات التي تلازم هذه الممارسة في كل مراحلها،ولا يعول لأداء هذه المهمة على مؤسسات الإفتاء الرسمية فهي -كما لا يخفى على أحد- هيئات حكومية تعتبر الذريعة الدينية للأنظمة الحاكمة في أعين الناس تميل مع هوى الحكام
فتمارس الإفتاء الانتقائي أو تلوذ بالسكوت على الانحراف والجور في أحسن الأحوال فلا مصداقية لها البتة خارج دوائر السلطة،ومازلت أذكر مقالا للأستاذ فهي هويدي كتبه منذ ربع قرن يقارن فيه بين تفاعل المسلمين مع الشيخ’’عبد الحميد كشك’’ومع شيخ الأزهر (أيا كان) وحول أيهما من يلتفون بعفوية وثقة،وشتان بين الثكلى والمستأجرة.
وللاجتهاد الشرعي أصول وضوابط ومنهجية معروفة عند الدارسين لا يستقيم إلا بها، ولقد وجد تياران في الساحة الإسلامية المعاصرة يتحدثان عن الاجتهاد ويقفزان بدرجات متفاوتة على أصوله وضوابطه ومنهجيته،يتمثل الأول في الاتجاه التغريبي الذي لا يعني الاجتهاد عنده أكثر من إخضاع أحكام الشرع ومنظومته الفكرية والسلوكية للقيم الغربية فهو يتجاوز الثوابت وبالتالي لا علاقة له بالاجتهاد المعروف في الثقافة الإسلامية.
أما التيار الثاني فيتمثل في المدرسة النصوصية الحرفية الظاهرية التي تنطلق من ثوابت الإسلام لكنها لا تكاد تمارس أي نوع من الاجتهاد بسبب انشغالها بالنصوص الجزئية وإعراضها عن المقاصد والمعاني أي بسبب اعتمادها رؤية تفكيكية تاريخية ماضوية تنتصر للنصوص بفهم تقليدي أقرب إلى الجمود غير آبهة بما يحيط بالوقائع والأفراد والأمم من ظروف متغيرة تحتاج إلى المعرفة الفقهية الواسعة إلى جانب النظر الثاقب سواء في النصوص أو أحوال المكلفين من ضيق وسع وعلم وجهل وإرادة حرة وإكراه ومتانة في الدين أو رقة،وهذا ما يحتاج إليه المجتهد والمفتي لينصر دين الله ويثبت عباده على طريق الاستقامة.
إن الاجتهاد في الشريعة-والفتوى وجهه الأبرز- ليس هو التناول الحرفي للآيات والأحاديث إنما هو فهم الوحي والتعامل معه بأدوات استقر المسلمون على اعتبارها وهي أصول الفقه أي المنهجية التي تحكم تحرك عقل المجتهد والفقيه والمفتي ،ولذلك يعمد هؤلاء إلى الإجماع-وهو المجال الأقل إسعافا لهم- ويعملون بالقياس فإن خشوا أن يؤدي إلى ضرر تحولوا إلى الاستحسان،ثم هم ينشدون المصالح فإن خافوا أن تفضي إلى مفاسد سدوا الذرائع ،ويتخلصون من أنواع الإكراه التي تعيق تحصيل الحقوق والتزام الشرع بالحيل المقبولة شرعا.
ولا يخفى على طلبة العلم أن القياس كفيل بتوفير كثير من الحلول الفقهية لذلك يستكثر منه العلماء الراسخون-إلى جانب الأخذ بالمصالح- في معترك الاستئناف الحضاري لكسب معركة الحياة على مستوى الأمة كلها،وهو نقيض الجمود على الظاهر الذي يلغي المقاصد بل يتجاوز الفهم السائغ،فدلالة الأقوال ليست مطلقة وإنما تكون وفق دلالة الأحوال فتشير إلى الواجب أو الندب من جهة والحظر والمكروه من جهة ثانية إلى جانب مساحات أخرى يرتادها العارفون باللسان العربي من الفقهاء و المفتين،وقد ذكروا مثلا أن لكلمة’’قضى’’عشرين معنى مختلفا بحسب سياقها في القرآن الكريم،ولذلك فرقوا بين معاني النفاق فقد يكون عقديا وقد يكون سلوكيا وأكبر وأصغر إلى آخره...،ومن قديم حذر العلماء من خطورة إنزال المجاز منزلة الحقيقة فليس من اغتاب في رمضان قد أفطر كما قد يفهم من قول الله تعالى((أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا)).
فمباحث الألفاظ هذه تحتاج إلى رسوخ في اللغة العربية فكيف بالمباحث التي تتلوها وتتناول النص في سياقه ثم في سياق موضوعه إلى غير ذلك مما تقتضيه منهجية الاجتهاد والفتوى وكل هذا يجعل الموقف الظاهري موقفا سطحيا ساذجا يسقط مجالين من أعظم مجالات الشريعة هما المقاصد والمصالح خاصة مع ما اعترى الحياة من تطور وتعقيد وانفلات فكري ونفسي لا يمكن علاج معضلاتها إلا من خلال الغوص المنهجي الجريء في أعماق النصوص وروحها وكلياتها وقواعدها مما حدا بالفقهاء أن يراعوا المصالح والضرورات وظروف الإكراه بالنسبة للأفراد والمؤسسات والأمة،ومن الواضح أن كل هذا يقتضي توفر العقل المتفتح والنفس المطمئنة والذوق الرفيع ويقصي من يعاني التزمت الفكري والقلق النفسي وتبلد الحس من أصناف تغلب عليها الغلظة وسوء الظن مع أن من أهم ما يفضي بالعملية الاجتهادية إلى النجاح أن يفهم الفقيه الإنسان كما خلقه الله لا كما يريد له هو أن يكون وأن يصدر فتواه في إطار حركة الحياة لا بمعزل عنها ولا عكس تيارها من باب أولى،وفي الحياة قوي وضعيف وظالم لنفسه ومقتصد وسابق بالخيرات بل في الفرد الواحد إقبال وإدبار وصعود وهبوط وكلهم مسلمون يتناولهم المجتهد والمفتي فيدور مع أحوالهم بعلم وذكاء وصبر وبصيرة وعطف وشفقة وهذا ما يفرض عليه استصحاب النسبية في اجتهاده وإفتائه ليحل مشكلات الناس الشرعية فإذا غفل عن قاعدة النسبية أو لم يعتبرها كان بصرامته وإطلاقاته فتنة للمسلمين والملتزمين منهم بخاصة، فمهمته الحقيقية تعبيد الناس لله بالحسنى لا قهرهم بتوخي الأشد والأحوط في كل شيء ،ولا يستطيع هذا إلا بالاعتماد على التفكير العلمي المناهض للركود والجمع بين الأصالة والتجديد وإعمال العقل الحصيف في تدبر النصوص الشرعية مع معايشة حركة الحياة.
ورغم كثرة الجامعات والمعاهد الإسلامية وخريجيها فإن الممارسين للاجتهاد والإفتاء بالطريقة المرجوة قليل عددهم فيما يلتحق أغلبيتهم بالطبقة التقليدية التي أثبتت محدودية عطائها ومصداقيتها ،أو تنسحب إلى ساحات التدين الفردي وتلك خسارة كبرى للفقه وللمشروع الإسلامي وإنما ينعقد الأمل على المجامع الفقهية الحديثة النشأة مثل مجامع الفقه العالمية ومجمع فقهاء الشريعة في أمريكا والمجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث لأنها تجمع أصحاب مؤهلات الاجتهاد ومواصفاته من التبحر في العلم والالتصاق بالواقع والتقوى والغيرة على الدين والتوجه التجديدي والنزعة المقاصدية.
بقي التنبيه على أن العمل الاجتهادي المطلوب لا يجوز أن ينصب على أسئلة الأفراد في ميدان الشعائر والأخلاق وإنما يتصدى لأوضاع الأمة السياسية والدعوية والاقتصادية والاجتماعية والتربوية وعلاقاتها الخارجية بالإجابة والتأسيس حتى من غير تلقي سؤال سائل،فهذه وظيفة الفتوى الحقيقية بل وظيفة التجديد والاجتهاد من أجل إعادة بعث الأمة الشاهدة ببيان حقوقها وتأكيد ممارستها لها في جميع المجالات والضمانات التي تلازم هذه الممارسة في كل مراحلها،ولا يعول لأداء هذه المهمة على مؤسسات الإفتاء الرسمية فهي -كما لا يخفى على أحد- هيئات حكومية تعتبر الذريعة الدينية للأنظمة الحاكمة في أعين الناس تميل مع هوى الحكام
فتمارس الإفتاء الانتقائي أو تلوذ بالسكوت على الانحراف والجور في أحسن الأحوال فلا مصداقية لها البتة خارج دوائر السلطة،ومازلت أذكر مقالا للأستاذ فهي هويدي كتبه منذ ربع قرن يقارن فيه بين تفاعل المسلمين مع الشيخ’’عبد الحميد كشك’’ومع شيخ الأزهر (أيا كان) وحول أيهما من يلتفون بعفوية وثقة،وشتان بين الثكلى والمستأجرة.