مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2014/08/17 20:10
توفيق الشاوي ـ د. محمد عمارة
توفيق الشاوي ـ د. محمد عمارة

منذ الثورة الفرنسية أواخر القرن الثالث عشر اختارت فرنسا ’’العلمانية المتوحشة’’ لها أيدولوجية ومذهبا لكنها مع ذلك وعندما تكون المواجهة مع الإسلام والبلاد الإسلامية فإن الروح الصليبية هي التي تحكم سياستها وتسيطر على تصرفاتها، فعندما احتلت الجزائر 1830 ذهب الملك شارل العاشر 1757-1736م إلى الكنيسة ليشكر ربه على هذا الاحتلال .. وتقدم إليه مطران باريس ليقول ’’إنه يشكر الرب على أن أمة مسيحية قد انتصرت على الأمة الإسلامية’’.
وبعد قرن من الزمان سنة 1930 احتفلت فرنسا العلمانية بمرور قرن على انتصار الأمة المسيحية على الأمة الإسلامية فأقامت على أرض الجزائر المهرجانات الصاخبة وخطب فيها القادة والكبراء فقال أحد كبار الكرادلة: ’’لقد ولى عهد الهلال وأقبل عهد الصليب، وإن الجزائر ستكون مهد الحضارة روحها الإنجيل’’.

وقال أحد كبار الساسة: ’’إننا لا نحتفل بمرور قرن على وجودنا في هذه البلاد فلقد سبق للرومان وأقاموا بها ثلاثة قرون ولكنهم خرجوا منها’’ إننا نحتفل بتشييع جنازة الإسلام في الجزائر.

وأمام هذا الفجور الإمبريالي الغارق في الروح الصليبية حتى الآذان أنشأ علماء الإسلام بالجزائر ’’جمعية العلماء’’ سنة 1931م، لتعمل على إعادة الجزائر إلى أحضان العروبة والإسلام وقاد هذه الجمعية الإمام عبدالحميد بن باديس (1307-1390هـ - 1889 – 1940م) والإمام البشير الإبراهيمي (1306-1359هـ - 1898 – 1973م).
وكان هناك جناح أخر في الحركة الوطنية الجزائرية والمغربية قد استوعبته اللغة الفرنسية والثقافة الفرنسية والأيدلوجيات الأوروبية فانخرط في العمل النقابي والوطني من منطلقات وطنية وماركسية وكان في طليعة هذا التيار الزعيم العمالي مصالي الحاج (1316- 1393هـ - 1898 – 1973م).

كانت المخططات الفرنسية تعمل على إزاحة العروبة والإسلام من البلاد فتحي الأمازيغية لتكون سبيلا للفرنسية وتفصل العادات البربرية عن الشريعة الإسلامية لتلحقها بالقانون الفرنسي وتجعل النضالات الجزائرية ضمن الناضلات الفرنسية فأنصار الحرية تستوعبهم الليبرالية الفرنسية، وطلاب العدل تستوعبهم الشيوعية الفرنسية.
لكن الله سبحانه وتعالى قد قيض للنضال الجزائري والمغربي بطلين من أبطال الجهاد الإسلامي عملا على توجيه النضالات الوطنية والطبقية إلى ’’قبلة الإسلام’’ .. وكان البطل الأول هو أمير البيان شكيب أرسلان (1288 – 1365هـ - 1871-1946م)الذي وجه مصالي الحاج لإنشاء جمعية ’’نجمة شمال إفريقيا’’ 1936م .. أما البطل الثاني فهو العالم المجاهد الدكتور توفيق الشاوي (1336- 1420هـ - 1918 – 2009م) الذي فارق دنيانا هذه الأيام إبريل 2009.
لقد كان الشاوي 1945 عازما على السفر إلى أمريكا لدراسة الدكتوراه في القانون فوجهه شيخه وإمامه حسن البنا 1324-1368هـ -1906 – 1949م) إلى باريس بدلا من أمريكا ليتسلم من شكيب أرسلان خيوط التوجية الإسلامي للحركة الوطنية ببلاد المغرب العرب ليكون حلقة الوصل بين المجاهدين في تلك البلاد وبين الحاج أمين الحسيني 1315 – 1394 – 1893 -1974م) الذي كان سجينا يوم إذ بباريس.
والذين يطالعون من الصفر الذي كتبه ونشره الدكتور الشاوي ’’مذكرات نصف قرن من العمل الإسلامي’’ 1945 – 1995 يعيشون ملحمة من ملاحم الجهاد الإسلامي الذي راعته اليقظة الإسلامية الحديثة لتحرير شمال إفريقيا من القهر الإمبريالي والصليبي كما يكون معنى شعار ’’الجامعة الإسلامية’’ الساعي إلى توحيد الأمة بتياراتها الفكرية وطبقاتها الاجتماعية وتنوعها القومي تحت رايات الإسلام.
رحم الله الدكتور الشاوي رحمة واسعة وعوضنا فيه من يسير على الطريق الذي سار فيه، طريق الجهاد الماضي إلى يوم الدين.
.المصريون
أضافة تعليق