التفريط ليس اعتدالاً والغلو ليس عزيمة* زيد الشامي
27/04/2009
أمة الإسلام وسط بين الأمم، في موقعها، وفي عبادتها، وفي تعاملها مع غيرها، تتمسك بالمبادئ والقيم، وتتجدد في الوسائل والمصالح، لا يتبتل أفرادها وينقطعون عن الدنيا، ولا يغرقون في وحل الشهوات “وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس”.
نظام الحياة في الإسلام وسط في اهتمامه بالفرد ومراعاة حريته وحقوقه وحاجاته، لكن ذلك ليس على حساب الجماعة، ورعاية مصالحها العامة، وأخلاقها وقيمها، حرص على صيانة حقوق المسلمين، واعترافٌ بحقوق غيرهم، علاقاتٌ مع الدول تقوم على الاحترام المتبادل، وتبادل للمصالح، والتزام بالعهود والمواثيق، وشدة وقوة في الحفاظ على السيادة والاستقلال، بل حربٌ لا هوادة معها لمن يعتدي على حقوقنا أو يغتصب أراضينا.
يأمر الإسلام أتباعه أن يتوسطوا في حبهم وكراهيتهم، حب معتدل لا يصل إلى الابتذال والملق والمديح الكاذب، وبغض لا يخرج عن حدود العدل والإنصاف “ولا يجرمنكم شنآن قوم على أن لا تعدلوا، اعدلوا هو أقرب للتقوى”.
هذه الوسطية لا تعني التفريط والتجاوز، فبين الغلو والالتزام درجة، كما أن بين التفريط والاعتدال درجة، وقد وقع الناس اليوم بين تشدد غال، وتساهل مفرط، وواضح أن الحق بينهما، فحينما نطالب بالاعتدال فإن ذلك لا يعني التساهل في السلوك أو التفريط بالمبادئ أو التسامح في القيم، وعندما ندعو إلى الالتزام فلا نقصد المغالاة والتشدد والتنطع وفي الحديث “إن الدين يسر، ولا يشاد الدين أحد إلا غلبه، فسددوا وقاربوا وأبشروا، واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدّلجة”.
في ديننا رخص وعزائم، ومن حق الفرد أن يأخذ نفسه بالعزيمة وهو الأزكى والأولى، ولكن ليس كل الناس يطيق ذلك، فإذا رأينا من يأخذ بالرخصة الشرعية فلا ننكر عليه، مع ملاحظة أن التشدد في العزائم قد يؤدي إلى الغلو والتطرف، والتوسع في الرخص ربما يقود إلى التفريط والانحلال، والتجاوز مذموم في الحالين.
ويجدر التنويه إلى أهمية مراعاة حالة من نتعامل معه، والوسط الذي نتحدث إليه، فإن وجدنا من يحافظ على الفروض، ويحرص على السنن، ويتشدد في المباح، فالأنسب مع هذا أن نذكره بسماحة الإسلام ورخص الشرع، أما إذا كنا مع المتساهلين، الذي ربما أخروا الفروض والواجبات، ومن يميلون إلى الدعة والاستخذاء فالأولى معهم أن ننتقل بهم إلى صرامة العزائم، وأن نحدثهم عن فضائل الأعمال، وبهذا يحدث التوازن والوسطية، وعلى العكس حين نبسط للمتساهلين الرخص ونبحث لهم عن الأعذار أو عندما نطلب من المتشددين أن يزدادوا تشدداً وصرامة.
قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم لمن يهمل التهجد في الليل: “يا عبدالله لا تكن مثل فلان، كان يقوم الليل فترك قيام الليل” بينما قال لآخر صام نهاره وأقام ليله وهجر زوجته: “.. فصم وافطر، وقم ونم، فإن لجسدك عليك حقاً، وإن لعينيك عليك حقاً، وإن لزوجك عليك حقاً” ولما شكى بعض الصحابة تغير حالهم من السمو والارتقاء إلى الانشغال بالدنيا حين يتركون مجالسه صلى الله عليه وآله وسلم قال لهم “لو أنكم تكونون على كل حال على الحال التي أنتم عليها عندي لصافحتكم الملائكة بأكفهم، ولزارتكم في بيوتكم، ولو لم تذنبوا لجاء الله بقوم يذنبون كي يغفر لهم” وفي رواية: “ولكن ساعة وساعة، ساعة وساعة”.
إننا اليوم نخلط بين الاعتدال المطلوب، والتفريط المذموم، ولا نفرق بين الالتزام المحمود والتشدد الممقوت، والضابط في ذلك أن لكل مقام مقال، ولكل حالة ما يناسبها، وعلينا جميعاً أن نغلب حسن الظن بالآخرين، وتقدير اجتهادهم طالما وهم في دائرة الإسلام الواسعة، فلا نلوم أصحاب العزائم ولا نستنقص من يأخذ بالرخصة، والله أعلم بمن اتقى.
نحن بحاجة إلى أن ينتهي اللبس بين الالتزام والاعتدال وأنه لا تضاد بينهما، فالتفريط ليس اعتدالاً والغلو ليس التزاماً.
التخلي عن أخلاق الإسلام وآدابه، والتساهل في أداء الواجبات تفريط يجب أن ننهى عنه، وتحميل الناس ما لا يطيقون، واتهام نواياهم، والتشديد عليهم فيما رخص لهم به الشرع غلو يؤدي إلى تطرف وانحراف ربما ارتد إلى ارتكاس وضعف وسقوط، وما أشد حاجتنا إلى الحكمة والرفق في التعامل قال تعالى: “ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً” وقال صلى الله عليه وآله وسلم : “من أعطي حظه من الرفق فقد أعطي حظه من الخير، ومن حرم حظه من الرفق، فقد حرم حظه من الخير”.
[email protected]
.الصحوةنت
27/04/2009
أمة الإسلام وسط بين الأمم، في موقعها، وفي عبادتها، وفي تعاملها مع غيرها، تتمسك بالمبادئ والقيم، وتتجدد في الوسائل والمصالح، لا يتبتل أفرادها وينقطعون عن الدنيا، ولا يغرقون في وحل الشهوات “وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس”.
نظام الحياة في الإسلام وسط في اهتمامه بالفرد ومراعاة حريته وحقوقه وحاجاته، لكن ذلك ليس على حساب الجماعة، ورعاية مصالحها العامة، وأخلاقها وقيمها، حرص على صيانة حقوق المسلمين، واعترافٌ بحقوق غيرهم، علاقاتٌ مع الدول تقوم على الاحترام المتبادل، وتبادل للمصالح، والتزام بالعهود والمواثيق، وشدة وقوة في الحفاظ على السيادة والاستقلال، بل حربٌ لا هوادة معها لمن يعتدي على حقوقنا أو يغتصب أراضينا.
يأمر الإسلام أتباعه أن يتوسطوا في حبهم وكراهيتهم، حب معتدل لا يصل إلى الابتذال والملق والمديح الكاذب، وبغض لا يخرج عن حدود العدل والإنصاف “ولا يجرمنكم شنآن قوم على أن لا تعدلوا، اعدلوا هو أقرب للتقوى”.
هذه الوسطية لا تعني التفريط والتجاوز، فبين الغلو والالتزام درجة، كما أن بين التفريط والاعتدال درجة، وقد وقع الناس اليوم بين تشدد غال، وتساهل مفرط، وواضح أن الحق بينهما، فحينما نطالب بالاعتدال فإن ذلك لا يعني التساهل في السلوك أو التفريط بالمبادئ أو التسامح في القيم، وعندما ندعو إلى الالتزام فلا نقصد المغالاة والتشدد والتنطع وفي الحديث “إن الدين يسر، ولا يشاد الدين أحد إلا غلبه، فسددوا وقاربوا وأبشروا، واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدّلجة”.
في ديننا رخص وعزائم، ومن حق الفرد أن يأخذ نفسه بالعزيمة وهو الأزكى والأولى، ولكن ليس كل الناس يطيق ذلك، فإذا رأينا من يأخذ بالرخصة الشرعية فلا ننكر عليه، مع ملاحظة أن التشدد في العزائم قد يؤدي إلى الغلو والتطرف، والتوسع في الرخص ربما يقود إلى التفريط والانحلال، والتجاوز مذموم في الحالين.
ويجدر التنويه إلى أهمية مراعاة حالة من نتعامل معه، والوسط الذي نتحدث إليه، فإن وجدنا من يحافظ على الفروض، ويحرص على السنن، ويتشدد في المباح، فالأنسب مع هذا أن نذكره بسماحة الإسلام ورخص الشرع، أما إذا كنا مع المتساهلين، الذي ربما أخروا الفروض والواجبات، ومن يميلون إلى الدعة والاستخذاء فالأولى معهم أن ننتقل بهم إلى صرامة العزائم، وأن نحدثهم عن فضائل الأعمال، وبهذا يحدث التوازن والوسطية، وعلى العكس حين نبسط للمتساهلين الرخص ونبحث لهم عن الأعذار أو عندما نطلب من المتشددين أن يزدادوا تشدداً وصرامة.
قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم لمن يهمل التهجد في الليل: “يا عبدالله لا تكن مثل فلان، كان يقوم الليل فترك قيام الليل” بينما قال لآخر صام نهاره وأقام ليله وهجر زوجته: “.. فصم وافطر، وقم ونم، فإن لجسدك عليك حقاً، وإن لعينيك عليك حقاً، وإن لزوجك عليك حقاً” ولما شكى بعض الصحابة تغير حالهم من السمو والارتقاء إلى الانشغال بالدنيا حين يتركون مجالسه صلى الله عليه وآله وسلم قال لهم “لو أنكم تكونون على كل حال على الحال التي أنتم عليها عندي لصافحتكم الملائكة بأكفهم، ولزارتكم في بيوتكم، ولو لم تذنبوا لجاء الله بقوم يذنبون كي يغفر لهم” وفي رواية: “ولكن ساعة وساعة، ساعة وساعة”.
إننا اليوم نخلط بين الاعتدال المطلوب، والتفريط المذموم، ولا نفرق بين الالتزام المحمود والتشدد الممقوت، والضابط في ذلك أن لكل مقام مقال، ولكل حالة ما يناسبها، وعلينا جميعاً أن نغلب حسن الظن بالآخرين، وتقدير اجتهادهم طالما وهم في دائرة الإسلام الواسعة، فلا نلوم أصحاب العزائم ولا نستنقص من يأخذ بالرخصة، والله أعلم بمن اتقى.
نحن بحاجة إلى أن ينتهي اللبس بين الالتزام والاعتدال وأنه لا تضاد بينهما، فالتفريط ليس اعتدالاً والغلو ليس التزاماً.
التخلي عن أخلاق الإسلام وآدابه، والتساهل في أداء الواجبات تفريط يجب أن ننهى عنه، وتحميل الناس ما لا يطيقون، واتهام نواياهم، والتشديد عليهم فيما رخص لهم به الشرع غلو يؤدي إلى تطرف وانحراف ربما ارتد إلى ارتكاس وضعف وسقوط، وما أشد حاجتنا إلى الحكمة والرفق في التعامل قال تعالى: “ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً” وقال صلى الله عليه وآله وسلم : “من أعطي حظه من الرفق فقد أعطي حظه من الخير، ومن حرم حظه من الرفق، فقد حرم حظه من الخير”.
[email protected]
.الصحوةنت