أرسل الله سيدنا محمداً صلى الله عليه وآله وسلم رحمة للعالمين وخاتماً للنبيين ومكملاً للرسالات السماوية، ومقيماً للعدل ومطبقاً للمساواة، ومتمماً لمكارم الأخلاق، فكان الأسوة والقدوة والمثل الأعلىٰ في تطبيق القيم السامية التي دعا الناس إليها، بُعثَ في بيئة يسودهاالظلم والطغيان، وتمجّد فيها القوة والبطش؛ كما صور ذلك الشاعر زهير بن أبي سلمىٰ: ( ومن لم يَـذُد عن حوضه بسلاحه: يُهدّم؛ ومن لا يظلم الناس يُظْـلَم!!)
لقد جاءت رسالة الإسلام لإقامة العدل مع القريب والبعيد، قال تعالىٰ:" يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوْ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا " العدل في الإسلام مع الصديق والعدو:" وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ".
بدأ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بنفسه فضرب أروع الأمثلة في الإلتزام بما يدعو إليه، والسيرة النبوية حافلة بأمثلة كثيرة من عدله وإنصافه وتواضعه؛ فقد جاءه أعرابي يتقاضاه دَيْناً، واشتدّ عليه، فَانتهره الصحابة - رضوان الله عليهم - فقال لهم: " هلاّ مع صاحب الحق كُنتُم!؟ ثم أرسل إلى خولة بنت قيس فأقرضته تمراً فقضىٰ الأعرابي وأطعمه، فقال الأعرابي:(أوفيت أوفى الله لك)، فقال عليه وآله الصلاة والسلام: " أولئك خيار الناس، إنه لا قُدست أمةٌ لا يأخذ الضعيف فيها حقه غير مُْتعْـتَع!! " وعندما سرقت امرأة مخزومية استشفع سادة قريش بأسامة بن زيد حبّ رسول الله لئلا ينفّذ فيها حدّ السرقة، فغضب النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وصعد المنبر فخطب وقال : "إِنَّما أَهْلَكَ الذين مِنْ قَبْلِكم أَنَّهم كانوا إِذا سَرَقَ فيهم الشَّرِيفُ تَرَكُوه، وإِذا سَرَقَ فيهم الضَّعِيفُ أقاموا عليه الحَدَّ، وأَيْـمُ اللَّهِ لَوْ أَنَّ فاطمةَ بِنْتَ محمدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَها".
والعدل في دعوة رسولنا الحبيب صلى الله عليه وآله وسلم ليست خاصة للمسلمين فحسب، وإنما تشمل غيرهم، فعندما حاول بعض المسلمين تبرئة متهم كان قد سرق درعاً، ولما خشي افتضاح أمره وضعه في بيت أحد اليهود ليلصق به التهمة، ولم يتمكن اليهودي أن يدافع عن نفسه، فنزل القرآن يُبين الحقيقة ويقيم ميزان العدل ويبرئ اليهودي، قال تعالىٰ:" وَمَن يَكْسِبْ خَطِيۤئَةً أَوْ إِثْماً ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً فَقَدِ ٱحْتَمَلَ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً "
وجاء رسول الله - عليه وآله الصلاة والتسليم - داعياً للمساواة في مجتمع عربي كان يرفع موازين الغنىٰ والجاه والقوة، وفي بلاد الفرس والروم والهند كانت المجتمعات تقسّم إلى طبقات، ولكل طبقة مكانة تختلف عن الأخرىٰ، فجاء الإسلام ليضع الأمور في نصابها الصحيح قال الله تعالىٰ: " يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ "، ولما أراد أحدهم أن يحدث النبي صلى الله عليه وآله وسلم أخذته هيبة فارتعد، فقال له: "هون عليك إنما أنا ابن امرأة كانت تأكل القديد بمكة !!" تعبدنا الله بحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولا بد أن يتحوٌل هذا الحب إلى سلوك وعمل، فلا يكفي المسلمين إدعاء حب الرسول وهم يظلمون بعضهم، أوينتهكون حقوق غيرهم، أو يتجوّزون في أكل أموال الناس بالباطل، أو يتعالىٰ بعضهم على إخوانهم، أو يستبيحون الحرمات، أو يقصّرون في الإلتزام بما أمرهم الله من واجبات، وعلامة حب الله إتِّباع الرسول والعمل بهديه عليه وآله أفضل الصلاة وأزكى التسليم..." قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ".
حياة النبي صلى الله عليه وآله وسلم هي ترجمان القرآن الكريم التي يجب أن نتعلم منها وننسج على منوالها، وما أحوج المسلمين اليوم وغداً للإطلاع على تلك السيرة العطرة للتأسي بها والإقتداء، وليس لمجرد الثقافة والإطلاع، بل الواجب أن يهتم المسلمون بتعريف العالم برسولهم العظيم ليقبس من أنواره ما يبدد الظلمات ويسعد البشرية حاضراً ومستقبلاً.." يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا* وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا "
موقع *الصحوة نت*
موقع *الصحوة نت*