الكاتب : زيد الشامي
’’ اليمن الواحد.. هو القاعدة، أما التجزؤ والتشطير فهما الاستثناء في كل تاريخ اليمن القديم والحديث المعاصر؛ فاليمن أرضاً وإنساناً موحّـدٌ سلالة وجغرافيا، حضارة وثقافة ولغة، في سلوكه وعاداته وتقاليده، وفي إطاره العام، وتنوع لهجاته وفلكوره، وحتى في ملابسه ومائدة الطعام، إنه التنوع الذي يثري التوحد ويعززه’’
هذه فقرة وردت في مقدمة كتاب الأستاذ يحيى حسين العرشي (الاستقلال .. والوحدة)، وهو كتاب قيّم تضمن شهادات وأراء حول الوحدة اليمنية لكبار الساسة والمفكرين ورجال الثورة في الشمال والجنوب، وشخصيات عربية وأجنبية كان لها تأثير في مجريات الأحداث اليمنية، حيث أكدت آراء أولئك الشهود على أن الوحدة اليمنية عميقة الجذور منذ القدم وحتى اليوم، وأنه عندما تتعدد الدول وأنظمة الحكم في اليمن بسبب الحروب والاضطرابات يظل الشعب اليمني موحداً، دائم الصلة، يجد في الأرض اليمنية متنفساً له إذا ضاقت عليه الظروف هنا أو هناك، والرائع في إجابة أولئك الرموز أنها كانت في ثمانينيات القرن العشرين وقبل تحقيق الوحدة، وجاءت من دون تكلف أو تأثير للأحداث التي طرأت بعد عام 1990م، وشملت شخصيات تمثل كل التيارات السياسية والفكرية.
لقد ظلت الوحدة اليمنية واقعاً يعيشه اليمنيون في الظروف الطبيعية، وهدفاً يسعون لتحقيقه في الظروف الاستثنائية، وهتافاً ينشدونه ويتغنّون به على امتداد الأرض اليمنية، وكان 22 من مايو 1990م يوم الفرحة الكبرى لكل يمني داخل البلاد وخارجه، كنت حينها مستشاراً ثقافياً في الرياض، وشاركت الزملاء في سفارتي الشطرين مع المغتربين اليمنيين الاحتفال المهيب بتحقيق هذا الهدف النبيل في ذلك اليوم العظيم، وعندما رفع علم الجمهورية اليمنية في ساحة السفارة انهمرت دموع الفرح من أعين الحاضرين في مشهد وطني أثير.
لم يكن الطريق مفروشاً بالورود، ولم تتمكن دولة الوحدة من تحقيق الآمال المتوخاة، وبدأت الأثرة والأطماع والمصالح الخاصة تنخر في الجسد الغض قبل أن يشتد عوده، فحدث التصدع والخلاف الذي بدأ بين القيادات، لكنه انعكس بعد ذلك على عامة الشعب، فكانت الأزمة السياسية ثم وثيقة العهد والاتفاق ثم حرب صيف 1994م، واتجهت الأمور نحو الأسوأ، وشعر إخواننا في المحافظات الجنوبية بالإقصاء والتهميش، وكان لا بد من تصحيح الأخطاء ومعالجة الاختلالات وبلسمة الجراح، ولم يتهيأ ذلك إلا بعد الثورة الشبابية الشعبية التي دعت إلى رد الاعتبار لكل المظلومين والمقهورين... لقد جاء مؤتمر الحوار الوطني ليدرس المشكلات اليمنية المتعددة وعلى رأسها القضية الجنوبية، وخرج بضمانات تحقق الشراكة الكاملة في الثروة والسلطة، وبصورة منصفة لم تتضمنها اتفاقية الوحدة عام 1990م ولا وثيقة العهد والاتفاق الموقعة عام 1994م، وتم الاتفاق على توزيع السلطات وتوسيع المشاركة فيها على المستويين المركزي والمحلي ورد الاعتبار لإخوتنا في المحافظات الجنوبية والشرقية.
الواجب اليوم أن نتحرر من هواجس الماضي القريب وآلامه، ونتخلص من الأخطاء التي تسببت في انتزاع الثقة من النفوس، فالوحدة قوة سياسية واقتصادية للجميع، وليست مصلحة لحزب أو جهة أو فئة، وحتى نعيد للوحدة ألقها وبهاءها يجب أن لا نسمح بعودة الأخطاء وتراكمها مرة أخرىٰ، وهنا تقع المسؤولية على الساسة والقادة والعلماء والمفكرين والإعلاميين ومؤسسات الدولة الثقافية والتربوية والتوجيهية لنشر ثقافة المحبة والتعايش والقبول بالآخر، وبيان فوائد الوحدة ومخاطر الافتراق والتشظي، والتوجه نحو العمل والبناء بدلاً عن الصراع والمكايدات والحروب، ولن يتم ذلك إلا ببناء دولة المؤسسات الضامنة للحقوق والحريات والعدالة والمساواة، بعيداً عن الأهواء والمصالح الضيقة...
موقع *الصحوة نت*
’’ اليمن الواحد.. هو القاعدة، أما التجزؤ والتشطير فهما الاستثناء في كل تاريخ اليمن القديم والحديث المعاصر؛ فاليمن أرضاً وإنساناً موحّـدٌ سلالة وجغرافيا، حضارة وثقافة ولغة، في سلوكه وعاداته وتقاليده، وفي إطاره العام، وتنوع لهجاته وفلكوره، وحتى في ملابسه ومائدة الطعام، إنه التنوع الذي يثري التوحد ويعززه’’
هذه فقرة وردت في مقدمة كتاب الأستاذ يحيى حسين العرشي (الاستقلال .. والوحدة)، وهو كتاب قيّم تضمن شهادات وأراء حول الوحدة اليمنية لكبار الساسة والمفكرين ورجال الثورة في الشمال والجنوب، وشخصيات عربية وأجنبية كان لها تأثير في مجريات الأحداث اليمنية، حيث أكدت آراء أولئك الشهود على أن الوحدة اليمنية عميقة الجذور منذ القدم وحتى اليوم، وأنه عندما تتعدد الدول وأنظمة الحكم في اليمن بسبب الحروب والاضطرابات يظل الشعب اليمني موحداً، دائم الصلة، يجد في الأرض اليمنية متنفساً له إذا ضاقت عليه الظروف هنا أو هناك، والرائع في إجابة أولئك الرموز أنها كانت في ثمانينيات القرن العشرين وقبل تحقيق الوحدة، وجاءت من دون تكلف أو تأثير للأحداث التي طرأت بعد عام 1990م، وشملت شخصيات تمثل كل التيارات السياسية والفكرية.
لقد ظلت الوحدة اليمنية واقعاً يعيشه اليمنيون في الظروف الطبيعية، وهدفاً يسعون لتحقيقه في الظروف الاستثنائية، وهتافاً ينشدونه ويتغنّون به على امتداد الأرض اليمنية، وكان 22 من مايو 1990م يوم الفرحة الكبرى لكل يمني داخل البلاد وخارجه، كنت حينها مستشاراً ثقافياً في الرياض، وشاركت الزملاء في سفارتي الشطرين مع المغتربين اليمنيين الاحتفال المهيب بتحقيق هذا الهدف النبيل في ذلك اليوم العظيم، وعندما رفع علم الجمهورية اليمنية في ساحة السفارة انهمرت دموع الفرح من أعين الحاضرين في مشهد وطني أثير.
لم يكن الطريق مفروشاً بالورود، ولم تتمكن دولة الوحدة من تحقيق الآمال المتوخاة، وبدأت الأثرة والأطماع والمصالح الخاصة تنخر في الجسد الغض قبل أن يشتد عوده، فحدث التصدع والخلاف الذي بدأ بين القيادات، لكنه انعكس بعد ذلك على عامة الشعب، فكانت الأزمة السياسية ثم وثيقة العهد والاتفاق ثم حرب صيف 1994م، واتجهت الأمور نحو الأسوأ، وشعر إخواننا في المحافظات الجنوبية بالإقصاء والتهميش، وكان لا بد من تصحيح الأخطاء ومعالجة الاختلالات وبلسمة الجراح، ولم يتهيأ ذلك إلا بعد الثورة الشبابية الشعبية التي دعت إلى رد الاعتبار لكل المظلومين والمقهورين... لقد جاء مؤتمر الحوار الوطني ليدرس المشكلات اليمنية المتعددة وعلى رأسها القضية الجنوبية، وخرج بضمانات تحقق الشراكة الكاملة في الثروة والسلطة، وبصورة منصفة لم تتضمنها اتفاقية الوحدة عام 1990م ولا وثيقة العهد والاتفاق الموقعة عام 1994م، وتم الاتفاق على توزيع السلطات وتوسيع المشاركة فيها على المستويين المركزي والمحلي ورد الاعتبار لإخوتنا في المحافظات الجنوبية والشرقية.
الواجب اليوم أن نتحرر من هواجس الماضي القريب وآلامه، ونتخلص من الأخطاء التي تسببت في انتزاع الثقة من النفوس، فالوحدة قوة سياسية واقتصادية للجميع، وليست مصلحة لحزب أو جهة أو فئة، وحتى نعيد للوحدة ألقها وبهاءها يجب أن لا نسمح بعودة الأخطاء وتراكمها مرة أخرىٰ، وهنا تقع المسؤولية على الساسة والقادة والعلماء والمفكرين والإعلاميين ومؤسسات الدولة الثقافية والتربوية والتوجيهية لنشر ثقافة المحبة والتعايش والقبول بالآخر، وبيان فوائد الوحدة ومخاطر الافتراق والتشظي، والتوجه نحو العمل والبناء بدلاً عن الصراع والمكايدات والحروب، ولن يتم ذلك إلا ببناء دولة المؤسسات الضامنة للحقوق والحريات والعدالة والمساواة، بعيداً عن الأهواء والمصالح الضيقة...
موقع *الصحوة نت*