الشجرة
قراءة في كتاب الحياة
للكاتبة: مها المحمدي
الشجرة في القرآن الكريم
" إن للأشياء وجوداً في عالم الأعيان ووجوداً في الأذهان ووجوداً في اللسان .. اللفظ والعِلم والمعلوم " أبو حامد الغزالي
وموعدي اليوم مع فضول مُلح حول معلوم الشجرة في القرآن الكريم في مسارها التكويني في عالم الأعيان والأذهان واللسان، تخوم الرمزية الفاصلة واتصالها المباشر بتجليات الخالق سبحانه وتعالى في الكون ، وسدرة المنتهى حيث تنتهي عندها الأعمال والمُكرمين ، وقصة الخلق ومنتهى المقام بين طوبى والزقوم .
والسؤال:
هل الأسماء هي عين المُسمى أو غيره أوهي وغيره؟
هل لي مع الشجرة أن أرتقي براق النفاذ من أقطار السماوات والأرض؟
أن أخرج من بين غصونها خارج حدود الزمان والمكان؟
أن أتحسس المطلق معنى يُذاق حين لا تسعفنا العبارة؟
يقول النِّفَّري: الكلمة حجاب والحرف حجاب.
وأقول: للعقل شهوة، وشهوته إدراك ما وراء الحجاب، وله حد ،، والاعتراف بعدم الإدراك إدراك ، ومن وهبه الله نعمة تذوق العبارة فقد التقط الإشارة .
بوساطة النص القرآني الكريم يمكن أن أمتطي مصطلح الشجرة ، فالمضمر يتستر تارة ويظهر أخرى بين الأخدود التأويلي والسهل الظاهر لساحل هذا الخضم ، في تلازم بين وضع الشجرة في النص القرآني والطباع الإنسانية ولعلي أستطيع أن أدفع تخوم هذه العلاقة إلى الأبعد .
ربما أستطيع .. أن أربط المصطلح ( الشجرة ) بعلاقة مع حقل المعنى في علاقة شبيهة بعلاقة العلة بالمعلول ، فبدلاً من أن يكون ظاهر النص هو المعنى المؤمنين به جميعاً فقط ، يكون هو الرمزية لطباع هذا الإنسان المكلف بعبادة ربه - سبحانه وتعالى – والمكرم بين الخلائق بعمارة الأرض .
والشجرة إحدى أحياءها المكلف بالعناية بها ، الشجرة صفحة الغلاف لحالات تشخيصية لتكوين الإنسان المخلوق من تربة نمت وستنمو بين جزئياتها ، فإيجاز مصطلح الشجرة وتجريده في واقعها الملموس فقط لا يعني أن التفاصيل التي لا يمثلها المصطلح بشكل ملموس ليست من أجزاء الحقل الفعلية وغير المفترضة .
إن استنطاق السياقات التي ذكرت فيها الشجرة في القران الكريم هو استنطاق للذاكرة البشرية ،تحوم فيها قصة تتعدد فصولاً كمن يتلمس منحوتة فنية في خضم ومضة ذهنية خاطفة أحياناً ومترجلة حين .
لن تكون تخوم هذه العلاقة قطعاً للزمان ولا انصرافاً عن المألوف وما هي إلا انفعال بالحياة في عالم أرحب وأفسح ضمن ( البين بين ) فأحتمي بظلال "أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ "﴿١٤﴾ الملك
نور على نور
قضية محسومة
فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِن جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِّنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ ﴿٢٩﴾ فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِن شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَن يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّـهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ﴿٣٠﴾ القصصقال ابن كثير: لما أتاها رأى منظرًا هائلا عظيمًا، حيث انتهى إليها ،والنار تضطرم في شجرة خضراء، لا تزداد النار إلا توقدًا، ولا تزداد الشجرة إلا خضرة ونضرة، ثم رفع رأسه فإذا نورها متصل بعنان السماء. قال ابن عباس وغيره: لم تكن نارًا، إنما كانت نورًا يَتَوَهَّج. وفي رواية عن ابن عباس: نور رب العالمين. فوقف موسى متعجبًا مما رأى، فنودي أن بورك من في النار. قال ابن عباس: أي قُدّس " وَمَنْ حَوْلَهَا" أي: من الملائكة. قاله ابن عباس، وعكرمة، وسعيد بن جبير، والحسن، وقتادة.
وقال القرطبي: قال ابن عباس ومحمد بن كعب: النار نور الله عز وجل، نادى الله موسى وهو في النور، وتأويل هذا أن موسى عليه السلام رأى نورا عظيما فظنه نارا.
وقال البغوي: قال أهل التفسير: لم يكن الذي رآه موسى نارا بل كان نورا، ذكر بلفظ النار لأن موسى حسبه نارا، وقال أكثر المفسرين: إنه نور الرب عز وجل، وهو قول ابن عباس وعكرمة، وغيرهما. انتهى.
وأما الشجرة فقال البغوي: قال ابن مسعود: كانت سَمُرة خضراء تبرق. وقال قتادة ومقاتل والكلبي: كانت عَوْسَجَة. قال وهب من العُلَّيق. وعن ابن عباس: أنها العنَّاب.
لم يزل الحق - سبحانه وتعالى غيباً- ، ذاته تعالى شأنها خفاء مطلق إلا حين يكون النعيم المقيم الذي لا يحول ولا يزول ، حين يتجلى لعباده ؛لإتمام نعمائه عليهم وكرمهم فيرونه سبحانه .
أما في الدنيا فيس لنا منه تعالى إلا شواهد وجوده من الأنفس والكون العظيم ، فكل ما في الوجود تجليات للواجد ، نوره عز وجل توهج من شجرة تزداد خضرة ليصل عنان السماء ، بداية لحظة نور نبوءة موسى - عليه السلام- العائد بأهله إلى مدعي الألوهية فرعون ، فبالسواد عُرف البياض وبالعلو عُرف السُفل ، وبالحقيقة عُرف الكذب والادعاء .
اللَّـهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّـهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّـهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّـهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴿٣٥﴾ النور
قال ابن الجوزي في زاد المسير: "من شجرة" أي من زيت شجرة، فحذف المضاف، يدلُّك على ذلك قوله: "يكاد زيتها يضيء" والمراد بالشجرة هاهنا: شجرة الزيتون ... وإِنما خُصَّت بالذِّكْر هاهنا دون غيرها لأن دُهنها أصفى وأضوأ.
وقال ابن كثير: " يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ " أي : يستمد من زيت زيتون شجرة مباركة .
وقال الشوكاني في فتح القدير: الزيتون من أعظم الثمار نماء، وقال الحسن: ليست هذه الشجرة من شجر الدنيا، وإنما هو مثل ضربه الله لنوره، ولو كانت في الدنيا لكانت إما شرقية وإما غربية. قال الثعلبي: قد أفصح القرآن بأنها من شجر الدنيا، لأن قوله: " زَيْتُونَةٍ " بدل من قوله : " شَجَرَةٍ ".
وقال السعدي: أي: يُوقد من زيت الزيتون الذي ناره من أنور ما يكون.
ونوره جل شأنه وتقدست أسماؤه ، أنوار الذات المطلقة التي لا تتقيد بجهة ولا بمكان ولا مقدار فلا هي شرقية ولا هي غربية ، ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ) الشورى11
أهمية تأصيلية في سر جذاب تتصاعد من تضاعيف تكرار ربط النور بالشجرة بالذات العليا لله تعالى ملفتة للنظر ، لها مدارات على قدر ما أنها مغلقة إلا أنها مفتوحة إلى اللانهائي ، فكيف اجتمع النور ونبع من قلب شجرة توقده ونضرة خضرتها في ازدياد ؟! وهل يوقد إلا من النار ومنها يتولد النور ، نور رباني لا عتمة فيه ولا إحراق .
إنها الصورة الانعكاسية لاجتماع الأضداد كما في شأن صفات مقام الألوهية ، مقام الجمع بين الضدين فهو تعالى الأول والآخر والظاهر والباطن والرافع والخافض والنافع والضار والقابض والباسط ، كل ذلك من عين واحدة وبنسبة واحدة ومقام ألوهي واحد ، ولا جهات ولا تقابل ،فسبحان من ليس كمثله شيء وهو السميع البصير .
إن الاستغراق التأملي في الشجرة بثبات جذرها وامتداد جذعها وتفرع أغصانها بخضرة ممتدة بتوهج النور المنبعث منها إشارة لمغمض العينين ليحلم بالسمو والرفعة مما يحمينا من مغبة الوقوع في عبادة غير الله تعالى ، فالتواصل مع النور حياة والشجرة حياة وحواس الإنسان إن أصابها الضمور وحط قدر الروح فيه فإنه يحتاج لتأمل هذا المشهد في الآية الكريمة ، فيكتنف المكان والروح والجوارح هذا الإشعاع الرباني وكل إشعاع ضوئي مفرط الحيوية غاية الإلحاح فيه اتصال الكائنات بخالق الأكوان عز وجل .
وإذا كانت الآيتان السابقتان واجهة الإيمان بالله واحداً لا شريك له ، قضية محسومة لا نسبة فيها بين شيئين على غير ما تُّعرف به القضية عند ابن سينا في كتابه النجاة " القضية هي قول فيه نسبة بين شيئين بحيث يتبعه حكم صادق أو كاذب " فان قضية الإيمان بإله واحد شجرة ، الجذور والجذع في ثبات أبدي ، عطاؤها أبدي ، تقوى بقوة ارتباطها بأصلها ، وتُثمر طيب الأعمال والأقوال ،وهي كلمة التوحيد لا إله إلا الله في ثباتها وصعودها بأغصان وثمار من القول والعمل الطيب ، تقابلها كلمة الكفر خبيثة ،لا جذر ولا جذع ولا امتداد وإنما خبث يضاف إلى خبث .
أَلَم تَرَ كَيفَ ضَرَبَ اللَّـهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصلُها ثابِتٌ وَفَرعُها فِي السَّماءِ ﴿٢٤﴾ تُؤتي أُكُلَها كُلَّ حينٍ بِإِذنِ رَبِّها وَيَضرِبُ اللَّـهُ الأَمثالَ لِلنّاسِ لَعَلَّهُم يَتَذَكَّرونَ ﴿٢٥﴾ وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبيثَةٍ اجتُثَّت مِن فَوقِ الأَرضِ ما لَها مِن قَرارٍ ﴿٢٦﴾ يُثَبِّتُ اللَّـهُ الَّذينَ آمَنوا بِالقَولِ الثّابِتِ فِي الحَياةِ الدُّنيا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّـهُ الظّالِمينَ وَيَفعَلُ اللَّـهُ ما يَشاءُ ﴿٢٧﴾ ابراهيم
كلمة متمركزة حول نفسها لا تقبل الضد ، حصيلتها قوة وطاقة ، نمط حياة مشترك مع الجميع لا تقبل الأنوات الفردية لمعتنقها ، إنما هي الذات العليا المفردة ، بين ثنايا الرغبة فيها احترام لكافة الاختلافات ، بخلاف تلك الخبيثة البائسة يزدحم بعضهم فيها مع البعض الآخر بشكل بئيس ، مقيدين بأغلال الشرك وكفى به قيد وخبث ، وكفى بشجرة مقعدة كسيحة لا طعم لها ولا ثمر إلا المر مثال يصطبغ بألوان الانحطاط الفاقعة .
أولى مكتسبات اعتقاد الآيات السابقة ، الإنسان في هالة نورانية ، يقول النبي – صلى الله عليه وسلم - :
" إن الله قال: من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه " رواه البخاري.
لا إله إلا الله لوحة بخطوط من نور ، تحكي قصة أرواح سهرت أعينها وامتدت أكفها وانتصبت أقدامها تحفر الظلام ، وتشق النور في جداول الصلوات ، فتنال الشموع وتُضاء لها الدروب وتُمنح العطايا
إنها مائدة عامرة تبتسم وتتلألأ ، عَّمرتها وهذبتها نفوس نورانية بالتوحيد عبدت الله كأنها تراه ، فنالت نعيم لا يعدله نعيم ، ولذة لا تعدلها لذة ، نعيم روحي يورد حياض المعرفة ، مقامهم مقام قرب ، مختصر في غاية النفاسة هم به آمنون .
هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى ؟
رهان الممانعة
تستحيل الشجرة هنا فصولاً عدة من حالات الإنسان ، تتمثلها عملية تجاوب في ضمائر الأشياء والأشخاص والأزمان والأحداث ، تستبطن ناموس الكون ومدارج البشرية فتصبح كائنا حياً فاعلاً ، عوامل مقصودة وموافقات مدبرة لا مصادفة عابرة ، إنها ذنبه وتوبته ، غذاؤه ودواؤه ، رفاهيته وترفيهه ، نعيمه وعذابه .منها كان عبوره للحياة الأرضية ، وبها إن استطاع أن يُنهي الحياة فليفعل " إذا قامت القيامة وفي يد أحدكم فسيلة فليغرسها !
وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَـذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ ﴿٣٥﴾ فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ ﴿٣٦﴾ فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ﴿٣٧﴾ قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴿٣٨﴾ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴿٣٩﴾ البقرة
ولَقَد عَهِدنا إِلى آدَمَ مِن قَبلُ فَنَسِيَ وَلَم نَجِد لَهُ عَزمًا﴿١١٥﴾ وَإِذ قُلنا لِلمَلائِكَةِ اسجُدوا لِآدَمَ فَسَجَدوا إِلّا إِبليسَ أَبى﴿١١٦﴾ فَقُلنا يا آدَمُ إِنَّ هـذا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوجِكَ فَلا يُخرِجَنَّكُما مِنَ الجَنَّةِ فَتَشقى ﴿١١٧﴾ إِنَّ لَكَ أَلّا تَجوعَ فيها وَلا تَعرى ﴿١١٨﴾ وَأَنَّكَ لا تَظمَأُ فيها وَلا تَضحى ﴿١١٩﴾ فَوَسوَسَ إِلَيهِ الشَّيطانُ قالَ يا آدَمُ هَل أَدُلُّكَ عَلى شَجَرَةِ الخُلدِ وَمُلكٍ لا يَبلى ﴿١٢٠﴾ فَأَكَلا مِنها فَبَدَت لَهُما سَوآتُهُما وَطَفِقا يَخصِفانِ عَلَيهِما مِن وَرَقِ الجَنَّةِ وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى ﴿١٢١﴾ ثُمَّ اجتَباهُ رَبُّهُ فَتابَ عَلَيهِ وَهَدى ﴿١٢٢﴾ قالَ اهبِطا مِنها جَميعًا بَعضُكُم لِبَعضٍ عَدُوٌّ فَإِمّا يَأتِيَنَّكُم مِنّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشقى ﴿١٢٣﴾ طه
وَيا آدَمُ اسكُن أَنتَ وَزَوجُكَ الجَنَّةَ فَكُلا مِن حَيثُ شِئتُما وَلا تَقرَبا هـذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكونا مِنَ الظّالِمينَ ﴿١٩﴾فَوَسوَسَ لَهُمَا الشَّيطانُ لِيُبدِيَ لَهُما ما وورِيَ عَنهُما مِن سَوآتِهِما وَقالَ ما نَهاكُما رَبُّكُما عَن هـذِهِ الشَّجَرَةِ إِلّا أَن تَكونا مَلَكَينِ أَو تَكونا مِنَ الخالِدينَ ﴿٢٠﴾ وَقاسَمَهُما إِنّي لَكُما لَمِنَ النّاصِحينَ ﴿٢١﴾ فَدَلّاهُما بِغُرورٍ فَلَمّا ذاقَا الشَّجَرَةَ بَدَت لَهُما سَوآتُهُما وَطَفِقا يَخصِفانِ عَلَيهِما مِن وَرَقِ الجَنَّةِ وَناداهُما رَبُّهُما أَلَم أَنهَكُما عَن تِلكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُل لَكُما إِنَّ الشَّيطانَ لَكُما عَدُوٌّ مُبينٌ ﴿٢٢﴾ قالا رَبَّنا ظَلَمنا أَنفُسَنا وَإِن لَم تَغفِر لَنا وَتَرحَمنا لَنَكونَنَّ مِنَ الخاسِرينَ ﴿٢٣﴾ قالَ اهبِطوا بَعضُكُم لِبَعضٍ عَدُوٌّ وَلَكُم فِي الأَرضِ مُستَقَرٌّ وَمَتاعٌ إِلى حينٍ ﴿٢٤﴾ قالَ فيها تَحيَونَ وَفيها تَموتونَ وَمِنها تُخرَجونَ ﴿٢٥﴾ يا بَني آدَمَ قَد أَنزَلنا عَلَيكُم لِباسًا يُواري سَوآتِكُم وَريشًا وَلِباسُ التَّقوى ذلِكَ خَيرٌ ذلِكَ مِن آياتِ اللَّـهِ لَعَلَّهُم يَذَّكَّرونَ ﴿٢٦﴾ يا بَني آدَمَ لا يَفتِنَنَّكُمُ الشَّيطانُ كَما أَخرَجَ أَبَوَيكُم مِنَ الجَنَّةِ يَنزِعُ عَنهُما لِباسَهُما لِيُرِيَهُما سَوآتِهِما إِنَّهُ يَراكُم هُوَ وَقَبيلُهُ مِن حَيثُ لا تَرَونَهُم إِنّا جَعَلنَا الشَّياطينَ أَولِياءَ لِلَّذينَ لا يُؤمِنونَ ﴿٢٧﴾ الأعراف
وقاسمهما إني لكما من الناصحين ! وبراءة الفطرة التي لم تُكدر لم تكن تعتقد أن الحلف بالله تعالى ممكن أن يكون كذباً !
لم يكن من الصدفة أن يقتحم إبليس النفس البشرية في افتراض رغبة الخلود عندها والملك الذي لا يبلى ، " هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى " ؟ وباعث أمنيات العصمة الملائكية ، "إلا أن تكونا مَلكين " لمن عرف حياة الملائكة وتمناها .
لم يكن حديث إبليس خطبة وعظية، وإنما ركزت كلماته على إطلاق إنسانية البشرية في الانحصار في جوعات الجسد حيث يقف الخلود قبل الطعام والشراب ، يلتقي مع دوام المُلك أو الملائكية لحظة واحدة ،ولا يفترقان فكيف عرف المطرود كوامن آدم وأطلق إنسانيتها ؟!
وأشجار الجنة لا حصر لها كلها في حالة استرخاء بين يدي إنسانها ، دانت جميعها للخليفة القادم في الأرض آدم – عليه السلام - ومع ذلك انفعل بأمنيات الخلد والمُلك والملائكية !.
تصورها معين الحياة الأبدية، إلى أن كشف طعم تذوقها المستور فلم يكن من ساتر إلا ورق شجر الجنة !
وللشجرة هنا قيمة الوعي بالطبع الإنساني ، بارتباطاته المختلفة في حِسه الآدمي إنه يريد كل شئ !
أليس التراب مادة خلقة والطين صورته وما الشجرة بدون تراب وطين ؟
نفس تتذبذب بين بشريتها الطاغية في حب التراب وما عليه وما يخرج منه وأماني الملائكية ، والشجر يقف مواري لعورات المتمني ومنبر أمانيه الصاعدة إلى ما فوق جنة السماء في رهان ممانعة بين الممكن والمستحيل والمباح والمحظور في تخييل رتب المحسوسات في الذهن وصورها في النفس ، كأنه ركب الأشياء المفترقة في الوجود متخيل مُلك ولا مملكة ورعية ! وخلود وهو لم يعرف الموت بعد !، وملائكية وما مارس بشريته بكل تفاصيلها !
أدرك المعنى آدم - عليه السلام - وما استخلص مغزى المُغري المطرود في سعيه للحط من المخلوق المكرم وإخراجه من جنته القائمة إلى تلك الموعودة وعد كاذب .
صورة من صور الإنسان في تعاطيه مع الحياة ، تصوره الدائم وعشقه الأبدي لها كأنه لا موت فيها ! واشتياقه اللاهث لحياة ما وراء البشر .
ما نفدت كلمات الله
الشجرة المعرفة
الرحلة الخيالية سر الإبداع ، وفكرة الالتقاء بين البحر والبر فرصة ماتعة لرحلة خيالية ؛ لانتزاع شهادات الإيمان دونما الخروج عن خط الحقيقة ، فتحول أشجار الأرض إلى أقلام تُبرى فتصبح أسنة وألسنة تٌغمس في دواة انسكبت بحور الأرض وما وراءها فيها لا ولن تحوي كلمات الله ! كلمات خلاقة المعاني في تراسلها البنائي لماهيات هذه المعاني وإحصائها ، حكمة ، وعلماً ، وخلقاً ، وموعظة ، وآيات خلق وعجائب إعجاز .وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّـهِ إِنَّ اللَّـهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴿٢٧﴾ لقمان
قُل لَو كانَ البَحرُ مِدادًا لِكَلِماتِ رَبّي لَنَفِدَ البَحرُ قَبلَ أَن تَنفَدَ كَلِماتُ رَبّي وَلَو جِئنا بِمِثلِهِ مَدَدًا ﴿١٠٩﴾ الكهف
كلتا الآيتين أعقبت حِكماً في الحياة لحكماء مؤيدين من الله تعالى ( لقمان والخضر ) - عليهما السلام – أُعمل فيها العقل بمقوماته الثلاث : السببية ، الغائية ، وعدم التناقض ، إيحاء كل ما ورد في القصتين ووحيهما إن لم تؤيده هذه المقومات فإن الثقة في علم وحكمة الحكيم - سبحانه وتعالى – تُفسره !
أنه الإله ، رمز الانطلاق إلى اللانهائي تتلاقى معاني كلماته – تعالى - عن طريق التراسل بينها لتكون سياقاً موضوعياً واحداً هو الإيمان المطلق بالإله المطلق في كل متعاطفات المعرفة ، الإحصاء والعلم والحكمة والمواعظ وآيات الخلق وعجائب الإعجاز ، وسند ذلك كله الشجر المبري أقلاماً والبحر مدادها .
إن التآلف في المشهد السابق يعبر عن فكرة التأصيل لأصل المعرفة ، مدلولها ودالها علم الله - عز وجل- وأن انسجام غير منفصل بين الأداة والدواة والإنسان ، صورة الإنسان هنا العارف بالله ، حامل لواء الحكمة الإلهية .
وطالب العلم كشارب ماء البحر لا يروى أبداً ، مئونة لهفته سُرجت على رغبة ما زوي عنه من العلم ، على كل صفحة يحرث حروفه مرهونة لإرضاء نهمه المعرفي وما ذاك إلا نتاج ما نفدت كلمات الله .
علم الله – عز وجل - متجذر متفرع سامق متسامي ، وكل شجرة طيبة كذلك ، وكل مكرس نفسه لشغب العلم كذلك ، والفعل الإنساني يكتسب الأفعال ولا يختارها ، يثبتها بالاطراد والانعكاس ، فكل ما يخبرنا به - عز وجل - في حد الإمكان عندنا .
فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ ﴿١٤٥﴾ وَأَنبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِّن يَقْطِينٍ ﴿١٤٦﴾ الصافات
مخالفة في الظاهر والعمق بين شجرة المعرفة وشجرة الحياة والصحة ، اليقطين ، أنبتها الله تعالى ليونس – عليه السلام – ولكن صلاحية الوقوف عندها كتصنيف أساسه المنهجي هو المماثلة والمشابهة ، جزء من علم الله تعالى وموعظته الحكيمة لنبيه يونس – عليه السلام – وللبشر جميعاً ، استخراج مكنون المعرفة بشجرة الحياة والصحة لا بالتخمين والظن البشري .
عندها جنة المأوى
تنبت في أصل الجحيم
من المشاكلة إلى الاختلاف !
ميزة عقلية وضرورة جمالية ، ومعنى يردف آخر ،اختلاف الجزاء يكون باختلاف العمل ، و يستلزم اختلاف وتعدد المعاني في ملامح من الاتفاق والافتراق بين جنات الأرض والسماء فيما هو حاضر أو غيبي وُصف لنا ، بين وعد ووعيد ، وللشجر هنا دور البطولة . وَآيَةٌ لَّهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ ﴿٣٣﴾ وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ الْعُيُونِ ﴿٣٤﴾ لِيَأْكُلُوا مِن ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلَا يَشْكُرُونَ ﴿٣٥﴾ سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ ﴿٣٦﴾ يس
فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ ﴿٢٤﴾ أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا ﴿٢٥﴾ ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا ﴿٢٦﴾ فَأَنبَتْنَا فِيهَا حَبًّا ﴿٢٧﴾ وَعِنَبًا وَقَضْبًا ﴿٢٨﴾ وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا ﴿٢٩﴾ وَحَدَائِقَ غُلْبًا ﴿٣٠﴾ وَفَاكِهَةً وَأَبًّا ﴿٣١﴾ مَّتَاعًا لَّكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ ﴿٣٢﴾ عبس
وَأَنزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجًا ﴿١٤﴾ لِّنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَنَبَاتًا ﴿١٥﴾ وَجَنَّاتٍ أَلْفَافًا﴿١٦﴾ النبأ
للعدل أن يطرح دعواه بلا بينة ، بلا حجة عقلية ، ولكن الآيات الماضية ببينتها وحججها العقلية متعددة ثابتة بثبوت الكون ومكونه - سبحانه وتعالى – فجوهر العدل ببريق البرهان أن يُمتع القائم بنعمة الشكر قيد بها النعم فزادت ، وجوهر العدل بقوة الحجة أن يعاقب الجاحد بزوال النعم ، وللشجر هنا دور البطولة .
هذا في الدنيا . ... وبذا عوقبت سبأ الجاحدة لنعم ربها .
لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ ﴿١٥﴾ فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُم بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِّن سِدْرٍ قَلِيلٍ ﴿١٦﴾ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُم بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ﴿١٧﴾ سبأ
وتسير الآخرة على ذات المسلك يدق ويتسع ؛ لتكون صبابة النفوس به أكثر والشغف له أجدر، والفرار والفَرق منه أشد وأعنف ، في عقد بين قرائن المشاكلة والتشابه وما كان متنافراً ومتضاداً ومتبايناً .
وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ ﴿٤٦﴾ فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ﴿٤٧﴾ ذَوَاتَا أَفْنَانٍ ﴿٤٨﴾ فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ﴿٤٩﴾ فِيهِمَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ ﴿٥٠﴾ فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ﴿٥١﴾فِيهِمَا مِن كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ ﴿٥٢﴾ فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ﴿٥٣﴾ الرحمن
وَمِن دُونِهِمَا جَنَّتَانِ﴿٦٢﴾ فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ﴿٦٣﴾ مُدْهَامَّتَانِ ﴿٦٤﴾ فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ﴿٦٥﴾ فِيهِمَا عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ ﴿٦٦﴾ فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ﴿٦٧﴾ فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ ﴿٦٨﴾ الرحمن
وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ﴿١٠﴾ أُولَـئِكَ الْمُقَرَّبُونَ ﴿١١﴾ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ ﴿١٢﴾ ثُلَّةٌ مِّنَ الْأَوَّلِينَ﴿١٣﴾ وَقَلِيلٌ مِّنَ الْآخِرِينَ ﴿١٤﴾ عَلَى سُرُرٍ مَّوْضُونَةٍ ﴿١٥﴾ مُّتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ ﴿١٦﴾ يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ ﴿١٧﴾ بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِّن مَّعِينٍ ﴿١٨﴾ لَّا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلَا يُنزِفُونَ ﴿١٩﴾وَفَاكِهَةٍ مِّمَّا يَتَخَيَّرُونَ ﴿٢٠﴾ الواقعة
وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ ﴿٢٧﴾ فِي سِدْرٍ مَّخْضُودٍ ﴿٢٨﴾وَطَلْحٍ مَّنضُودٍ ﴿٢٩﴾ وَظِلٍّ مَّمْدُودٍ ﴿٣٠﴾ وَمَاءٍ مَّسْكُوبٍ ﴿٣١﴾وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ ﴿٣٢﴾ لَّا مَقْطُوعَةٍ وَلَا مَمْنُوعَةٍ ﴿٣٣﴾ الواقعة
إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا ﴿٣١﴾حَدَائِقَ وَأَعْنَابًا ﴿٣٢﴾ النبأ
أَذَلِكَ خَيْرٌ نُّزُلًا أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ ﴿٦٢﴾ إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِّلظَّالِمِينَ ﴿٦٣﴾ إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ ﴿٦٤﴾ طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ ﴿٦٥﴾ فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ ﴿٦٦﴾ الصافات
ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ ﴿٥١﴾لَآكِلُونَ مِن شَجَرٍ مِّن زَقُّومٍ ﴿٥٢﴾ فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ ﴿٥٣﴾ فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ ﴿٥٤﴾ فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ ﴿٥٥﴾ هَـذَا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ ﴿٥٦﴾ الواقعة
وَإِذ قُلنا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحاطَ بِالنّاسِ وَما جَعَلنَا الرُّؤيَا الَّتي أَرَيناكَ إِلّا فِتنَةً لِلنّاسِ وَالشَّجَرَةَ المَلعونَةَ فِي القُرآنِ وَنُخَوِّفُهُم فَما يَزيدُهُم إِلّا طُغيانًا كَبيرًا ﴿٦٠﴾ الإسراء
جنات وجحيم ، مشاهد نعيم وعذاب ، يتبعهما طعام وشراب ، تلذذ وألم ، صور من الجمال تقابلها صور قُبح في علاقة بين طرفي تشابه وتباين قائمة في الذهن ، ماثلة في التصور المعقول بتناسب يقترب ويبتعد ، كأنما النصوص تعيد صياغة الأمور المألوفة في العرف الثقافي الإنساني السائد ، وعلاقات السياق فيه ما بين المقدمة والنتيجة الدلالية المتولدة عنها .
وعد بجنات وأنهار, أشجار مثمرة يانعة بفواكه الجنة ونعيم مقيم ، فيه ما تشتهيه الأنفس وتلذ به الأعين للمتقين وفي المقابل يأتي البعد للمعاندين ، والوعيد بشجرة ملعونة مطرودة كالمقتاتين عليها غضباً من الرب – سبحانه وتعالى – في أبشع ما يمكن أن يصور من شكل الثمار !
سُئل أبا عبيدة علامة أهل البصرة عن قوله عز وجل " إنها شجرة تخرج في أصل الجحيم طلعها كأنه رؤوس الشياطين "
قال : وإنما يقع الوعد والإيعاد بما قد عُرف مثله ، وهذا لم يُعرف .
فقال : إنما كلم الله العرب على قدر كلامهم ، أما سمعت امرئ القيس :
أتقتلني والمشرفي مضاجعي ... ومستنه زرق كأنياب أغوال
وهم لم يروا الغول قط ! ولكنهم لما كان أمر الغول يهولهم أوعدوا به . انتهى كلامه
إن اجتماع الشيئين في وصف عند العرب علة لحكم يريدونه ،وإن لم يكن كذلك في المعقول ومقتضيات العقول .
وصورة الإنسان من صورة المشاهد التي اختارها ، بشر فوق البشر ودون الملائكة ، ينعم بجنات النعيم إن التزم وأطاع ، عندها جنة المأوى ، جمعت عند معاني ظرف الزمان والمكان والملكية فهي الحاضر الغائب المملوك !
أو شيطان طليق شط عن الطريق فأختار رؤوس الشياطين ، إنها شجرة تخرج في أصل الجحيم ، في زماناً ومكاناً حقيقة لا مجاز ، قاعه جذورها ! فكيف نبتت ومما غُذيت ، وما طعمها ؟ قُبح في المنبت ، قُبح في الشكل ، قُبح في الطعم ، وأي جزاء لمن شط عن طريق ربه إلا الطرد واللعن .
عندها جنة المأوى
لا منابع عبث ولا فراغ في الوجود ، فالعبث على الموجد تعالى محال .لكي نحيا حياة كاملة من المنشأ إلى النهاية لن نلقي بأنفسنا من حالق ، بل هي الجذور تثبتنا وتتسامق بنا نحو الأعلى حين تتغير بنا الفصول .
والإنسان في مسيرته مختار ومجبر ، كالشجرة خاضع للجبرية فيما يشاركها فيه من النماء والموت ، وهو مثلها في ثمرها ، مخير في كلماته الطيبة أو الخبيثة على قدر استفزاز حريته العاقلة له .
عقله في نظر الشخص العادي طيناً متشكلاً فقط ، في حين أن الآخرين ينظرون إلى الطين على أنه حافل بالمعرفة والأعمال كما قال جلال الدين الرومي .
وفي الرقائق ومنها يكون الرقيق ، وهل تستعبد القلوب إلا برقائق القول والموعظة ؟!
الَّذينَ آمَنوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ طوبى لَهُم وَحُسنُ مَآبٍ﴿٢٩﴾ الرعد
لحظة أبهة واحتفاء ..
قيم جوهرية تمررها الآية السابقة ، الإيمان وعمل الصالحات ، هذا هو النمط الطبيعي المعيشي في وجودٍ العبث فيه محال ، لا تشد فيه الرحال إلى العدم ، بل لحظة أبهة واحتفاء ، يستحقها الذين آمنوا وعملوا الصالحات ، فرح وقرة عين بشجرة عظيمة ( طوبى ) أو بتعميم المعنى بكل فرحة مترعة بالحياة الطوباوية القادمة في التحام شديد يجدد الصلة بين المنشأ والخروج .بالأكل من شجرة خرج الإنسان ، وبأماني العودة يكون الوعد بشجرة أو هي جنات تجمع ألوان من الأشجار ، لحظات نور تختفي فيها شمس الدنيا فنكون كمن يرجع إلى البيت الهانئ في المساء .
وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى﴿١٣﴾ عِندَ سِدْرَةِ الْمُنتَهَى ﴿١٤﴾ عِندَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى ﴿١٥﴾ إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى ﴿١٦﴾ النجم
سدرة المنتهى ، وما أدرانا ما سدرة المنتهى ؟ ، هي المقدس في أصل العرش الإلهي العظيم .
هي لحظات الأبهة والاحتفاء ..
أدركنا من عمرنا ما أدركنا على امتداد التاريخ البشري ، كان فيه الآخرون ما كانوا ، بوطأة السنين ، بإيقاع الخطوات ، باتساع المدن تتجاوزه طاقاتنا ، بحياة هي هبة الإله كلما مشينا فيها ضاقت الفجوة فنعود إلى الوراء ! مسيرين لا مختارين ، إلى جنة المعاد ، إلى المأوى .المنتهى ، سدرة ، سار الراكب قبل ظلها حين كتبت أقداره ، سار متجاوزاً ظلها حين هبط إلى الأرض ، وقف عندها المكرمون بشراً وملائكة حيث لا يجوز التجاوز ، هي المنتهى بطمأنينة الأفئدة ، يستغرق البشر في تأملها فيبدون وقد أستغرقهم الصمت المقدس كأنما هم يتساءلون عن معنى الحياة والموت ، فهل في مستطاعنا أن نحيا اليوم ؟ وبأن يكون للحياة معنى قائم دائم ؟
نعم نستطيع ، جملة مقتطفة من كلام .