ثلاثة أثواب بيضاء سَحولية
أعرف رجلاً عظيماً مات منذ مئات السنين ولايزال حياً إلى يوم الدين يقضي حياته في برزخه مُسلماً عليه وراداً للسلام !.
ليس في الميراث الإنساني بداية وانتهاء ، إن خيط العبقرية لأي إنسان يبدأ من المهد ولا ينتهي إلا في اللحد ، ولكن العظيم الذي يسكننا ونسكن في محيطه وتسكن عبقريته عجلة الزمن فلا تنتهي أبداً كميراثه، فعبقريته كالأرض الطيبة التي تُخرج نباتها بإذن ربها ثم تعطيك بقدر ما تحرثها وتغذيها ، كنز هذه العبقرية ليس مطموراً يحتاج إلى نبش وإنما مكشوف على السطح يحتاج فقط قلب بصير .
يحدثوننا عن ملايين السنين لقطع الفضاء وتظل هذه الرحلة المليونية بالنسبة لنا بلا نتيجة ونحدثهم عن من قطع له جبريل عليه السلام الثواني من عمر الزمن فكانت أعظم نتيجة في الدهر .
ألم يقطع شيخ المعرة قبل ألف سنة ونيف بالنتيجة فيقول :
ولو طار جبريل بقية عمره ... من الدهر ما اسطاع الخروج من الدهر
نحن مع هذا العظيم ننام على الثقة ولا نخرج من الدهر ، ولادته شمس وكذلك امتداد حياته إلى أن أحضرت تلك الثياب الثلاثة السَحولية نسبة لوادي سَحول في اليمن ليكفن فيها ، شمس قوية الطاقة لا قمراً يستمد النور ويستجديه ويتضرع إلى الغيوم كي لا تحجب نوره المستعار ، ولكنه القمر المنير في تسلل خيوطه الباردة إلى القلوب ، إنه القمر المنير في زيارة ودية لأهل الأرض إن سرنا بهديه عشنا مطمئنين في طريق الفلاح فكم يزور علماء الفضاء القمر الآن يطلبون وده .
سر ولادته صلى الله عليه وسلم ووفاته لا يكمن في مفردات الشيء المحسوس أو تفاصيل المكان الملموس ؟
بل في ثروة مهولة بين اللحظتين لهذه المسيرة وأي نتيجة حتمية لهما ؟
أتخيل الصورة التي أريد أن أكونها ثم أعيش تلك الصورة طوال الوقت كما لو كانت واقعاً هي ذي ألاعيب الذاكرة لا تنتهي ، تقفز بصاحبها إلى حيث لا يتوقع إلى حيث الغياب في أعماق الأعماق لسنوات ، وهذا ما كان مع بيت لي في وادي سحول كما حدثنا الراوي .
في الحكمة أن الإنسان لا يستطيع أن يسبح في ذات النهر مرتين وكذلك فعلت .
ولادة جسد هذا العظيم وموته عليه الصلاة والسلام سر عظيم مكشوف !
فلو أننا أعدنا لحظة الولادة ولحظة الموت بكل تفاصيلها وأجملناها في خيالنا بين النسوة اللاتي حضرنا الولادة والبشير إلى الجد والأعمام المنتظرين بقلق واضطراب فكأنهم والقدر على موعد ، لا يدري أحدهم ما يتوقعه لظل بشري من عالم الغيب ، ولا أي سر ينتظر تتلقاه الأرض من السماء وكأني أرى نظر الجد الحائر يرفعه على الكعبة بيت الله إلى السماء حيث يتنازعه الحزن والفرح ،وتنتزع الكعبة من خزانة الليل أحلك ثوب يلائم عزها وسؤددها ليهب نسيم الخبر طرياً منعشاً فيبتسم ابتسامة عريضة وينزع عنه لثام الغيوم .
وحين أنتقل إلى لحظة الوفاة أبدو كسراق الأحلام الجميلة فبينما الحياة تسمع دبيب المنى هدأت حركتها وتباطأت كأنها تصغي إلى صوت شبح هائماً يعلم المكتوب في لوح الأزل يروعه تساقط أوراق الشجر، وبدأ القمر يختبأ تارة خلف الأغصان وطوراً وراء الغمام الظاعن في بيداء السماء والتف الأهل وزادهم عن لحظة الولادة الأصحاب الخلان والأوفياء والملائكة في اللحظتين حاضرون ولسان الحال :
أنت لا تموت ، أنت تفارق الحياة ، أنت تبقى ... والكل يطبع على الجبين قُبلة الحياة لا قُبلة الموت .
هطلت الدموع بغزاره وأمعنت في الشهيق وإرسال الزفرات الحرى إنها مشيئة الحي الذي لا يموت لا يُدر كأس الموت عن أحب خلقه إليه .
رحل ؟ لا اعتقد ، كيف يرحل الانسان وقد خلفّ قيمة حقيقية خلفه ؟!
ومن أسئلة الضمير ما مصير أثواب القطن الثلاثة السحولية ؟ هل طارت إلى هناك تلتحف بها السماء قبل كل فجر ؟
كُسفت الأنوار بدفنه وما كُسفت ، ولادته في أمة كان يعرفها وبعد وفاته تأتيه أمم لم تكن تعرفه !
سلام على فقيد ما فقدناه فمجده ما كان باطلاً أبدا .
أعرف رجلاً عظيماً مات منذ مئات السنين ولايزال حياً إلى يوم الدين يقضي حياته في برزخه مُسلماً عليه وراداً للسلام !.
ليس في الميراث الإنساني بداية وانتهاء ، إن خيط العبقرية لأي إنسان يبدأ من المهد ولا ينتهي إلا في اللحد ، ولكن العظيم الذي يسكننا ونسكن في محيطه وتسكن عبقريته عجلة الزمن فلا تنتهي أبداً كميراثه، فعبقريته كالأرض الطيبة التي تُخرج نباتها بإذن ربها ثم تعطيك بقدر ما تحرثها وتغذيها ، كنز هذه العبقرية ليس مطموراً يحتاج إلى نبش وإنما مكشوف على السطح يحتاج فقط قلب بصير .
يحدثوننا عن ملايين السنين لقطع الفضاء وتظل هذه الرحلة المليونية بالنسبة لنا بلا نتيجة ونحدثهم عن من قطع له جبريل عليه السلام الثواني من عمر الزمن فكانت أعظم نتيجة في الدهر .
ألم يقطع شيخ المعرة قبل ألف سنة ونيف بالنتيجة فيقول :
ولو طار جبريل بقية عمره ... من الدهر ما اسطاع الخروج من الدهر
نحن مع هذا العظيم ننام على الثقة ولا نخرج من الدهر ، ولادته شمس وكذلك امتداد حياته إلى أن أحضرت تلك الثياب الثلاثة السَحولية نسبة لوادي سَحول في اليمن ليكفن فيها ، شمس قوية الطاقة لا قمراً يستمد النور ويستجديه ويتضرع إلى الغيوم كي لا تحجب نوره المستعار ، ولكنه القمر المنير في تسلل خيوطه الباردة إلى القلوب ، إنه القمر المنير في زيارة ودية لأهل الأرض إن سرنا بهديه عشنا مطمئنين في طريق الفلاح فكم يزور علماء الفضاء القمر الآن يطلبون وده .
سر ولادته صلى الله عليه وسلم ووفاته لا يكمن في مفردات الشيء المحسوس أو تفاصيل المكان الملموس ؟
بل في ثروة مهولة بين اللحظتين لهذه المسيرة وأي نتيجة حتمية لهما ؟
أتخيل الصورة التي أريد أن أكونها ثم أعيش تلك الصورة طوال الوقت كما لو كانت واقعاً هي ذي ألاعيب الذاكرة لا تنتهي ، تقفز بصاحبها إلى حيث لا يتوقع إلى حيث الغياب في أعماق الأعماق لسنوات ، وهذا ما كان مع بيت لي في وادي سحول كما حدثنا الراوي .
في الحكمة أن الإنسان لا يستطيع أن يسبح في ذات النهر مرتين وكذلك فعلت .
ولادة جسد هذا العظيم وموته عليه الصلاة والسلام سر عظيم مكشوف !
فلو أننا أعدنا لحظة الولادة ولحظة الموت بكل تفاصيلها وأجملناها في خيالنا بين النسوة اللاتي حضرنا الولادة والبشير إلى الجد والأعمام المنتظرين بقلق واضطراب فكأنهم والقدر على موعد ، لا يدري أحدهم ما يتوقعه لظل بشري من عالم الغيب ، ولا أي سر ينتظر تتلقاه الأرض من السماء وكأني أرى نظر الجد الحائر يرفعه على الكعبة بيت الله إلى السماء حيث يتنازعه الحزن والفرح ،وتنتزع الكعبة من خزانة الليل أحلك ثوب يلائم عزها وسؤددها ليهب نسيم الخبر طرياً منعشاً فيبتسم ابتسامة عريضة وينزع عنه لثام الغيوم .
وحين أنتقل إلى لحظة الوفاة أبدو كسراق الأحلام الجميلة فبينما الحياة تسمع دبيب المنى هدأت حركتها وتباطأت كأنها تصغي إلى صوت شبح هائماً يعلم المكتوب في لوح الأزل يروعه تساقط أوراق الشجر، وبدأ القمر يختبأ تارة خلف الأغصان وطوراً وراء الغمام الظاعن في بيداء السماء والتف الأهل وزادهم عن لحظة الولادة الأصحاب الخلان والأوفياء والملائكة في اللحظتين حاضرون ولسان الحال :
أنت لا تموت ، أنت تفارق الحياة ، أنت تبقى ... والكل يطبع على الجبين قُبلة الحياة لا قُبلة الموت .
هطلت الدموع بغزاره وأمعنت في الشهيق وإرسال الزفرات الحرى إنها مشيئة الحي الذي لا يموت لا يُدر كأس الموت عن أحب خلقه إليه .
رحل ؟ لا اعتقد ، كيف يرحل الانسان وقد خلفّ قيمة حقيقية خلفه ؟!
ومن أسئلة الضمير ما مصير أثواب القطن الثلاثة السحولية ؟ هل طارت إلى هناك تلتحف بها السماء قبل كل فجر ؟
كُسفت الأنوار بدفنه وما كُسفت ، ولادته في أمة كان يعرفها وبعد وفاته تأتيه أمم لم تكن تعرفه !
سلام على فقيد ما فقدناه فمجده ما كان باطلاً أبدا .