بسم الله الرحمن الرحيم
نحن الحفاة العراة
بقلم الكاتبة: مها المحمدي
أرأيتم من مَنطِقِه؟ أرأيتم من قوته؟ أرأيتم من ثقته؟ أهل حكمة.
" هل سمعتم كلامًا قط أوضح نصرًا ولا أعز من كلام هذا الرجل؟
قالوا: معاذ اللهِ أن تميل إلى شيء من هذا وتدع دينك لهذا الكلب، أما ترى إلى ثيابه؟!
فقال: ويحكم، لا تنظروا إلى الثياب، ولكن انظروا إلى الرأي والكلام والسيرة، إن العرب تستخفُّ باللباس والمأكل ويصونون الأحساب، ليسوا مثلكم في اللباس، ولا يرون فيه ما ترون.
وقد رأيت ليلتي هذه كأن القوس التي في السماء خرت، وكأن الحيتان خرجن من البحر، وأن هؤلاء القوم سيظهرون عليكم.
هذه كلمات رستم قائد الفرس بعد أن التقى (ربعي بن عامر) الجالس على الأرض متجافياً عن بسطهم ووسائدهم، و(المغيرة بن شعبة ) الجالس إلى جواره مصمماً على رغم رجال رستم المتعالين بفراشهم على العربي ، مبعوثا سعد بن أبي وقاص – رضي الله عنهما - قبل القادسية ، وما أدراك ما القادسية ؟؟! غصة في حلق تاريخهم إلى يومنا، خاضها الحفاة العراة.
وقبل ذلك كان الدخول على كسرى الفرس، ومع النعمان بن مقرن - رضي الله عنهم- عارضاً عليه الإسلام.
يقول كسرى ملك الفرس:
كنتم لا تتجرؤون على غزو فارس؟! ولتأديبكم نكتفي بإيعاز لقبيلة أخرى ترفُّعاً عن قتالكم، فما الذي حصل ؟ ولأرمينّكم برستم عظيم قادة فارس.
يا أشرفهم، احمل وقر التراب هذا فليس لكم عندنا إلا التراب، ويحمله النعمان –رضي الله عنه - فألاُ بفتح فارس.
صَدّق المبعوثون - رضوان الله عليهم رأي كسرى - ورستم في العرب ولكن معلوماتهم قديمة، لقد جاء محمد – صلى الله عليه وسلم – وتغيرت أخلاق العرب وصفاتهم وجاءوا حاملين الدعوة فاتحين القلوب محطمين الأسوار.
يهز بعضهم أكتافهم، ويمطون شفاههم قائلين: حفاة عراة..
أعرني أذنك هينه يا من تؤمن وتُعير، والله تعالى يُغير ولا يُعير ، وعلى ما يبدو أنك لا تعرف من قول النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا حفاة عراة ؟!
إن الموهبة هي الأساس ونحن الحفاة العراة موهوبون، في طاقة السماء والأرض، وحسب ناموس الحياة الخفي الظهير! فتحت السماء لنا قبلاً ثم فتحت الأرض.
كنا حفاة عراة أهل قيم وشرف ولغة وأحساب، أما حجارة البنيان فهي الإرادة والرغبة والطاقة وبذل أقصى الجهد ونحن لها قديماً وحديثاً، فإذا كنت مزوداً بطاقة ولا تستثمرها فماذا تنتظر؟!
أثار أقدام الحفاة أمست وثائق تاريخية، ولعلها أصدق من الكثير من حكايات التاريخ وأساطيره إن آثار أقدامنا يوحي ليس إليّ فقط، بل لكل عاقل سليم النفس من حسد وحقد تعلل بالقشور أنها استحالت أجنحة جبارة تخفق في سماء التمدن العالية.
العبقرية ليست بضاعة، العبقرية أرض طيبة تخرج نباتها بإذن ربها تعطيك بقدر ما تحرثها وتغذيها، كنز مطمور في التراب والنفوس لا ينبشه إلا مثابر، إن الثرثرة تعوق وتبدد الطاقات ولا يخلو رأس من حكمة وهذا ما حققته لنا الأيام.
ففي الميراث الإنساني همم وطاقة وحمية والنبوغ قريحة توجد أولاً ثم عمل يوجد أولاً وأخراً.
إن الأمواج البشرية التي خرجت من الجزيرة العربية منذ آلاف السنين وبنت حضارات ما بين النهرين والشام هم من الحفاة العراة.
" على قدر أهل العزم تأتي العزائم " فالعبقري الشاعر المفكر سبق إلهامه العلم ولهذا يكبر المتنبي في عيني كل يوم، أوقدنا النيران الكامنة فنشأت حضارة الإسلام العظمى بجهد عربي مد كفه لحضارات سابقة وضعها تحت عباءة الحفاة العراة.
إن لنا، منا، وفينا موجهاً في طريق الفلاح سرنا بهديه ، عشنا مطمئنين وما بقينا على هامش الحياة فتطاولنا في البنيان، طلبنا خوالد الأعمال ونحن لا ننسى أسلافنا نتابع سيرورة العلم والعمل خطوة بخطوة ، ناموا على ثقة ومتى تهافتوا على إدراك بدون علم وامتحان ، ليس للفلاح طريق معبدة ولكنا شققنا طريقاً ضيقاً بأيدينا ، نحن الكادحون في طريق الفلاح في الحياة ، ولا نطلب منها إلا ما انتدبتنا إليه .
سؤال من يتوكأ على عصا العقل، وأنا مستعدة أن أتبعك إن جئت برأي يستظهر على زعمك، حفاة عراة والقضية ثابته علينا.
ماذا فعل الغد لامرئ القيس؟ وأي غرض قضاه له " اليوم خمر وغداً أمر"؟ الموت على الطريق وضياع الملك فلو أنه نهض ورمى بالكأس لما بكى هو وصاحبه لما رأى الدرب دونه وصديق الكأس لا يفلح، ونحن ما بكينا وغيرنا ضحكه مثل البكا.
لا شك أن الألفاظ تضيق عن المعاني، فما من وقت مثل الزمان الحاضر، فالهمة تكمن كمون النار تحت الرماد ثم ترتفع ألسنتها فتطال السماء ونتطاول في البنيان.
تجهم، وأغلظ الكلام وغيره كثيرون وظن أن " حفاة عراة " توجعنا؟ تكسرنا؟
نعم نحن الحفاة العراة، ولابد أن نسأل أنفسنا عن أسرار الانعطاف وعلة الانصراف، فالوهم هو المرض الأكبر لأن الوهم يورث الهم، لا تحذفوا الكلمات ففي المثل توبة المرض مريضة.
هكذا علمونا فلنقايس.
نحن الحفاة العراة
بقلم الكاتبة: مها المحمدي
أرأيتم من مَنطِقِه؟ أرأيتم من قوته؟ أرأيتم من ثقته؟ أهل حكمة.
" هل سمعتم كلامًا قط أوضح نصرًا ولا أعز من كلام هذا الرجل؟
قالوا: معاذ اللهِ أن تميل إلى شيء من هذا وتدع دينك لهذا الكلب، أما ترى إلى ثيابه؟!
فقال: ويحكم، لا تنظروا إلى الثياب، ولكن انظروا إلى الرأي والكلام والسيرة، إن العرب تستخفُّ باللباس والمأكل ويصونون الأحساب، ليسوا مثلكم في اللباس، ولا يرون فيه ما ترون.
وقد رأيت ليلتي هذه كأن القوس التي في السماء خرت، وكأن الحيتان خرجن من البحر، وأن هؤلاء القوم سيظهرون عليكم.
هذه كلمات رستم قائد الفرس بعد أن التقى (ربعي بن عامر) الجالس على الأرض متجافياً عن بسطهم ووسائدهم، و(المغيرة بن شعبة ) الجالس إلى جواره مصمماً على رغم رجال رستم المتعالين بفراشهم على العربي ، مبعوثا سعد بن أبي وقاص – رضي الله عنهما - قبل القادسية ، وما أدراك ما القادسية ؟؟! غصة في حلق تاريخهم إلى يومنا، خاضها الحفاة العراة.
وقبل ذلك كان الدخول على كسرى الفرس، ومع النعمان بن مقرن - رضي الله عنهم- عارضاً عليه الإسلام.
يقول كسرى ملك الفرس:
كنتم لا تتجرؤون على غزو فارس؟! ولتأديبكم نكتفي بإيعاز لقبيلة أخرى ترفُّعاً عن قتالكم، فما الذي حصل ؟ ولأرمينّكم برستم عظيم قادة فارس.
يا أشرفهم، احمل وقر التراب هذا فليس لكم عندنا إلا التراب، ويحمله النعمان –رضي الله عنه - فألاُ بفتح فارس.
صَدّق المبعوثون - رضوان الله عليهم رأي كسرى - ورستم في العرب ولكن معلوماتهم قديمة، لقد جاء محمد – صلى الله عليه وسلم – وتغيرت أخلاق العرب وصفاتهم وجاءوا حاملين الدعوة فاتحين القلوب محطمين الأسوار.
يهز بعضهم أكتافهم، ويمطون شفاههم قائلين: حفاة عراة..
أعرني أذنك هينه يا من تؤمن وتُعير، والله تعالى يُغير ولا يُعير ، وعلى ما يبدو أنك لا تعرف من قول النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا حفاة عراة ؟!
إن الموهبة هي الأساس ونحن الحفاة العراة موهوبون، في طاقة السماء والأرض، وحسب ناموس الحياة الخفي الظهير! فتحت السماء لنا قبلاً ثم فتحت الأرض.
كنا حفاة عراة أهل قيم وشرف ولغة وأحساب، أما حجارة البنيان فهي الإرادة والرغبة والطاقة وبذل أقصى الجهد ونحن لها قديماً وحديثاً، فإذا كنت مزوداً بطاقة ولا تستثمرها فماذا تنتظر؟!
أثار أقدام الحفاة أمست وثائق تاريخية، ولعلها أصدق من الكثير من حكايات التاريخ وأساطيره إن آثار أقدامنا يوحي ليس إليّ فقط، بل لكل عاقل سليم النفس من حسد وحقد تعلل بالقشور أنها استحالت أجنحة جبارة تخفق في سماء التمدن العالية.
العبقرية ليست بضاعة، العبقرية أرض طيبة تخرج نباتها بإذن ربها تعطيك بقدر ما تحرثها وتغذيها، كنز مطمور في التراب والنفوس لا ينبشه إلا مثابر، إن الثرثرة تعوق وتبدد الطاقات ولا يخلو رأس من حكمة وهذا ما حققته لنا الأيام.
ففي الميراث الإنساني همم وطاقة وحمية والنبوغ قريحة توجد أولاً ثم عمل يوجد أولاً وأخراً.
إن الأمواج البشرية التي خرجت من الجزيرة العربية منذ آلاف السنين وبنت حضارات ما بين النهرين والشام هم من الحفاة العراة.
" على قدر أهل العزم تأتي العزائم " فالعبقري الشاعر المفكر سبق إلهامه العلم ولهذا يكبر المتنبي في عيني كل يوم، أوقدنا النيران الكامنة فنشأت حضارة الإسلام العظمى بجهد عربي مد كفه لحضارات سابقة وضعها تحت عباءة الحفاة العراة.
إن لنا، منا، وفينا موجهاً في طريق الفلاح سرنا بهديه ، عشنا مطمئنين وما بقينا على هامش الحياة فتطاولنا في البنيان، طلبنا خوالد الأعمال ونحن لا ننسى أسلافنا نتابع سيرورة العلم والعمل خطوة بخطوة ، ناموا على ثقة ومتى تهافتوا على إدراك بدون علم وامتحان ، ليس للفلاح طريق معبدة ولكنا شققنا طريقاً ضيقاً بأيدينا ، نحن الكادحون في طريق الفلاح في الحياة ، ولا نطلب منها إلا ما انتدبتنا إليه .
سؤال من يتوكأ على عصا العقل، وأنا مستعدة أن أتبعك إن جئت برأي يستظهر على زعمك، حفاة عراة والقضية ثابته علينا.
ماذا فعل الغد لامرئ القيس؟ وأي غرض قضاه له " اليوم خمر وغداً أمر"؟ الموت على الطريق وضياع الملك فلو أنه نهض ورمى بالكأس لما بكى هو وصاحبه لما رأى الدرب دونه وصديق الكأس لا يفلح، ونحن ما بكينا وغيرنا ضحكه مثل البكا.
لا شك أن الألفاظ تضيق عن المعاني، فما من وقت مثل الزمان الحاضر، فالهمة تكمن كمون النار تحت الرماد ثم ترتفع ألسنتها فتطال السماء ونتطاول في البنيان.
تجهم، وأغلظ الكلام وغيره كثيرون وظن أن " حفاة عراة " توجعنا؟ تكسرنا؟
نعم نحن الحفاة العراة، ولابد أن نسأل أنفسنا عن أسرار الانعطاف وعلة الانصراف، فالوهم هو المرض الأكبر لأن الوهم يورث الهم، لا تحذفوا الكلمات ففي المثل توبة المرض مريضة.
هكذا علمونا فلنقايس.