" لا علاقة بين السياسة والأخلاق...لا أهتم بأمر الواقع بل أهتم بتغييره... تغيير واحد يفتح المجال لتغييرات أخرى" – نيكولا مكيافيللي-
استهلال:
الفيزياء الرياضية هي مجال بحثي يشترك فيه كل من الرياضيات والفيزياء وذلك حينما يهتمان بتطور المناهج الرياضية الخاصة بالمشاكل الفيزيائية وبصورة أدق بتطبيقيات الرياضيات على الفيزياء وبطور الرياضيات حينما تقوم بمعالجة العديد من المجالات البحثية داخل الفيزياء.
تستخدم الرياضيات في الفيزياء باعتبارها لغة قادرة على التعبير عن القوانين والظواهر الطبيعية بشكل واضح ومفهوم ولقد تشكلت الفيزياء الرياضية بهذا الاستخدام. ويدل ذلك على أن المعادلات الرياضية تمثل في علم الفيزياء وسيلة منهجية أساسية قصد تفسير مواطن الغموض في الكون ونمذجة جملة الملاحظات في دوال مبنية وصياغتها في نظريات شاملة وإيجاد حلول حسابية للمشاكل العلمية الطارئة ووضع التوقعات التي تخص الظواهر المستقبلية المختلفة.
على هذا النحو توجد العديد من المناهج الرياضية قيد التطبيق في الفيزياء سواء من جهة النموذج الفرضي الاستنباطي أو من جهة النموذج الاستقرائي التجريبي وكذلك المعالجة الهندسية للطبيعة.
أما الواقعية السياسية فهي الموقف الذي يعتبر البراغماتية أو الذرائعية هي الأسلوب الذي يتبع في العمل السياسي للناشطين أو المنهج المعتمد من قبل الحاكمين من أجل تحقيق المصلحة والنجاعة.
تصادر الواقعية السياسية على أن الدولة هي مركز الثقل والفاعل الأول في العلاقات الدولية وبالتالي مصدر التوحيد والعقلنة تشتغل وفق منطق الإدماج وتبحث على تعميم الفائدة على الكل.
علاوة على ذلك تنظر الواقعية السياسية إلى الدول هي المحرك الرئيسي للمشهد العالمي وأنها تدخل في علاقات تنازعية وفق عقلانية القدرة من جهة المدار العسكري والسياسي والاقتصادي وترى بأن النظام العالمي يتصف بالفوضى بصفة جوهرية طالما أن الدول غير خاضعة لنفوذ ما بعد دولي وتدخل في حروب فيما بينها من أجل توسيع مجالها الحيوي وافتكاك موقع بين الدول وتحقيق مصالحها وتنمية مواردها والاستيلاء على الأسواق ومنابع الثروة وتنمية قدراتها .
لقد حرصت الواقعية السياسية على الفصل بين السياسة والدين والأخلاق وعلى استخدام العلوم وعلى معاملة الأفراد في ظل غياب حكومة عليا بوصفهم مستقلين ذاتيا وأسياد لذواتهم بصورة تامة وتمنح الدولة القدرة اللازمة لتدبير شؤون المجتمع ولكي يتم فرض هيبة السلطة واحترام القوانين. كما أن السيادة التي تتمتع بها الدولة تعطيها الحق في الاستعمال الشرعي للقوة على إقليمها. غير أن الواقعية السياسية تحمل نظرة تشاؤمية للعلاقات بين الدول وتشرعن جنوح البعض من الأنظمة إلى الحروب من أجل تصدير أزماتها الاقتصادية وحل مشاكلها السياسية.
يمثل هذا الاتجاه السياسي كل من المؤرخ الإغريقي توسيديد (460 -400 قبل الميلاد) ونيكولا ميكيافيلي(1469-1527 ) وتوماس هوبز( 1588-1679) وهانز مورجنتو (1904-1980).
1-الأمير الحديث عند نيكولا مكيافيللي:
" من يريد أن يطاع فعليه أن يعرف كيف يأمر"
لقد أعلن مكيافيللي عن أزمة الوعي الديني بسبب تدهور دور اللاهوت كعامل تاريخي وتحول الدولة إلى عمل وكيان اصطناعي يقوم البشر أنفسهم بوضعه للتخلص من الخضوع لسيطرة الكنيسة ورجال الدين. لقد بدأت السياسة تنفصل عن الأخلاقية الدينية وسعت إلى تمثل الوعي العاري بالواقع. هكذا مثلت المكيافيللية هي محاولة هامة لتقليص الزيف الإيديولوجي والأخلاقي عند وصفها للواقع السياسي.
لقد اتجهت الواقعية السياسية التي تستخدم الفيزياء الرياضية نحو البحث عن التطابق مع واقع متحرك لا يتورع عن إخفاء ذاته والتستر والمراوغة. بناء على ذلك ظهرت أخلاقية سياسية جديدة تقوم على الكذب، الاحتيال، عدم خيانة العهود. لقد "أعطي مكيافيللي لمعاصريه وصفة التأويل الواقعي للواقعية السياسية" على حد عبارة أرنست بلوخ في كتابه " فلسفة عصر النهضة"1[1]. لقد قام بترك "ما الذي يجب أن يكون" من جهة حكم القيمة وفي المقابل ركز اهتمامه على "ما هو كائن" من جهة حكم الواقع.
لقد وصف مكيافيللي الوقائع السياسية كما هي بادية للنظر في الحياة المحسوسة ولم يرغب في إعطاء توجهات أخلاقية ووعظ ونصح وإرشاد حول ما يجب أن تكون عليه سياسة الدولة في حكم الشعب بل ركز انتباهه على الخلاف من ذلك في اتجاه إظهار ماهو موجود وبدا عمله جديدا بالمقارنة مع الفكر السياسي التقليدي الذي أغرق في النزعة المثالية والنظرة اليوتوبية الحالمة والبعيدة عن الواقع العيني2[2].
على هذا الأساس إن مهنة الدولة هي "عمل غير رحوم وغير أخلاقي". لقد بين مكيافيللي أن الصدق في السياسة ليس لذاته أي الوفاء المطلق للمنطق الأخلاقي بل لتقوية الدولة وبالتالي كرّس انفصال المنطق السياسي عن المنطق الأخلاقي. بهذا المعنى تكون دولة مكيافيللي هي ولادة القيم بذاتها. بهذا المعنى يتحدد المعيار بمنطق الدولة لا بمنطق الدين أو الفرد. على هذا النحو تشكل السياسة معركة متواصلة وصراع مستمر من أجل الاستيلاء على السلطة والمحافظة عليها. في نفس الاتجاه وفي فترة معاصرة يبيّن غرامشي أن الأمير عند مكيافيللي هو الأمير الواقعي الذي يمثل إرادة جماعية بحيث يمثل هدف سياسي محدد وإرادة سياسية يتجسد فيها أمال الشعب صعود الإنسان للحلو محل الله هو صعود قوة3[3].
لقد أسس مكيافيللي تصوره للسياسة على ما يمكن تسميته الحقيقة الفعلية للأشياء الملموسة، أي على الطابع الواقعي للسياسة وليس على البعد الخيالي الذي ظل سابقوه يتخبطون في دائرته دون أن يبرحوه.
لقد أسس مكيافيللي الواقعية السياسية وجعل من الرغبة في الفعل وفق النجاعة المطلوبة الغرض الأبرز الذي يتحرك ضمنه نشاط الأمير على مستوى استعمال القوة والحيلة والقيام بالتدابير وإصدار القرارات.
إن الحاكم غير الناجع لا يستطيع أن يمسك بالسلطة ولا أن يحافظ عليها ولا يفيد شعبه في شيء وقد يخسر نفوذه من طرف سلط أخرى سواء داخلية أو خارجية ويذهب حكمه لسوء إدارته لشؤون دولته.
لقد جعل مكيافيللي من استعمال القوة قانونا أولا في السياسة وأظهر الفارق بين الأفكار والوقائع ونفى بشكل قاطع الاقتصار على توجيه الكلمات للدفاع على الدول وأكد على أن سلامة الدولة هي الفضيلة السياسية الأولى وضمان الحياة والمحافظة على البقاء وتحقيق الازدهار والاستمرارية للجسم السياسي.
لقد كانت مهمة الأمير السياسي هي تربية المواطنين على احترام القوانين والخدمة للصالح العام وتعليم الأجيال المقبلة بأن الشأن السياسي من صنع ذاتهم وليس ضرورة تخضع لتقلبات الدهر وحتمية الأقدار.
لقد بذل مكيافيللي مجهودات لتطهير مفهوم السلطة من الرواسب اللاهوتية وحاول تفكيك الحكم الفردي الذي يستند إلى مبدأ الحق الإلهي وبين أن الأمير لا يستمد مشروعيته ولا يحافظ على موقعه إلا بالمقدرة والكفاءة والأداء وذلك باستعمال الأدوات الناجعة والوسائل الضرورية لتحقيق سياسة ناجحة ومزدهرة.
المطلوب من الأمير أن يبذل كل ما يقدر عليه من جهود من أجل الوصول إلى السلطة والمحافظة عليها وأن يتبع لذلك منهجا واقعيا ويبتعد عن خيالات الأحلام والمثل المطلقة والغايات النهائية ومنطق النوايا.
لقد اعتبر مكيافيللي المؤسس الفعلي للواقعية السياسية بالنظر إلى تبنيه مسألة الحركة والعمل بغية الفعل في الواقع وبلوغ النجاحات والتغلب على المشكلات وتخطي الصعوبات وتخليص المجتمع من الآفات.
لقد تضمن كتاب الأمير تناولا إشكاليا للمسائل التي تطرحها قضية السلطة وبالخصوص من جهة الواقعة والحقيقة والإمكانية وكذلك من جهة الوسائل والغايات بتخطي الأحكام المسبقة والآراء الجاهزة وذلك بالابتعاد عن وجهة نظر المؤرخين والفلاسفة والشعراء عن المثل السياسية والفضائل الأخلاقية. لقد راهن مكيافيللي على الذكاء البشري وقدرته على التحكم والتوجيه في واقع ومصير الدول والشعوب بدل الاعتقاد في تدخل الأمور المفارقة في حركة التاريخ وترك مجرى الأحداث عرضة للصدفة والاتفاق والجواز والحظ ودعا إلى التسلح بالحذر والفطنة والاحتراس والاستعداد لمواجهة المستجدات.
لقد صاغ مكيافيللي نمطا خاصا بكيفية إدارة الإمارة من جهة الطرق المؤدية للفوز بها ومن جهة شروط المحافظة عليها ولكنه قدم أيضا درسا افتتاحيا في الواقعية السياسية ورأى بأن اللجوء إلى القوة والحيلة هو رغبة طبيعية للإنسان ترنو إلى تحقيق أغراض أخلاقية مثل وحدة الدولة وسعادة الشعب وتطوره.
إن الناس الحائزين على أكبر درجة من القوة والذكاء هم الأقدر على تغيير وجه التاريخ وتطوير دولهم وإذا كان غرضهم خدمة شعوبهم فإنه بإمكانهم استعمال كل الوسائل المتاحة من أجل تحقيق هذه الغاية.
لقد اتصف التفكير السياسي الحديث عند نيكولا مكيافيللي بالعقلانية والواقعية وفتحه دروبا جديدة للناس لكي يفكروا في الأشياء السياسية بعيدا عن الإغراق في الحياة التأملية ودون الإبحار إلى مملكة الغايات، ونظر إلى حياة معلمنة تستمد ديناميكيتها من ذاتها وليس من قيمة أخلاقية أخرى أو حقيقة متعالية عليها.
إن نظرية "عقل الدولة" التي أسسها العلامة نيكولا مكيافيللي ترتكز جوهريا على اعتبار السيادة المطلقة غير المنقسمة وغير المشروطة هي حجز الزاوية التي تتأسس عليها مصلحة الدولة الجمهورية.
2-دولة التنين عند توماس هوبز:
"ليست الحكمة وإنما السلطة هي التي تصنع القانون"
التنين هو رمز الدولة الحديثة التي يقيمها الأفراد لنكون أقوى من أي واحد منهم. والدولة هي ذلك الوحش المخيف الذي يؤمن الأمن في الداخل والسلام في الخارج. وبعبارة أخرى الدولة هي آلة اصطناعية ضخمة ذات بأس مهمتها المحافظة على المنفعة الأولى لجميع الأفراد وهي السلامة.
من هذا المنطلق تمثل الدولة قوة قاهرة رادعة تخرج الفرد من حالته الطبيعية المتميزة بالكبرياء والبخل والخوف والموت) إلى حالة القوانين الطبيعية المتميزة بالإنصاف والعدل والتواضع والرحمة. والآية على ذلك أن "الاتفاقات دون السيف (القوة) ليست سوى كلمات". بناء على ذلك تتحول الدولة إلى هذا السيف المسلط فوق الجميع ليمنعهم من الاستلام لطبيعتهم الشريرة4[4].
لكن إذا كان التنين هي دولة الشرائع الطبيعية في وجه الأهواء الطبيعية فإن الدولة ليست بمفهوم مجرد بل هي السلطة المطلقة الشاملة الموجودة في يد شخص واحد.
غير أن الدولة حسب هوبز قد تصطدم لا محالة بحدين :
1- حين تهدد الدولة الفرد في سلامته وحياته.
2- حين لم تعد الدولة قادرة على حماية الفرد.
هكذا مثلت فلسفة هوبز السياسية هي نظرية الدفاع عن السلطة المطلقة للحاكم حينما طالبت الشعب بالتسليم والطاعة للحاكم واعتبرت ذلك أمرا ضروريا لتأمين حماية الفرد من الاعتداءات الداخلية من طرف فرد آخر أو جماعة أخرى والدفاع عنه ضد العدوان الخارجي من طرف دولة أجنبية. وبالتالي يستمد الحاكم حقه في ممارسة السلطة المطلقة من العقد الذي يقيمه مجوعة من الأفراد فيما بينهم وتنازلون بموجبهم عن قوتهم وحقهم الطبيعي في الدفاع عن أنفسهم ويفوضون أمرهم إلى طرف ثالث يخضعون له ويؤمن لهم حماية ممتلكاتهم والمحافظة على بقائهم.
اذا كان روسو يرى علاقة العقد هي اتفاق بين طرفين متشاركين هما الشعب والحكام فإن هوبز لا يجعل الدولة في ناحية والأفراد في الطرف المقابل للعقد وإنما العقد عنده يقوم من جهة واحدة بين جميع الأفراد الذين يؤلفون الدولة. وإذا كان الحق الطبيعي يقود إلى الحرب الدائمة بين الأفراد فإن العقد الاجتماعي يتنازل فيه الأفراد عن حق استعمال القوة الفيزيائية للدفاع عن الحياة ويقيم بدله القانون الطبيعي ويحرص على تنفيذ هذا القانون على الصعيد السياسي والتشريعي.
لو ترك الإنسان لحقه الطبيعي لأصبح ذئبا للإنسان وتحكمت فيه أنانيته ولكن بالعقل الحسابي يرسم الطريق أمام الدولة نحو السيطرة على الانفعالات واختيار ما يراه العقل صالحا للمجتمع وبالتالي يضمن الحد الأدنى للأنانية العقلانية ضمن إطار دولة التنين ذات السيادة المطلقة.
بيد أن الحل العقلاني الأناني يستوجب التخلي عن الحق الطبيعي والحرية الطبيعية في مقابل البقاء على قيد الحياة و العيش في سلام و أمان وهذا يترتب عنه حرية بالمعنى الاقتصادي فقط .
هناك مناداة عند هوبز بإخضاع السلطة الدينية للسلطة المدنية وبالتالي الاحتكام إلى العلمانية وقد صرح في هذا الموضوع: " ليست البابوية أكثر من شبح الإمبراطورية الرومانية يجلس متوجا فوق قبرها". والى جانب ذلك يقر هوبز بوجود قاعدتين تقوم عليهما نظريته حول الواقعية السياسية وتتمثل في ما يلي:
1-الاستعانة بالمنهج التجريبي والفيزياء الرياضية:
" العلم هو معرفة العواقب واعتماد حقيقة على أخرى"
استخدم هوبز منهجية كتاب العناصر لإقليدس وحلل السياسة تحليلا رياضيا وأرجعها إلى عناصر بسيطة وتصور الجسم السياسي على غرار الجسم الطبيعي ورده إلى مجموعة من قوى وكتل متحركة بشكل متفاوت ومن المعلوم أن كتاب المطارحات مليء بالتعريفات والاستنتاجات العلمية. ولقد كانت مطالبته بتأسيس السلطة المطلقة نتيجة توصل إليها بعد استنتاج هندسي لتأمله العميق في مكونات الطبيعة البشرية وما تتضمنه من أعواء وميولا نحو العدوان والأنانية.
من جهة ثانية حاول هوبز ضبط مبادئ الأخلاق والتشريع وإقامة رياضيات اللذة وجعل المنفعة أقصى سعادة الأكبر عدد من الناس وسعى وراء المنفعة الفردية الخالية من الألم واندفع نحو المطالبة بوجود السلطة المطلقة لكي تتحول الدولة إلى آلة ضخمة رادعة ولكنها اصطناعية وحرص على أن يكون الأفراد طواعية في يدها للمحافظة على غاياتهم الأخيرة وهي الحياة5[5].
2-الدفاع عن حقوق الفرد والحريات الخاصة :
" لا يمكن للإنسان التخلي عن حق مقاومة من يعتدون عليه بالقوة لأخذ حياته منه"
لم يقابل تأكيد هوبز على السلطة المطلقة إطلاقا نسيان الفرد بل إن فلسفته هي عبارة عن خطاب حول منفعة الفرد ومرافعة عقلانية حسابية من أجل مصلحة الفرد من جهة أمنه وسلامة ممتلكاته.
غني عن البيان أن هوبز طرح المشاكل الأخلاقية بتعبيرات فيزيائية وجعل الإنسان آلة طبيعية تتحرك تحركا أولا يؤدي إفناء الحركات الأخرى وتعطيلها وتحركا ثانيا يفضي الى تأسيس حالة الدولة والتمدن (القانون الطبيعي). على هذا النحو عارض هوبز نظرية الحق الإلهي ، الحق الوراثي والحق الأخلاقي في الحكم وعول على الدولة لكي تصبح الآلة المتحرك والجهاز الأكبر والأقوى القادر على حماية الفرد بإنزال العقاب بمن لا يحترم العقد القائم بين الأفراد6[6].
لكن هل يمكن القول بأن النظرية السياسية عند هوبز تبرر الاستبداد والعنف السياسي؟ ألا يوجد فرق بين السلطة المطلقة بماهي اختراع حديث والدولة الشمولية من حيث هي اكتشاف معاصر؟
خاتمة:
" بدون حكم القانون ستكون حياة الإنسان عزلة وفقر وشر ووحشية وقصيرة"
- توماس هوبز-
والحق أن العقد الاجتماعي هو السبيل الذي يتبعه هوبز من أجل تأسيس دولة القانون وأن الدولة هي مؤسسة سياسية تمثل المجتمع السياسي وتشتغل كالآلة في اتجاه خدمة المجتمع المدني والأفراد. كما أن التصور التعاقدي عند هوبز يستوجب إخضاع الكنيسة إلى السلطة السياسية ويضع الاعتقادات في دائرة الفضاء الخاص ويبعدها عن التأثير في الفضاء العام بماهو عالم مشترك بين المواطنين. علاوة على ذلك يتمثل الواجب الأول بالنسبة لصاحب السيادة في العمل على حماية الذوات الشخصية من الانتهاكات والمضايقات وتدعيم السلم الاجتماعي بضمان حرية الضمير وترسيخ الأمان بالنسبة للمجموعة البشرية التي يتشكل منها الجسم السياسي.
بيد أن الواقعية السياسية تتوقف عند جملة من الحدود وتوجد على مشارف نطاقات لا تقدر على الدخول إليها وهي الدوائر التالية:
- المعرفة الجزئية بالحاضر وفاعلية الوضعية التاريخية في أشكال الوعي التاريخي.
- مسارات العلمنة ومحاولة إفراغ الفضاء العام من حضور الديني والتخويف من السياسة.
- وهم تناغم المصالح ويوتوبيا الدولة المحايدة ومنزوعة السلاح واللاّأدرية الأخلاقية.
- يتراوح وجود الجماعات التاريخية بين التنازع والتلاقي وما انفكت تتجه نحو التفاوض والتعايش السلمي من الناحية الخارجي قصد تفادي حالة الحرب الكونية المدمرة.
لقد أقر مكيافيللي أن "رجل واحد يستطيع أن يعيد الأمة إلى مبادئها ، فلو كان قدوة جيدة سيقلده الناس الجيدون والأشرار يخجلون أن يفعلوا عكسه".
لقد شهدت الحقبة المعاصرة ظهور نزعة إحيائية للواقعية السياسية على يد العديد من علماء الاجتماع والمؤرخين والمستشارين والخبراء وأكد هانز مورجنوتو على أن العالم لا يفعل الا من منظور إحراز المصالح الخاصة وأن النزاع الذي يندلع بين الحشود من أجل تحقيق منافعهم الشخصية يمنع الاقتراب من الأخلاق ويفسح المجال للقوة والكذب والحيلة ويعسر عملية التقارب بين الحقل السياسي والحقول الأخرى ويمنح البعد الاقتصادي الأولوية المطلقة في عملية التعيير.
بعد ذلك واصل الفرنسي ريمون أرون والأمريكي هنري كسنجر هذه الاستعادة المتبصرة للواقعية السياسية مع تطعيمها ببعض أفكار اللبيرالية الجديدة والتركيز على دور الحروب في تدعيم النفوذ الإمبراطوري الغربي على العالم وتغذية الصراعات الدولية من أجل اكتساب السيادة المطلقة على الصعيد العولمي وبالتالي يمكن التضحية ببعض القيم مثل السلم والتسامح والتعايش.
لكن بأي معنى اقتصر دور الواقعية السياسية تاريخيا على بناء أنظمة سياسية تسلطية في حين أن معظم الثورات الكبرى تفجرت بالانطلاق من أفكار يوتوبية تتناقض مع الأفكار الواقعية اليائسة؟
الهوامش والإحالات:
[1] Ernst Bloch, La philosophie de la Renaissance, Traduit par Pierre Kamnitzer, Éditeur. Paris : Payot : Rivages, 1994
[2] Machiavel (Nicolas), le prince, 1513, Préface de Paul Veyne, édition Gallimard, Paris, 1980
[3] Gramsci (Antonio), Notes sur Machiavel, sur la politique et sur le Prince moderne ,1931-1932,op.cit
[5] Hobbes (Thomas ), Les éléments de la lois naturelle et politique (1640),trad. fr. Louis ROUX, Lyon, Hermès, 1977
[6] (Althusser (Louis), "Sur le contrat social", Les Cahiers pour l'analyse, Le Seuil, n°8, 1967 (p.5-42
المصادر والمراجع:
.Machiavel (Nicolas), le prince, 1513, Préface de Paul Veyne, édition Gallimard, Paris, 1980
,Hobbes (Thomas), Léviathan, traité de la matière, de la forme et du pouvoir de la république ecclésiastique et civile,1651
.traduit par Francois Tricaud, Paris, Sirey,1971- 1990
.Hobbes (Thomas ), Les éléments de la lois naturelle et politique (1640),traduction de Louis ROUX, Lyon, Hermès, 1977
Gramsci (Antonio), Notes sur Machiavel, sur la politique et sur le Prince moderne ,1931-1932, Une édition électronique réalisée à partir du livre d'Antonio Gramsci, Textes. Édition réalisée par André Tosel. Une traduction de Jean Bramon, Gilbert
.Moget, Armand Monjo, François Ricci et André Tosel. Paris : Éditions sociales, 1983
.(Althusser (Louis), "Sur le contrat social", Les Cahiers pour l'analyse, Le Seuil, n°8, 1967 (p.5-42
.Ernst Bloch, La philosophie de la Renaissance, Traduit par Pierre Kamnitzer, Éditeur. Paris : Payot : Rivages, 1994