السيرة التاريخية للغة العربية وخطها*
الأربعاء, 29 يناير 2014 21:50
د. عدنان عويّد
ترجمة: د.عدنان عويّد
اللغة العربية هي اللغة الأحدث بالنسبة للمجموعة السامية التي تظم، الآرامية، العبرية، السبئية، السريانية، الحبشية والحميرية. كما أنها الأقرب إلى الأنموذج الأصلي السامي من بقية كل اللغات التي اشتقت من هذا الأصل.
اللغة العربية كما نعلم اليوم أخذت تتطور من خلال لهجة قريش، وهي اللهجة الأكثر نقاوة ووضوحا من بقية لهجات شبه الجزيرة العربية، كما هي الأكثر استخداما من بقية اللغات السامية، حيث تفوقت عليها وعلى مشتقاتها الوفيرة من حيث إيجازها ووضوحها وفصاحتها. هذا إضافة إلى كونها قد نجحت في كشف قدراتها في الحديث إلى درجة عالية من الرقي تفوق قدرات بقية لغات المجموعة التي اندثرت أو أصبحت قريبة من الاندثار.
اللغة العربية لم تعان الهم اللغوي (الفينولوجي)، والتغيير النحوي في صيغتها الأدبية بالرغم من أن هناك آلاف اللهجات عند المتحدثين بها في العالم العربي. فاللغة البسيطة للقرآن الكريم وحدت الناس، وهي لغة الكتابة في كل الأراضي العربية، وقد استخدمت في الجرائد والمدارس والتلفاز والراديو.
أما الأحرف العربية فهي بسيطة ومختصرة، عددها (28) حرفا كلها ساكنة، عدا ثلاثة تستخدم أحرف علة بشكل دائم، وهناك أربع علامات (حركات) مميزة أيضا توضع فوق الأحرف أو تحتها لتحديد النطق الصحيح وتمييز الأسماء عن الأفعال.
أما بالنسبة للخط العربي، فلم يزل هناك بعض الجدل حوله حتى بعد أن تطور، فبعض الكتاب يشير إلى أن الجذر التاريخي للحرف العربي (أصوله)، تعود إلى ما يقارب 4.500 عام، بيد أن تسجيلات علم الآثار تقول أنه يعود إلى القرن الرابع (ق. م)، كما تشير هذه التسجيلات أيضا إلى أن الخط العربي هو شكل راق للخط النبطي المنحدر مباشرة من الآرامي، والذي نفسه هو من ذرية اللغة السامية الأصلية.
الخط العربي الأولي تطور ما بين القرن 16، والقرن 18 بعد الميلاد، وهو أيضا يعتبر (الجد) الأعلى لكل الأحرف الأوربية، مع التحفظ على بدايات الخط الصيني والآسيوي.
بعد مجيء الإسلام وبوقت مبكر، ترقى الخط العربي عبر أنموذجين من الخطوط:
الخط الكوفي: الذي تطور في العراق في مدينة الكوفة، وقد توقف الآن استخدامه على الأغلب، باستثناء ما يتعلق بتصاميم فن العمارة وفن النحت، حيث قدم كشلل رائع للزخرفة عبر كل العالم الإسلامي.
الثاني ويدعى خط النسخ: حيث نجد أن الكتابة المنسوخة والمترجمة بهذا الخط بكل تلاوينه الفنية المشهورة بجمالها أنشئت في مدينتي (مكة والمدينة)، وهي تشكل أصل الكتابة العربية الحديثة، وتتجلى اليوم في تركيبات ونماذج زخرفيه عديدة.
على العموم، كلا الأنموذجين قد اشتهرا برشاقتهما وفنهما، وعبرهما أبدعت الأعمال الجمالية المنتخبة والمختارة.
في القرن السابع ميلادي، خلدت اللغة العربية عبر القرآن الكريم. وأصبح الإسلام ملازما لها عندما الفتوحات العربية الإسلامية تحركت إلى شمال أفريقيا، ثم إلى شبه الجزيرة الايبرية، وشرقا إلى قلب أسيا، هذا وقد انتشرت اللغة العربية بسرعة فائقة مع هذه الفتوحات، ففي عقود قليلة، أصبحت العربية اللغة السائدة في العالم، والوسيط الفكري الذي وحد معظم العالم المتمدن آنذاك.
إن الفتوحات الرائعة للجيوش العربية الإسلامية، جعلت اللغة العربية لغة تعادل في قيمتها قيمة الإسلام والقرآن، حيث أصبحت أول لغة مناسبة استطاع المسلمون عبرها الاقتراب من الله، ولم يستطع أي شخص أعتنق الإسلام أن يهرب من استخدامها، لذلك يمكن القول: لا اللغة اليونانية، ولا اللاتينية، ولا أية لغة أخرى استطاعت أن تحرز مكانة عالية كالتي أحرزتها اللغة العربية القديمة. هذا وتعتبر إمكانات اللغة العربية واستخداماتها في المجاز اللغوي أو في تشخيصاتها، غنية جدا وتفوق أية لغة أخرى أيضا، لذلك غالبا ما تخسر اللغة العربية عندما تترجم إلى لغة أخرى، بينما تربح اللغات الأخرى منها عندما تترجم إليها.
إن السرعة الفائقة للفتوحات العربية الإسلامية العظيمة لمناطق الإمبراطوريات السامية القديمة، أعطت اللغة العربية تلك المكانة العالية التي لم تحققها أية لغة أخرى دون استثناء، عدا اللغة الانكليزية في عصرنا الحاضر.
منذ القرن الحادي عشر ميلادي، انتشر بشكل واسع التكلم باللغة العربية، وكتب بها كل المسلمين المثقفين من الصين إلى حدود فرنسا، مستبدلين بها اللغات السائدة آنذاك، مثل الآرامية واليونانية... الخ. كما أصبحت عمليا لغة الفن والثقافة والفكر والعلم والتكنولوجيا في معظم المدارس التعليمية لتلك المرحلة، مساعدة في ذلك على تأسيس الحضارة العربية الإسلامية التي أصبحت واحدة من أعظم حضارات العالم المعروف آنذاك.
أما بالنسبة للخط العربي فمع الانطلاقات المبكرة للفتوحات أصبح الخط الرسمي ولعدة قرون حتى للغات الشعوب التي اعتنقت الإسلام، مثل الكرد والفرس والأتراك، وعدد من لغات الشعوب الهندية، واللغة البربرية في شمال أفريقيا، إضافة الاسبانية.
نعم لقد تعانقت بشكل سريع العربية مع عدد كبير من لغات الشعوب التي اعتنقت الإسلام، وشكلت بعدا ثقافيا حدد معالم العالم الإسلامي عن بقية العالم الآخر.
في الفترات الأخيرة، تبنت الخط العربي أعداد جديدة من لهجات شعب الملايو، وكذلك لهجات المسلمين في كل من شمال أفريقيا، والصومال، والمناطق السواحلية، وبعض لغات وسط أسيا مثل الطاجيك، والتتار، والآزبك، وكذلك في الهند في كشمير والبنجاب والسند، والقليل من لغات لسلفاك.
إن استخدام الخط العربي كان قد استقر في معظم الأراضي الإسلامي، قبل أن تتم عملية اجتياح الاستعمار الغربي الحديث وحملات التبشير لآسيا وأفريقيا، فمع مجيء هؤلاء المستعمرين جاء الحقد على اللغة العربية وأبجديتها، حيث أصبحت بعد ذلك لغة القرآن الكريم تدخل حالة الغموض بالنسبة للأجيال الحديثة، بل راحت تلك الأجيال بسب التوجيه الأوربي وسياسته تعيش حالة قطع معرفي مع الأجيال السابقة لها. وفي فترات لاحقة راح العديد من الفلاسفة الغربيين الحاقدين وبعض من الطلاب الآسيويين والأفارقة بما فيهم العرب ضعيفي المعرفة، ممن تتلمذ على أيديهم، يصفون اللغة العربية باللغة المتحجرة، وأن خطها لم يعد يتناسب وحالة التطور التكنولوجي الحديث.
أن اللغة العربية قبل ذلك بفترة طويلة من مجيء المستعمر إلى أسيا وأفريقيا كانت تتلقى الضربات من قبل الأسبان أولا، حيث اضطهد العرب هناك وأجبروا على اعتناق المسيحية، لكنهم استمروا يستخدمون الخط العربي بالسر - بالرغم من نسيانهم العربية– حتى ترحيلهم قسرا من اسبانيا عام 1609، علما أن بعض الأسبان كتبوا في الخط العربي حتى بعد إقصاء الأبجدية العربية واختفائها من شبه الجزيرة الايبرية.
بعد الحرب الكونية الأولى مباشرة استمر استخدام الخط العربي في عدة لغات، بينما بدل بالأبجدية اللاتينية في روسيا عام 1927- 1928، وفي تركيا عام 1928، وبعد عدة عقود لحقتهما الصومال. بينما في الهند التي استخدمت الخط العربي لمئات السنين راحت تبدله في كشمير والبنجاب والسند تدريجيا بالخط (الديغانجري)، وكذا الحال جرى في غرب أفريقيا حيث راح أكثر من 50 مليون إنسان يكتب بالخط العربي يتحول إلى اللاتيني بسبب الدور الذي لعبه الانكليز والمبشرون هناك، هذا إضافة إلى شرق أفريقيا (المجموعة السواحلية)، وكذلك في الملايو وأرخبيل اندونيسيا، فمنذ القرن الثالث عشر كانت اللغة الرسمية السنسكريتية، ودزينة من اللغات المحلية الأخرى التي استخدمت الخط العربي مع انتشار الإسلام هناك عن طريق التجار العرب، بدأت مع هذه الفترة تغير الخط العربي بخطوط لغاتها المحلية وخاصة السنسكريتية، ومع الاستعمار الأوربي وحملات التبشير أيضا، تم إعادة إنتاج الخط الروماني المعروف بالخط (الرومي) أبجدية الكتابة عند سكان ماليزيا واندونيسيا، بينما عاد الخط الحاوي في جاوا.
في وقتنا الراهن، لم يزل للعربية ذاك الامتداد الواسع في هذا العالم، فهناك ما يزيد على 300 مليون نسمة يستخدمون العربية حديثا وكتابة، كلغة أم، وهناك ما يزيد على 800 مليون نسمة يستخدمونها كلغة دين، أما خطها فقد ظل مستخدما بشكل واسع عند العديد من الشعوب الإسلامية، ومتفوقا على الابجدية اللاتينية الملازمة له، وهناك أكثر من عشر لغات لا زالت تكتب بالخط العربي يأتي على رأسها، اللغة الأردية، الفارسية، الباشتو، الكوردية، السندية... الخ.
إن اللغة العربية قد أخذت مكانتها كلغة عالمية مرتين، الأولى، خلال العهد الذهبي للمد الإسلامي، والثانية، في زمننا الحاضر، حيث يعترف بها اليوم لغة سادسة في مجلس الأمن، كما اعتبرت لغة عمل في (منظمة الاتحاد الإفريقي)، هذا وقد استعيدت حديثا كلغة ثانية في إيران وباكستان والجزء الجنوبي من الفلبين.
من هنا نجد أن كل المحاولات التي بذلت من قبل الاستعمار الغربي ومبشريه، ومن مناهضي الإسلام في كل مكان من العالم، بغية إضعاف مستوى اللغة العربية وخطها لم تكن ناجحة تماما، بل نجدها قد استمرت في وجودها لغة حيوية موقرة من قبل المسلمين والعرب وغير المسلمين من العرب في كل أنحاء العالم.
*******
[email protected]
* العنوان الأصلي باللغة الانكليزية للنص
THE ODYSSEY OF
THE ARABIC LANGUAGE
AND ITS SCRIPT
by hsan saloom
الأربعاء, 29 يناير 2014 21:50
د. عدنان عويّد
ترجمة: د.عدنان عويّد
اللغة العربية هي اللغة الأحدث بالنسبة للمجموعة السامية التي تظم، الآرامية، العبرية، السبئية، السريانية، الحبشية والحميرية. كما أنها الأقرب إلى الأنموذج الأصلي السامي من بقية كل اللغات التي اشتقت من هذا الأصل.
اللغة العربية كما نعلم اليوم أخذت تتطور من خلال لهجة قريش، وهي اللهجة الأكثر نقاوة ووضوحا من بقية لهجات شبه الجزيرة العربية، كما هي الأكثر استخداما من بقية اللغات السامية، حيث تفوقت عليها وعلى مشتقاتها الوفيرة من حيث إيجازها ووضوحها وفصاحتها. هذا إضافة إلى كونها قد نجحت في كشف قدراتها في الحديث إلى درجة عالية من الرقي تفوق قدرات بقية لغات المجموعة التي اندثرت أو أصبحت قريبة من الاندثار.
اللغة العربية لم تعان الهم اللغوي (الفينولوجي)، والتغيير النحوي في صيغتها الأدبية بالرغم من أن هناك آلاف اللهجات عند المتحدثين بها في العالم العربي. فاللغة البسيطة للقرآن الكريم وحدت الناس، وهي لغة الكتابة في كل الأراضي العربية، وقد استخدمت في الجرائد والمدارس والتلفاز والراديو.
أما الأحرف العربية فهي بسيطة ومختصرة، عددها (28) حرفا كلها ساكنة، عدا ثلاثة تستخدم أحرف علة بشكل دائم، وهناك أربع علامات (حركات) مميزة أيضا توضع فوق الأحرف أو تحتها لتحديد النطق الصحيح وتمييز الأسماء عن الأفعال.
أما بالنسبة للخط العربي، فلم يزل هناك بعض الجدل حوله حتى بعد أن تطور، فبعض الكتاب يشير إلى أن الجذر التاريخي للحرف العربي (أصوله)، تعود إلى ما يقارب 4.500 عام، بيد أن تسجيلات علم الآثار تقول أنه يعود إلى القرن الرابع (ق. م)، كما تشير هذه التسجيلات أيضا إلى أن الخط العربي هو شكل راق للخط النبطي المنحدر مباشرة من الآرامي، والذي نفسه هو من ذرية اللغة السامية الأصلية.
الخط العربي الأولي تطور ما بين القرن 16، والقرن 18 بعد الميلاد، وهو أيضا يعتبر (الجد) الأعلى لكل الأحرف الأوربية، مع التحفظ على بدايات الخط الصيني والآسيوي.
بعد مجيء الإسلام وبوقت مبكر، ترقى الخط العربي عبر أنموذجين من الخطوط:
الخط الكوفي: الذي تطور في العراق في مدينة الكوفة، وقد توقف الآن استخدامه على الأغلب، باستثناء ما يتعلق بتصاميم فن العمارة وفن النحت، حيث قدم كشلل رائع للزخرفة عبر كل العالم الإسلامي.
الثاني ويدعى خط النسخ: حيث نجد أن الكتابة المنسوخة والمترجمة بهذا الخط بكل تلاوينه الفنية المشهورة بجمالها أنشئت في مدينتي (مكة والمدينة)، وهي تشكل أصل الكتابة العربية الحديثة، وتتجلى اليوم في تركيبات ونماذج زخرفيه عديدة.
على العموم، كلا الأنموذجين قد اشتهرا برشاقتهما وفنهما، وعبرهما أبدعت الأعمال الجمالية المنتخبة والمختارة.
في القرن السابع ميلادي، خلدت اللغة العربية عبر القرآن الكريم. وأصبح الإسلام ملازما لها عندما الفتوحات العربية الإسلامية تحركت إلى شمال أفريقيا، ثم إلى شبه الجزيرة الايبرية، وشرقا إلى قلب أسيا، هذا وقد انتشرت اللغة العربية بسرعة فائقة مع هذه الفتوحات، ففي عقود قليلة، أصبحت العربية اللغة السائدة في العالم، والوسيط الفكري الذي وحد معظم العالم المتمدن آنذاك.
إن الفتوحات الرائعة للجيوش العربية الإسلامية، جعلت اللغة العربية لغة تعادل في قيمتها قيمة الإسلام والقرآن، حيث أصبحت أول لغة مناسبة استطاع المسلمون عبرها الاقتراب من الله، ولم يستطع أي شخص أعتنق الإسلام أن يهرب من استخدامها، لذلك يمكن القول: لا اللغة اليونانية، ولا اللاتينية، ولا أية لغة أخرى استطاعت أن تحرز مكانة عالية كالتي أحرزتها اللغة العربية القديمة. هذا وتعتبر إمكانات اللغة العربية واستخداماتها في المجاز اللغوي أو في تشخيصاتها، غنية جدا وتفوق أية لغة أخرى أيضا، لذلك غالبا ما تخسر اللغة العربية عندما تترجم إلى لغة أخرى، بينما تربح اللغات الأخرى منها عندما تترجم إليها.
إن السرعة الفائقة للفتوحات العربية الإسلامية العظيمة لمناطق الإمبراطوريات السامية القديمة، أعطت اللغة العربية تلك المكانة العالية التي لم تحققها أية لغة أخرى دون استثناء، عدا اللغة الانكليزية في عصرنا الحاضر.
منذ القرن الحادي عشر ميلادي، انتشر بشكل واسع التكلم باللغة العربية، وكتب بها كل المسلمين المثقفين من الصين إلى حدود فرنسا، مستبدلين بها اللغات السائدة آنذاك، مثل الآرامية واليونانية... الخ. كما أصبحت عمليا لغة الفن والثقافة والفكر والعلم والتكنولوجيا في معظم المدارس التعليمية لتلك المرحلة، مساعدة في ذلك على تأسيس الحضارة العربية الإسلامية التي أصبحت واحدة من أعظم حضارات العالم المعروف آنذاك.
أما بالنسبة للخط العربي فمع الانطلاقات المبكرة للفتوحات أصبح الخط الرسمي ولعدة قرون حتى للغات الشعوب التي اعتنقت الإسلام، مثل الكرد والفرس والأتراك، وعدد من لغات الشعوب الهندية، واللغة البربرية في شمال أفريقيا، إضافة الاسبانية.
نعم لقد تعانقت بشكل سريع العربية مع عدد كبير من لغات الشعوب التي اعتنقت الإسلام، وشكلت بعدا ثقافيا حدد معالم العالم الإسلامي عن بقية العالم الآخر.
في الفترات الأخيرة، تبنت الخط العربي أعداد جديدة من لهجات شعب الملايو، وكذلك لهجات المسلمين في كل من شمال أفريقيا، والصومال، والمناطق السواحلية، وبعض لغات وسط أسيا مثل الطاجيك، والتتار، والآزبك، وكذلك في الهند في كشمير والبنجاب والسند، والقليل من لغات لسلفاك.
إن استخدام الخط العربي كان قد استقر في معظم الأراضي الإسلامي، قبل أن تتم عملية اجتياح الاستعمار الغربي الحديث وحملات التبشير لآسيا وأفريقيا، فمع مجيء هؤلاء المستعمرين جاء الحقد على اللغة العربية وأبجديتها، حيث أصبحت بعد ذلك لغة القرآن الكريم تدخل حالة الغموض بالنسبة للأجيال الحديثة، بل راحت تلك الأجيال بسب التوجيه الأوربي وسياسته تعيش حالة قطع معرفي مع الأجيال السابقة لها. وفي فترات لاحقة راح العديد من الفلاسفة الغربيين الحاقدين وبعض من الطلاب الآسيويين والأفارقة بما فيهم العرب ضعيفي المعرفة، ممن تتلمذ على أيديهم، يصفون اللغة العربية باللغة المتحجرة، وأن خطها لم يعد يتناسب وحالة التطور التكنولوجي الحديث.
أن اللغة العربية قبل ذلك بفترة طويلة من مجيء المستعمر إلى أسيا وأفريقيا كانت تتلقى الضربات من قبل الأسبان أولا، حيث اضطهد العرب هناك وأجبروا على اعتناق المسيحية، لكنهم استمروا يستخدمون الخط العربي بالسر - بالرغم من نسيانهم العربية– حتى ترحيلهم قسرا من اسبانيا عام 1609، علما أن بعض الأسبان كتبوا في الخط العربي حتى بعد إقصاء الأبجدية العربية واختفائها من شبه الجزيرة الايبرية.
بعد الحرب الكونية الأولى مباشرة استمر استخدام الخط العربي في عدة لغات، بينما بدل بالأبجدية اللاتينية في روسيا عام 1927- 1928، وفي تركيا عام 1928، وبعد عدة عقود لحقتهما الصومال. بينما في الهند التي استخدمت الخط العربي لمئات السنين راحت تبدله في كشمير والبنجاب والسند تدريجيا بالخط (الديغانجري)، وكذا الحال جرى في غرب أفريقيا حيث راح أكثر من 50 مليون إنسان يكتب بالخط العربي يتحول إلى اللاتيني بسبب الدور الذي لعبه الانكليز والمبشرون هناك، هذا إضافة إلى شرق أفريقيا (المجموعة السواحلية)، وكذلك في الملايو وأرخبيل اندونيسيا، فمنذ القرن الثالث عشر كانت اللغة الرسمية السنسكريتية، ودزينة من اللغات المحلية الأخرى التي استخدمت الخط العربي مع انتشار الإسلام هناك عن طريق التجار العرب، بدأت مع هذه الفترة تغير الخط العربي بخطوط لغاتها المحلية وخاصة السنسكريتية، ومع الاستعمار الأوربي وحملات التبشير أيضا، تم إعادة إنتاج الخط الروماني المعروف بالخط (الرومي) أبجدية الكتابة عند سكان ماليزيا واندونيسيا، بينما عاد الخط الحاوي في جاوا.
في وقتنا الراهن، لم يزل للعربية ذاك الامتداد الواسع في هذا العالم، فهناك ما يزيد على 300 مليون نسمة يستخدمون العربية حديثا وكتابة، كلغة أم، وهناك ما يزيد على 800 مليون نسمة يستخدمونها كلغة دين، أما خطها فقد ظل مستخدما بشكل واسع عند العديد من الشعوب الإسلامية، ومتفوقا على الابجدية اللاتينية الملازمة له، وهناك أكثر من عشر لغات لا زالت تكتب بالخط العربي يأتي على رأسها، اللغة الأردية، الفارسية، الباشتو، الكوردية، السندية... الخ.
إن اللغة العربية قد أخذت مكانتها كلغة عالمية مرتين، الأولى، خلال العهد الذهبي للمد الإسلامي، والثانية، في زمننا الحاضر، حيث يعترف بها اليوم لغة سادسة في مجلس الأمن، كما اعتبرت لغة عمل في (منظمة الاتحاد الإفريقي)، هذا وقد استعيدت حديثا كلغة ثانية في إيران وباكستان والجزء الجنوبي من الفلبين.
من هنا نجد أن كل المحاولات التي بذلت من قبل الاستعمار الغربي ومبشريه، ومن مناهضي الإسلام في كل مكان من العالم، بغية إضعاف مستوى اللغة العربية وخطها لم تكن ناجحة تماما، بل نجدها قد استمرت في وجودها لغة حيوية موقرة من قبل المسلمين والعرب وغير المسلمين من العرب في كل أنحاء العالم.
*******
[email protected]
* العنوان الأصلي باللغة الانكليزية للنص
THE ODYSSEY OF
THE ARABIC LANGUAGE
AND ITS SCRIPT
by hsan saloom