محمد بن حسين الحميدي
المطلب الأول: المصطلحات والتعاريف:
لمعرفة زكاة الأسهم والسندات لا بد من تعريف للشركات المساهمة سأرف المصطلحات التالية:
شركة المساهمة: هي شركة ينقسم رأس مالها إلى أسهم متساوية، وهذه الأسهم يمكن تداولها حسب النصوص المتفق عليها فهي عبارة عن شركة بين اثنين فأكثر في رأس المال والربح، وهذه كما يتضح من تعريفها لا تخرج عن أقسام الشركات التي ينص عليها العلماء الأفاضل، لكنها تتميز أن أسهمها تكون متساوية مثلاً السهم بألف ريال أو بألفي ريال... إلخ، والربح يقسم على المساهمين حسب ما يكون متفقاً عليه... إلخ.
تعريف السهم:
السهم في اللغة: النصيب.
في الاصطلاح: فهو وثيقة يمثل حقاً عينياً أو نقدياً في رأس مال الشركة قابل للتداول -للبيع والشراء- ويعطي صاحبه حقوقاً خاصة، ويمكن أن يقال في تعريفه: هو جزء من رأس مال الشركة أو البنك، والأسهم أجزاء متساوية من رأس المال، وعرفه الدكتور الصديق محمد الأمين الضرير(1) فقال: السهم في القانون التجاري هو الحصة التي يقدمها الشريك في شركات المساهمة، وهو يمثل جزءاً معيناً من رأس مال الشركة، ويتمثل السهم في صك يعطى للمساهم، ويكون وسيلته في إثبات حقوقه في الشركة، ويطلق السهم أيضاً على هذا الصك، فكلمة سهم تعني حق الشريك في الشركة، كما تعني الصك المثبت لهذا الحق.
تعريف السند:
هو تعهد مكتوب من الشركة أو البنك أو الحكومة لحامل السند بسداد مبلغ مقدر من قرض في تاريخ معين نظير فائدة مقدرة.
المطلب الثاني: الفرق بين السهم والسند:
يشترك السهم والسند في القيمة الاسمية المقدرة عند الإصدار والقيمة الفعلية التي تحددها الأسواق المالية،وكل منهما قابل للبيع والشراء كأي سلعة أخرى وهناك عدة فروق نبينها كالتالي:
- السهم يمثل جزء من رأس مال الشركة والسند يعتبر قرض على الشركة.
- السهم ينتج ربح أو خسارة فهو بيع جائز بخلاف السند فالربح فيه مضمون ومحدد فهو من البيوع المحرمة.
- حامل السهم يعتبر مالكاً بخلاف حامل السند فيعتبر مقرضاً.
- السهم يسدد عند فض الشركة أما السند فله وقت محدد.
المطلب الثالث: حكم زكاة الأسهم والسندات:
الأسهم هي أجزاء تمثل رأس مال لشركة قد تكون صناعية أو زراعية، فهي جائزة شرعاً إذا كان النشاط مباحاً، ومما يدل على جوازها قوله تعالى: ﴿وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ﴾ [الأنفال: 41]، ’’الآية وما روي أن السائب بن شريك جاء إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: أتعرفني فقال: «صلوات الله وسلامه عليه وكيف لا أعرفك وكنت شريكي وكنت خير شريك لا تداري ولا تماري(2)»(3)، وعن أبي هريرة رفعه قال: «إن الله تعالى يقول أنا ثالث الشريكين ما لم يخن أحدهما صاحبه فإذا خانه خرجت من بينهما»(4) وبعث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والناس يفعلون ذلك فأقرهم عليه وقد تعامله الناس من بعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى يومنا هذا من غير نكير منكر، وأما السندات فمحرمة لأنها مبنية على أرباح ربوية.
آراء بعض الباحثين في زكاة الأسهم:
لما كانت الأسهم من جنس الأموال التي تدر دخلا لصاحبها وتشكل رأس مال لصاحبها فهي داخلة في عموم الأدلة التي تقضي بأخذ الزكاة من الأغنياء وردها على الفقراء؛فكان من الواجب أخذ الزكاة من هذه الأسهم وإليك كلام بعض الباحثين حول هذا الموضوع:
يقول الأستاذ أبو زهرة: (وكان حقاً علينا أن نجعل الزكاة في الأسهم؛ لأننا لو أعفينا ملاك هذه الأسهم من الزكاة لكان في ذلك ظلم كبير على غيرهم من الملاك، وكان ظلماً للفقراء، وفوق ذلك يتهرب الناس بأموالهم التي تجب فيها الزكاة، فيشترون الأسهم حيث لا زكاة فيها، وإن نظرة عاجلة إلى ينابيع الثروة في مصر ترينا أن أكثرها إنتاجا وغلة هي هذه الشركات، فهل يسوغ عقلاً أن يعفى ملاك الأسهم من الزكاة، وتؤخذ من صغار الفلاحين ذوي المورد المحدد؟)(5)، وير ى الشيخ عبد الرحمن عيسى: عن زكاة أسهم الشركات ما يلي: (قد لا يعرف كثير ممن يملكون أسهم الشركات حكم زكاة هذه الأسهم، وقد يعتقد بعضهم أنها لا تجب زكاتها، وهذا خطأ، وقد يعتقد البعض وجوب الزكاة في أسهم الشركات مطلقاً، وهذا خطأ أيضاً، وإنما الواجب النظر في هذه الأسهم تبعاً لنوع الشركة التي أصدرتها)(6).
المطلب الرابع: كيف تزكى أسهم الشركات:
أختلف العلماء ممن كتب حول هذا الموضوع في هذا العصر من حيث النظر إلى هذه المسألة إلى اتجاهين:
الاتجاه الأول: التفرقة بين الشركات التجارية والشركات الصناعية وما شاكلها،فالشركات التجارية تخرج الزكاة فيها على أنها عروض تجارة أي ربع العشر من رأس المال بعد أن يخرج من رأس المال قيمة المباني والأشياء الثابتة ويحدد قيمة السهم من خلال السوق ثم تخرج زكاته،وأما الشركات الصناعية وما شاكلها -وهي التي لا تمارس التجارة في أعمالها- فهذه لا تجب الزكاة في أسهمها لأن قيمة هذه الأسهم موضوعة في الآلات والمباني والإدارات ولكن ما ينتج من أرباح يضم إلى أموال المساهمين ويزكى معها حسب الأفراد، يقول الشيخ عبد لرحمن عيسى: (فإن كانت الشركة المساهمة شركة صناعية محضة؛ أي: لا تمارس عملاً تجارياً، كشركات الصباغة وشركات التبريد وشركات الفنادق، وشركات الإعلانات، وشركات الأوتوبيس، وشركات النقل البحري والبري، وشركات الترام، وشركات الطيران، فلا تجب الزكاة في أسهمها؛ لأن قيمة هذه الأسهم موضوعة في الآلات والأدوات والمباني، وما يلزم الأعمال التي تمارسها، ولكن ما ينتج ربحاً لهذه الأسهم يضم إلى أموال المساهمين ويزكى معها زكاة المال، وإن كانت الشركة المساهمة شركة تجارية محضة تشتري البضائع وتبيعها بدون إجراء عمليات تحويلية على هذه البضائع؛ كشركة بيع المصنوعات المصرية، وشركة التجارة الخارجية، وشركات الاستيراد، وشركة شوكريل، أو كانت شركة صناعية تجارية، وهي الشركات التي تستخرج المواد الخام أو تشتريها ثم تجري عليها عمليات تحويلية، ثم تتجر فيها، مثل شركات البترول وشركات الغزل والنسيج للقطن والحرير، وشركة الحديد والصلب، والشركات الكيماوية كشركة كيما وشركة الملح والصودا، وشركة راكنا لصناعة الورق، فتجب الزكاة في أسهم هذه الشركات، فمدار وجوب الزكاة في أسهم الشركات أن تكون الشركة تمارس عملاً تجارياً، سواء معه صناعة أم لا)(7)، وفي هذا يقول الدكتور القرضاوي: (إن التفرقة بين الشركات الصناعية أو شبهها، وبين الشركات التجارية أو شبهها بحيث تعفى الأولى من الزكاة، وتجب على الأخرى تفرقة ليس لها أساس ثابت من كتاب ولا سنة ولا إجماع ولا قياس صحيح)(8)، ويرى الدكتور القرضاوي: (إذا أخذنا بهذا الاتجاه وهو التفرقة أن تخرج زكاة الشركات الصناعية على اعتبار أنها مستغلات،فتخرج الزكاة من إيرادها وربحها الصافي بمقدار العشر، وأما الشركات التجارية فهذه تؤخذ الزكاة من أسهمها حسب قيمتها في السوق،مضافا إليها الربح،وتكون الزكاة بمقدار ربع العشر بعد طرح قيمة الأثاث الثابت من الأسهم)(9).
الاتجاه الثاني: ويرى أصحابه أن الأسهم قابلة للتداول بالبيع والشراء فهي سلعة سواء كانت في شركة صناعية أم تجارية فالسوق هو الذي يحدد قيمة السهم فهي بهذا الاعتبار من عروض التجارة فيلاحظ فيها ما يلاحظ في عروض التجارة فيؤخذ منها ربع العشر في آخر كل عام من قيمة الأسهم -حسب تحديد السوق لقيمة السهم- ويضاف إليها الربح بشرط أن يبلغ الأصل والربح نصاباً،أو يكملا -مع مال عنده-نصاباً.(10)، ومن مال إلى هذا القول الدكتور القرضاوي حفظه الله تعالى.
المطلب الخامس: على من تجب عليه الزكاة المساهم أم الشركة:
بعدما قررنا أن السهم يمثل مالاً مملوكاً تجب الزكاة على مالكه إذا توافرت فيه شروط وجوبها، يبقى النظر فيمن تجب عليه زكاة السهم، هل هو الشركة أم المساهم؟
الزكاة تجب في المال على مالكه، فمَن المالك لأموال الشركة؟
لقد اختلف الباحثون في هذا العصر من المالك للأسهم على قولين:
القول الأول: المالك لهذه الأموال هي الشركة فيجب عليها إخراج الزكاة حيث يقول الدكتور مصطفى كمال: للشركة ذمة مالية مستقلة بأصولها وخصومها عن ذمم الشركاء... فأموال الشركة لا تعتبر ملكاً شائعاً بين الشركاء، بل تعتبر هذه الأموال ملكاً للشركة،... والحصة التي يقدمها الشريك للشركة تخرج عن ملكه، وتصبح مملوكة للشركة كشخص معنوي، ولا يكون للشريك بعد ذلك إلا مجرد نصيب في الأرباح، أو في الأموال التي تبقى بعد تصفية الشركة... ’’(11).
إذا كان هذا الذي يقرره علماء القانون التجاري بشأن أموال الشركة مقبولاً فقهاً، فإن النتيجة المنطقية له هي أن زكاة أموال الشركة لا يطالب بها المساهمون، وإنما تطالب بها الشركة، وهذا هو رأي بعض من تعرض لهذه المسألة، ومنهم الدكتور شوقي إسماعيل شحاتة حيث يقول(12): (لما كانت الشركة المساهمة لها شخصية اعتبارية مستقلة، وبناء على أن الزكاة تكليف متعلق بالمال نفسه، فإنها تجب على الشخص الاعتباري حيث لا يشترط التكليف الديني، وأساسه البلوغ والعقل، وقياساً على زكاة الماشية، وإن الخلطة فيها قد خصت بخصوصية تراجع الخلطاء فيما بينهم بالسوية على التفصيل الذي سبقت الإشارة إليه، وإن الشركة في الماشية هي شركة أموال بالمفهوم المعاصر، وليست شركة أشخاص، وإن الشركة في الماشية تكون على وجه المخالطة -لا الملك- ومؤداها أن الزكاة تجب في مال الشركة المجتمع ككل، وليس في مال كل شريك على حدة...)، ويرى الشيخ أبو الأعلى المودودي أن زكاة الأسهم تفرض على الشركة إذا كانت الدولة تقوم بتحصيل الزكاة(13).
القول الثاني: يرى أن المالك لهذه الأسهم هم المساهمون أما الشركة فهي عبارة عن نائب عن المساهم تسير الشركة حسب النظام الأساسي المتفق عليه بين المساهم والشركة وعليه يكون المالك للسهم هو المأمور بإخراج الزكاة ولكن إذا نص النظام الأساسي على أن الإدارة تقوم بإخراج الزكاة نيابة عن المساهم فلا بأس في ذلك وهذا ما قرره مجمع الفقه الإسلامي، ويفهم هذا مما نقلته عن الشيخ عبد الرحمن عيسى أن زكاة الأسهم يخرجها المساهم.
القول المختار:
الذي يظهر لي أن زكاة الأسهم تجب على المساهم؛ لأنه هو المالك الحقيقي للأسهم، والشركة تتصرف في أسهمه نيابة عنه، حسب الشروط المبينة في قانون الشركة ونظامها الأساسي، فإذا نص في النظام الأساسي على أن الشركة تخرج زكاة الأسهم وجب عليها إخراجها، ولا يطالب بها المساهمون، أما إذا لم يوجد هذا النص فلا تخرج الشركة الزكاة إلا بقرار من الجمعية العمومية، أو بقانون في الدولة يلزم الشركات بإخراج زكاة الأسهم، وأما القول بوجوب زكاة الأسهم على الشركة أصالة، باعتبار أن الشركة لها شخصية اعتبارية مستقلة عن شخصية المساهمين، فإنه لا يكون مقبولاً إلا في دولة تطبق أحكام الشريعة الإسلامية، وتوجب نظمها أخذ الزكاة من أموال الشركات، وإن الفتوى به في أوضاعنا الحاضرة قد يؤدي إلى عدم إخراج زكاة الأسهم لفساد الزمان وضعف الرقابة الذاتية.
ولمزيد من الفائدة ننقل قرار مجمع الفقه الإسلامي بخصوص ’’زكاة أسهم الشركات’’(1-3-1425).
(الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى آله صحبه قرار رقم (3) د 4/ 08/ 88، بشأن زكاة الأسهم في الشركات إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره الرابع بجدة في المملكة العربية السعودية من 18-23 جمادى الآخرة 1408هـ. الموافق 6-11 فبراير 1988م. بعد اطلاعه على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع ’’زكاة أسهم الشركات’’ قرر ما يلي:
أولاً: تجب زكاة الأسهم على أصحابها، وتخرجها إدارة الشركة نيابة عنهم إذا نص في نظامها الأساسي على ذلك، أو صدر به قرار من الجمعية العمومية، أو كان قانون الدولة يلزم الشركات بإخراج الزكاة، أو حصل تفويض من صاحب الأسهم لإخراج إدارة الشركة زكاة أسهمه.
ثانياً: تخرج إدارة الشركة زكاة الأسهم كما يخرج الشخص الطبيعي زكاة أمواله، بمعنى أن تعتبر جميع أموال المساهمين بمثابة أموال شخص واحد، وتفرض عليها الزكاة بهذا الاعتبار من حيث نوع المال الذي تجب فيه الزكاة، ومن حيث النصاب، ومن حيث المقدار الذي يؤخذ، وغير ذلك مما يراعى في زكاة الشخص الطبيعي، وذلك أخذاً بمبدأ الخلطة عند من عممه من الفقهاء في جميع الأموال.ويطرح نصيب الأسهم التي لا تجب فيها الزكاة، ومنها أسهم الخزانة العامة، وأسهم الوقف الخيري، وأسهم الجهات الخيرية، وكذلك أسهم غير المسلمين.
ثالثاً: إذا لم تزك الشركة أموالها لأي سبب من الأسباب، فالواجب على المساهمين زكاة أسهمهم، فإذا استطاع المساهم أن يعرف من حسابات الشركة ما يخص أسهمه من الزكاة لو زكت الشركة أموالها على النحو المشار إليه، زكى أسهمه على هذا الاعتبار؛ لأنه الأصل في كيفية زكاة الأسهم.
وإن لم يستطع المساهم معرفة ذلك: فإن كان ساهم في الشركة بقصد الاستفادة من ربح الأسهم السنوي، وليس بقصد التجارة؛ لأنه يزكيها زكاة المستغلات، وتمشياً مع ما قرره مجمع الفقه الإسلامي في دورته الثانية بالنسبة لزكاة العقارات والأراضي المأجورة غير الزراعية، فإن صاحب هذه الأسهم لا زكاة عليه في أصل السهم، وإنما تجب الزكاة في الريع، وهي ربع العشر بعد دوران الحول من يوم قبض الريع مع اعتبار توافر شروط الزكاة وانتفاء الموانع.وإن كان المساهم قد اقتنى الأسهم بقصد التجارة، زكاها زكاة عروض التجارة، فإذا جاء حول زكاته وهي في ملكه، زكى قيمتها السوقية، وإذا لم يكن لها سوق، زكى قيمتها بتقويم أهل الخبرة، فيخرج ربع العشر 2.5 % من تلك القيمة ومن الربح إذا كان للأسهم ربح.
رابعاً: إذا باع المساهم أسهمه في أثناء الحول ضم ثمنها إلى ماله وزكاه معه عندما يجيء حول زكاته. أما المشتري فيزكي الأسهم التي اشتراها على النحو السابق.
مسألة: هل تؤخذ الزكاة من إيراد الشركة مع أخذها من الأسهم؟
ذهب الأستاذ أبو زهرة وبعض الباحثين في هذا العصر إلى أخذ الزكاة من الشركات على اعتبار أنها نامية بالصناعة فيؤخذ منها العشر ويؤخذ ربع العشر من الأسهم والسندات على اعتبار أنها عروض تجارية فعلى هذا الرأي يكون قد أخذ من المال الواحد زكاتين وهذا هو الثني الذي نهينا عنه عند أخذ الزكاة.وقد انتقد الشيخ القرضاوي هذا الرأي لما فيه من الجور على رب المال حيث أننا سنأخذ منه الزكاة مرتين(14).
المطلب السادس: كيفية إخراج زكاة أسهم الشركات؟
على القول بأن الشركة هي المكلفة بإخراج الزكاة فتخرج الشركة زكاة أسهمها الممثلة في الأموال الموجودة عندها كما يخرج الشخص الطبيعي زكاة أمواله، بمعنى أن تعتبر جميع أموال الشركة كأنها أموال شخص واحد، وتفرض عليها الزكاة بهذا الاعتبار من حيث نوع المال الذي تجب فيه الزكاة، ومن حيث النصاب، ومن حيث المقدار الذي يؤخذ، وغير ذلك مما يراعى في زكاة الشخص الطبيعي، فإذا كانت شركة تجارية تعامل معاملة التاجر، وإذا كانت شركة زراعية تعامل معاملة المزارع، وإذا كانت شركة عقارية تعامل معاملة الشخص الذي يستثمر أمواله في العقارات وهكذا.
وقد تستثمر الشركة أموالها في مجالات متنوعة من التجارة والزراعة وغيرها، كما يفعل بعض أرباب المال بأموالهم، فإنها تعامل معاملتهم، وتخرج زكاة كل مال بحسب نوعه.
وأما على القول بأن المساهم هو المكلف بإخراج الزكاة فيجب على الشركة أن تحدد قيمة السهم نهاية كل عام ويقوم المساهم بإخراج الزكاة على قيمة السهم مع مراعاة تحقق الشروط في الزكاة وانتفى الموانع.
المطلب السابع: متى يبدأ حساب الحول للأسهم؟
أما الأسهم في الشركات التجارية، أو الأسهم الذي يتاجر فيه صاحبها فالأرباح فيها تابعة لأصل المال في الحول، لأن ربح التجارة لا يحسب له حول جديد، بل حوله هو حول أصل المال إن كان أصل المال يبلغ النصاب.(15)
ويجب التنبه إلى أن عروض التجارة إذا اشتريت بذهب أو فضة أو نقود لا يبدأ لها حول جديد من شرائها وإنما يبني على حول النقود التي اشتريت بها إن كانت نصاباً.
قال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-: (واعلم أن عروض التجارة ليس حولها أن تأتي سنة بعد شرائها، بل إن حولها حول المال الأصلي، لأنها عبارة عن دراهم من رأس مالك حولتها إلى عروض، فيكون حولها حول مالك الأول)(16).
المطلب الثامن: زكاة السندات:
في الحقيقة أن التعامل التجاري ببيع السندات لا يجوز لاشتماله على الربا،ولكن نقول بأن الأرباح هي المحرمة أما أصل المال فهو حلال وعلية لا خلاف فيما أعلم بأن الزكاة تجب في رأس المال أما الأرباح فهي مال خبيث يجب التخلص منه جملة إما برده إلى صاحبه أو بالصدقة به على قول بعض أهل العلم.
يقول الشيخ الزحيلي: بالرغم من تحريم السندات فإنها تجب زكاتها لأنها تمثل ديناً لصاحبها، وتؤدى زكاتها عن كل عام عملاً برأي جمهور الفقهاء غير المالكية، لأن الدين المرجو (وهو ما كان على مقرٍ موسرٍ) تجب زكاته في كل عام، وشهادات الاستثمار أو سندات الاستثمار هي في الحقيقية سندات وتجب فيها الزكاة وإن كان عائدها خبيثاً وكسبها حراماً، وتزكى السندات كزكاة النقود… وذلك لأن تحريم التعامل بالسندات لا يمنع من وجود التملك التام فيجب فيها الزكاة، أما المال الحرام غير المملوك كالمغصوب والمسروق ومال الرشوة… والربا ونحوها فلا زكاة فيه لأنه غير مملوك لحائزه ويجب رده لصاحبه الحقيقي منعاً من أكل أموال الناس بالباطل فإن بقي في حوزة حائزه وحال عليه الحول ولم يرد لصاحبه فيجب فيه زكاته رعاية لمصلحة الفقراء.أ.هـ
فإذا قلنا بوجوب إخراج الزكاة فالسندات هي عبارة عن دين مؤجل، فيكون حكم الزكاة فيها حكم الزكاة في الدين، والدين على ضربين أحدهما: دين على معترف به باذل له، الثاني: أن يكون على معسر أو جاحد أو مماطل به.
أما الضرب الأول فللعلماء فيه أقوال(17):
القول الأول: على صاحبه زكاته إلا أنه لا يلزمه إخراجها حتى يقبضه فيؤدي لما مضى قال به الحنابلة وروي ذلك عن علي -رضي الله عنه- وبهذا قال الثوري و أبو ثور وأصحاب الرأي.(18)
القول الثاني: عليه إخراج الزكاة في الحال وإن لم يقبضه لأنه قادر على أخذه والتصرف فيه فلزمه إخراج زكاته كالوديعة عليه إخراج الزكاة في الحال وإن لم يقبضه لأنه قادر على أخذه والتصرف فيه فلزمه إخراج زكاته كالوديعة.قال به عثمان وابن عمر -رضي الله عنهما- و طاووس و النخعي و جابر بن زيد و الحسن و ميمون بن مهران و الزهري و قتادة وحماد بن أبي سليمان و الشافعي و إسحاق و أبو عبيد.
القول الثالث: ليس في الدين زكاة قال به عكرمة وروي ذلك عن عائشة وابن عمر -رضي الله عنهما- لأنه غير نام فلم تجب زكاته كعروض القنية
القول الرابع: يزكيه إذا قبضه لسنة واحدة. روي عن سعيد بن المسيب و عطاء بن أبي رباح و عطاء الخراساني و أبي الزناد، والضرب الثاني فليس داخل في السندات حيث وهي من الدين على معترف به باذل له؛ولكن نذكر أقوال أهل العلم فيه من باب الفائدة(19):
القول الأول: لا تجب عليه الزكاة في رواية عن أحمد وهو قول قتادة و إسحاق و أبي ثور وأهل العراق لأنه غير مقدور على الانتفاع به أشبه مال المكاتب.
القول الثاني: يزكيه إذا قبضه لما مضى وهو الرواية الثانية عند الحنابلة وقول الثوري و أبي عبيد لما روي عن علي -رضي الله عنه- في الدين المظنون قال إن كان صادقا فليزكه إذا قبضه لما مضى وروي نحوه عن ابن عباس رواهما أبو عبيد ولأنه مملوك يجوز التصرف فيه فوجبت زكاته لما مضى كالدين على المليء ورواية عند الشافعي
القول الثالث: يزكيه إذا قبضه لعام واحد وبه قال عمر بن عبد العزيز و الحسن و الليث و الأوزاعي و مالك.
ومما سبق يتلخص لنا الآتي:
1- أن الأسهم من المعاملات الحلال.
2- أن السندات من المعاملات الحرام التي يحرم على المسلم التعامل بها.
3- أن المساهم هو المكلف بإخراج الزكاة، وإذا نص النظام السياسي للشركة أنها تخرج الزكاة نيابة عن المساهم فلا بأس في ذلك.
4- أن الأسهم قابلة للبيع والشراء فهي كعروض التجارة فتزكى زكاة عروض التجارة،فيخرج ربع العشر من قيمة السهم حسب ما تحدده الشركة أو السوق من قيمة للسهم.
5- أن الزكاة تؤخذ من الشركة أو من المساهم مرة واحدة،ولا تؤخذ من الطرفين لعام واحد لأن في ذلك جور على رب المال.
6- أن حول الأسهم حول المال الأصلي ولا يستقبل بها سنة جديدة.
7- أن السندات تجب فيها الزكاة.
هذا الذي تيسر لي أن أقوله في زكاة الأسهم والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله الأمين.
____________________
(1) بحث مقدم من الدكتور محمد الأمين الضرير لمجمع الفقه الإسلامي.
(2) أي لا تداجي ولا تخاصم.
(3) أخرجه ابن ماجة ج2ص768رقم2287، وصححه الألباني،ج2/ 768، برقم 2287.
(4) سنن أبي داود جزء 2 - صفحة 276 قال الشيخ الألباني ضعيف.وأخرجه الحاكم في لمستدرك ج2ص60رقم2322وصححه ووافقه لذهبي.
(5) عن ’’التطبيق المعاصر للزكاة’’: 117.
(6) المعاملات الحديثة وأحكامها: 73.
(7) المعاملات الحديثة وأحكامها: 73 و74.
(8) فقه الزكاة ج1ص525.
(9) انظر فقه الزكاة ج1ص526.
(10) انظر فقه الزكاة ج1ص527.
(11) الوجيز في القانون التجاري: 192 و193.
(12) التطبيق المعاصر للزكاة: 119.
(13) فتاوى الزكاة: 18 و75 و81 وانظر أيضاً ’’فقه الزكاة’’ للدكتور القرضاوي: 1/ 528.
(14) انظر فقه الزكاة ج1ص529.
(15) المغني ج4/ 75.
(16) مجموع فتاوى ابن عثيمين ج 18/ 234.
(17) المغني جزء 2/ 637.
(18) المغني جزء 2/ 637.
(19) المصدر السابق.
المطلب الأول: المصطلحات والتعاريف:
لمعرفة زكاة الأسهم والسندات لا بد من تعريف للشركات المساهمة سأرف المصطلحات التالية:
شركة المساهمة: هي شركة ينقسم رأس مالها إلى أسهم متساوية، وهذه الأسهم يمكن تداولها حسب النصوص المتفق عليها فهي عبارة عن شركة بين اثنين فأكثر في رأس المال والربح، وهذه كما يتضح من تعريفها لا تخرج عن أقسام الشركات التي ينص عليها العلماء الأفاضل، لكنها تتميز أن أسهمها تكون متساوية مثلاً السهم بألف ريال أو بألفي ريال... إلخ، والربح يقسم على المساهمين حسب ما يكون متفقاً عليه... إلخ.
تعريف السهم:
السهم في اللغة: النصيب.
في الاصطلاح: فهو وثيقة يمثل حقاً عينياً أو نقدياً في رأس مال الشركة قابل للتداول -للبيع والشراء- ويعطي صاحبه حقوقاً خاصة، ويمكن أن يقال في تعريفه: هو جزء من رأس مال الشركة أو البنك، والأسهم أجزاء متساوية من رأس المال، وعرفه الدكتور الصديق محمد الأمين الضرير(1) فقال: السهم في القانون التجاري هو الحصة التي يقدمها الشريك في شركات المساهمة، وهو يمثل جزءاً معيناً من رأس مال الشركة، ويتمثل السهم في صك يعطى للمساهم، ويكون وسيلته في إثبات حقوقه في الشركة، ويطلق السهم أيضاً على هذا الصك، فكلمة سهم تعني حق الشريك في الشركة، كما تعني الصك المثبت لهذا الحق.
تعريف السند:
هو تعهد مكتوب من الشركة أو البنك أو الحكومة لحامل السند بسداد مبلغ مقدر من قرض في تاريخ معين نظير فائدة مقدرة.
المطلب الثاني: الفرق بين السهم والسند:
يشترك السهم والسند في القيمة الاسمية المقدرة عند الإصدار والقيمة الفعلية التي تحددها الأسواق المالية،وكل منهما قابل للبيع والشراء كأي سلعة أخرى وهناك عدة فروق نبينها كالتالي:
- السهم يمثل جزء من رأس مال الشركة والسند يعتبر قرض على الشركة.
- السهم ينتج ربح أو خسارة فهو بيع جائز بخلاف السند فالربح فيه مضمون ومحدد فهو من البيوع المحرمة.
- حامل السهم يعتبر مالكاً بخلاف حامل السند فيعتبر مقرضاً.
- السهم يسدد عند فض الشركة أما السند فله وقت محدد.
المطلب الثالث: حكم زكاة الأسهم والسندات:
الأسهم هي أجزاء تمثل رأس مال لشركة قد تكون صناعية أو زراعية، فهي جائزة شرعاً إذا كان النشاط مباحاً، ومما يدل على جوازها قوله تعالى: ﴿وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ﴾ [الأنفال: 41]، ’’الآية وما روي أن السائب بن شريك جاء إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: أتعرفني فقال: «صلوات الله وسلامه عليه وكيف لا أعرفك وكنت شريكي وكنت خير شريك لا تداري ولا تماري(2)»(3)، وعن أبي هريرة رفعه قال: «إن الله تعالى يقول أنا ثالث الشريكين ما لم يخن أحدهما صاحبه فإذا خانه خرجت من بينهما»(4) وبعث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والناس يفعلون ذلك فأقرهم عليه وقد تعامله الناس من بعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى يومنا هذا من غير نكير منكر، وأما السندات فمحرمة لأنها مبنية على أرباح ربوية.
آراء بعض الباحثين في زكاة الأسهم:
لما كانت الأسهم من جنس الأموال التي تدر دخلا لصاحبها وتشكل رأس مال لصاحبها فهي داخلة في عموم الأدلة التي تقضي بأخذ الزكاة من الأغنياء وردها على الفقراء؛فكان من الواجب أخذ الزكاة من هذه الأسهم وإليك كلام بعض الباحثين حول هذا الموضوع:
يقول الأستاذ أبو زهرة: (وكان حقاً علينا أن نجعل الزكاة في الأسهم؛ لأننا لو أعفينا ملاك هذه الأسهم من الزكاة لكان في ذلك ظلم كبير على غيرهم من الملاك، وكان ظلماً للفقراء، وفوق ذلك يتهرب الناس بأموالهم التي تجب فيها الزكاة، فيشترون الأسهم حيث لا زكاة فيها، وإن نظرة عاجلة إلى ينابيع الثروة في مصر ترينا أن أكثرها إنتاجا وغلة هي هذه الشركات، فهل يسوغ عقلاً أن يعفى ملاك الأسهم من الزكاة، وتؤخذ من صغار الفلاحين ذوي المورد المحدد؟)(5)، وير ى الشيخ عبد الرحمن عيسى: عن زكاة أسهم الشركات ما يلي: (قد لا يعرف كثير ممن يملكون أسهم الشركات حكم زكاة هذه الأسهم، وقد يعتقد بعضهم أنها لا تجب زكاتها، وهذا خطأ، وقد يعتقد البعض وجوب الزكاة في أسهم الشركات مطلقاً، وهذا خطأ أيضاً، وإنما الواجب النظر في هذه الأسهم تبعاً لنوع الشركة التي أصدرتها)(6).
المطلب الرابع: كيف تزكى أسهم الشركات:
أختلف العلماء ممن كتب حول هذا الموضوع في هذا العصر من حيث النظر إلى هذه المسألة إلى اتجاهين:
الاتجاه الأول: التفرقة بين الشركات التجارية والشركات الصناعية وما شاكلها،فالشركات التجارية تخرج الزكاة فيها على أنها عروض تجارة أي ربع العشر من رأس المال بعد أن يخرج من رأس المال قيمة المباني والأشياء الثابتة ويحدد قيمة السهم من خلال السوق ثم تخرج زكاته،وأما الشركات الصناعية وما شاكلها -وهي التي لا تمارس التجارة في أعمالها- فهذه لا تجب الزكاة في أسهمها لأن قيمة هذه الأسهم موضوعة في الآلات والمباني والإدارات ولكن ما ينتج من أرباح يضم إلى أموال المساهمين ويزكى معها حسب الأفراد، يقول الشيخ عبد لرحمن عيسى: (فإن كانت الشركة المساهمة شركة صناعية محضة؛ أي: لا تمارس عملاً تجارياً، كشركات الصباغة وشركات التبريد وشركات الفنادق، وشركات الإعلانات، وشركات الأوتوبيس، وشركات النقل البحري والبري، وشركات الترام، وشركات الطيران، فلا تجب الزكاة في أسهمها؛ لأن قيمة هذه الأسهم موضوعة في الآلات والأدوات والمباني، وما يلزم الأعمال التي تمارسها، ولكن ما ينتج ربحاً لهذه الأسهم يضم إلى أموال المساهمين ويزكى معها زكاة المال، وإن كانت الشركة المساهمة شركة تجارية محضة تشتري البضائع وتبيعها بدون إجراء عمليات تحويلية على هذه البضائع؛ كشركة بيع المصنوعات المصرية، وشركة التجارة الخارجية، وشركات الاستيراد، وشركة شوكريل، أو كانت شركة صناعية تجارية، وهي الشركات التي تستخرج المواد الخام أو تشتريها ثم تجري عليها عمليات تحويلية، ثم تتجر فيها، مثل شركات البترول وشركات الغزل والنسيج للقطن والحرير، وشركة الحديد والصلب، والشركات الكيماوية كشركة كيما وشركة الملح والصودا، وشركة راكنا لصناعة الورق، فتجب الزكاة في أسهم هذه الشركات، فمدار وجوب الزكاة في أسهم الشركات أن تكون الشركة تمارس عملاً تجارياً، سواء معه صناعة أم لا)(7)، وفي هذا يقول الدكتور القرضاوي: (إن التفرقة بين الشركات الصناعية أو شبهها، وبين الشركات التجارية أو شبهها بحيث تعفى الأولى من الزكاة، وتجب على الأخرى تفرقة ليس لها أساس ثابت من كتاب ولا سنة ولا إجماع ولا قياس صحيح)(8)، ويرى الدكتور القرضاوي: (إذا أخذنا بهذا الاتجاه وهو التفرقة أن تخرج زكاة الشركات الصناعية على اعتبار أنها مستغلات،فتخرج الزكاة من إيرادها وربحها الصافي بمقدار العشر، وأما الشركات التجارية فهذه تؤخذ الزكاة من أسهمها حسب قيمتها في السوق،مضافا إليها الربح،وتكون الزكاة بمقدار ربع العشر بعد طرح قيمة الأثاث الثابت من الأسهم)(9).
الاتجاه الثاني: ويرى أصحابه أن الأسهم قابلة للتداول بالبيع والشراء فهي سلعة سواء كانت في شركة صناعية أم تجارية فالسوق هو الذي يحدد قيمة السهم فهي بهذا الاعتبار من عروض التجارة فيلاحظ فيها ما يلاحظ في عروض التجارة فيؤخذ منها ربع العشر في آخر كل عام من قيمة الأسهم -حسب تحديد السوق لقيمة السهم- ويضاف إليها الربح بشرط أن يبلغ الأصل والربح نصاباً،أو يكملا -مع مال عنده-نصاباً.(10)، ومن مال إلى هذا القول الدكتور القرضاوي حفظه الله تعالى.
المطلب الخامس: على من تجب عليه الزكاة المساهم أم الشركة:
بعدما قررنا أن السهم يمثل مالاً مملوكاً تجب الزكاة على مالكه إذا توافرت فيه شروط وجوبها، يبقى النظر فيمن تجب عليه زكاة السهم، هل هو الشركة أم المساهم؟
الزكاة تجب في المال على مالكه، فمَن المالك لأموال الشركة؟
لقد اختلف الباحثون في هذا العصر من المالك للأسهم على قولين:
القول الأول: المالك لهذه الأموال هي الشركة فيجب عليها إخراج الزكاة حيث يقول الدكتور مصطفى كمال: للشركة ذمة مالية مستقلة بأصولها وخصومها عن ذمم الشركاء... فأموال الشركة لا تعتبر ملكاً شائعاً بين الشركاء، بل تعتبر هذه الأموال ملكاً للشركة،... والحصة التي يقدمها الشريك للشركة تخرج عن ملكه، وتصبح مملوكة للشركة كشخص معنوي، ولا يكون للشريك بعد ذلك إلا مجرد نصيب في الأرباح، أو في الأموال التي تبقى بعد تصفية الشركة... ’’(11).
إذا كان هذا الذي يقرره علماء القانون التجاري بشأن أموال الشركة مقبولاً فقهاً، فإن النتيجة المنطقية له هي أن زكاة أموال الشركة لا يطالب بها المساهمون، وإنما تطالب بها الشركة، وهذا هو رأي بعض من تعرض لهذه المسألة، ومنهم الدكتور شوقي إسماعيل شحاتة حيث يقول(12): (لما كانت الشركة المساهمة لها شخصية اعتبارية مستقلة، وبناء على أن الزكاة تكليف متعلق بالمال نفسه، فإنها تجب على الشخص الاعتباري حيث لا يشترط التكليف الديني، وأساسه البلوغ والعقل، وقياساً على زكاة الماشية، وإن الخلطة فيها قد خصت بخصوصية تراجع الخلطاء فيما بينهم بالسوية على التفصيل الذي سبقت الإشارة إليه، وإن الشركة في الماشية هي شركة أموال بالمفهوم المعاصر، وليست شركة أشخاص، وإن الشركة في الماشية تكون على وجه المخالطة -لا الملك- ومؤداها أن الزكاة تجب في مال الشركة المجتمع ككل، وليس في مال كل شريك على حدة...)، ويرى الشيخ أبو الأعلى المودودي أن زكاة الأسهم تفرض على الشركة إذا كانت الدولة تقوم بتحصيل الزكاة(13).
القول الثاني: يرى أن المالك لهذه الأسهم هم المساهمون أما الشركة فهي عبارة عن نائب عن المساهم تسير الشركة حسب النظام الأساسي المتفق عليه بين المساهم والشركة وعليه يكون المالك للسهم هو المأمور بإخراج الزكاة ولكن إذا نص النظام الأساسي على أن الإدارة تقوم بإخراج الزكاة نيابة عن المساهم فلا بأس في ذلك وهذا ما قرره مجمع الفقه الإسلامي، ويفهم هذا مما نقلته عن الشيخ عبد الرحمن عيسى أن زكاة الأسهم يخرجها المساهم.
القول المختار:
الذي يظهر لي أن زكاة الأسهم تجب على المساهم؛ لأنه هو المالك الحقيقي للأسهم، والشركة تتصرف في أسهمه نيابة عنه، حسب الشروط المبينة في قانون الشركة ونظامها الأساسي، فإذا نص في النظام الأساسي على أن الشركة تخرج زكاة الأسهم وجب عليها إخراجها، ولا يطالب بها المساهمون، أما إذا لم يوجد هذا النص فلا تخرج الشركة الزكاة إلا بقرار من الجمعية العمومية، أو بقانون في الدولة يلزم الشركات بإخراج زكاة الأسهم، وأما القول بوجوب زكاة الأسهم على الشركة أصالة، باعتبار أن الشركة لها شخصية اعتبارية مستقلة عن شخصية المساهمين، فإنه لا يكون مقبولاً إلا في دولة تطبق أحكام الشريعة الإسلامية، وتوجب نظمها أخذ الزكاة من أموال الشركات، وإن الفتوى به في أوضاعنا الحاضرة قد يؤدي إلى عدم إخراج زكاة الأسهم لفساد الزمان وضعف الرقابة الذاتية.
ولمزيد من الفائدة ننقل قرار مجمع الفقه الإسلامي بخصوص ’’زكاة أسهم الشركات’’(1-3-1425).
(الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى آله صحبه قرار رقم (3) د 4/ 08/ 88، بشأن زكاة الأسهم في الشركات إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره الرابع بجدة في المملكة العربية السعودية من 18-23 جمادى الآخرة 1408هـ. الموافق 6-11 فبراير 1988م. بعد اطلاعه على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع ’’زكاة أسهم الشركات’’ قرر ما يلي:
أولاً: تجب زكاة الأسهم على أصحابها، وتخرجها إدارة الشركة نيابة عنهم إذا نص في نظامها الأساسي على ذلك، أو صدر به قرار من الجمعية العمومية، أو كان قانون الدولة يلزم الشركات بإخراج الزكاة، أو حصل تفويض من صاحب الأسهم لإخراج إدارة الشركة زكاة أسهمه.
ثانياً: تخرج إدارة الشركة زكاة الأسهم كما يخرج الشخص الطبيعي زكاة أمواله، بمعنى أن تعتبر جميع أموال المساهمين بمثابة أموال شخص واحد، وتفرض عليها الزكاة بهذا الاعتبار من حيث نوع المال الذي تجب فيه الزكاة، ومن حيث النصاب، ومن حيث المقدار الذي يؤخذ، وغير ذلك مما يراعى في زكاة الشخص الطبيعي، وذلك أخذاً بمبدأ الخلطة عند من عممه من الفقهاء في جميع الأموال.ويطرح نصيب الأسهم التي لا تجب فيها الزكاة، ومنها أسهم الخزانة العامة، وأسهم الوقف الخيري، وأسهم الجهات الخيرية، وكذلك أسهم غير المسلمين.
ثالثاً: إذا لم تزك الشركة أموالها لأي سبب من الأسباب، فالواجب على المساهمين زكاة أسهمهم، فإذا استطاع المساهم أن يعرف من حسابات الشركة ما يخص أسهمه من الزكاة لو زكت الشركة أموالها على النحو المشار إليه، زكى أسهمه على هذا الاعتبار؛ لأنه الأصل في كيفية زكاة الأسهم.
وإن لم يستطع المساهم معرفة ذلك: فإن كان ساهم في الشركة بقصد الاستفادة من ربح الأسهم السنوي، وليس بقصد التجارة؛ لأنه يزكيها زكاة المستغلات، وتمشياً مع ما قرره مجمع الفقه الإسلامي في دورته الثانية بالنسبة لزكاة العقارات والأراضي المأجورة غير الزراعية، فإن صاحب هذه الأسهم لا زكاة عليه في أصل السهم، وإنما تجب الزكاة في الريع، وهي ربع العشر بعد دوران الحول من يوم قبض الريع مع اعتبار توافر شروط الزكاة وانتفاء الموانع.وإن كان المساهم قد اقتنى الأسهم بقصد التجارة، زكاها زكاة عروض التجارة، فإذا جاء حول زكاته وهي في ملكه، زكى قيمتها السوقية، وإذا لم يكن لها سوق، زكى قيمتها بتقويم أهل الخبرة، فيخرج ربع العشر 2.5 % من تلك القيمة ومن الربح إذا كان للأسهم ربح.
رابعاً: إذا باع المساهم أسهمه في أثناء الحول ضم ثمنها إلى ماله وزكاه معه عندما يجيء حول زكاته. أما المشتري فيزكي الأسهم التي اشتراها على النحو السابق.
مسألة: هل تؤخذ الزكاة من إيراد الشركة مع أخذها من الأسهم؟
ذهب الأستاذ أبو زهرة وبعض الباحثين في هذا العصر إلى أخذ الزكاة من الشركات على اعتبار أنها نامية بالصناعة فيؤخذ منها العشر ويؤخذ ربع العشر من الأسهم والسندات على اعتبار أنها عروض تجارية فعلى هذا الرأي يكون قد أخذ من المال الواحد زكاتين وهذا هو الثني الذي نهينا عنه عند أخذ الزكاة.وقد انتقد الشيخ القرضاوي هذا الرأي لما فيه من الجور على رب المال حيث أننا سنأخذ منه الزكاة مرتين(14).
المطلب السادس: كيفية إخراج زكاة أسهم الشركات؟
على القول بأن الشركة هي المكلفة بإخراج الزكاة فتخرج الشركة زكاة أسهمها الممثلة في الأموال الموجودة عندها كما يخرج الشخص الطبيعي زكاة أمواله، بمعنى أن تعتبر جميع أموال الشركة كأنها أموال شخص واحد، وتفرض عليها الزكاة بهذا الاعتبار من حيث نوع المال الذي تجب فيه الزكاة، ومن حيث النصاب، ومن حيث المقدار الذي يؤخذ، وغير ذلك مما يراعى في زكاة الشخص الطبيعي، فإذا كانت شركة تجارية تعامل معاملة التاجر، وإذا كانت شركة زراعية تعامل معاملة المزارع، وإذا كانت شركة عقارية تعامل معاملة الشخص الذي يستثمر أمواله في العقارات وهكذا.
وقد تستثمر الشركة أموالها في مجالات متنوعة من التجارة والزراعة وغيرها، كما يفعل بعض أرباب المال بأموالهم، فإنها تعامل معاملتهم، وتخرج زكاة كل مال بحسب نوعه.
وأما على القول بأن المساهم هو المكلف بإخراج الزكاة فيجب على الشركة أن تحدد قيمة السهم نهاية كل عام ويقوم المساهم بإخراج الزكاة على قيمة السهم مع مراعاة تحقق الشروط في الزكاة وانتفى الموانع.
المطلب السابع: متى يبدأ حساب الحول للأسهم؟
أما الأسهم في الشركات التجارية، أو الأسهم الذي يتاجر فيه صاحبها فالأرباح فيها تابعة لأصل المال في الحول، لأن ربح التجارة لا يحسب له حول جديد، بل حوله هو حول أصل المال إن كان أصل المال يبلغ النصاب.(15)
ويجب التنبه إلى أن عروض التجارة إذا اشتريت بذهب أو فضة أو نقود لا يبدأ لها حول جديد من شرائها وإنما يبني على حول النقود التي اشتريت بها إن كانت نصاباً.
قال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-: (واعلم أن عروض التجارة ليس حولها أن تأتي سنة بعد شرائها، بل إن حولها حول المال الأصلي، لأنها عبارة عن دراهم من رأس مالك حولتها إلى عروض، فيكون حولها حول مالك الأول)(16).
المطلب الثامن: زكاة السندات:
في الحقيقة أن التعامل التجاري ببيع السندات لا يجوز لاشتماله على الربا،ولكن نقول بأن الأرباح هي المحرمة أما أصل المال فهو حلال وعلية لا خلاف فيما أعلم بأن الزكاة تجب في رأس المال أما الأرباح فهي مال خبيث يجب التخلص منه جملة إما برده إلى صاحبه أو بالصدقة به على قول بعض أهل العلم.
يقول الشيخ الزحيلي: بالرغم من تحريم السندات فإنها تجب زكاتها لأنها تمثل ديناً لصاحبها، وتؤدى زكاتها عن كل عام عملاً برأي جمهور الفقهاء غير المالكية، لأن الدين المرجو (وهو ما كان على مقرٍ موسرٍ) تجب زكاته في كل عام، وشهادات الاستثمار أو سندات الاستثمار هي في الحقيقية سندات وتجب فيها الزكاة وإن كان عائدها خبيثاً وكسبها حراماً، وتزكى السندات كزكاة النقود… وذلك لأن تحريم التعامل بالسندات لا يمنع من وجود التملك التام فيجب فيها الزكاة، أما المال الحرام غير المملوك كالمغصوب والمسروق ومال الرشوة… والربا ونحوها فلا زكاة فيه لأنه غير مملوك لحائزه ويجب رده لصاحبه الحقيقي منعاً من أكل أموال الناس بالباطل فإن بقي في حوزة حائزه وحال عليه الحول ولم يرد لصاحبه فيجب فيه زكاته رعاية لمصلحة الفقراء.أ.هـ
فإذا قلنا بوجوب إخراج الزكاة فالسندات هي عبارة عن دين مؤجل، فيكون حكم الزكاة فيها حكم الزكاة في الدين، والدين على ضربين أحدهما: دين على معترف به باذل له، الثاني: أن يكون على معسر أو جاحد أو مماطل به.
أما الضرب الأول فللعلماء فيه أقوال(17):
القول الأول: على صاحبه زكاته إلا أنه لا يلزمه إخراجها حتى يقبضه فيؤدي لما مضى قال به الحنابلة وروي ذلك عن علي -رضي الله عنه- وبهذا قال الثوري و أبو ثور وأصحاب الرأي.(18)
القول الثاني: عليه إخراج الزكاة في الحال وإن لم يقبضه لأنه قادر على أخذه والتصرف فيه فلزمه إخراج زكاته كالوديعة عليه إخراج الزكاة في الحال وإن لم يقبضه لأنه قادر على أخذه والتصرف فيه فلزمه إخراج زكاته كالوديعة.قال به عثمان وابن عمر -رضي الله عنهما- و طاووس و النخعي و جابر بن زيد و الحسن و ميمون بن مهران و الزهري و قتادة وحماد بن أبي سليمان و الشافعي و إسحاق و أبو عبيد.
القول الثالث: ليس في الدين زكاة قال به عكرمة وروي ذلك عن عائشة وابن عمر -رضي الله عنهما- لأنه غير نام فلم تجب زكاته كعروض القنية
القول الرابع: يزكيه إذا قبضه لسنة واحدة. روي عن سعيد بن المسيب و عطاء بن أبي رباح و عطاء الخراساني و أبي الزناد، والضرب الثاني فليس داخل في السندات حيث وهي من الدين على معترف به باذل له؛ولكن نذكر أقوال أهل العلم فيه من باب الفائدة(19):
القول الأول: لا تجب عليه الزكاة في رواية عن أحمد وهو قول قتادة و إسحاق و أبي ثور وأهل العراق لأنه غير مقدور على الانتفاع به أشبه مال المكاتب.
القول الثاني: يزكيه إذا قبضه لما مضى وهو الرواية الثانية عند الحنابلة وقول الثوري و أبي عبيد لما روي عن علي -رضي الله عنه- في الدين المظنون قال إن كان صادقا فليزكه إذا قبضه لما مضى وروي نحوه عن ابن عباس رواهما أبو عبيد ولأنه مملوك يجوز التصرف فيه فوجبت زكاته لما مضى كالدين على المليء ورواية عند الشافعي
القول الثالث: يزكيه إذا قبضه لعام واحد وبه قال عمر بن عبد العزيز و الحسن و الليث و الأوزاعي و مالك.
ومما سبق يتلخص لنا الآتي:
1- أن الأسهم من المعاملات الحلال.
2- أن السندات من المعاملات الحرام التي يحرم على المسلم التعامل بها.
3- أن المساهم هو المكلف بإخراج الزكاة، وإذا نص النظام السياسي للشركة أنها تخرج الزكاة نيابة عن المساهم فلا بأس في ذلك.
4- أن الأسهم قابلة للبيع والشراء فهي كعروض التجارة فتزكى زكاة عروض التجارة،فيخرج ربع العشر من قيمة السهم حسب ما تحدده الشركة أو السوق من قيمة للسهم.
5- أن الزكاة تؤخذ من الشركة أو من المساهم مرة واحدة،ولا تؤخذ من الطرفين لعام واحد لأن في ذلك جور على رب المال.
6- أن حول الأسهم حول المال الأصلي ولا يستقبل بها سنة جديدة.
7- أن السندات تجب فيها الزكاة.
هذا الذي تيسر لي أن أقوله في زكاة الأسهم والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله الأمين.
____________________
(1) بحث مقدم من الدكتور محمد الأمين الضرير لمجمع الفقه الإسلامي.
(2) أي لا تداجي ولا تخاصم.
(3) أخرجه ابن ماجة ج2ص768رقم2287، وصححه الألباني،ج2/ 768، برقم 2287.
(4) سنن أبي داود جزء 2 - صفحة 276 قال الشيخ الألباني ضعيف.وأخرجه الحاكم في لمستدرك ج2ص60رقم2322وصححه ووافقه لذهبي.
(5) عن ’’التطبيق المعاصر للزكاة’’: 117.
(6) المعاملات الحديثة وأحكامها: 73.
(7) المعاملات الحديثة وأحكامها: 73 و74.
(8) فقه الزكاة ج1ص525.
(9) انظر فقه الزكاة ج1ص526.
(10) انظر فقه الزكاة ج1ص527.
(11) الوجيز في القانون التجاري: 192 و193.
(12) التطبيق المعاصر للزكاة: 119.
(13) فتاوى الزكاة: 18 و75 و81 وانظر أيضاً ’’فقه الزكاة’’ للدكتور القرضاوي: 1/ 528.
(14) انظر فقه الزكاة ج1ص529.
(15) المغني ج4/ 75.
(16) مجموع فتاوى ابن عثيمين ج 18/ 234.
(17) المغني جزء 2/ 637.
(18) المغني جزء 2/ 637.
(19) المصدر السابق.