بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين . أما بعد :
فقد كثر الكلام حول مسألة التيسير في الفتوى ،والناس فيها بين مُشِّرق، ومُغرِّب، وعز الوسط , ولذا رأت لجنة البحث العلمي في موقع (الإسلام اليوم) الإدلاء بهذا البحث رجاء أن يكون مدخلاً لباب الحوار ،والتأصيل العلمي لهذه المسألة لجعلها منضبطة بضوابطها الشرعية.
نسأل الله أن يهدينا لما اختلف فيه من الحق بإذنه إنه يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.
ألفاظ عنوان البحث:
المنهج في اللغة هو الطريق الواضح(1)،وفي الاصطلاح : الخطة المرسومة ،أي الطريق التي يسير عليها السالك في أي مجال.ونريد بالمنهج هنا الطريق الصحيح الذي يجب أن يسلكه المفتي في عملية التيسير.
والتيسير من اليسر،وهو اللين والانقياد والسهولة وهو ضد العسر(2)، وفي الاصطلاح: التسهيل على المكلف، ورفع الحرج عنه بما هو سائغ شرعاً .
والفتوى في اللغة تبيين الحكم ،يقال: أفتى الفقيه في المسألة إذا بين حكمها (3)،وفي الاصطلاح:الإخبار عن الحكم الشرعي عن دليل شرعي على غير وجه الإلزام.(4) شروط الإفتاء :
1- العلم الشرعي :
فيجب أن يكون المفتي قد بلغ المنزلة العلمية التي تؤهله للإفتاء حسب الشروط التي ذكرها الأصوليون في كتبهم ، فلا يجوز إفتاء من لا يعرف حكم الله في المسألة لقوله تعالى : (ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا)(الإسراء 36 ) ، وقوله تعالى:( قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون)(الأعراف 33) ، وقوله تعالى:(ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب)(النحل116) .
2- معرفة الواقع :
قال ابن القيم – رحمه الله –:’’ولا يتمكن المفتي ،والحاكم من الفتوى ،والحكم بالحق إلا بنوعين من الفهم : أحدهما : فهم الواقع ،والفقه فيه ،واستنباط علم حقيقة ما وقع بالقرائن ،والأمارات ،والعلامات ،فالعالم يتوصل بمعرفة الواقع ،والتفقه فيه إلى معرفة حكم الله ورسوله في المسألة’’(5)
3- معرفة مقاصد الشريعة :
وهو من ضوابط الإفتاء ،وذلك أنه شرط أولي للاجتهاد لأن الشرائع إنما جاءت برعاية مصالح البشر المادية والمعنوية ،قال الشاطبي رحمه الله : ’’إنما تحصل درجة الاجتهاد لمن اتصف بوصفين أحدهما : فهم مقاصد الشريعة على كمالها ’’(6). وقال شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله- :’’خاصة الفقه في الدين معرفة حكمة الشريعة ،ومقاصدها ومحاسنها ’’(7) .
4- طلب الحق :
أي أن على المفتي عند النظر في النازلة أن يفتي بحسب ما أوصله إليه اجتهاده أنه الحق، ولا يجوز له أن يفتي بما شاء من الأقوال ،والوجوه من غير نظر في الترجيح ، بل يكتفي كون ذلك قولاً قاله إمام ،أو وجهاً ذهب إليه جماعة، فيفتي بما شاء من الوجوه ،والأقوال حيث رأى أن ذلك القول،وفق إرادته وغرضه عمل به,فيجعل إرادته وغرضه المعيار،وبهما الترجيح ،وهذا حرام باتفاق الأمة بل هو من أفسق الفسوق وأكبر الكبائر(8).
مفهوم التيسير :
إن التيسير الذي دعت إليه الشريعة ،ودلت عليه النصوص هو السماحة ،والسهولة ،ورفع الحرج عن المكلف بما لا يصادم نصاً شرعياً ،مراعاة للظرف ،والزمان ،والمكان ،والوضع الاجتماعي ،والسياسي الذي حصلت فيه الواقعة ما دام أن هناك مخرجاً شرعياً يسنده دليل شرعي, فعلى المفتي مراعاة ذلك ،فليس الحكم للقوي مثل الضعيف ، ولا للآمن مثل الخائف، ولا منْ كان في حال السعة كمن كان في حال الاضطرار أو الحاجة ،ومن تتبع الهدي النبوي وجد ذلك جلياً .
وهكذا كان هدي الصحابة الكرام رضي الله عنهم أجمعين ، قال عمر بن إسحاق’’ لمَنَْ أدركت من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر لمن سبقني منهم، فما رأيت قوماً أيسر سيرة ،ولا أقل تشديداً منهم ’’(9)وقال رجاء بن أبي سلمة : سمعت عبادة بن نسي الكندي،وسئل عن المرأة ماتت مع قوم ليس لها ولي فقال:’’ أدركت أقواماً ما كانوا يشددون تشديدكم ،ولا يسألون مسائلكم’’(10)قال سفيان بن عيينة عن معمر : ’’إنما العلم أن تسمع بالرخصة من الثقة,فأما التشديد فيحسنه كل واحد’’(11) وقال الشعبي : ’’إذا اختلف عليك الأمران ،فإن أيسرهما أقرب إلى الحق’’(12).
وليس المراد بالتيسير تتبع رخص العلماء وزلاتهم ،فإن ذلك تلاعب بدين الله ،ولا يجوز للمفتي أن يفتي بخلاف ما يعتقد.(13)ونقل الشوكاني عن البيهقي أنه حكى عن إسماعيل القاضي قال: دخلت على المعتضد، فرفع إليّ كتاباً قد جُمعتْ له فيه الرخص من زلل العلماء ، وما احتج به كل منهم ، فقلت: ’’مصنف هذا زنديق ،وما من عالم إلا وله زلة. ومن جمع زلل العلماء ، ثم أخذ بها ذهب دينه’’(14)
أدلة التيسير :
أولاً : من القران :
- قال الله تعالى: ( يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) (البقرة 185)
قال الشوكاني : ’’في الآية أن هذا (اليسر)مقصد من مقاصد الرب سبحانه، ومراد من مراداته في جميع أمور الدين’’(15).وقال ابن سعدي رحمه الله :’’ أي يريد الله تعالى أن ييسر عليكم الطرق الموصلة إلى رضوانه أعظم تيسير ، ويسهلها أبلغ تسهيل، ولهذا كان جميع ما أمر الله به عباده في غاية السهولة في أصله، وإذا حصلت بعض العوارض الموجبة لثقله ، سهله تسهيلاً آخر ، إما بإسقاطه أو تخفيفه بأنواع التخفيفات’’ (16) .
- قال تعالى: (ما جعل عليكم في الدين من حرج ) (الحج 78)
قال ابن عباس رضي الله عنه:أي من ضيق, والتعريف بأل في (الدين) للاستغراق(17).
قال السيوطي : ’’الآية أصل قاعدة ’’ المشقة تجلب التيسير’’(18).
ثانياً : من السنة
- قالت عائشة رضي الله عنها :’’ما خيّر رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثماً ،فإن كان إثماً كان أبعد الناس منه’’(19)
- وفي الصحيحين عن أبي موسى الأشعري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ وأبي موسى حين بعثهما إلى اليمن :’’ يسّرا ،ولا تعسّرا ،وبشرا ،ولا تنفرا ،وتطاوعا ،ولا تختلفا ’’
وفيهما عن أنس نحوه .(20) إلى غير ذلك من النصوص الدالة على المراد .
وقد استنبط العلماء رحمهم الله من هذه النصوص قواعد شرعية عامة تدل على التيسير ،ومنها :
1- المشقة تجلب التيسير.
2- إذا ضاق الأمر اتسع .
3- الحاجة تنزل منزلة الضرورة (21).
مجال التيسير في الفتوى :
سبق أن التيسير من قواعد هذا الدين ،ومحاسنه التي حث الشارع على تحصيلها,ولكن لابد من إدراك أن في الشريعة ما هو ثابت ،وما هو متغير, فأما الثابت من الدين، فقد أطلقه العلماء على الأمور القطعية ،ومواضع الإجماع التي أقام الله بها الحجة بيَّنةً في كتابه أو على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم ،ولا مجال فيها لتطوير أو اجتهاد (22) .
قال الشافعي رحمه الله :’’كل ما أقام به الله الحجة في كتابه أو على لسان نبيه منصوصاً بيناً ، لم يحل الاختلاف فيه لمن علمه’’(23).
ومجال الثوابت هو كليات الشريعة ،وأغلب مسائل الاعتقاد ،وأصول الفرائض ،وأصول المحرمات ،وأصول الفضائل والأخلاق ، ولا يجوز أن يوضع شيء من هذه الأمور القطعية موضع الجدل والنقاش ، كأن يقال بتعطيل الزكاة اكتفاء بالضرائب ، أو فريضة الصوم تشجيعاً للإنتاج, أو الحج توفيراً للعملة, أو إباحة الخمر ترغيباً في السياحة, أو إباحة الربا دعماً للتنمية, أو غير ذلك ،والقول به خروج عن الإسلام ومروق من الدين ،والمساس بها فساد عريض لأن شأنها شأن القوانين الكونية التي تمسك السموات والأرض أن تزولا(24).فلا يدخل التيسير في الثوابت إلا لعارض الضرورة إذا كان من المحرم لذاته أو عارض الحاجة إن كان من المحرم لغيره، فمثال الأول : جواز شرب الخمر للإكراه ،ومثال الثاني : جواز كشف المرأة المريضة أمام الطبيب عند عدم وجود طبيبة ،وهذه الأحكام تكون لعارض الضرورة أو الحاجة ،وتزول بزوالها .
وأما المتغير فهو ما كان من موارد الاجتهاد ، وكل ما لم يقم عليه دليل قاطع من نص صحيح أو إجماع صريح (25) .
يقول الشافعي:’’وما كان من ذلك يحتمل التأويل ويدرك قياساً ،فذهب المتأول أو القايس إلى معنى يحتمله الخبر أو القياس ، وإن خالفه غيره لم أقل أنه يضيق عليه ضيق الخلاف في المنصوص ’’(26)
ومجال المتغير الأمور الاجتهادية، والأحكام التي ارتبط مناط الحكم فيها بالزمان ،والمكان ،والأحوال ،والعوائد بما يحقق المصلحة الشرعية والحِكَم المرعية (27)،وكذا حال المستفتي قوة وضعفاً ،والقرائن المصاحبة للواقعة ، وكذا إن تردد الحكم عند المفتي بين الأيسر والأشد حَكَم بالأيسر لأن أصول الدين تقتضيه ،وهذا ما لم يخالف نصاً .
قال ابن القيم – رحمه الله – ’’: الأحكام نوعان : نوع لا يتغير عن حالة واحدة هو عليها ، لا بحسب الأزمنة والأمكنة ، ولا اجتهاد الأئمة كوجوب الواجبات ، وتحريم المحرمات ،والحدود المقدرة على الجرائم ،ونحو ذلك ، فهذا لا يتطرق إليه تغيير، ولا اجتهاد يخالف ما وضع عليه . والنوع الثاني : ما يتغير بحسب اقتضاء المصلحة له زماناً ،ومكاناً ،وحالاً ،كمقادير التعزيرات ،وأجناسها ،وصفاتها ، فإن الشارع ينوع فيها بحسب المصلحة ’’(28).
تنبيــه :
ذهب طائفة من أهل العلم إلى أنه لا يوجد متغير في الشريعة, و شنوا حملة ضد مصطلح المتغير ، وقالوا إنه لا تغير في أحكام الشريعة ،وإن بدا أنه تبدل أو تغير ،فهو في الحقيقة ليس تغيراً لحكم شرعي ،وإنما هو تغير مناط الأحكام المتعلقة بأمر من الأمور ،وأن الحكم يتغير بتغير مناطه (29).وعند تحرير محل النزاع بين الفريقين نجد أن الخلاف لفظي ،وذلك أن القائلين بالتغير إنما يقولون بتغير الأحكام المعللة إذا اختلفت العلة أو زالت ، وكذلك الأحكام المترتبة على العوائد ،والأعراف ،واعتبار حال الزمان والمكان ، أما الأحكام الثابتة ،فلا تغير فيها ،وجعلوا عدم مخالفة النص ضابطاً لابد من اعتباره بالدرجة الأولى .
والقائلون بعدم التغيير أقروا التغيير عملياً ،ولكن سموه تغيير مناط الحكم ،وأن التغيير حصل لاختلاف المناط لا للحكم نفسه وحاصل النتيجة واحد .
تغير الفتوى
لقد تقرر عند الأئمة أن الفتوى تتغير بتغير الزمان , والمكان والعوائد والأحوال .
قال ابن القيم – رحمه الله :’’ فصل في تغير الفتوى ،واختلافها بحسب تغير الأزمنة ،والأمكنة ،والأحوال ،والنيات والعوائد.. -ثم قال :- وهذا فصل عظيم النفع جداً ،وقد وقع بسبب الجهل به غلط عظيم على الشريعة أوجب من الحرج ،والمشقة ،وتكليف ما لا سبيل إليه ما يعلم أن الشريعة الباهرة التي هي في أعلى رتب المصالح لا تأتي به ،فإن الشريعة مبناها ،وأساسها على الحكم ،ومصالح العباد في المعاش والمعاد’’ (30).
ويقول القرافي –رحمه الله - : ’’إن إجراء الأحكام التي مدركها العوائد مع تغير تلك العوائد خلاف الإجماع ،وجهالة في الدين بل كل ما هو في الشريعة يتبع العوائد يتغير الحكم فيه عند تغير العادة إلى ما تقتضيه العادة المتجددة’’(31).
وجاء في مجلة الأحكام العدلية المادة (39): ’’لا ينكر تغير الأحكام بتبدل الزمان’’
أسباب تغير الفتوى ،وأثرها على التيسير:
1- تغيير الزمان :
إن تغير الفتوى بتغير الزمان مما شهدت له النصوص الشرعية ، فالتدرج في الشريعة فيه دلالة على تغير الفتوى بتغير الزمان ،والزمان ليس هو سبب تغير الفتوى بحد ذاته ، إنما بما فيه من ملابسات اقتضت ذلك ومن الأدلة على ذلك :
- الإبراد بالصلاة زمن شدة الحر ،فعن أبي هريرة وابن عمر قالا قال صلى الله عليه وسلم ’’ إذا اشتد الحر فأبردوا بالصلاة فإن شدة الحر من فيح جهنم ’’(32)،فانتقل عن الأصل الذي هو استحباب التبكير بالصلاة في أول وقتها إلى استحبابه في آخره لتغير الزمن .
- الصلاة في البيوت في الليلة الباردة مع أن الأصل وجوب الصلاة في المساجد جماعة ، ففي الصحيحين عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بالصلاة في الرحال في الليلة الباردة (33) .- ومن ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن تقطع الأيدي في الغزاة(34).
- ومن ذلك النهي عن الادخار في الأضاحي أكثر من ثلاث في زمن الفاقة ،فعن عائشة رضي الله عنها قالت : ’’دف-أي أقبل- الناس من أهل البادية فحضرت الأضحى ،فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :’’ إدخروا لثلاث ،وتصدقوا بما بقي ’’ قالت عائشة ،فلما كان بعد ذلك قلت: يا رسول الله قد كان الناس ينتفعون بضحاياهم، فقال صلى الله عليه وسلم’’إنما كنت نهيتكم للدافة التي دفت ،فكلوا ،وتصدقوا ،وتزودوا’’ وفي رواية ’’فعلت ذلك من أجل الدافة ’’(35).
ولهذا عندما خطب علي رضي الله عنه الناس زمن عثمان ،والناس في فاقة ،وجوع ذكرهم بنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن الادخار(36).
أمثلة تطبيقية :
- تحريم بيع السلاح في زمن الفتنة مع أن الأصل جواز بيعه(37).
- جواز تولية الفاسق للقضاء عند فساد الزمان(38).
2- تغير المكان:
إن تغير الفتوى بتغير المكان من أسباب التيسير في الفتوى ،ويدل لذلك ما رواه البخاري معلقاً ’’قال طاووس قال معاذ رضي الله عنه لأهل اليمن : ائتوني بعرض ثياب خميص أو لبيس في الصدقة مكان الشعير ،والذرة أهون عليكم، وخير لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة’’(39).
ومما يدل عليه إخراج زكاة الفطر من قوت البلد لأنه أنفع لفقراء البلد وأيسر على المتصدقين.
فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال : فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقة الفطر صاعاً من تمر أو صاعاً من شعير(40) .
قال ابن القيم رحمه الله – :’’وهذه كانت غالب أقواتهم في المدينة، فأما أهل بلد أو محلة قوتهم غير ذلك، فإنما عليهم صاع من قوتهم كمن قوتهم الذرة أو الأرز أو التين أو غير ذلك من الحبوب، فإن كان قوتهم غير الحبوب كاللبن، واللحم، والسمك أخرجوا فطرتهم من قوتهم كائناً ما كان’’(41).
أمثلة تطبيقية:
- ذهب جماعة من أهل العلم إلى كراهية الزواج من الكتابية في دار الحرب(42).
- إن الضيافة إنما تتأكد على أهل البادية ،ولا ضيافة في الحضر لوجود الفنادق ،وغيرها ،ولأن القرى يقل الوافد إليها ،فلا مشقة بخلاف الحضر(43).
- صلاة أهل القطبين ،وصيامهم ،وكذا المناطق التي يطول فيها وجود الشمس أو غيابها فوق العادة.
3- تغير الأشخاص:
من المعلوم أن المكلفين لا يستوون قوة وضعفاً ، وغنىً وفقراً ،ولذا فإن الشارع الحكيم راعى هذا الجانب ،ولكنه لم يخص أحداً لشخصه ،وإنما لوصفه .
ويدل لذلك حديث عمران بن حصين رضي الله عنه قال كانت بي بواسير ،فسألت النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة ،فقال: ’’ صل قائماً ،فإن لم تستطع ،فقاعداً ،فإن لم تستطع ،فعلى جنب’’(44).
ومما يدل على ذلك ما جاء في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت: استأذنت سودة النبي صلى الله عليه وسلم ليلة جمع ،وكانت ثقيلة ثبطة ،فأذن لها(45).
وما سبق دليل على أن مراعاة حال الشخص من أبواب تغير الفتوى تيسيراً أو تشديداً يقول الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله ’’ إذا كانت حال المستفتي أو المحكوم عليه تقتضي أن تعامل معاملة خاصة عمل بمقتضاها ما لم يخالف النص’’(46).
أمثلة تطبيقية :
- عدم التوقيت في المسح على الخفين للبريد(47).
- تأجيل إقامة الحد على المريض حتى يبرأ (48).
4- تغير العرف والعادة:
والعرف هو عادة جمهور قوم في قول أو فعل(49)،والعادة هي العرف ،والعرف من مجالات التيسير في الفتوى شريطة ألا يصادم نصاً شرعياً ،ولو تعارف عليه أهل الأرض جميعاً كالربا.
والدليل على تغير الفتوى بتغير العرف قوله تعالى : ( وعاشروهن بالمعروف)،وقوله تعالى(ومتعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر قدره متاعاً بالمعروف حقاً على المحسنين) (سورة البقر 236).
ومن ذلك ما روته عائشة رضي الله عنها قالت :قالت هند أم معاوية لرسول الله صلى الله عليه وسلم إن أبا سفيان رجل شحيح فهل علي جناح أن آخذ من ماله سراً قال:’’خذي أنت وبنوك ما يكفيك بالمعروف’’(50).قال الحافظ: ’’وفيه _ أي في الحديث_ اعتماد العرف في الأمور التي لا تحديد فيها من قبل الشرع ،وقال القرطبي: فيه اعتبار العرف في الشرعيات ’’
قال ابن القيم: ’’وعلى هذا أبداً تجيء الفتاوى في طول الأيام ،فمهما تجد في العرف ،فاعتبره ،ومهما سقط ،فألفه ،ولا تجهد على النقول في الكتب طول عمرك بل إذا جاءك رجل يستفتيك ،فلا تجبه على عرف بلدك ، وسله عن عرف بلده فأجبه عليه’’(51).
أمثلة تطبيقية :
-إذا تنازع الزوجان في متاع البيت،فإن لكل منهما ما جرت عليه العادة باستعماله(52)
-سقوط نفقة الزوجة إذا أكلت مع زوجها بجريان عرف الناس على ذلك، واكتفائهم به(53)
-تقدير اللقطة التي لا يجب تعريفها .
ولتغير الفتوى بتغير العرف مجال للتيسير مثل أن كل ما تعارف الناس على أنه بيع،فهو بيع ،ولا يلزم ما قرره الفقهاء المتقدمون من صيغ الإيجاب والقبول، وكذا سائر العقود، وإنما قرروا ذلك على أعرافهم(54)
5- التطور :
المراد ما جد للناس من وسائل وآلات لم تكن في العصور السابقة ،وبناء على هذا الجديد، فإن الفتوى تغيرت على وفقه، ولم يجمد الحكم الشرعي على الوسائل التي لم ترد لذاتها ،ولم ينط الحكم بها دون غيرها .
مثال ذلك : القصاص في قتل الجاني ،فقد اختلف الفقهاء في كيفية القصاص على مذهبين: الأول :مالك ،والشافعي، ورواية عن أحمد أن القصاص يكون بالصفة التي وقع بها القتل،والثاني :أبو حنيفة، ورواية عن أحمد أنه لا يكون إلا بالسيف ، ولكل مذهب دليله (55)،وليس المقصود تحرير المسألة، وإنما التمثيل لتغير الفتوى نتيجة للتطور ،فعلى القول الثاني، فإن القصاص بالوسائل الحديثة التي يكون فيها تسريعاً في إحداث الوفاة ،فإنها تستخدم عملاً بالأمر بإحسان القتلة .
6- المصلحة:
إن المتتبع لمذاهب الفقهاء يجد أنهم يتفقون عملياً على اعتماد المصلحة، وإن اختلفوا نظرياً (56).
والمراد بالمصلحة : ’’المنفعة التي قصدها الشارع الحكيم لعباده من حفظ دينهم، ونفوسهم، وعقولهم، ونسلهم، وأموالهم طبق ترتيب معين فيما بينها (57).
،والمصلحة باعتبار الحكم الشرعي على ثلاثة أقسام:
أ-المصالح المعتبرة شرعاً : وهي التي تظافرت الأدلة على رعايتها، فهي حجة صحيحة لا خلاف بين أهل العلم في إعمالها, وذلك كأن ينص الشارع على حكم، ويجعل مناط الحكم تحقيق مصلحة ما,أو دفع مفسدة ما .
فإنه إذا وقعت حادثة أخرى تتحقق فيها هذه المصلحة أو تندفع بها هذه المفسدة وجب إعطاؤها نفس الحكم للمنصوص(58).
مثاله :أن تعلم الرمي فيه مصلحة إرهاب أعداء الله كما نصت عليه آية الأنفال،و التصنيع العسكري يأخذ حكمه لأن فيه المصلحة نفسها .
ب- المصالح الملغاة شرعاً :وهي المصالح التي شهد الشارع بردها وأقام الأدلة على إلغائها ،وهذا النوع من المصالح لا سبيل لقبوله، ولا خلاف في إهماله عند الجميع(59).
مثال ذلك :توهم مصلحة التخفيف عن النفس من مرض أو ألم شديد بالانتحار لأن هذه المصلحة رفضها الشارع وردها بقوله تعالى ( ولا تقتلوا أنفسكم ... ) (النساء 11)
ج-المصالح المرسلة: وهي التي لم يقم دليل من الشرع على اعتبارها، ولا على إلغائها وسميت مرسلة لأن الشارع أرسلها فلم يقيدها باعتبار ولا إلغاء (60).
ودليل اعتبار المصلحة المرسلة عمل الصحابة رضي الله عنهم حيث حدث في زمانهم ما لم يكن في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وجدت أمور، فضربوا النقود، وشادوا السجون، واتخذوا الدواوين، وجمعوا المصحف إلى غير ذلك مما يطول حصره، وقد أجمع الصحابة على قبولها بما لا يدع ريباً ولا شكاً(61).
شروط العمل بالمصلحة المرسلة:
1- الملائمة بين المصلحة الملحوظة، ومقاصد الشرع بالجملة بحيث لا تنافي أصلاً من أصوله ولا دليلاً من أدلته.
2- أن تكون معقولة في ذاتها بحيث إذا عرضت على أهل العقول تلقتها بالقبول ،فلا مدخل لها في التعبدات لأن عامة التعبدات لا يعقل معناها على التفصيل .
3- أن يكون الأخذ بها راجعاً إلى حفظ أمر ضروري أو رفع حرج لازم في الدين بحيث لو لم يؤخذ بتلك المصلحة المعقولة في موضعها لكان الناس في حرج شديد.
4- عدم تفويتها مصلحة أهم.
5- عدم معارضتها للقياس الصحيح(62).
أمثلة تطبيقية :
- امتناع عمر عن إعطاء الكبراء من الزكاة تأليفاً لقلوبهم عندما قويت شوكة الإسلام ، لأنه يرى أن الحكم كان لمصلحة زالت فزال حكمها(63).
- السفر إلى بلاد الكفر، فإن الفتوى فيه تتغير حسب المصلحة فإذا ظهر أن السفر إليها فيه مصلحة مرجوة دون أن تجر على صاحبها مفسدة جاز، وهذا من أبواب التيسير على المكلفين حفظاً لمصالحهم الدينية والدنيوية.
قاعدة’’ارتكاب أخف الضررين ’’ وأثرها في التيسير في الفتوى:
إن المتتبع لكلام أهل العلم ،وفتاويهم يدرك إلى مدى كانت هذه القاعدة معتبرة عندهم ،وقد دلت النصوص على اعتبارها .
- فمن ذلك قوله تعالى:( ولا تسبوا الذي يدعون من دون الله فيسبوا الله عدواً بغير علم) (الأنعام108) فأرشد سبحانه وتعالى إلى ترك سب آلهة المشركين لدرء المفسدة الأعظم وهي سب المشركين لله سبحانه وتعالى بارتكاب مفسدة أقل وهي ترك سب آلهتم.
- ومن الأدلة خرق الخضر السفينة ، حيث أن خرقه لها مفسدة، وضرر، ولكن لدفع ضرر أشد، وهو أخذ الملك السفينة برمتها .
- ومنها نهي النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة رضي الله عنهم عن الإنكار على الأعرابي الذي بال في المسجد وقت تبوله حتى أتمه(64)
،وذلك أن الإنكار عليه سيؤدي إلى مفسدة أعظم ،وهي تلوث قدر أكبر من المسجد ،وكذا ثيابه ستتلوث، فأقر منكراً لزمن معين لدفع منكر أعظم.
وهذه القاعدة من أعظم أبواب التيسير في الفتوى ذلك أن من مقاصد الشريعة تحصيل المصالح ،وتكميلها ،وتعطيل المفاسد ،وتقليلها ،فإذا تزاحمت المصالح فالواجب تحصيل الأكمل منهما ،وإذا تعارضت مفسدتان ،فالواجب درء الأكبر منهما بارتكاب الأصغر.
أمثلة تطبيقية:
- قبول إمامة الفاسق والمبتدع – ما لم تكن بدعته مكفرة – إذا لم تمكن إزالته وذلك لتحصيل الجمع والجماعة (65).
- تولية الفاسق في القضاء إذا لم يوجد غيره لدفع مفسدة خلو البلاد من القضاء الذي يحفظ النظام أو جزءاً منه.
- العمل في المرافق المهمة، وإن كان فيها بعض المنكرات، وذلك أن خلوها من الصالحين مفسدة أعظم من الوقوع في بعض المحظورات .
مآل الفتوى وأثرها في التيسير :
من المتقرر أن الفتوى الشرعية تحقق مصالح العباد ،ولذا فإن على المفتي أن لا يفتي بما يترتب على فتواه مفاسد أكبر ،ولو كان الأمر واجباً أو مستحباً .قال شيخ الاسلام ابن تيمية: (على المفتي أن يمتنع عن الفتوى إن كان قصد المستفتي –كائنا من كان-نصرة هواه بالفتوى، وليس قصده معرفة الحق، واتباعه)(66) ،ومن ذلك امتناع النبي صلى الله عليه وسلم إعادة بناء الكعبة على قواعد إبراهيم لما في ذلك من فتنة على القوم الذين اسلموا حديثاً، فقد قال صلى الله عليه وسلم:(يا عائشة لولا أن قومك حديثو عهد بجاهلية فأخاف أن تنكر قلوبهم لهدمت الكعبة، وبنيتها على قواعد إبراهيم)(67).
والمفتي متى امتنع عن الفتوى التي تسبب ضرراً ،فقد سلك سبيل التيسير على الناس .
التيسير في الفتوى بين الإفراط والتفريط
جرت العادة الغالبة في موقف الناس من القضايا المطروحة على العقل البشري أنهم طرفان ،ووسط، ومن تلك القضايا مسألة التيسير في الفتوى.
ففريق سلك بالناس مسلك التشديد ،فألزمهم ما لا يطيقون أو ما يشق عليهم،وأعجزهم بحجة الأخذ بالاحوط لجهله بمسالك التيسير في الفتوى ،(وهذا الدين يسر،ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه)(68) ،ولربما كان سبباً في تنفير الناس عن دين الله بسبب تحريجهم بشيء جعل لهم الشارع فيه فسحة،فكان مخالفاً للهدي النبوي(يسروا ولا تعسروا وبشروا ولا تنفروا )(69) وهذا التشديد يحسنه كل أحد , وهو دليل على قلة علم صاحبه ،ولعل في قصة الذي أفتى قاتل التسعة والتسعين نفساً أنه لا توبة له دليل على ما تقدم(70).
وفريق آخر فرط فجعل من التيسير مدخلاً للتلاعب بدين الله ،فصار يتتبع رخص العلماء ،وجعل منها ديناً ،وهذا الذي قال فيه العلماء من تتبع رخصة كل عالم ،فقد تزندق .وقد نقل ابن عبد البر الإجماع على المنع من تتبع الرخص(71).
ومن المفرطين من سلك مسلك التلفيق في الفتوى ،وتأول النصوص الواضحة انهزاماً ومسايرة للواقع الفاسد الذي جاء الشرع لإصلاحه لا لموافقته .
بل إن الشيطان استدرج أقواماً ،فجعلوا التيسير مطية للتحلل من دين الله بحجة أن الشارع جاء لجلب المصالح للمكلفين ،وأن الحكم يدور معها، وأن الفتوى تتغير بتغير الزمان ،والمكان متجاهلين أن المصلحة فيما شرع الله ،فجعلوا المصلحة ،والزمان ،والمكان حاكمة على الشرع لا الشرع حاكماً عليها ،متعلقين برأي الطوفي الذي خالف فيه إجماع الأمة, وذلك لجهلهم أن المصلحة المعتبرة هي التي لا تخالف نصاً وإنما تستند إلى نص كلي، وأن تغير الفتوى بتغير الزمان والمكان إنما هو في الأحكام التي لها مناط متغير أما الثوابت فلا .
وأما الطائفة الثالثة ،فسلكت في هذا الأمر مسلك التيسير المنضبط مدركة أن الميل إلى الرخص في الفتيا بإطلاق مضاد للمشي على التوسط,كما أن الميل إلى التشدد مضاد له أيضاً ,والوسط هو معظم الشريعة ،وأم الكتاب ومن تأمل موارد الأحكام بالاستقراء التام عرف ذلك(72).
والله أعلم ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد ،وعلى آله وصحبه أجمعين .
(1)- لسان العرب 3/313.
(2) - المصدر السابق 5/395
(3) - معجم مقاييس اللغة لابن فارس 6/155
(4) -مواهب الجليل 1/45
(5) - إعلام الموقعين 1/ 17 بتصرف
(6) - الموافقات 5/14
(7) - مجموع الفتاوى 11/ 354
(8) - انظر إعلام الموقعين 4/211
(9) - أخرجه الدارمي في المسند (128)
(10) - المصدر السابق رقم (129)
(11) - أخرجه ابن عبد البر في التمهيد 8/147
(12) - نقل هذا عنه رحمه الله عدد من العلماء ،إلا أني لم أقف عليه مسنداً .
(13) - الإحكام في تمييز الفتوى عن الأحكام ص
(14) - إرشاد الفحول 272.
(15) - فتح القدير 1/183.
(16) - تيسير الكريم الرحمن 1/223
(17) - تفسير ابن كثير 3/223, القاسمي 12/68.
(18) - الإكليل 185 .
(19) البخاري (3560) ، ومسلم ( 4294 )
(20) البخاري (69) ، مسلم (3264)
(21) - انظر : الأقمار المضيئة شرح القواعد الفقهية 109.ومجلة الأحكام العدلية 1/31، وغيرها .
(22) - الثوابت والمتغيرات في مسيرة العمل الإسلامي ص37.
(23) - الرسالة 560
(24) - انظر البعد الزماني والمكاني وأثرهما في الفتوى ص 160 – 161
(25) - الثوابت والمتغيرات ص 37
(26) - الرسالة ص 560
(27) - شرح القواعد الفقهية للزرقا (بتصرف )
(28) - إغاثة اللهفان 1/330-331
(29) - انظر ضوابط المصلحة ص 245 ،والثبات والشمول في الشريعة للسفياني ص 533 .
(30) إعلام الموقعين 3/3.
31) الإعلام في تمييز الفتاوى عن الأحكام ص 111.
(32) البخاري (534) ، ومسلم (973)
(33) البخاري (666)، مسلم (1125).
(34) أخرجه أحمد (1969 )،وأبو داود كتاب الحدود (2/441)، والترمذي (1450). والحديث وإن كان فيه
مقال فإن إجماع الصحابة على ذلك يقويه، وقد نقل إجماعهم ابن قدامة في المغني (13/1068)
(35) مسلم (3643) ، والبخاري (5570) نحوه مختصراً
(36) فتح الباري 10/28
37) إعلام الموقعين 1/42،3/158 ،والمغني 4/155
(38) السياسة الشرعية 37.
(39) البخاري كتاب الزكاة باب العرض في الزكاة 3/311-312 مع الفتح.
(40) البخاري (1503) ، ومسلم (1635).
(41) إعلام الموقعين 3:12.
(42) انظر المغني 9/292 ، والفقه الإسلامي للزحيلي 7/145 ، وحكم زواج المسلم من الكتابية 27.
(43) انظر الذخيرة للقرافي 13/335، شرح الأربعين النووية للنووي 48.
(44) أخرجه البخاري (1117) وغيره
(45) البخاري(1680)، مسلم (2271)
(46) كتاب العلم 227.
(47) مجموع الفتاوى 21/215-217 لابن تيمية .
(48) الموسوعة الفقهية 17/146
(49) المدخل الفقهي العام (2/860)
(50) - البخاري (2211) ، مسلم (3233) .
(51) إعلام الموقعين 3/78..
(52) الفتاوى34/81-82.
3) الفتاوى 34/81-82.
(54) الاختيارات 121
(55) انظر أحكام القرآن 1/160 والمغني 11/512
(56) انظر شرح البعد الزماني 168-169.
(57) ضوابط المصلحة للبوطي ص27، وأثر الأدلة المختلف فيها في الفقه الإسلامي ص28-29.
(58) البعد الزماني 166 بتصرف
(59) نفس المرجع 167
(60) أصول الفقه خلاف ص 84 وأثر الاختلاف في القواعد الأصولية 544.
(61) الاعتصام 2/111 وما بعدها .
(62) الاعتصام 2/129-235.
(63) السنن الكبرى للبيهقي 7/20 ، والسنة لابن أبي عاصم 2/246
(64) البخاري (219) ،مسلم (427)
(65) - مجموع الفتاوى (23/343)
(66) - مجموع الفتاوى 28/198
(67) - البخاري (1586) ،ومسلم ( 1333)
(68) - البخاري( 39) ، مسلم (5036) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه .
(69) - سبق تخريجه .
(70) - البخاري(3470) ، مسلم (4967) من حديث أبي سعيد رضي الله عنه .
(71) - جامع بيان العلم وفضله 2/92
(72) - الموافقات 5/278
*اللجنة العلمية بموقع الإسلام اليوم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين . أما بعد :
فقد كثر الكلام حول مسألة التيسير في الفتوى ،والناس فيها بين مُشِّرق، ومُغرِّب، وعز الوسط , ولذا رأت لجنة البحث العلمي في موقع (الإسلام اليوم) الإدلاء بهذا البحث رجاء أن يكون مدخلاً لباب الحوار ،والتأصيل العلمي لهذه المسألة لجعلها منضبطة بضوابطها الشرعية.
نسأل الله أن يهدينا لما اختلف فيه من الحق بإذنه إنه يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.
ألفاظ عنوان البحث:
المنهج في اللغة هو الطريق الواضح(1)،وفي الاصطلاح : الخطة المرسومة ،أي الطريق التي يسير عليها السالك في أي مجال.ونريد بالمنهج هنا الطريق الصحيح الذي يجب أن يسلكه المفتي في عملية التيسير.
والتيسير من اليسر،وهو اللين والانقياد والسهولة وهو ضد العسر(2)، وفي الاصطلاح: التسهيل على المكلف، ورفع الحرج عنه بما هو سائغ شرعاً .
والفتوى في اللغة تبيين الحكم ،يقال: أفتى الفقيه في المسألة إذا بين حكمها (3)،وفي الاصطلاح:الإخبار عن الحكم الشرعي عن دليل شرعي على غير وجه الإلزام.(4) شروط الإفتاء :
1- العلم الشرعي :
فيجب أن يكون المفتي قد بلغ المنزلة العلمية التي تؤهله للإفتاء حسب الشروط التي ذكرها الأصوليون في كتبهم ، فلا يجوز إفتاء من لا يعرف حكم الله في المسألة لقوله تعالى : (ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا)(الإسراء 36 ) ، وقوله تعالى:( قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون)(الأعراف 33) ، وقوله تعالى:(ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب)(النحل116) .
2- معرفة الواقع :
قال ابن القيم – رحمه الله –:’’ولا يتمكن المفتي ،والحاكم من الفتوى ،والحكم بالحق إلا بنوعين من الفهم : أحدهما : فهم الواقع ،والفقه فيه ،واستنباط علم حقيقة ما وقع بالقرائن ،والأمارات ،والعلامات ،فالعالم يتوصل بمعرفة الواقع ،والتفقه فيه إلى معرفة حكم الله ورسوله في المسألة’’(5)
3- معرفة مقاصد الشريعة :
وهو من ضوابط الإفتاء ،وذلك أنه شرط أولي للاجتهاد لأن الشرائع إنما جاءت برعاية مصالح البشر المادية والمعنوية ،قال الشاطبي رحمه الله : ’’إنما تحصل درجة الاجتهاد لمن اتصف بوصفين أحدهما : فهم مقاصد الشريعة على كمالها ’’(6). وقال شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله- :’’خاصة الفقه في الدين معرفة حكمة الشريعة ،ومقاصدها ومحاسنها ’’(7) .
4- طلب الحق :
أي أن على المفتي عند النظر في النازلة أن يفتي بحسب ما أوصله إليه اجتهاده أنه الحق، ولا يجوز له أن يفتي بما شاء من الأقوال ،والوجوه من غير نظر في الترجيح ، بل يكتفي كون ذلك قولاً قاله إمام ،أو وجهاً ذهب إليه جماعة، فيفتي بما شاء من الوجوه ،والأقوال حيث رأى أن ذلك القول،وفق إرادته وغرضه عمل به,فيجعل إرادته وغرضه المعيار،وبهما الترجيح ،وهذا حرام باتفاق الأمة بل هو من أفسق الفسوق وأكبر الكبائر(8).
مفهوم التيسير :
إن التيسير الذي دعت إليه الشريعة ،ودلت عليه النصوص هو السماحة ،والسهولة ،ورفع الحرج عن المكلف بما لا يصادم نصاً شرعياً ،مراعاة للظرف ،والزمان ،والمكان ،والوضع الاجتماعي ،والسياسي الذي حصلت فيه الواقعة ما دام أن هناك مخرجاً شرعياً يسنده دليل شرعي, فعلى المفتي مراعاة ذلك ،فليس الحكم للقوي مثل الضعيف ، ولا للآمن مثل الخائف، ولا منْ كان في حال السعة كمن كان في حال الاضطرار أو الحاجة ،ومن تتبع الهدي النبوي وجد ذلك جلياً .
وهكذا كان هدي الصحابة الكرام رضي الله عنهم أجمعين ، قال عمر بن إسحاق’’ لمَنَْ أدركت من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر لمن سبقني منهم، فما رأيت قوماً أيسر سيرة ،ولا أقل تشديداً منهم ’’(9)وقال رجاء بن أبي سلمة : سمعت عبادة بن نسي الكندي،وسئل عن المرأة ماتت مع قوم ليس لها ولي فقال:’’ أدركت أقواماً ما كانوا يشددون تشديدكم ،ولا يسألون مسائلكم’’(10)قال سفيان بن عيينة عن معمر : ’’إنما العلم أن تسمع بالرخصة من الثقة,فأما التشديد فيحسنه كل واحد’’(11) وقال الشعبي : ’’إذا اختلف عليك الأمران ،فإن أيسرهما أقرب إلى الحق’’(12).
وليس المراد بالتيسير تتبع رخص العلماء وزلاتهم ،فإن ذلك تلاعب بدين الله ،ولا يجوز للمفتي أن يفتي بخلاف ما يعتقد.(13)ونقل الشوكاني عن البيهقي أنه حكى عن إسماعيل القاضي قال: دخلت على المعتضد، فرفع إليّ كتاباً قد جُمعتْ له فيه الرخص من زلل العلماء ، وما احتج به كل منهم ، فقلت: ’’مصنف هذا زنديق ،وما من عالم إلا وله زلة. ومن جمع زلل العلماء ، ثم أخذ بها ذهب دينه’’(14)
أدلة التيسير :
أولاً : من القران :
- قال الله تعالى: ( يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) (البقرة 185)
قال الشوكاني : ’’في الآية أن هذا (اليسر)مقصد من مقاصد الرب سبحانه، ومراد من مراداته في جميع أمور الدين’’(15).وقال ابن سعدي رحمه الله :’’ أي يريد الله تعالى أن ييسر عليكم الطرق الموصلة إلى رضوانه أعظم تيسير ، ويسهلها أبلغ تسهيل، ولهذا كان جميع ما أمر الله به عباده في غاية السهولة في أصله، وإذا حصلت بعض العوارض الموجبة لثقله ، سهله تسهيلاً آخر ، إما بإسقاطه أو تخفيفه بأنواع التخفيفات’’ (16) .
- قال تعالى: (ما جعل عليكم في الدين من حرج ) (الحج 78)
قال ابن عباس رضي الله عنه:أي من ضيق, والتعريف بأل في (الدين) للاستغراق(17).
قال السيوطي : ’’الآية أصل قاعدة ’’ المشقة تجلب التيسير’’(18).
ثانياً : من السنة
- قالت عائشة رضي الله عنها :’’ما خيّر رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثماً ،فإن كان إثماً كان أبعد الناس منه’’(19)
- وفي الصحيحين عن أبي موسى الأشعري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ وأبي موسى حين بعثهما إلى اليمن :’’ يسّرا ،ولا تعسّرا ،وبشرا ،ولا تنفرا ،وتطاوعا ،ولا تختلفا ’’
وفيهما عن أنس نحوه .(20) إلى غير ذلك من النصوص الدالة على المراد .
وقد استنبط العلماء رحمهم الله من هذه النصوص قواعد شرعية عامة تدل على التيسير ،ومنها :
1- المشقة تجلب التيسير.
2- إذا ضاق الأمر اتسع .
3- الحاجة تنزل منزلة الضرورة (21).
مجال التيسير في الفتوى :
سبق أن التيسير من قواعد هذا الدين ،ومحاسنه التي حث الشارع على تحصيلها,ولكن لابد من إدراك أن في الشريعة ما هو ثابت ،وما هو متغير, فأما الثابت من الدين، فقد أطلقه العلماء على الأمور القطعية ،ومواضع الإجماع التي أقام الله بها الحجة بيَّنةً في كتابه أو على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم ،ولا مجال فيها لتطوير أو اجتهاد (22) .
قال الشافعي رحمه الله :’’كل ما أقام به الله الحجة في كتابه أو على لسان نبيه منصوصاً بيناً ، لم يحل الاختلاف فيه لمن علمه’’(23).
ومجال الثوابت هو كليات الشريعة ،وأغلب مسائل الاعتقاد ،وأصول الفرائض ،وأصول المحرمات ،وأصول الفضائل والأخلاق ، ولا يجوز أن يوضع شيء من هذه الأمور القطعية موضع الجدل والنقاش ، كأن يقال بتعطيل الزكاة اكتفاء بالضرائب ، أو فريضة الصوم تشجيعاً للإنتاج, أو الحج توفيراً للعملة, أو إباحة الخمر ترغيباً في السياحة, أو إباحة الربا دعماً للتنمية, أو غير ذلك ،والقول به خروج عن الإسلام ومروق من الدين ،والمساس بها فساد عريض لأن شأنها شأن القوانين الكونية التي تمسك السموات والأرض أن تزولا(24).فلا يدخل التيسير في الثوابت إلا لعارض الضرورة إذا كان من المحرم لذاته أو عارض الحاجة إن كان من المحرم لغيره، فمثال الأول : جواز شرب الخمر للإكراه ،ومثال الثاني : جواز كشف المرأة المريضة أمام الطبيب عند عدم وجود طبيبة ،وهذه الأحكام تكون لعارض الضرورة أو الحاجة ،وتزول بزوالها .
وأما المتغير فهو ما كان من موارد الاجتهاد ، وكل ما لم يقم عليه دليل قاطع من نص صحيح أو إجماع صريح (25) .
يقول الشافعي:’’وما كان من ذلك يحتمل التأويل ويدرك قياساً ،فذهب المتأول أو القايس إلى معنى يحتمله الخبر أو القياس ، وإن خالفه غيره لم أقل أنه يضيق عليه ضيق الخلاف في المنصوص ’’(26)
ومجال المتغير الأمور الاجتهادية، والأحكام التي ارتبط مناط الحكم فيها بالزمان ،والمكان ،والأحوال ،والعوائد بما يحقق المصلحة الشرعية والحِكَم المرعية (27)،وكذا حال المستفتي قوة وضعفاً ،والقرائن المصاحبة للواقعة ، وكذا إن تردد الحكم عند المفتي بين الأيسر والأشد حَكَم بالأيسر لأن أصول الدين تقتضيه ،وهذا ما لم يخالف نصاً .
قال ابن القيم – رحمه الله – ’’: الأحكام نوعان : نوع لا يتغير عن حالة واحدة هو عليها ، لا بحسب الأزمنة والأمكنة ، ولا اجتهاد الأئمة كوجوب الواجبات ، وتحريم المحرمات ،والحدود المقدرة على الجرائم ،ونحو ذلك ، فهذا لا يتطرق إليه تغيير، ولا اجتهاد يخالف ما وضع عليه . والنوع الثاني : ما يتغير بحسب اقتضاء المصلحة له زماناً ،ومكاناً ،وحالاً ،كمقادير التعزيرات ،وأجناسها ،وصفاتها ، فإن الشارع ينوع فيها بحسب المصلحة ’’(28).
تنبيــه :
ذهب طائفة من أهل العلم إلى أنه لا يوجد متغير في الشريعة, و شنوا حملة ضد مصطلح المتغير ، وقالوا إنه لا تغير في أحكام الشريعة ،وإن بدا أنه تبدل أو تغير ،فهو في الحقيقة ليس تغيراً لحكم شرعي ،وإنما هو تغير مناط الأحكام المتعلقة بأمر من الأمور ،وأن الحكم يتغير بتغير مناطه (29).وعند تحرير محل النزاع بين الفريقين نجد أن الخلاف لفظي ،وذلك أن القائلين بالتغير إنما يقولون بتغير الأحكام المعللة إذا اختلفت العلة أو زالت ، وكذلك الأحكام المترتبة على العوائد ،والأعراف ،واعتبار حال الزمان والمكان ، أما الأحكام الثابتة ،فلا تغير فيها ،وجعلوا عدم مخالفة النص ضابطاً لابد من اعتباره بالدرجة الأولى .
والقائلون بعدم التغيير أقروا التغيير عملياً ،ولكن سموه تغيير مناط الحكم ،وأن التغيير حصل لاختلاف المناط لا للحكم نفسه وحاصل النتيجة واحد .
تغير الفتوى
لقد تقرر عند الأئمة أن الفتوى تتغير بتغير الزمان , والمكان والعوائد والأحوال .
قال ابن القيم – رحمه الله :’’ فصل في تغير الفتوى ،واختلافها بحسب تغير الأزمنة ،والأمكنة ،والأحوال ،والنيات والعوائد.. -ثم قال :- وهذا فصل عظيم النفع جداً ،وقد وقع بسبب الجهل به غلط عظيم على الشريعة أوجب من الحرج ،والمشقة ،وتكليف ما لا سبيل إليه ما يعلم أن الشريعة الباهرة التي هي في أعلى رتب المصالح لا تأتي به ،فإن الشريعة مبناها ،وأساسها على الحكم ،ومصالح العباد في المعاش والمعاد’’ (30).
ويقول القرافي –رحمه الله - : ’’إن إجراء الأحكام التي مدركها العوائد مع تغير تلك العوائد خلاف الإجماع ،وجهالة في الدين بل كل ما هو في الشريعة يتبع العوائد يتغير الحكم فيه عند تغير العادة إلى ما تقتضيه العادة المتجددة’’(31).
وجاء في مجلة الأحكام العدلية المادة (39): ’’لا ينكر تغير الأحكام بتبدل الزمان’’
أسباب تغير الفتوى ،وأثرها على التيسير:
1- تغيير الزمان :
إن تغير الفتوى بتغير الزمان مما شهدت له النصوص الشرعية ، فالتدرج في الشريعة فيه دلالة على تغير الفتوى بتغير الزمان ،والزمان ليس هو سبب تغير الفتوى بحد ذاته ، إنما بما فيه من ملابسات اقتضت ذلك ومن الأدلة على ذلك :
- الإبراد بالصلاة زمن شدة الحر ،فعن أبي هريرة وابن عمر قالا قال صلى الله عليه وسلم ’’ إذا اشتد الحر فأبردوا بالصلاة فإن شدة الحر من فيح جهنم ’’(32)،فانتقل عن الأصل الذي هو استحباب التبكير بالصلاة في أول وقتها إلى استحبابه في آخره لتغير الزمن .
- الصلاة في البيوت في الليلة الباردة مع أن الأصل وجوب الصلاة في المساجد جماعة ، ففي الصحيحين عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بالصلاة في الرحال في الليلة الباردة (33) .- ومن ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن تقطع الأيدي في الغزاة(34).
- ومن ذلك النهي عن الادخار في الأضاحي أكثر من ثلاث في زمن الفاقة ،فعن عائشة رضي الله عنها قالت : ’’دف-أي أقبل- الناس من أهل البادية فحضرت الأضحى ،فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :’’ إدخروا لثلاث ،وتصدقوا بما بقي ’’ قالت عائشة ،فلما كان بعد ذلك قلت: يا رسول الله قد كان الناس ينتفعون بضحاياهم، فقال صلى الله عليه وسلم’’إنما كنت نهيتكم للدافة التي دفت ،فكلوا ،وتصدقوا ،وتزودوا’’ وفي رواية ’’فعلت ذلك من أجل الدافة ’’(35).
ولهذا عندما خطب علي رضي الله عنه الناس زمن عثمان ،والناس في فاقة ،وجوع ذكرهم بنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن الادخار(36).
أمثلة تطبيقية :
- تحريم بيع السلاح في زمن الفتنة مع أن الأصل جواز بيعه(37).
- جواز تولية الفاسق للقضاء عند فساد الزمان(38).
2- تغير المكان:
إن تغير الفتوى بتغير المكان من أسباب التيسير في الفتوى ،ويدل لذلك ما رواه البخاري معلقاً ’’قال طاووس قال معاذ رضي الله عنه لأهل اليمن : ائتوني بعرض ثياب خميص أو لبيس في الصدقة مكان الشعير ،والذرة أهون عليكم، وخير لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة’’(39).
ومما يدل عليه إخراج زكاة الفطر من قوت البلد لأنه أنفع لفقراء البلد وأيسر على المتصدقين.
فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال : فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقة الفطر صاعاً من تمر أو صاعاً من شعير(40) .
قال ابن القيم رحمه الله – :’’وهذه كانت غالب أقواتهم في المدينة، فأما أهل بلد أو محلة قوتهم غير ذلك، فإنما عليهم صاع من قوتهم كمن قوتهم الذرة أو الأرز أو التين أو غير ذلك من الحبوب، فإن كان قوتهم غير الحبوب كاللبن، واللحم، والسمك أخرجوا فطرتهم من قوتهم كائناً ما كان’’(41).
أمثلة تطبيقية:
- ذهب جماعة من أهل العلم إلى كراهية الزواج من الكتابية في دار الحرب(42).
- إن الضيافة إنما تتأكد على أهل البادية ،ولا ضيافة في الحضر لوجود الفنادق ،وغيرها ،ولأن القرى يقل الوافد إليها ،فلا مشقة بخلاف الحضر(43).
- صلاة أهل القطبين ،وصيامهم ،وكذا المناطق التي يطول فيها وجود الشمس أو غيابها فوق العادة.
3- تغير الأشخاص:
من المعلوم أن المكلفين لا يستوون قوة وضعفاً ، وغنىً وفقراً ،ولذا فإن الشارع الحكيم راعى هذا الجانب ،ولكنه لم يخص أحداً لشخصه ،وإنما لوصفه .
ويدل لذلك حديث عمران بن حصين رضي الله عنه قال كانت بي بواسير ،فسألت النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة ،فقال: ’’ صل قائماً ،فإن لم تستطع ،فقاعداً ،فإن لم تستطع ،فعلى جنب’’(44).
ومما يدل على ذلك ما جاء في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت: استأذنت سودة النبي صلى الله عليه وسلم ليلة جمع ،وكانت ثقيلة ثبطة ،فأذن لها(45).
وما سبق دليل على أن مراعاة حال الشخص من أبواب تغير الفتوى تيسيراً أو تشديداً يقول الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله ’’ إذا كانت حال المستفتي أو المحكوم عليه تقتضي أن تعامل معاملة خاصة عمل بمقتضاها ما لم يخالف النص’’(46).
أمثلة تطبيقية :
- عدم التوقيت في المسح على الخفين للبريد(47).
- تأجيل إقامة الحد على المريض حتى يبرأ (48).
4- تغير العرف والعادة:
والعرف هو عادة جمهور قوم في قول أو فعل(49)،والعادة هي العرف ،والعرف من مجالات التيسير في الفتوى شريطة ألا يصادم نصاً شرعياً ،ولو تعارف عليه أهل الأرض جميعاً كالربا.
والدليل على تغير الفتوى بتغير العرف قوله تعالى : ( وعاشروهن بالمعروف)،وقوله تعالى(ومتعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر قدره متاعاً بالمعروف حقاً على المحسنين) (سورة البقر 236).
ومن ذلك ما روته عائشة رضي الله عنها قالت :قالت هند أم معاوية لرسول الله صلى الله عليه وسلم إن أبا سفيان رجل شحيح فهل علي جناح أن آخذ من ماله سراً قال:’’خذي أنت وبنوك ما يكفيك بالمعروف’’(50).قال الحافظ: ’’وفيه _ أي في الحديث_ اعتماد العرف في الأمور التي لا تحديد فيها من قبل الشرع ،وقال القرطبي: فيه اعتبار العرف في الشرعيات ’’
قال ابن القيم: ’’وعلى هذا أبداً تجيء الفتاوى في طول الأيام ،فمهما تجد في العرف ،فاعتبره ،ومهما سقط ،فألفه ،ولا تجهد على النقول في الكتب طول عمرك بل إذا جاءك رجل يستفتيك ،فلا تجبه على عرف بلدك ، وسله عن عرف بلده فأجبه عليه’’(51).
أمثلة تطبيقية :
-إذا تنازع الزوجان في متاع البيت،فإن لكل منهما ما جرت عليه العادة باستعماله(52)
-سقوط نفقة الزوجة إذا أكلت مع زوجها بجريان عرف الناس على ذلك، واكتفائهم به(53)
-تقدير اللقطة التي لا يجب تعريفها .
ولتغير الفتوى بتغير العرف مجال للتيسير مثل أن كل ما تعارف الناس على أنه بيع،فهو بيع ،ولا يلزم ما قرره الفقهاء المتقدمون من صيغ الإيجاب والقبول، وكذا سائر العقود، وإنما قرروا ذلك على أعرافهم(54)
5- التطور :
المراد ما جد للناس من وسائل وآلات لم تكن في العصور السابقة ،وبناء على هذا الجديد، فإن الفتوى تغيرت على وفقه، ولم يجمد الحكم الشرعي على الوسائل التي لم ترد لذاتها ،ولم ينط الحكم بها دون غيرها .
مثال ذلك : القصاص في قتل الجاني ،فقد اختلف الفقهاء في كيفية القصاص على مذهبين: الأول :مالك ،والشافعي، ورواية عن أحمد أن القصاص يكون بالصفة التي وقع بها القتل،والثاني :أبو حنيفة، ورواية عن أحمد أنه لا يكون إلا بالسيف ، ولكل مذهب دليله (55)،وليس المقصود تحرير المسألة، وإنما التمثيل لتغير الفتوى نتيجة للتطور ،فعلى القول الثاني، فإن القصاص بالوسائل الحديثة التي يكون فيها تسريعاً في إحداث الوفاة ،فإنها تستخدم عملاً بالأمر بإحسان القتلة .
6- المصلحة:
إن المتتبع لمذاهب الفقهاء يجد أنهم يتفقون عملياً على اعتماد المصلحة، وإن اختلفوا نظرياً (56).
والمراد بالمصلحة : ’’المنفعة التي قصدها الشارع الحكيم لعباده من حفظ دينهم، ونفوسهم، وعقولهم، ونسلهم، وأموالهم طبق ترتيب معين فيما بينها (57).
،والمصلحة باعتبار الحكم الشرعي على ثلاثة أقسام:
أ-المصالح المعتبرة شرعاً : وهي التي تظافرت الأدلة على رعايتها، فهي حجة صحيحة لا خلاف بين أهل العلم في إعمالها, وذلك كأن ينص الشارع على حكم، ويجعل مناط الحكم تحقيق مصلحة ما,أو دفع مفسدة ما .
فإنه إذا وقعت حادثة أخرى تتحقق فيها هذه المصلحة أو تندفع بها هذه المفسدة وجب إعطاؤها نفس الحكم للمنصوص(58).
مثاله :أن تعلم الرمي فيه مصلحة إرهاب أعداء الله كما نصت عليه آية الأنفال،و التصنيع العسكري يأخذ حكمه لأن فيه المصلحة نفسها .
ب- المصالح الملغاة شرعاً :وهي المصالح التي شهد الشارع بردها وأقام الأدلة على إلغائها ،وهذا النوع من المصالح لا سبيل لقبوله، ولا خلاف في إهماله عند الجميع(59).
مثال ذلك :توهم مصلحة التخفيف عن النفس من مرض أو ألم شديد بالانتحار لأن هذه المصلحة رفضها الشارع وردها بقوله تعالى ( ولا تقتلوا أنفسكم ... ) (النساء 11)
ج-المصالح المرسلة: وهي التي لم يقم دليل من الشرع على اعتبارها، ولا على إلغائها وسميت مرسلة لأن الشارع أرسلها فلم يقيدها باعتبار ولا إلغاء (60).
ودليل اعتبار المصلحة المرسلة عمل الصحابة رضي الله عنهم حيث حدث في زمانهم ما لم يكن في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وجدت أمور، فضربوا النقود، وشادوا السجون، واتخذوا الدواوين، وجمعوا المصحف إلى غير ذلك مما يطول حصره، وقد أجمع الصحابة على قبولها بما لا يدع ريباً ولا شكاً(61).
شروط العمل بالمصلحة المرسلة:
1- الملائمة بين المصلحة الملحوظة، ومقاصد الشرع بالجملة بحيث لا تنافي أصلاً من أصوله ولا دليلاً من أدلته.
2- أن تكون معقولة في ذاتها بحيث إذا عرضت على أهل العقول تلقتها بالقبول ،فلا مدخل لها في التعبدات لأن عامة التعبدات لا يعقل معناها على التفصيل .
3- أن يكون الأخذ بها راجعاً إلى حفظ أمر ضروري أو رفع حرج لازم في الدين بحيث لو لم يؤخذ بتلك المصلحة المعقولة في موضعها لكان الناس في حرج شديد.
4- عدم تفويتها مصلحة أهم.
5- عدم معارضتها للقياس الصحيح(62).
أمثلة تطبيقية :
- امتناع عمر عن إعطاء الكبراء من الزكاة تأليفاً لقلوبهم عندما قويت شوكة الإسلام ، لأنه يرى أن الحكم كان لمصلحة زالت فزال حكمها(63).
- السفر إلى بلاد الكفر، فإن الفتوى فيه تتغير حسب المصلحة فإذا ظهر أن السفر إليها فيه مصلحة مرجوة دون أن تجر على صاحبها مفسدة جاز، وهذا من أبواب التيسير على المكلفين حفظاً لمصالحهم الدينية والدنيوية.
قاعدة’’ارتكاب أخف الضررين ’’ وأثرها في التيسير في الفتوى:
إن المتتبع لكلام أهل العلم ،وفتاويهم يدرك إلى مدى كانت هذه القاعدة معتبرة عندهم ،وقد دلت النصوص على اعتبارها .
- فمن ذلك قوله تعالى:( ولا تسبوا الذي يدعون من دون الله فيسبوا الله عدواً بغير علم) (الأنعام108) فأرشد سبحانه وتعالى إلى ترك سب آلهة المشركين لدرء المفسدة الأعظم وهي سب المشركين لله سبحانه وتعالى بارتكاب مفسدة أقل وهي ترك سب آلهتم.
- ومن الأدلة خرق الخضر السفينة ، حيث أن خرقه لها مفسدة، وضرر، ولكن لدفع ضرر أشد، وهو أخذ الملك السفينة برمتها .
- ومنها نهي النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة رضي الله عنهم عن الإنكار على الأعرابي الذي بال في المسجد وقت تبوله حتى أتمه(64)
،وذلك أن الإنكار عليه سيؤدي إلى مفسدة أعظم ،وهي تلوث قدر أكبر من المسجد ،وكذا ثيابه ستتلوث، فأقر منكراً لزمن معين لدفع منكر أعظم.
وهذه القاعدة من أعظم أبواب التيسير في الفتوى ذلك أن من مقاصد الشريعة تحصيل المصالح ،وتكميلها ،وتعطيل المفاسد ،وتقليلها ،فإذا تزاحمت المصالح فالواجب تحصيل الأكمل منهما ،وإذا تعارضت مفسدتان ،فالواجب درء الأكبر منهما بارتكاب الأصغر.
أمثلة تطبيقية:
- قبول إمامة الفاسق والمبتدع – ما لم تكن بدعته مكفرة – إذا لم تمكن إزالته وذلك لتحصيل الجمع والجماعة (65).
- تولية الفاسق في القضاء إذا لم يوجد غيره لدفع مفسدة خلو البلاد من القضاء الذي يحفظ النظام أو جزءاً منه.
- العمل في المرافق المهمة، وإن كان فيها بعض المنكرات، وذلك أن خلوها من الصالحين مفسدة أعظم من الوقوع في بعض المحظورات .
مآل الفتوى وأثرها في التيسير :
من المتقرر أن الفتوى الشرعية تحقق مصالح العباد ،ولذا فإن على المفتي أن لا يفتي بما يترتب على فتواه مفاسد أكبر ،ولو كان الأمر واجباً أو مستحباً .قال شيخ الاسلام ابن تيمية: (على المفتي أن يمتنع عن الفتوى إن كان قصد المستفتي –كائنا من كان-نصرة هواه بالفتوى، وليس قصده معرفة الحق، واتباعه)(66) ،ومن ذلك امتناع النبي صلى الله عليه وسلم إعادة بناء الكعبة على قواعد إبراهيم لما في ذلك من فتنة على القوم الذين اسلموا حديثاً، فقد قال صلى الله عليه وسلم:(يا عائشة لولا أن قومك حديثو عهد بجاهلية فأخاف أن تنكر قلوبهم لهدمت الكعبة، وبنيتها على قواعد إبراهيم)(67).
والمفتي متى امتنع عن الفتوى التي تسبب ضرراً ،فقد سلك سبيل التيسير على الناس .
التيسير في الفتوى بين الإفراط والتفريط
جرت العادة الغالبة في موقف الناس من القضايا المطروحة على العقل البشري أنهم طرفان ،ووسط، ومن تلك القضايا مسألة التيسير في الفتوى.
ففريق سلك بالناس مسلك التشديد ،فألزمهم ما لا يطيقون أو ما يشق عليهم،وأعجزهم بحجة الأخذ بالاحوط لجهله بمسالك التيسير في الفتوى ،(وهذا الدين يسر،ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه)(68) ،ولربما كان سبباً في تنفير الناس عن دين الله بسبب تحريجهم بشيء جعل لهم الشارع فيه فسحة،فكان مخالفاً للهدي النبوي(يسروا ولا تعسروا وبشروا ولا تنفروا )(69) وهذا التشديد يحسنه كل أحد , وهو دليل على قلة علم صاحبه ،ولعل في قصة الذي أفتى قاتل التسعة والتسعين نفساً أنه لا توبة له دليل على ما تقدم(70).
وفريق آخر فرط فجعل من التيسير مدخلاً للتلاعب بدين الله ،فصار يتتبع رخص العلماء ،وجعل منها ديناً ،وهذا الذي قال فيه العلماء من تتبع رخصة كل عالم ،فقد تزندق .وقد نقل ابن عبد البر الإجماع على المنع من تتبع الرخص(71).
ومن المفرطين من سلك مسلك التلفيق في الفتوى ،وتأول النصوص الواضحة انهزاماً ومسايرة للواقع الفاسد الذي جاء الشرع لإصلاحه لا لموافقته .
بل إن الشيطان استدرج أقواماً ،فجعلوا التيسير مطية للتحلل من دين الله بحجة أن الشارع جاء لجلب المصالح للمكلفين ،وأن الحكم يدور معها، وأن الفتوى تتغير بتغير الزمان ،والمكان متجاهلين أن المصلحة فيما شرع الله ،فجعلوا المصلحة ،والزمان ،والمكان حاكمة على الشرع لا الشرع حاكماً عليها ،متعلقين برأي الطوفي الذي خالف فيه إجماع الأمة, وذلك لجهلهم أن المصلحة المعتبرة هي التي لا تخالف نصاً وإنما تستند إلى نص كلي، وأن تغير الفتوى بتغير الزمان والمكان إنما هو في الأحكام التي لها مناط متغير أما الثوابت فلا .
وأما الطائفة الثالثة ،فسلكت في هذا الأمر مسلك التيسير المنضبط مدركة أن الميل إلى الرخص في الفتيا بإطلاق مضاد للمشي على التوسط,كما أن الميل إلى التشدد مضاد له أيضاً ,والوسط هو معظم الشريعة ،وأم الكتاب ومن تأمل موارد الأحكام بالاستقراء التام عرف ذلك(72).
والله أعلم ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد ،وعلى آله وصحبه أجمعين .
(1)- لسان العرب 3/313.
(2) - المصدر السابق 5/395
(3) - معجم مقاييس اللغة لابن فارس 6/155
(4) -مواهب الجليل 1/45
(5) - إعلام الموقعين 1/ 17 بتصرف
(6) - الموافقات 5/14
(7) - مجموع الفتاوى 11/ 354
(8) - انظر إعلام الموقعين 4/211
(9) - أخرجه الدارمي في المسند (128)
(10) - المصدر السابق رقم (129)
(11) - أخرجه ابن عبد البر في التمهيد 8/147
(12) - نقل هذا عنه رحمه الله عدد من العلماء ،إلا أني لم أقف عليه مسنداً .
(13) - الإحكام في تمييز الفتوى عن الأحكام ص
(14) - إرشاد الفحول 272.
(15) - فتح القدير 1/183.
(16) - تيسير الكريم الرحمن 1/223
(17) - تفسير ابن كثير 3/223, القاسمي 12/68.
(18) - الإكليل 185 .
(19) البخاري (3560) ، ومسلم ( 4294 )
(20) البخاري (69) ، مسلم (3264)
(21) - انظر : الأقمار المضيئة شرح القواعد الفقهية 109.ومجلة الأحكام العدلية 1/31، وغيرها .
(22) - الثوابت والمتغيرات في مسيرة العمل الإسلامي ص37.
(23) - الرسالة 560
(24) - انظر البعد الزماني والمكاني وأثرهما في الفتوى ص 160 – 161
(25) - الثوابت والمتغيرات ص 37
(26) - الرسالة ص 560
(27) - شرح القواعد الفقهية للزرقا (بتصرف )
(28) - إغاثة اللهفان 1/330-331
(29) - انظر ضوابط المصلحة ص 245 ،والثبات والشمول في الشريعة للسفياني ص 533 .
(30) إعلام الموقعين 3/3.
31) الإعلام في تمييز الفتاوى عن الأحكام ص 111.
(32) البخاري (534) ، ومسلم (973)
(33) البخاري (666)، مسلم (1125).
(34) أخرجه أحمد (1969 )،وأبو داود كتاب الحدود (2/441)، والترمذي (1450). والحديث وإن كان فيه
مقال فإن إجماع الصحابة على ذلك يقويه، وقد نقل إجماعهم ابن قدامة في المغني (13/1068)
(35) مسلم (3643) ، والبخاري (5570) نحوه مختصراً
(36) فتح الباري 10/28
37) إعلام الموقعين 1/42،3/158 ،والمغني 4/155
(38) السياسة الشرعية 37.
(39) البخاري كتاب الزكاة باب العرض في الزكاة 3/311-312 مع الفتح.
(40) البخاري (1503) ، ومسلم (1635).
(41) إعلام الموقعين 3:12.
(42) انظر المغني 9/292 ، والفقه الإسلامي للزحيلي 7/145 ، وحكم زواج المسلم من الكتابية 27.
(43) انظر الذخيرة للقرافي 13/335، شرح الأربعين النووية للنووي 48.
(44) أخرجه البخاري (1117) وغيره
(45) البخاري(1680)، مسلم (2271)
(46) كتاب العلم 227.
(47) مجموع الفتاوى 21/215-217 لابن تيمية .
(48) الموسوعة الفقهية 17/146
(49) المدخل الفقهي العام (2/860)
(50) - البخاري (2211) ، مسلم (3233) .
(51) إعلام الموقعين 3/78..
(52) الفتاوى34/81-82.
3) الفتاوى 34/81-82.
(54) الاختيارات 121
(55) انظر أحكام القرآن 1/160 والمغني 11/512
(56) انظر شرح البعد الزماني 168-169.
(57) ضوابط المصلحة للبوطي ص27، وأثر الأدلة المختلف فيها في الفقه الإسلامي ص28-29.
(58) البعد الزماني 166 بتصرف
(59) نفس المرجع 167
(60) أصول الفقه خلاف ص 84 وأثر الاختلاف في القواعد الأصولية 544.
(61) الاعتصام 2/111 وما بعدها .
(62) الاعتصام 2/129-235.
(63) السنن الكبرى للبيهقي 7/20 ، والسنة لابن أبي عاصم 2/246
(64) البخاري (219) ،مسلم (427)
(65) - مجموع الفتاوى (23/343)
(66) - مجموع الفتاوى 28/198
(67) - البخاري (1586) ،ومسلم ( 1333)
(68) - البخاري( 39) ، مسلم (5036) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه .
(69) - سبق تخريجه .
(70) - البخاري(3470) ، مسلم (4967) من حديث أبي سعيد رضي الله عنه .
(71) - جامع بيان العلم وفضله 2/92
(72) - الموافقات 5/278
*اللجنة العلمية بموقع الإسلام اليوم