هب أن بلداً ما يعاني أزمات داخلية وخارجية حادة، وسط تعثر سياسات الحكومة وغضب المجتمع. إزاء ذلك، قد يتنبأ البعض بأن الأسوأ قادم لمستقبل هذا البلد، ويرسمون لذلك سيناريوهات محتملة تتراوح ما بين الانهيار الاقتصادي والانقلاب العسكري والانتفاضة الشعبية. لكن البعض الآخر يشكك في هذا التنبؤ، وتلك السيناريوهات عند إطلاقها في البداية، ويعتبرونها إما مبالغ فيها أو خاطئة أو تعبيراً عن التفكير بالتمني أو التآمري، أو حتى لا تملك الأدلة الكافية لتبرير إمكانية حدوثها. المفارقة أنه بعد فترة من الزمن، طالت أم قصرت، قد يحقق التنبؤ ذاته في الواقع، أو على العكس قد يصبح إنذاراً مبكراً لانتهاج سياسات بديلة لتجنب الأسوأ. بين هذا وذاك، قد يتم تجاهل التنبؤ بفعل "التصلب الإدراكي" لصناع السياسات ليظل هذا البلد "معلقاً" بفعل العجز عن إيجاد حلول لأزماته.
في هذا المثال– الذي يمكن أن يحدث في الدول والمجتمعات المأزومة في عالمنا المعاصر- قد ينتقل التنبؤ من تصور عن ما سيجري في المستقبل إلى نتائج سياسية أو يتعرض للإحباط أو لا يتم الاكتراث به من الأساس، لكن كيف يحدث ذلك ولماذا؟ هنا، تبرز أهمية مفهوم مثير للجدل والمخاطر، وهو التنبؤ المحقق لذاته Self-Fulfilling Prophecy، والذي يفسر تحول توقع ما إلى معتقد يقبله الناس، ويتصرفون على أساسه، ومن ثم يصبح نتيجة على الأرض، بعدما كان مشكوكاً فيه وقت إطلاقه.
المفهوم ذاته قديم، وصكه عالم الاجتماع روبرت ميرتون لفهم أثر التوقعات الناتجة عن الصور والمعتقدات النمطية على العلاقات الاجتماعية، أو سلوكيات الأفراد خلال الأزمات الاقتصادية، والذين يكونون أكثر تأثراً بتكهنات الخبراء حول المستقبل. وبرغم تعرض هذا المفهوم لانتقادات حادة، بل واستخدامات مغايرة جعلته مرناً وفضاضاً، إلا أنه قد أُعيد إنتاج التنبؤات ذاتية التحقق في المجال السياسي لتفسير حدود الارتباط بين انتشار التنبؤات وتشكيل المعتقدات وسلوكيات الأطراف السياسية.
إذ تستحضر بعض التحليلات السياسية التوقعات التي كانت مثار استبعاد أو شكوك لكنها حققت ذاتها لاحقاً لفهم عوامل حدوثها، أو كيف تؤثر التوقعات على الحدث أو الموقف الذي تتنبأ به في مسار التفاعلات السياسية، مثل، صدام الحضارات، الصراعات الأهلية، العلاقات الإقليمية، التنافس الأمريكي- الصيني، الانتخابات الرئاسية الأمريكية، الحرب الروسية – الأوكرانية الأخيرة. فما أبعاد مفهوم التنبؤات ذاتية التحقق وأشكالها وتفسيراتها في المجال السياسي، مع مقاربتها في بعض الظواهر السياسية في الإقليم والعالم؟
ارتباطات التنبؤ والاعتقاد والسلوك
يتيح الخيال الإنساني في مجال الأدب بناء تنبؤات مستقبلية حتى لو كانت أسطورية، فها هو عرّاف يخبر الملك أن ابنه القادم، والذي لم يره سيقتله، ثم يتحقق ذلك عبر سلسلة من الأحداث الدرامية المتخيلة في مسرحية "أوديب ملكا" لسوفوكليس. لكن التنبؤ بمستقبل الأحداث والمواقف والظواهر السياسية يستند على حقائق وأدلة وليس أساطير، إذ يتم فحص مسارات التاريخ ومعطيات الحاضر عبر إعمال قواعد التراكم والاستمرارية والتماثل. وكلما كان التنبؤ مرتكزاً على أدلة علمية كافية تبرره، فإنه يسهم في رفع قدرة الدول والمجتمعات على مجابهة المخاطر، والعكس صحيح.
إلا أن عملية التنبؤ ذاتها ليست يسيرة، فهي تجابه صعوبات قد تزيد من احتمال الخطأ، منها أن افتراض الرشادة والعقلانية في سلوكيات الفاعلين وتفاعلاتهم قد لا يتحقق أحياناً في التفاعلات السياسية بفعل تصاعد الأبعاد النفسية والهوياتية. فضلاً عن غلبة اللايقين على المخاطر، كمجال أساسي للتنبؤات السياسية، إما لنقص المعلومات عنها أو غموضها (تحولها من حالة إلى أخرى) أو تعقيدها (كثرة العوامل المتحكمة فيها وتغيرها بشكل متسارع) أو التباساتها أي وجود أفهام مختلفة لها[1]. الأكثر صعوبة من ذلك إمكانية حدوث المفاجآت في الأحداث السياسية، إذ قد تواجه التنبؤات نمطاً من "البجعات السوداء"، أي أحداث عرضية قد تغير مسار الظواهر الإنسانية وتنتج تأثيرات كبيرة غير متوقعة، بسبب الاجتزاء والتعميم والاعتماد على الشواهد التاريخية [2].
وإذا كان التنبؤ الخاطئ أمراً وارداً عند استشراف المستقبل، فالمفارقة تكمن في إمكانية أن يحقق ذاته، أي يأخذ طريقه من التصور المحتمل إلى إفراز نتائج سياسية. من هنا، صك ميرتون مفهوم التنبؤات ذاتية التحقق في أربعينيات القرن العشرين، واعتبره "تعريفاً خاطئاً للوضع بما يستحضر معه سلوكاً جديداً يجعل من المفهوم الخاطئ في الأصل حقيقة". واستند في ذلك إلى فرضية دبليو توماس، عندما أشار إلى أن الناس إذا عرفوا المواقف على أنها حقيقية، فإنها ستكون حقيقية في عواقبها أيضاً. وعلى هذا المنطق، فالمرء يسلك وفقاً لما يعتقد، أي عندما يدرك معنى محدداً للموقف أو الحدث فسيعمل على تحقيقه.[3]
على أساس الارتباط المفترض بين إدراك معنى موقف ما والسلوك، يمكن للتنبؤ أن يصبح واقعاً، ليس اعتماداً على دقة أدلته أو افتراضاته، وإنما على مدى قبول الناس بصحته وتصديقهم له لأنهم ساعتها سيتصرفون على أساسه. وقد ينشأ هذا الارتباط من عوامل مختلفة، إما بسبب الخوف أو الأمل أو التحيزات السلوكية والعاطفية أو الثقة المفرطة في اعتبار ما يشاع من توقعات هي صحيحة على أساس الحدس المعرفي أو الميل للتحيز التأكيدي، أي أن المرء قد يبحث عما يتوافق مع معتقداته من معلومات ويتجاهل الأخرى التي قد تؤدي لتوقعات مغايرة.[4]
واستدل ميرتون بقضيتين كانتا في دائرة الاهتمام الأمريكي وقت طرحه للمفهوم: الأولى، أن التكهنات حول الانكماش الاقتصادي خلال فترة الكساد الكبير في ثلاثينيات القرن العشرين قد أدت إلى انهيار القطاع المصرفي، لذا، ضرب مثالاً شهيراً بالتنبؤ المحقق لذاته، بتحول شائعة إفلاس بنك إلى حقيقة إذا صدقها المودعون وسحبوا أموالاً بالفعل. أما الثانية، فتتعلق بالتمييز العرقي، ذلك أن توقع البعض أن العمال السود غير موثوق فيهم وعدوانيون بسبب المعتقدات النمطية حولهم قد يتحول إلى حقيقة مع مرور الوقت، عندما يتم استبعاد أولئك العمال من التنظيمات النقابية، مما يحفزهم على سلوكيات عدوانية، ومن ثم تحقق النبؤة ذاتها، برغم كونها ناجمة عن مدركات خاطئة.[5] بالتالي، بدا هنالك شكلان للتنبؤات ذاتية التحقق: أحدهما، يعتمد على معتقداتنا فيما هو آت، والتي نتصرف بما يحققها، والآخر يتعلق بمعتقدات الآخرين عنا، أي تنبؤات مفروضة من الخارج، وتحقق ذاتها كحالة التمييز العرقي المشار لها، فتوقعات الآخرين قد تؤثر على معتقداتنا حتى تجعلنا نحققها.
وبرغم أن ميرتون استهدف بالأساس من مفهومه كسر دائرة التوقعات الزائفة التي قد تٌستخدم عن قصد أو غير قصد في الوصم الاجتماعي أو التأزيم الاقتصادي، عبر التحقق من فرضياتها، لكن المفهوم تعرض لاحقاً لانتقادات[6]، لأنه قد يتحقق في حالات دون أخرى. كما أن افتراض وجود مسار متصل بين التوقع وقبوله كمعتقد وتحوله إلى سلوك قد تعرقله عوامل عديدة، فقد يحدث مثلاً تناقض بين الاعتقاد والسلوك الإنساني لدوافع مصلحية معينة يجعل النبؤة لا تحقق ذاتها. والأهم أن التوقعات قد لا تكون زائفة كلياً، بل يختلط فيها الحقيقة بالزيف بدرجات ونسب متفاوتة، ومع ذلك قد تحقق أو لا تحقق ذاتها.
ناهيك عن أن طبيعة السياق العام قد تشجع أو لا تشجع على تحقيق النبؤة ذاتها من عدمه. إذ يذهب البعض مثلاً إلى أن توقعات التضخم المرتفع قد تزداد فرص تحققها أكثر كنبؤة تحقق ذاتها، في سياقات نقص الشفافية وعدم ثقة المجتمع في قدرة حكومته على الاستجابة للأزمة الاقتصادية، إذ يقبل الناس أكثر على شراء السلع سريعاً قبل ارتفاعها مستقبلاً، بما يزيد الإنفاق، ومن ثم تتحقق توقعات التضخم المرتفع.
مع ذلك، استخدمت دراسات نفسية اجتماعية لاحقاً التنبؤات ذاتية التحقق بمنطق جزئي وتوظيفي لإحداث تغييرات إيجابية في السلوكيات الفردية على أساس "أثر بجماليون"[7]، كأن يتوقع معلم لبعض طلابه بأنهم سيتفوقون، وهو ما يؤثر على سلوكياتهم ويدفعهم ليحققوا ذلك التوقع. بالتالي يصبح هنالك تلاقي للإدراك والسلوك بين المعلم (الذي يهتم أكثر بالطلاب الذين توقع لهم التفوق) والطلاب (الذين يسعون عبر أداءهم لتحقيق التوقع).[8]
وبرغم الانتقادات التي وُجهت لمفهوم التنبؤات ذاتية التحقق وتحول استخداماته، فإن انتقاله لفهم مسار التفاعلات السياسية تأسس على عدة اعتبارات:
أولاً- إن بعض التنبؤات السياسية، التي قد تنطوي على تضخيم أو تمتزج فيها الأدلة الحقيقية بالادعاءات المزيفة قد تتحول إلى معتقدات جماعية لدى قطاعات من الرأي العام أو مدركات لدى صناع القرار والسياسات، ومن ثم تؤثر في سلوكياتهم، بما قد يؤدي إلى إحداث نتائج سياسية. ويكتسب هذا الأمر أهميته في عالم "ما بعد الحقيقة"[9]، إذ تصبح المشاعر والعواطف أكثر تأثيراً من المعلومات والحقائق في الرأي العام، بفعل سياسات التضليل وامتزاج الحقائق بالكذب ونشرها على نطاق واسع بفعل أدوات ثورة الاتصال والتكنولوجيا، على نحو برزت تأثيراته إبان انتخاب دونالد ترامب لرئاسة الولايات المتحدة وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوربي في عام 2016.
ثانياً- إن المفهوم ينبه إلى مخاطر تسييس التنبؤات من قبل بعض الخبراء ومراكز الفكر المدفوعين بمصالح سياسية وتمويلية وأيديولوجية أكثر منها بحثية، خاصة في أوقات الاضطرابات والأزمات، حيث يتم إطلاق تنبؤات ذات طبيعة موجهة لتحقيق أغراض بعض الفاعلين السياسيين، ثم العمل على ترويجها عبر آليات العدوى والانتشار في وسائل الإعلام، كي يصدقها الرأي العام، ويسعى إلى تحقيقها سواء بوعي أو غير وعي.
ثالثاً- إن التنبؤ في جوهره هو مجرد فكرة أو تصور حول ما قد يجري في المستقبل، ولكنه قد يغير الواقع السياسي. فوفقاً للبنائيين، فالأفكار والمعتقدات تشكل الأفعال، وكلما تغيرت هذه الأفكار التي يحملها الفاعلون السياسيون تغيرت العلاقات الاجتماعية بينهم، ومن هنا، حاول البنائيون تفسير كيف يمكن أن تؤثر المعتقدات والتصورات والهويات على تشكيل العالم وتغييره.
أشكال التنبؤات ذاتية التحقق وتفسيراتها
أخذت التنبؤات ذاتية التحقق أشكالاً متعددة في بعض الظواهر السياسية في الإقليم والعالم، وقد امتزجت فيها الحقيقة بالتضخيم والانحيازات والصورة الذهنية السابقة والتسييس والضغوطات النفسية التي تخلقها الاضطرابات، وتجعل هنالك "عقلية أزمات" تميل أكثر للتنبؤات المتشائمة للمستقبل. ويمكن طرح أربعة أشكال منها على سبيل المثال لا الحصر مع محاولة تفسيرها على النحو الآتي:
أولاً- التنبؤات والتضخيم (التهديد من محتمل إلى فعلي)
قد يتحول توقع ما حول تهديد محتمل إلى فعلي بعد مرور فترة من الزمن بسبب عوامل تضخيمه من الأطراف المتفاعلة معه، كأن يتوقع صناع القرار في دولة ما أن الأخرى تشكل تهديداً لأمنهم، إما بناء على نقص المعلومات أو تضليلها أو فشل فهم نوايا الخصم أو استدماج معتقدات منحازة مسبقة أو استخدام التهديد لأغراض شرعنة سلطة القادة في مواجهة خصومهم. نتيجة لذلك، قد يكون الضرر الذي يتصوره صناع القرار من هذا التهديد المحتمل في أذهانهم ومعتقداتهم أكبر من وجوده بالقدر ذاته في الواقع. مع ذلك، يتم مجابهة التهديد عبر سياسات وسلوكيات تنطوي على زيادة قوة الدولة لردع الأخرى.
إلا أن ذلك قد يؤدي إلى اختلال التوازن أو نقص الأمن لدى الدولة الأخرى، ويدفعها إلى الردع المضاد بما يدخل الدولتين في سباق للقوة، ومن ثم قد يصبح هنالك نقص متبادل للأمن لدى الطرفين، ويتحول التهديد إلى فعلي بعدما كان محتملاً. هنا، يصف روبرت جرفيس هذه الدوامة الصراعية بين دولتين بالنموذج "الحلزوني" في نشوء معضلة الأمن بسبب فوضوية النظام الدولي وسعي كل دولة لتحقيقها أمنها ولو على حساب الأخرى. فقد تميل الدولة إلى المبالغة في تقدير تهديد أو عداء الدولة الأخرى، فيصبح كل تسلح دفاعي للدولة الأخرى بمثابة دليل على نواياها الهجومية، ويتعمق هذا المأزق مع فشل الدول في تفسير مساعيها للحفاظ على أمنها على أنه سلمي، مما يؤدي إلى تصاعد العداء بين الدولتين.[10]
يُستخدم هذا المنطق لتفسير كيف تُسهم التوقعات المضخمة حول تهديد الأمن في وصول دولتين إلى الحرب بينهما برغم أنهما لم ينتويا ذلك، وهو ما يعزوه البعض إلى عوامل متعددة، منها، مشاعر الخوف وسوء الإدراك المتبادل بين الطرفين (الفجوة بين ما نعتقده والواقع)[11]، وميل الدول إلى تبني السيناريو الأسوأ عند التعامل مع معضلة الأمن، وتوسع فكرة الأمن ذاتها (الأمننة)، أي يتحدد وفقاً لما يتصوره (فرد أو جماعة أو دولة) أنه تهديد ينبغي التعامل معه[12]. وتخلق هذه العوامل بيئة قد تحفز صناع القرار على قبول التوقعات والاعتقاد بصحتها وإن كان يشوبها المبالغة، وبالتالي تنعكس على سلوكياتهم وتقود لتحقيق النبؤة لذاتها.[13]
في هذا السياق، قد تطرح الحرب الروسية- الأوكرانية أشكالاً من التنبؤات التي حققت ذاتها بسبب تضخيم التهديدات وسوء الإدراك المتبادل وعدم استجابة كل طرف للاحتياجات الأمنية للآخر، فضلاً عن تفسير إجراءات كل طرف للحفاظ على أمنه على أنها هجومية وليست دفاعية. فمن جهة، نظرت روسيا إلى توسع حلف الناتو شرقاً في أوروبا[14] على أنه مهدد لأمنها في نطاقها الحيوي، ومن ثم كان ردها بضم شبه جزيرة القرم في 2014، ثم غزو أوكرانيا في فبراير 2022.
من جهة أخرى، كان أحد مبررات الغزو الروسي لأوكرانيا هو منع تهديد محتمل من أوكرانيا (رغبة أوكرانيا في دخول حلف الناتو)، لكن المفارقة أن الغزو حول هذا التهديد المحتمل إلى فعلي؛ فصحيح أن حلف الناتو رفض تحديد إطار زمني لانضمام أوكرانيا خشية بلوغ التصعيد مداه مع موسكو، مع ذلك، فإن الحلف أعاد تماسكه بعد الحرب ليكون أكثر تهديداً لموسكو من قبل، إذ وسع رقعته في أوروبا بعد انضمام كل من فنلندا والسويد له[15]. في الوقت نفسه، فإن القوة العسكرية الروسية، وبرغم سيطرتها على جزء من أراض أوكرانيا، لكنها لم تستطع إخضاع نظام كييف، ومن ثم زاد تهديد الأخير لها خاصة مع ارتباطه أكثر بالغرب سياسياً وعسكرياً.
من جهة ثالثة، ثمة معتقدات لروسيا وقيادتها بأن الغرب يريد إضعافها، نتاجاً لإرث سقوط الاتحاد السوفيتي السابق، وهي السردية التي طرحها الرئيس الروسي فيلاديمير بوتين، كأحد مسوغات غزوه لأوكرانيا، وتبدو المفارقة أن ذلك التصور الروسي حول تصورات الغرب تجاهه، بدأ الأخير يسعى إلى تحقيقه بالفعل[16] عبر الإصرار الأوروبي – الأمريكي على دعم أوكرانيا عسكرياً، والضغط على الداخل الروسي من خلال العقوبات الاقتصادية الغربية. صحيح أن موسكو لا تزال متماسكة في مجابهة العقوبات، بل وقادرة على بناء تحالفات مضادة تقلل من أثرها، مع ذلك قد يؤثر استمرار الحرب لفترة طويلة على الداخل الروسي، وإن استوعب بوتين ذلك التأثير على المدى القصير عندما احتوى تمرد "فاجنر" الأخير.
ثانياً- التنبؤات والانحيازات (افتراض العداء المسبق مع الآخر)
قد تسهم المعتقدات المسبقة إزاء الآخر مع تسييسها في بناء توقعات منحازة قد تتحول بالفعل إلى سلوكيات في الواقع. ويظهر ذلك في معضلة التأطير الخاطيء لأسباب الصراعات على نحو لا يعكس عواملها الأساسية في البداية، بفعل السرديات المنحازة للأطراف المتنازعة. على سبيل المثال، فإن الطائفية أو صعود الهويات الأولية ليست إلا عرضاً لأمراض مزمنة تعاني منها الدولة في الإقليم، كالاستبداد والفقر والتهميش الاقتصادي الاجتماعي، لكن بعض الأنظمة التسلطية، عندما تواجه تحديات تهدد بقائها، توظف المعتقدات المسبقة والروايات الطائفية لشرعنة وجودها وبناء تحالفات لدعم استمرارها، وهو ما قد يحول ذلك إلى واقع بفعل تفاعل الأطراف مع تلك الروايات وتحويلها إلى سياسات وممارسات.
فقد مارس نظام بشار الأسد- بجانب دعمه من روسيا - توظيفاً للمعتقدات والروايات الطائفية في مواجهة الاحتجاجات الشعبية ضده في عام 2011 عبر استدعاء الدعم الإيراني، فضلاً عن جماعات شيعية في لبنان (حزب الله) والعراق (عصائب الحق وغيرها) في مواجهة المعارضة السورية السنية التي دعمتها قوى خليجية والولايات المتحدة والتي وظفت هي الأخرى المعتقدات والروايات الطائفية المضادة في مواجهة تمدد النفوذ الشيعي الإيراني ووكلائه في الإقليم. ومع تنازع الروايات المتبادلة وانتقالها إلى ممارسات، أصبح العامل الطائفي جزءاً أساسياً من ديناميات الصراع السوري.
من جانب آخر، تمددت نبؤة الطائفية المحققة لذاتها في العلاقات الإقليمية، على الرغم من أن التنافس بين دول المنطقة يستند بالأساس إلى أسس قومية ومصلحية وسباق حيازة القوة[17]. هنا، تشير كاثرين هارفي إلى أن استدماج الرياض، كقوة إقليمية سنية، لمعتقدات نمطية عن الشيعة كخصم ديني وسياسي، أثر في توتر علاقاتها مع حكومات العراق بعد سقوط نظام صدام حسين، خاصة إبان حكومة نوري المالكي، ومن ثم تحول العامل الطائفي إلى واقع في إدارة السياسات المتبادلة بين الطرفين؛ إذ أسهم ذلك التوتر المبكر في دفع بغداد أكثر إلى فضاء النفوذ الإيراني.[18]
يمكن أيضاً إسقاط هذا المنطق بقدر ما على الصراع اليمني، فبرغم وجود ارتباطات لا يمكن إنكارها بين طهران والحوثيين منذ بداية هذا الصراع، حتى مع الفوارق النسبية في الأيديولوجية الشيعية بين الجانبين، إلا أن تكثيف الروايات الطائفية حول وجود إيران في اليمن أسهم، على ما يبدو، في إعطائها زخماً أكبر في الواقع وحولها إلى نبؤة حققت ذاتها، حيث باتت إيران لاعباً أساسياً في الصراع اليمني. وقد يدلل التحول السعودي الأخير نحو التهدئة مع إيران بوساطة صينية في 10 مارس 2023 ومحاولة تسوية أزمة اليمن مع الحوثيين على أن التأطير الانحيازي المذهبي للصراع الإقليمي بين الرياض وطهران كان بالإمكان تلافيه، لأنه مع التحول الإصلاحي والانفتاحي الأخير لدى صناع السياسات في السعودية انتقل هذا التأطير إلى منطق التنافس القومي والمصلحي على القوة الجيوسياسية والجيو اقتصادية في الإقليم.
ثالثاً- التنبؤات والاضطرابات (افتراض حتمية المسار المتأزم)
في أوقات الأزمات والاضطرابات، تصبح التنبؤات خطرة بسبب التشويش المعلوماتي والغموض وعدم الثقة والضغوطات النفسية على مختلف الفاعلين السياسيين، بما قد يجعل هنالك ميلاً عاماً إلى التشاؤم في النظر لمسارات المستقبل أو اللجوء إلى الأحكام المسبقة على الواقع، وهو ما قد ينعكس في السياسات المنتهجة للتعامل مع الأزمات، وقد يكرس الأخيرة أكثر في الواقع. هنا، يضرب البعض مثالاً بأزمة العراق التي يغلب على التوقعات لمساراتها منذ الغزو الأمريكي عام 2003 – الذي استند على ادعاءات كاذبة آنذاك- حالة من التنميط التشاؤمي، والتي تتراوح بين استمرار عدم الاستقرار أو احتمال نشوب حرب أهلية في أي وقت. وعكست هذه التوقعات ذاتها في تحول الغزو الأمريكي إلى أزمة أمنية ممتدة على مدار العقدين الماضيين مع بروز الإرهاب وتغلغل المليشيات الشيعية وتصاعد النفوذ الإيراني.
المعضلة أن هذه التوقعات النمطية لاستمرار أزمة الأمن في العراق جعلت أولويات المساعدات الدولية والسياسات الحكومية تتجه أكثر لقطاع الأمن[19]. وفي الوقت نفسه، تتراجع أهمية مجالات، كالحوكمة والتنمية والخدمات العامة والتعليم والرعاية الصحية، والتي قد تمثل بيئة مسهلة على نحو غير مباشر لاستمرار الأزمة الأمنية. لذلك، ليس مفاجئاً أن الاحتجاجات الشعبية العراقية في أكتوبر 2019، التي لم تحمل أصلاً البعد الطائفي، عبرت عن معضلة غياب الأولويات غير الأمنية، إذ ركزت مطالبها في وقف فساد النخب الحاكمة وتحسين الأحوال الاقتصادية والاجتماعية.
من جانب آخر، فعندما نشبت الثورات العربية نهاية العام 2010، مالت بعض التوقعات إلى أن المسار الأسوأ هو الأكثر رجوحاً لدول المنطقة، واختلفت حينها تبريرات ذلك، فبعضها بدا منحازاً لمقولات زائفة لشرعنة التسلط مثل عدم صلاحية المنطقة للديمقراطية، أو أن الثورات ليست إلا مؤامرة خارجية لتدمير دول المنطقة. فيما افترض البعض الآخر أن المصالح الخارجية المتباينة إزاء الثورات ستقود إلى استقطاب إقليمي قد يؤدي لإفشالها، وهو ما حدث بالفعل، عندما برزت محاور متنافسة على مدار العقد الأخير، قبل أن تتعرض للتفكك خلال العامين الماضيين بفعل سياسات التهدئة والتغيرات في المشهدين الإقليمي والعالمي.
الملاحظ أن موجات الثورات المختلفة قد تعرضت إلى انتكاسات بأشكال ودرجات مختلفة على مدار العقد الماضي، إما عبر الوقوع في صراعات أهلية، أو تدخلات خارجية، أو تنامي الإرهاب والتطرف، أو تعمق الأزمات الاقتصادية –الاجتماعية، وبالتالي، حققت تنبؤات فشل الثورات ذاتها. لكن تلك التنبؤات لم تنتقل إلى الواقع إلا بفعل عوامل متعددة غذت بعضها بعضاً تراوحت بين انتشار تصورات ومعتقدات خاطئة وضعف حقيقي لقدرات الفاعلين السياسيين وطبيعة الواقع المعقد وتحدياته في السياقات العربية.
فمن جهة، استدمجت النخب الصاعدة ما بعد الثورات مباشرة تصورات مبسطة وثقة مفرطة بأن سقوط بعض قادة الأنظمة حينها يعني نجاحها، دون إدراك كيف ستتعامل مع تحديات اليوم التالي وحجم التعقيد على أرض الواقع. ومن جهة أخرى، هيمن سوء الإدراك المتبادل على العلاقة بين الفرقاء السياسيين بما صعب بناء حد أدنى من التوافقات وأفشل المسارات الانتقالية، بل وحولها إلى حروب أهلية كما في ليبيا والسودان واليمن. ومن جهة ثالثة، عدم إدراك الارتباط الوثيق بين شبكات مصالح داخلية مضارة ومضادة للتغيير وبعض القوى الإقليمية التي لم يكن في مصلحتها نشوء نماذج انتقالية ناجحة قد تهدد شرعية نظمها وسعيها للصعود الإقليمي والدولي. ومن جهة رابعة، هشاشة المجتمعات وعدم امتلاكها للقدرة التنظيمية اللازمة للتعبير عن مصالحها بسبب عقود من هيمنة الدولة على المجال العام. خامساً وأخيراً، تفجر المظالم المحلية على أساس قبلي وهوياتي ومناطقي وعسكرتها بما نقل مشهد الثورات من التعبير عن مصالح وطنية جماعية إلى جزئية لجماعات أولية ارتبطت بأنماط من علاقات الوكالة مع قوى خارجية.
بعد أكثر من عقد على تحقق تنبؤات فشل الثورات، ترسخت، على ما يبدو، معتقدات نمطية أخرى بأن التغيير قد يرادف الفوضى في المنطقة، وتمددت هذه المعتقدات إلى القوى الغربية التي تراجعت عن "الضغط الإصلاحي" بسبب مخاوف وتهديدات الهجرة غير الشرعية وصعود الإرهاب والمصالح الجيو اقتصادية والأمنية. لكن معضلة تلك المعتقدات، التي وجدت سبيلها للواقع بالفعل، أن دول المنطقة تجابه أزمات جوهرية في الأمن الاقتصادي والاجتماعي وغياب الحوكمة بفعل التلاقي بين تعثر سياسات بعض الأنظمة والأزمات العالمية كالحرب الأوكرانية.[20]
رابعاً- التنبؤات والتسييس (توجيه المشاعر والسلوكيات لمصالح بعينها)
قد تصبح التنبؤات مسيسة إن تبنتها الأطراف السياسية لتحقيق أغراضهم ومصالحهم برغم أنها كانت مثار جدل وانتقادات. هنا يبرز على سبيل المثال، التنبؤ الشهير لصمويل هنتنجتون حول صدام الحضارات خاصة بين الإسلام والغرب. وبرغم تعرض هذا التنبؤ لنقد حاد بسبب تسييسه واختزاله وعدم دقته عند طرحه في عقد التسعينيات من القرن العشرين، إلا أنه تحول بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 إلى واقع مؤثر بفعل الترويج والتبني للفكرة كأحد مداخل فهم الصراعات بين الغرب والشرق الأوسط.
إذ تم استخدام صدام الحضارات في سياق تبرير الحرب على الإرهاب، عبر تصوير مواجهة هذا الخطر على أنه دفاع عن قيم المجتمع وهويته وثقافته التي يرغب الإرهابيون في تدميرها.[21] ومن بعد ذلك تجلت فكرة صدام الحضارات تارة في السياسة الأمريكية تجاه الشرق الأوسط، خاصة إبان إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب عندما انتهج إجراءات تمييزية ضد المهاجرين من الشرق الأوسط، وتارة أخرى في صعود الإسلاموفوبيا وأحزاب اليمين المتطرف في أوروبا، وتارة ثالثة في تنامي تنظيمات إرهابية (القاعدة وداعش) تتبني خطاباً صراعياً دينياً ضد الغرب.[22]
في مجال آخر، قد تتحول توقعات استطلاعات الرأي حول فرص المرشحين في الانتخابات إلى نبؤات ذاتية التحقق، فالتنبؤ بخسارة مرشح ما قبل إجراء الانتخابات قد يؤثر على معتقدات أنصاره، ويجعلهم يتصرفون بطريقة تعزف عن دعمه ومن ثم يخسر بالفعل. تحقق هنا النبؤة ذاتها بفعل ما يسميه البعض "تأثير العربة"، أي التماهي النفسي للفرد مع رأي الأغلبية، حيث ينظر الناخب للرأي السائد المتصور، حتى لو لم يكن دقيقاً، على أنه "حكمة جماهيرية" يمكن اتباعها بما يحل لديه معضلة التنافر المعرفي ويجعله يقفز من العربة ليكون ضمن الفريق الفائز. يزداد هذا الاحتمال مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، والتي يمكن من خلالها للناخبين استنتاج وجود رأي عام سائد، حتى لو كان إجماعاً كاذباً، ويعبر عن التفكير بالتمني.[23]
لذا، يخشى البعض من الاستخدامات المسيسة لاستطلاعات الرأي ذاتها للتأثير على مواقف الأفراد، ومن ثم محاولة توجيه نتائج الانتخابات لإحداث تنبؤات ذاتية التحقق، وهو ما أثار جدلاً واسعاً على سبيل المثال في الانتخابات الرئاسية الأمريكية. ففي عام 2012، اشتكى الخبراء من استطلاعات تسعى للتأثير على الرأي العام عبر إظهار تقدم المرشح الديمقراطي آنذاك باراك أوباما على منافسه الجمهوري ميت رومني. تعزز ذلك الاتجاه في انتخابات العام 2016، عندما توقعت استطلاعات الرأي فوز هيلاري كلينتون، لكن التوقع لم يتحقق إذ استطاع دونالد ترامب هزيمتها في الأخير، ما جعل هنالك علامات استفهام حول مدى دقة توقعات استطلاعات الرأي وأغراضها ومدى تعبيرها الحقيقي عن اتجاهات الواقع.[24]
إحباط فخ التنبؤات وعكس اتجاهه
سواء أكان التنبؤ لا يملك الأدلة الكافية التي تبرره، أو مضخماً، أو يدخل في نطاق تسييس المعرفة، أو ناتج عن الانحيازات المسبقة، أو يرتبط بعقلية الاضطرابات، فهو ليس حتمي الحدوث، إذ يمكن إحباطه أو العمل على تغيير اتجاهاته. ففكرة قبول الناس لتوقع ما وتحويله إلى معتقد وسلوك يمكن إيقاف دورته عبر نقد الافتراضات وأدلة التنبؤات وتصحيح المدركات، ومن ثم إعاقة تحويل النبؤة إلى ذاتية التحقق. ولعل كارل بوبر عندما ناقش "الأثر الأوديبي"، أي تأثير النبؤة على الحدث الذي تتنبأ به أو تأثير المعرفة في الموقف المتصل به، اعتبر أن تلك المعرفة قد تساعد على وقوع الحدث أو منعه.[25]
يمكن هنا الاستدلال بتحول تركيا الأخير في إدارة علاقاتها الإقليمية؛ إذ تستدمج الخطابات السياسية التركية عادة أفكار وتصورات عن تآمر الخارج على البلاد، كذلك انتهجت سلوكيات تدخلية في بعض دول الشرق الأوسط بعد الثورات خلال العقد الأخير، وهو ما أثار حفيظة الدول الأخرى التي نسجت محاور وتحالفات إقليمية مضادة أدت بالفعل إلى عزلة تركيا إقليمياً وإضعاف اقتصادها[26]، بل كاد الأمر يصل إلى احتمال نشوب مواجهة إقليمية مع مصر بسبب الخلاف حول أزمة ليبيا. بالتالي، اقتربت التوقعات حول أن التدخلات التركية الخارجية قد تقود إلى حرب إقليمية من تحقيق ذاتها. لكن إدراك النظام التركي لعواقب العزلة الإقليمية على الاقتصاد ومصالحه الخارجية دفعه إلى العودة مؤخراً إلى تصفير الخلافات مع الدول العربية ومن ثم تغيير مسار السياسات، وبالتالي بدت هنالك إمكانية لإحباط التنبؤات ذاتية التحقق.
في حالة أخرى، قد يمثل التنبؤ نوعاً من التحذير للطرفين المتنافسين للهروب من إمكانية تحققه. يمكن هنا، استدعاء التنبؤ بشأن التنافس المتصاعد بين الولايات المتحدة والصين ومدى إمكانية تحوله إلى حرب كبرى. إذ استخدم جراهام اليسون[27] "فخ ثوسيديدس" للتحذير من أن فكرة الحرب الحتمية قد تحدث عندما تميل قوة صاعدة إلى تحدي قوة مهيمنة عالمية، واعتبر أن الهروب من ذلك الفخ يقتضي تعزيز التشابكات الاقتصادية والاتجاه إلى الاستيعاب وبناء سلام مستدام بين الدولتين.
قد يعزز احتمال هذا الفخ – من وجهة نظر البعض- معضلة سوء الإدرك المتبادل بين البلدين، فزيادة القوة العسكرية للصين في ظل صعودها اقتصادياً تعتبره الولايات المتحدة تهديداً هجومياً لمصالحها بسبب عدم الثقة في نوايا بكين برغم أن الأخيرة تشير إلى أنها سلمية. في المقابل، تنظر بكين إلى دعم واشنطن لتايوان بالأسلحة على أنه تهديد يدفعها الي زيادة التحديث والنفقات العسكرية.[28] مع ذلك، فإن التنبؤ بحتمية المواجهة الأمريكية – الصينية يراه البعض الآخر صعب التحقق ذاتياً، لأن العلاقات بين البلدين ليست صفرية بالكامل، فهي تشهد تنافساً وتعاوناً في آن واحد في مجالات اقتصادية وتكنولوجية وقضايا عالمية، فضلاً عن أن رواج احتمال حتمية الحرب ذاتها، بما تنطوي عليه من عواقب وخيمة، قد يخلق سياسات حذرة لدى الجانبين في إدارة التنافس بينهما.
في الأخير، فإن مفهوم التنبؤ ذاتي التحقق، على انتقاداته وافتقاره لإمكانية التعميم في كافة الحالات، ربما يفسر جزئياً بعض مسارات التفاعلات السياسية، كما قد يمثل أحياناً خطراً يستدعي الانتباه المعرفي والسياسي، إذا تم تسييسه لأغراض توجيه الظواهر الإنسانية لمصالح أطراف بعينها. مع ذلك، تظل هكذا نوعية من التنبؤات ليست حتمية الحدوث أو قدراً سياسياً للدول والمجتمعات، إذ يمكن كسرها عبر تصحيح المدركات، وبناء سياقات من الشفافية والثقة والانفتاح في المجال العام، بما يجعل هنالك مرونة وعدم استسلام إدراكي سواء لصناع السياسات أو الرأي العام، ومن ثم يكونون أكثر قدرة على تجنب السيناريوهات الأسوأ.
[1] أنظر سمات اللايقين في: شهيرة شرف، منطق الضّبابية والعلوم الإنسانية والاجتماعية (مقاربة نظرية - تطبيقية)، الدوحة المركز العربي للأبحاث والنشر، 2016 .
[2] نسيم طالب، البجعة السوداء: تداعيات الأحداث غير المتوقعة، ترجمة: حليم نسيب، (بيروت: الدار العربية للعلوم ناشرون، 2009)
[3] أنظر الجزء المتعلق بالنبؤات المحققة لذاتها في: عادل مصطفى، المغالطات المنطقية، فصول في المنطق غير الصوري، مؤسسة هنداوي، 2017 ص ص 249-250.
[4] Rowena Gillo, Lisa Varani , “I’m Just Bad with Money’: How Self-Fulfilling Prophecy Shapes Financial Behavior”, Journal of Financial Planning, April 2023.
[5] idem
[6] Owen C. King & Mayli Mertens, M. Self-fulfilling Prophecy in Practical and Automated Prediction. Ethic Theory Moral Prac 26, 2023. https://doi.org/10.1007/s10677-022-10359-9
[7] أثر بجماليون نسبة إلى مسرحية بجماليون الشهيرة لجورج برنارد شو وهي مستوحاة من أسطورة النحات الذي صنع تمثالاً لإمراة ووقع في غرامه.
[8] Sejla Almadi , “The meta-narrative of self-fulfilling prophecy in the different research areas”, Society and Economy, Volume 44: Issue 2 Mar 2022. https://doi.org/10.1556/204.2022.00001
[9] Ari-Elmeri Hyvönen, Defining Post-truth: Structures, Agents, and Styles ,22 Oct 2018 https://www.e-ir.info/2018/10/22/defining-post-truth-structures-agents-and-styles/
[10] Carl Bjork , Is the Security Dilemma an Inescapable Reality or Self-Fulfilling Prophecy? 4 Mar 2015 https://www.e-ir.info/2015/03/04/is-the-security-dilemma-an-inescapable-reality-or-self-fulfilling-prophecy/
[11] للمزيد أنظر: د. داليا رشدي، "أنظر تأثير سوء الإدراك في الصراعات والأزمات.. إطار تحليلي"، ملحق اتجاهات نظرية، السياسة الدولية، العدد 203، 2016، ص 5.
[12] محمد مسعد العربي، "تصاعد الجدل حول التوسع في مفاهيم الأمن"، ملحق مفاهيم المستقبل، مجلة اتجاهات الأحداث، أبوظبي: مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، مارس 2015، ص 4.
[13] Muhamad Arif," How Threat Assessment Could Become Self-Fulfilling Prophecy: Case of U.S.-China Relations", Jurnal Politik Internasional, vol 18, NO2.2016.
How Threat Assessment Could Become Self-Fulfilling Prophecy: Case of U.S.-China Relations (ui.ac.id)
[14] يورونيوز، "لماذا ترى روسيا في حلف الأطلسي تهديداً وجودياً؟"، 11 يوليو 2023
https://arabic.euronews.com/2023/07/11/russia-sees-nato-as-an-existential-threat-explainer
[15] موقع بي بي سي، "السويد وفنلندا.. من الحياد إلى حلف الناتو"، 11 يوليو 2023، https://www.bbc.com/arabic/articles/cd1g06qp9v5o
[16] Ivan Nechepurenko,"The invasion of Ukraine as a tragic self-fulfilling prophecy based on policy mistakes", 29 Aug, 2022
[17] Ömer Taşpınar, "The Sunni-Shiite divide in the Middle East is about nationalism, not a conflict within Islam", December 31, 2018 https://www.brookings.edu/articles/the-sunni-shiite-divide-in-the-middle-east-is-about-nationalism-not-a-conflict-within-islam/
[18] Muhamed H. Almaliky , "A Self-Fulfilling Prophecy,Did Saudi Arabia miss a huge opportunity at an early engagement with Iraq?", CAIRO REVIEW, winter 2022, https://www.thecairoreview.com/book-reviews/a-self-fulfilling-prophecy/
Katherine Harvey," A Self-Fulfilling Prophecy: The Saudi Struggle for Iraq..", C. Hurst Limited, London, 2021.
[19] Mara Revkin," The self-fulfilling prophecy of ‘perpetual’ war in Iraq: chathamhouse ", 20 March 2023 https://www.chathamhouse.org/2023/03/iraq-20-years-insider-reflections-war-and-its-aftermath/self-fulfilling-prophecy-perpetual
[20] مروان المعشر، الربيع الجديد آت، مركز كارنيجي للشرق الأوسط، 22 سبتمبر 2022، https://carnegie-mec.org/diwan/87975
[21] د. محمد السعدي، مستقبل العلاقات الدولية من صراع الحضارات إلى أنسنة الحضارة وثقافة السلام، بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 2006.
[22] Clara Assumpção ,Is Huntington’s “Clash of Civilizations” a Self-fulfilled Prophecy? 29 Jan 2020 https://www.e-ir.info/2020/01/29/is-huntingtons-clash-of-civilizations-a-self-fulfilled-prophecy/
Chiara Bottici and Benoît Challand, Rethinking Political Myth: The Clash of Civilizations as a Self-Fulfilling Prophecy. European Journal of Social Theory, 9(3), 2006. https://doi.org/10.1177/1368431006065715
[23] David Rothschild and Neil Malhotra. Are public opinion polls self-fulfilling prophecies? Research & Politics, 1(2). (2014) https://doi.org/10.1177/2053168014547667
[24] فاطمة الزهراء محمد، استطلاعات الرأي العام في الانتخابات الأميركية : تهافت التحليل وتجاهل الواقع، الجزيرة . نت، 1 يناير 2017
[25] عادل مصطفى، مرجع سبق ذكره، ص 251.
[26] Jamie Dettmer, Will Erdogan Complaint About Anti-Turkish Conspiracy Become Self-Fulfilling Prophecy ? 3 December, 2020.
[27] Graham Allison. Destined for War: Can America and China Escape Thucydides’s Trap? Houghton Mifflin Harcourt, 2017.
[28] Muhamad Arif, How Threat Assessment Could Become Self-Fulfilling Prophecy: Case of U.S.-China.op.cit .the same link.
نقلاً عن مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية*