تشجيع الاعتدال أنجح وسيلة لمحاربة التطرف
فهمي هويدي
لدي خمس ملاحظات على العمليات الارهابية التي شهدتها الرياض والدار البيضاء مؤخرا، أرجو ان تنال حظها من الاهتمام والتفكير، حتى لا يمر الحدث من دون ان نستخلص منه الدروس الممكنة، وحتى نحول المحنة الى فرصة كما يقول الصينيون.
ـ الملاحظة الاولى انه يتعين عدم الخلط بين ما جرى في السعودية والمغرب، وبين ما يحدث في الارض المحتلة. ورغم ان هذه فرضية شديدة الوضوح ـ احسبها بديهية مستقرة ـ الا انني اضطررت ان ابرزها والبدء بها بعدما لاحظت ان ثمة كتابات عربية وضعت الجميع في سلة واحدة، واعتبرت انه لا فرق بين عدوان مستنكر على بعض اهل البلد أو ضيوفه وبين مقاومة لغاصب محتل يصر على استخدام لغة القوة، ويرفض كل محاولات اقامة السلام على اساس من العدل والانصاف، وهذه المقاومة لها مشروعيتها بل هي واجبة عند اهل العقل والنقل، في حين ان العدوان الآخر بمثابة ترويع للآمنين، وأيا كانت رسالته فالمفسدة فيه اكبر من المصلحة، ومن ثم فلا شرعية له من أي باب.
ـ الملاحظة الثانية انه من المهم للغاية أن نعرف جيدا لماذا جرى ما جرى، لان المعتاد في مثل هذه الحالات ان يكتفي المتحاورون والمتصدون للموضوع بموقف الادانة، من دون تجاوزه الى تحري الخلفيات والبحث عن مصادر الارهاب. ولا يختلف أحد على ضرورة ادانة تلك الممارسات والوقوف بحزم امام أي توجه لاستخدام العنف في التعامل مع الخلاف السياسي أو الفكري داخل أي بلد. ولكن هذه الضرورة تتحول الى ضرر اذا تم الاكتفاء بالادانة، لان من شأن ذلك ان يبقي على باب تكرار العنف مفتوحا، في حين اننا لو تجاوزنا تلك الحدود وتحرينا الاسباب، فسوف يكون بوسعنا إما ان نضيق في دائرة العنف، أو ان نغلق الباب دونها تماما.
اعجبني في هذا الصدد ما قرأته لاحد الباحثين من أن الظاهرة المسلحة ليست ابنة البرنامج السياسي أو التصور العام للجماعة، بقدر ما هي ابنة مجموعة عوامل سياسية واجتماعية واقتصادية وثقافية متداخلة، وهي وجهة نظر اتفق معها تماما وأنادي بها منذ عقدين من الزمان على الاقل. ذلك ان العنف ليس له سبب واحد، وانما عادة ما يكون نتاج عوامل متعددة، وهذه العوامل قد تختلف من بلد الى آخر، ولذلك فإن كفاءة التعامل مع هذه الظاهرة ـ الازمة تقاس بمدى قدرة القائمين على الامر في كل بلد على تحديد تلك الاسباب، التي قد تكون ثقافية في بلد، بينما هي اقتصادية في بلد آخر، وسياسية في بلد ثالث.
لقد تعددت اصوات الادانة لما حدث، ولكن قليلين جدا هم الذين اضافوا الى الادانة محاولة تحري الاوضاع الثقافية والاقتصادية، والسياسية، والبحث فيها عن الثغرات التي أدت الى النتيجة المأساوية التي وقعت ـ وقد لاحظت مؤشرات على بذل جهد في هذا الصدد، فيما اعلن عن الاتجاه الى «اعادة تأهيل» اكثر من 1300 خطيب وامام في المملكة العربية السعودية، وفي فتح ملف الازمة الاقتصادية الخانقة بالمغرب، خصوصا احياء بيوت الصفيح العشوائية التي تحيط بالدار البيضاء، والتي اعتبرت من قبل بعض المحللين مصدرا للسخط والغضب، ومن ثم تربة صالحة لنمو التطرف بمختلف تجلياته.
ـ الملاحظة الثالثة تتصل بسابقتيها، وتتعلق بضرورة اعتبار السياسة مدخلا لاستقرار الامن وليس العكس. ذلك اننا من خبرات عديدة ومريرة سابقة تعلمنا ان هناك سبيلين للتعامل مع ظاهرة التطرف والارهاب. الاول يعول على النهج البوليسي والامني وحده، ويعتبره اقصر الطرق وانجحها لمكافحة الارهاب، والثاني يعتمد على التعاطي السياسي الذي يقدم على فتح ابواب الاعتدال واتاحة الفرصة للحوار والمشاركة والاحتواء. إن شئت فقل ان الاول يسعى الى الضغط والاستئصال، بينما الثاني يعمل على مد الجسور وتذويب الخلاف واقناع الناشطين بان ثمة ابوابا مفتوحة للتغيير والاصلاح بالطرق السلمية، تحقق المراد من دون ممارسة للعنف أو اراقة للدماء.
لا يعني التعاطي السياسي ان يغض الطرف عن الجرائم التي ترتكب، لان المخطىء لا بد ان يحاسب على ما اقترفت يداه، ولا مجال للتسويف أو المراوغة في هذه النقطة. انما الذي ننبه اليه ـ وتعلمناه من واقع خبراتنا ـ ان العنف لا يولد الا عنفا، وان التعويل على النهج الامني وحده بمثابة منحدر يتعذر التحكم في تداعياته. ولنا عبرة ودرس في نموذج الجزائر التي قتل فيها حتى الان اكثر من مائة الف مواطن، ولم تنطفىء فيها حتى هذه اللحظة جذوة العنف التي اشتعلت منذ اكثر من احد عشر عاما.
ـ الملاحظة الرابعة ان جهود التصدي لجماعات العنف والارهاب ينبغي الا تؤدي في نهاية المطاف الى تمكين المتطرفين من اختطاف سفينة العمل الاسلامي، ذلك ان اكبر خدمة تؤدى لتلك الجماعات هي ان تندفع اجهزة الامن متأثرة بضغوط الانفعال، أو من جراء الرغبة في الانجاز، فتضع جميع الناشطين الاسلاميين موضع الاشتباه، من دون تفرقة بين متطرفين ومعتدلين، أو بين عقلاء وحمقى أو مجانين. ولا بد في هذا الصدد من التذكير بمقولة شيوخنا الذين نبهوا في وقت مبكر الى ان افضل وسيلة للقضاء على الحرام هي تيسير الحلال. واذا طبقنا المقولة على المشهد الذي نحن بصدده فانها تعني ان إحدى انجح الوسائل للقضاء على التطرف هي تيسير الاعتدال وتمكين الناس من الاعتصام به والثقة فيه.
وهي هدية مجانية تقدم للمتطرفين ان يتم التضييق على المعتدلين فتصادر حركتهم، ويوضعون معهم في كفة واحدة. وفي الخبرة المصرية تجربة من ذلك القبيل، حين وقعت اجهزة الامن ذات مرة في ذلك الخطأ الذي تتحدث عنه، وشنت حملة واسعة ضد كل الناشطين الاسلاميين، من دون تفرقة بين معتدلين من جماعة الاخوان أو متطرفين من جماعة الجهاد، وهو ما رحبت به عناصر الجهاد في حينه، واوفدت من يمثلها الى قيادة الاخوان حاملا معه دعوة للتنسيق بين الجماعتين، وحين قيل له ان الاخوان لهم نهج آخر لا يؤمن بالعنف والعمل المسلح، كان رد مبعوث حركة الجهاد انه ما دامت الحكومة قد وضعتهم في مربع واحد، فمن مصلحة الطرفين ان ينسقا فيما بينهما، وهو العرض الذي رفضه ممثلو الاخوان آنذاك.
ما دفعني الى ايراد هذه الملاحظة انني سمعت من الاذاعة البريطانية وصفا لمظاهرة الاحتجاج على الارهاب التي خرجت في الدار البيضاء في الثامن عشر من الشهر الماضي جاء فيه ان قوات الامن منعت الملتحين والمحجبات من المشاركة فيها، في حين ان معظم المنظمات الاسلامية في المغرب ادانت العملية الارهابية التي وقعت هناك، ورغم ان قوى سياسية وتيارات فكرية اخرى انتهزت الفرصة لادانة كل الناشطين الاسلاميين واثارة الشبهات من حولهم، لاسباب عدة منها تصفية الحسابات السياسية، الا ان استجابة عناصر الشرطة لتلك الدعوة كانت خطأ بكل المقاييس. وكان من الاحكم والأولى ان يحاصر المتطرفون، عن طريق فتح الباب للمعتدلين لكي يثبتوا موقفهم المعارض والرافض لممارساتهم.
ـ الملاحظة الخامسة، والاخيرة، ليست بعيدة عن سياق النقطة السابقة، وهي ان الاعمال الارهابية ينبغي ان تواجه بحزم وتقدر بقدرها، بحيث لا يؤدي التعامل معها أو التحسب لوقوع نظراء لها الى التضييق على الحريات العامة بذريعة الاحتياط وسد الذرائع. وقد اعربت عن القلق في هذا الصدد القوى السياسية المختلفة في المغرب، من الاتحاد الاشتراكي الى حزب العدالة والتنمية الاسلامي. ذلك ان ثمة خيطا رفيعا بين ذلك الحزم المرغوب فيه وبين المساس بالحريات المدنية والعامة. وسوف تقاس حكمة ادارة الازمة بمدى القدرة على ممارسة الحزم عند الحدود التي يؤدي فيها وظيفته في مواجهة الارهابيين، بحيث لا تترتب على ذلك اشاعة للقلق أو الخوف في اوساط مؤسسات المجتمع المدني، التي تلتزم بقواعد التعبير السلمي والممارسة الديمقراطية، لان اخشى ما يخشاه كثيرون ان تنتهي محاولات ضرب الارهاب بضرب الديمقراطية ذاتها.
ان مكافحة الارهاب مسؤولية كبيرة تتطلب حذرا شديدا وبصيرة نافذة، تتجنب مواجهة الارهاب بارهاب آخر، فتعالج مفسدته بمفسدة أكبر.
فهمي هويدي
لدي خمس ملاحظات على العمليات الارهابية التي شهدتها الرياض والدار البيضاء مؤخرا، أرجو ان تنال حظها من الاهتمام والتفكير، حتى لا يمر الحدث من دون ان نستخلص منه الدروس الممكنة، وحتى نحول المحنة الى فرصة كما يقول الصينيون.
ـ الملاحظة الاولى انه يتعين عدم الخلط بين ما جرى في السعودية والمغرب، وبين ما يحدث في الارض المحتلة. ورغم ان هذه فرضية شديدة الوضوح ـ احسبها بديهية مستقرة ـ الا انني اضطررت ان ابرزها والبدء بها بعدما لاحظت ان ثمة كتابات عربية وضعت الجميع في سلة واحدة، واعتبرت انه لا فرق بين عدوان مستنكر على بعض اهل البلد أو ضيوفه وبين مقاومة لغاصب محتل يصر على استخدام لغة القوة، ويرفض كل محاولات اقامة السلام على اساس من العدل والانصاف، وهذه المقاومة لها مشروعيتها بل هي واجبة عند اهل العقل والنقل، في حين ان العدوان الآخر بمثابة ترويع للآمنين، وأيا كانت رسالته فالمفسدة فيه اكبر من المصلحة، ومن ثم فلا شرعية له من أي باب.
ـ الملاحظة الثانية انه من المهم للغاية أن نعرف جيدا لماذا جرى ما جرى، لان المعتاد في مثل هذه الحالات ان يكتفي المتحاورون والمتصدون للموضوع بموقف الادانة، من دون تجاوزه الى تحري الخلفيات والبحث عن مصادر الارهاب. ولا يختلف أحد على ضرورة ادانة تلك الممارسات والوقوف بحزم امام أي توجه لاستخدام العنف في التعامل مع الخلاف السياسي أو الفكري داخل أي بلد. ولكن هذه الضرورة تتحول الى ضرر اذا تم الاكتفاء بالادانة، لان من شأن ذلك ان يبقي على باب تكرار العنف مفتوحا، في حين اننا لو تجاوزنا تلك الحدود وتحرينا الاسباب، فسوف يكون بوسعنا إما ان نضيق في دائرة العنف، أو ان نغلق الباب دونها تماما.
اعجبني في هذا الصدد ما قرأته لاحد الباحثين من أن الظاهرة المسلحة ليست ابنة البرنامج السياسي أو التصور العام للجماعة، بقدر ما هي ابنة مجموعة عوامل سياسية واجتماعية واقتصادية وثقافية متداخلة، وهي وجهة نظر اتفق معها تماما وأنادي بها منذ عقدين من الزمان على الاقل. ذلك ان العنف ليس له سبب واحد، وانما عادة ما يكون نتاج عوامل متعددة، وهذه العوامل قد تختلف من بلد الى آخر، ولذلك فإن كفاءة التعامل مع هذه الظاهرة ـ الازمة تقاس بمدى قدرة القائمين على الامر في كل بلد على تحديد تلك الاسباب، التي قد تكون ثقافية في بلد، بينما هي اقتصادية في بلد آخر، وسياسية في بلد ثالث.
لقد تعددت اصوات الادانة لما حدث، ولكن قليلين جدا هم الذين اضافوا الى الادانة محاولة تحري الاوضاع الثقافية والاقتصادية، والسياسية، والبحث فيها عن الثغرات التي أدت الى النتيجة المأساوية التي وقعت ـ وقد لاحظت مؤشرات على بذل جهد في هذا الصدد، فيما اعلن عن الاتجاه الى «اعادة تأهيل» اكثر من 1300 خطيب وامام في المملكة العربية السعودية، وفي فتح ملف الازمة الاقتصادية الخانقة بالمغرب، خصوصا احياء بيوت الصفيح العشوائية التي تحيط بالدار البيضاء، والتي اعتبرت من قبل بعض المحللين مصدرا للسخط والغضب، ومن ثم تربة صالحة لنمو التطرف بمختلف تجلياته.
ـ الملاحظة الثالثة تتصل بسابقتيها، وتتعلق بضرورة اعتبار السياسة مدخلا لاستقرار الامن وليس العكس. ذلك اننا من خبرات عديدة ومريرة سابقة تعلمنا ان هناك سبيلين للتعامل مع ظاهرة التطرف والارهاب. الاول يعول على النهج البوليسي والامني وحده، ويعتبره اقصر الطرق وانجحها لمكافحة الارهاب، والثاني يعتمد على التعاطي السياسي الذي يقدم على فتح ابواب الاعتدال واتاحة الفرصة للحوار والمشاركة والاحتواء. إن شئت فقل ان الاول يسعى الى الضغط والاستئصال، بينما الثاني يعمل على مد الجسور وتذويب الخلاف واقناع الناشطين بان ثمة ابوابا مفتوحة للتغيير والاصلاح بالطرق السلمية، تحقق المراد من دون ممارسة للعنف أو اراقة للدماء.
لا يعني التعاطي السياسي ان يغض الطرف عن الجرائم التي ترتكب، لان المخطىء لا بد ان يحاسب على ما اقترفت يداه، ولا مجال للتسويف أو المراوغة في هذه النقطة. انما الذي ننبه اليه ـ وتعلمناه من واقع خبراتنا ـ ان العنف لا يولد الا عنفا، وان التعويل على النهج الامني وحده بمثابة منحدر يتعذر التحكم في تداعياته. ولنا عبرة ودرس في نموذج الجزائر التي قتل فيها حتى الان اكثر من مائة الف مواطن، ولم تنطفىء فيها حتى هذه اللحظة جذوة العنف التي اشتعلت منذ اكثر من احد عشر عاما.
ـ الملاحظة الرابعة ان جهود التصدي لجماعات العنف والارهاب ينبغي الا تؤدي في نهاية المطاف الى تمكين المتطرفين من اختطاف سفينة العمل الاسلامي، ذلك ان اكبر خدمة تؤدى لتلك الجماعات هي ان تندفع اجهزة الامن متأثرة بضغوط الانفعال، أو من جراء الرغبة في الانجاز، فتضع جميع الناشطين الاسلاميين موضع الاشتباه، من دون تفرقة بين متطرفين ومعتدلين، أو بين عقلاء وحمقى أو مجانين. ولا بد في هذا الصدد من التذكير بمقولة شيوخنا الذين نبهوا في وقت مبكر الى ان افضل وسيلة للقضاء على الحرام هي تيسير الحلال. واذا طبقنا المقولة على المشهد الذي نحن بصدده فانها تعني ان إحدى انجح الوسائل للقضاء على التطرف هي تيسير الاعتدال وتمكين الناس من الاعتصام به والثقة فيه.
وهي هدية مجانية تقدم للمتطرفين ان يتم التضييق على المعتدلين فتصادر حركتهم، ويوضعون معهم في كفة واحدة. وفي الخبرة المصرية تجربة من ذلك القبيل، حين وقعت اجهزة الامن ذات مرة في ذلك الخطأ الذي تتحدث عنه، وشنت حملة واسعة ضد كل الناشطين الاسلاميين، من دون تفرقة بين معتدلين من جماعة الاخوان أو متطرفين من جماعة الجهاد، وهو ما رحبت به عناصر الجهاد في حينه، واوفدت من يمثلها الى قيادة الاخوان حاملا معه دعوة للتنسيق بين الجماعتين، وحين قيل له ان الاخوان لهم نهج آخر لا يؤمن بالعنف والعمل المسلح، كان رد مبعوث حركة الجهاد انه ما دامت الحكومة قد وضعتهم في مربع واحد، فمن مصلحة الطرفين ان ينسقا فيما بينهما، وهو العرض الذي رفضه ممثلو الاخوان آنذاك.
ما دفعني الى ايراد هذه الملاحظة انني سمعت من الاذاعة البريطانية وصفا لمظاهرة الاحتجاج على الارهاب التي خرجت في الدار البيضاء في الثامن عشر من الشهر الماضي جاء فيه ان قوات الامن منعت الملتحين والمحجبات من المشاركة فيها، في حين ان معظم المنظمات الاسلامية في المغرب ادانت العملية الارهابية التي وقعت هناك، ورغم ان قوى سياسية وتيارات فكرية اخرى انتهزت الفرصة لادانة كل الناشطين الاسلاميين واثارة الشبهات من حولهم، لاسباب عدة منها تصفية الحسابات السياسية، الا ان استجابة عناصر الشرطة لتلك الدعوة كانت خطأ بكل المقاييس. وكان من الاحكم والأولى ان يحاصر المتطرفون، عن طريق فتح الباب للمعتدلين لكي يثبتوا موقفهم المعارض والرافض لممارساتهم.
ـ الملاحظة الخامسة، والاخيرة، ليست بعيدة عن سياق النقطة السابقة، وهي ان الاعمال الارهابية ينبغي ان تواجه بحزم وتقدر بقدرها، بحيث لا يؤدي التعامل معها أو التحسب لوقوع نظراء لها الى التضييق على الحريات العامة بذريعة الاحتياط وسد الذرائع. وقد اعربت عن القلق في هذا الصدد القوى السياسية المختلفة في المغرب، من الاتحاد الاشتراكي الى حزب العدالة والتنمية الاسلامي. ذلك ان ثمة خيطا رفيعا بين ذلك الحزم المرغوب فيه وبين المساس بالحريات المدنية والعامة. وسوف تقاس حكمة ادارة الازمة بمدى القدرة على ممارسة الحزم عند الحدود التي يؤدي فيها وظيفته في مواجهة الارهابيين، بحيث لا تترتب على ذلك اشاعة للقلق أو الخوف في اوساط مؤسسات المجتمع المدني، التي تلتزم بقواعد التعبير السلمي والممارسة الديمقراطية، لان اخشى ما يخشاه كثيرون ان تنتهي محاولات ضرب الارهاب بضرب الديمقراطية ذاتها.
ان مكافحة الارهاب مسؤولية كبيرة تتطلب حذرا شديدا وبصيرة نافذة، تتجنب مواجهة الارهاب بارهاب آخر، فتعالج مفسدته بمفسدة أكبر.