أقدم لك الإسلام
الأستاذ أنور الجندي
أيها الأخ الكريم: سلام الله عليك..
مالي أراك تجري فوق موج الحياة دون أن تتبين خطوك أو تنظر حولك أو تعرف هدفك ترتبط بغاية واضحة تمتلك عليك وجدانك وعقلك وتوجه إليها كل قصدك وتقدم لها كل جهدك.
ألا تعرف أن لك رسالة وأنك مكلف وأنه لابد من هوية واضحة، وغاية صريحة تتوجه إليها.
إننا نحن – بني الإنسان – جئنا هذا الوجود لغاية ولم نأت عبثاً وهي غاية عالية كريمة، وليست جرياً وراء المطامع والأهواء، فإذا نظرنا حولنا فرأينا هذا المجتمع المزدحم بالغايات وجب علينا ألا نندفع وراء التيار دون علم أو وعي، وإنما نقف وقفة ونسأل صديقاً ناصحاً أو أستاذاً مرشداً، أو والداً موجهاً، فسنعرف أن في الحياة وجهة صالحة ووجهة تائهة، فإذا ذهبنا وراء البريق وجدنا أنفسنا في دوامة، يتموج لذات خاطفة، تذهب بشبابنا ومالنا وتنحرف بنا عن الطريق السليم، أما إذا تريثنا ووعينا وجدنا أنفسنا على مرتقى الأصالة والرشد، وإني لأربأ بك وبعقلك وشخصيتك الكريمة ومحتدك الأصيل أن تكون جارياً مع التيار أو ضائعاً في المجموع، وأتوسم فيك أن تكون من النخبة الممتازة من أبناء هذه الأمة التي تتطلع إلى أن تقدمك خصائصك الكاشفة من ذكاء وفهم ونبل فتعرف لك غاية واضحة، ومهمة صالحة، وخير الغايات وأعظم المهام، هي أن تكون داعية لكلمة الله ولساناً من السنة الحق وعاملاً من عوامل الإسلام تنشر كلمته وتذيع فضله وتسير على طريقه، قدوة طيبة ومثلاً يحتذى وطيفاً قرآنياً يستمد سمته وفعله مما كان عليه سيدنا رسول الله (الأسوة الحسنة) للمسلمين منذ جاء الإسلام إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
فإذا تبينت ذلك في أعماق فطرتك النقية وهداك الله تبارك وتعالى إلى طريقه وجدت نفسك، وأحسست بأن للك كياناً مؤثراً فاعلاً، ورأيت أمامك ضوءاً كاشفاً، فعزفت نفسك عن الأهواء والمطامع وتطلعت إلى أن تكون من أولئك الذين هدى الله الملتمسين سبيله، المتطلعين إلى فضله ورحمته، الراغبين في أن يكونوا من خدام دعوته ومن العاملين لإعلاء كلمته.
وليس معنى هذا أنك تنسحب من الحياة، إلى عزلة صوفية أو خصومة مع المجتمع، أو إلى عزوف عن العمل، كلا كلا بل إلى اقتحام الحياة بأسلحة جديدة هي الإيمان والعمل لخير الناس ومعاملة الناس بالحسنى وإحلال وتحريم الحرام في مطعمك ومشربك، ودعوة أهلك إلى الصلاة والزكاة وعمل الخير، والاستجابة لكل أمر الله والوقوف عند حدوده، فدعوة الإسلام دعوة إيجابية لإصلاح الحياة لا لاعتزالها ولدعوة الناس الحسنى إلى طريق الله، ولهداية الخلق إلى الحق، من غير تزمت في وسيلة أو إسراف في توجيه، أو تعصب على أسلوب، وإنما بالمرونة والتدرج والتماس الأعذار والالتقاء في نقاط الخير، ’’أدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة’’ و ’’قولول للناس حسناً’’.
والزمن جزء من العلاج، ولنعرف أولاً حقائق ديننا الذي هو عصمة أمرنا، ونجعله الضوء الكاشف على طريقنا في الحياة، مؤمنين بأننا قد جئنا هذه الحياة لنؤدي رسالة، ولنعمر الأرض، ونبني، ونقيم المجتمع الرباني، على أساس المسئولية الفردية والالتزام الأخلاقي والإيمان بالجزاء الآخروي والبعث وعلى ضوء هذا الفهم المستنير تستطيع أن تواجه الحياة وأن نتعامل مع الناس وأن نمضي على طريق الله، في بيوتنا وفي أعمالنا، وفي كل مكان نحل فيه، ومع كل إنسان نلتقي به.
وأن نرعى هذه الأسر ة الصغيرة: الزوجة والأبناء وأن نشكلهم على الإيمان فإنها مسئوليتنا الأولى ’’يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً’’ ولنباشر هذه المسئولية يوماً بعد يوم وساعة بعد ساعة فلا يبعدنا عنها شيء، ولنجعلها اولى مهامنا ولنصادق أبناءنا ونجعل بيننا وبينهم مودة وأمناً فنعرف احوالهم وظروفهم ونعالج أمورهم في أول أشواطها، ونرعى أمر صداقاتهم ومعارفهم فنحميهم من الصديق السوء، ونذلل أمامهم الأمور حتى تضيء أنفسهم بتجربة آبائهم فلا يسقطون في المآزق، ويكونوا دائماً على حذر من مطبات الحياة. ذلك أن القدوة الحسنة هي أسرنا وبيوتنا على مفاهيم الإسلام الحقيقية، انقشعت عن أمتنا تلك السحب المظلمة والغيوم الكثيفة ومن ثم تشرق الشمس ويبدو الأفق مضيئاً بنور الله.
ويقتضي هذا الاتجاه أنم نفهم أسلافنا فهماً صحيحاً، وأن نعرف التحديات التي تواجه الإسلام من قوى كثيرة تتآمر بها.
أما الإسلام فهو منهج رباني جامع، يعمل على بناء الفرد والأسرة والجماعة على أساس الإيمان بالله، وعلى أساس التكامل والتضامن والعدل والرحمة والإخاء الإنساني وهو دعوه إلى بناء مجتمع ومنهج حياة يقام لإسعاد البشرية، وهو مختلف تماماً عن المناهج والأيديولوجيات التي قدمها الإنسان لنفسه والتي ما تزال تضطرب وتتخبط ولا تحقق للبشرية شيئاً إيجابياً، وها نحن نرى كيف يعيش المجتمع العالمي حياة مأزومة مضطربة لألأنها خلت من الاستمداد من الله والتماس منهجه، ولما فصلت المناهج البشرية نفسها عن دين الله المنزل عجزت عن تحقيق الأمن للناس ذلك أن هذه المناهج فصلت بين الروح والمادة وبين السياسية والأخلاق وبين الدنيا والآخرة، وما تزال المجتمعات العالمية تضطرب منذ أربعمائة عام وتتخبط عندما أقامت المنهج المادي العلماني الذي يمزق وحدة الإنسان الجامع بين الروح والمادة، فأنت أيها الأخ الكريم ترى كيف نتخبط هذه المناهج، وتضيف وتحزف، ولا تستطيع أن تحقق شيئاً.
وقد نشأت في المجتمع العالمي تلك الأزمة العميقة: وتلك الغربة والتمزق والغثيان نتيجة الانفصال عن الإيمان بالله وأخلاقية المجتمع والحضارة، وقد ثبت لصيحات الأعلام والبارزين من المفكرين الغربيين بأنه لا طريق صحيح للبشرية إلا بالإسلام وحده وقد اعتنق هؤلاء الأعلام العقيدة الإسلامية بعد أن بحثوا سنوات طويلة وعجزوا عن أن يجدوا سبيلاً إلا عن طريق هذا النور الإلهي (وإسلام الدكتور بوكاي والفيلسوف جارودي) أخيراً من العلامات التي سبقتها علامات كثيرة.
ولقد جرب الغرب مذاهب ودعوات مختلفة من الشرق والغرب وقد فشلت جميعها والعالم يتطلع إلى منهج جديد يحرره من العبودية والإباحية والشك والتمزق، وليس غير الإسلام هو الذي ينقذ البشرية، ولكن كيف يمكن ذلك وأهل الإسلام أنفسهم مكبلون بقيود وثيقة للنفوذ الغربي بشقيه، أنهم لابد أولاً أن يتحرروا من هذه القيود وأن يقيموا مجتمعهم ثم يقدموا الإسلام للبشرية.
والحقيقة أن الإسلام يواجه تحديات خطيرة اليوم، ويطالب المؤمنين به بأن يؤمنوا حتى يقوم الصف المسلم القادر على حماية الأمة من الانهيار والتمزق والسقوط في حلقة التبعية الخطيرة، وهي المؤامرة التي تعمل الحضارة العالمية لي تذويب المسلمين فيها بعد أن تفسد مفهومهم الصحيح لعقيدتهم، وإثارة الشبهات حولها حتى يضيع ذلك النور القوي الذي يملأ القلوب ويدفعها إلى العمل لحماية بيضة هذا الدين، والدفاع عنها والإعداد لمقاومة كل من يفكر في السيطرة عليها، وذلك بالمرابطة في ثغور الإسلام المادية والمعنوية لحماية الأمة من مؤامرة إذابة هذه الأمة في بوتقة الأممية، فليس للمسلمين اليوم من مهمة في الحقيقة أكبر من الحفاظ على ذاتيتهم الإسلامية وشخصيتهم التي كونها لهم الإسلام منذ أربعة عشر قرناً، حتى يظلوا مسلمين حقيقة، وليسوا صورة ممسوخة من الأمم الأخرى، وفي سبيل حماية هذه الذاتية يجب ان يحافظ المسلمون على عقيدتهم وعبادتهم ومفاهيمهم في المجتمع والسياسة والاقتصاد والتربية، حقيقة واضحة، فلا يقبلون بالتبعية لفكر غير فكرهم، أو الانبهار بمذاهب أو مناهج غير مذهبهم ومنهجهم الأصيل الذي كونهم منذ أربعة عشر قرناً وحماهم من الذوبان أو التمزق في حضارات أخرى، فلن تستطيع أي أيديولوجية وافدة أن تعطي المسلمون قوة لأو تمكنهم من امتلاك إرادتهم وقد حدثت التجربة خلال السنوات الماضية وعجزت عن أن تحقق لهم شيئاً، بل كانت سبيلاً للأزمة والهزيمة والنكسة وسقوط بيت المقدس وفلسطين في أيدي أعدائهك، وقد جرى ذلك نتيجة الخداع الذي كان يخدع هذه الأمة بأن التبعية للغرب هي التي ستمكنهم من الوصول إلى القوة وامتلاك الإرادة، وقد ظهر كذب هذا، وكانت كل الخطوات ترمي إلى إذابتهم في البوتقة العالمية وإضاعة ذاتيتهم ووجودهم الخاص المستقل، كافة تحمل رسالة التوحيج الخاص، إن المحافظة على الذاتية الإسلامية بعيدة الانصهار في بوتقة الأمم الأخرى هي أساس عميق من أسس الإسلام الذي جاء ليعيد الإنسان إلى الفطرة بعد أن أفسدته المطامح والشهوات التي غيرت كلمة الله، وأن أكبر الأخطار التي تواجه المسلمين هي خطر النفوذ الغربي والصهيوني والماركسي (مجتمعين) على إذابة المسلمين في بوتقة الحضارة الغربية التي تمر بأسوأ مراحل انهيارها وتمزقها.
إن أول ما يدعونا إليه الإسلام بعد التوحيد الخالص أمران:
أولهما: المحافظة على الشخصية الإسلامية بكل معالمها.
ثانيهما: القدرة على تقديم النفس خالصة لله في مرابطة دائمة يقظة حتى لا يعتدى على العقيدة والوطن الذي يحمي العقدة معقد، فإذا كانت أرض الوطن الإسلامي في أي جزء منها قد وقع عليها اعتداء فإننا مطالبون بمؤازرته.
إننا نعرف أنك أيها الشاب المسلم تواجه الآن إغراءً خطيراً هو إغراء ذلك البريق المتصل بالحياة الاجتماعية وما يتصل بها من صور عارية وأفلام مكشوفة وتحلل في محيط المرأة، واستهانة بالحلال في محيط التجارب والعمل، مما يغري بالاندفاع وراء الأهواء أو المكاسب الحرام ولكن من يمتلك إرادة الإيمان يستطيع أن يقف وقفة الحسم، إزاء ذلك خوفاً من مجاوزة حدود الله، مضحياً بهذا الزخرف الحرام في سبيل انتظار عطاء الله الحلال المبارك الذي يمنحه لأولياء الخير واليقين.
فالمسلم دائماً على طريق الله يسأل عن حق الله وما أحل وما حرم، ويستفتي قلبه، فهو ما دام يقرأ القرآن والسنة النبوية فهو على أول الطريق، فعليه أن يلتمس الفهم العميق من مصادره الراشدة، بعيداً عن العنف والتطرف والتعصب فطريق الله كله رحمة ’’أدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة’’ وعلى الشباب المسلم أن يعرف أن للأمور الكبرى مراحل تمر بها، وأن التربية وبناء العقول والنفوس هو العامل الحقيقي للوصول إلى الغايات الكريمة وهو تأصيل المجتمع وإعادته إلى الله، وأن أية خطوة من خطوات العنف ستكون عاملاً في تأخير النهضة، بينما تؤدي خطوات بناء النفوس والعقول في ضوء الإسلام ونور القرآن إلى الغاية المرتجاة.
إن المسلم إذا وهب نفسه لدعوة الله فقد ارتفع فوق مطامع الحياة وأصبح من خدام دعوة التوحيد، فإذا وقر في قلبه فعليه:
(أولاً): أن يطهر نفسه من المطامع والأهواء. وأن يحصن نفسه بالعلم والإيمان والصبر الطويل على مكاره العمل وأن يهب وجوده كله، عافيته وثقافته وماله لكشف طريق الله أمام الناس غير متزيد ولا متطاول.
(ثانياً): أن يكون مؤمناً صادق الإيمان بالمسئولية الفردية، وأن يرفض مفاهيم الفسلفات الوافدة التي تقول أن المسئولية في الأخطاء والانحراف على المجتمع فنحن المسلمون نؤمن بأن كل إنسان مسئول عن عمله، وأن له إرادة حرة يستطيع أن يتحرك من خلالها لعمل الخير، ولدفع الشر، وأنه ملتزم بالمسئولية الأخلاقية في كل عمله وأنه مطالب بالمساهمة في بناء المجتمع الرباني الأصيل الذي تتطلع إليه البشرية، وأنه محاسب عن ذلك كله في الآخرة.
وقد أشار القرآن إلى الإرادة الحرة في ثلاثة وستين موضعاً.
(ثالثاً): أن تكون عبادته هي عبادة المجاهدين العاملين، الذي يفنون أنفسهم في خدمة أمتهم ومجتمعهم وذلك ببناء لبنة في المجتمع، على قدر استطاعته، وأن لا يقبل مفهوم العبادة الفردية المنعزلة التي تدعو إليه بعض الطرق الصوفية، فذلك مفهوم قاصر، لأنه يحرم المسلم من ثواب النضال في دائرة المجتمع وهداية الناس وتصحيح المفاهيم، وما خلق المسلم ليعتزل الناس ويعبد الله بالذكر والانفصال عن المجتمع، ذلك أن عبادة الله تبارك وتعالى في الإسلام إنما تكون بمخالطة المجتمع والتعامل معه، وإبلاغ الناس كلمة الحق والخير على قدر المستطاع.
(رابعاً): وعلى المسلم الذي يدعو إلى الله أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، بالحكمة والموعظة الحسنة، وإبلاغ المسلم الآخر ما لا يعلمه، حتى يعلمه، وإن ينصح أهله وأسرته وأبناءه وأن يقيمهم على الحق، بالرضا والإحسان.
وعندما يكون المسلم مؤمناً حقاً، يستطيع ذلك ’’فلولا كان من القرون من قبلكم أولو بقية ينهون عن الفساد في الأرض إلا قليلاً ممن أنجينا منهم’’.
(خامساً): أن يكون المسلم قدوة حسنة، لا يأمر أهله بشيء وهو يقترفه، فإنه إذ ذاك لا يبلغ نفوس الناس ولا يقبلوا منه إلا إذا هو مثلاً حقيقياً لذلك في حياته وعمله.
(سادساً): أن يختار عملاً في الدعوة الإسلامية يباشره، ويتخصص فيه ويفهم كل ما يتصل به، دون أن ينسى أن الإسلام كل جامع متصل لا ينفصل فيه فرع عن باقي الفروع فإذا كان أديباً فعليه أن يعرف المسئولية الأخلاقية وإذا كان عالماً نفسياً أو اجتماعياً عليه أن يفهم معنى التكامل بين القيم الإسلامية التي تشكل المفهوم الإسلامي الجامع بين الروح والمادة.
(سابعاً): أن يكون المسلم واضح الوجهة إزاء ما يرضي الله وما حرمه الله، وأن يعرف هذه الحدود، وأن يقيمها في نفسه وأسرته وأهله فيما استطاع إلى ذلك سبيلاً.
(ثامناً): أن يجعل رابطة ’’لا إله إلا الله’’ أعلى الروابط وهي التي تجمع المسلمين جميعاً فتجعلهم أمة واحدة، وأن لا يعلي من شأن روابط الدم أو العنصر او الإقليم فهذه كلها روابط تفصل ولا تجمع، وقد حرم الإسلام التفاضل بالأنساب والأجناس والطبقات والعصبة. فنحن مطالبون بالتآخي تحت لواء الإسلام.
(تاسعاً): أن نعرف أن هذه الأمة قائمة على شاطئ التحدي فهي دائماً موضع طمع الامبراطوريات والقوى الكبرى، تعمل على السيطرة عليه واحتوائه وتعمل على القضاء على شخصيته الإسلامية وذاتيته الربانية المستمدة من التوحيد الخالص، ولذلك فيجب أن نحس دائماً بالحذر ونعمل على المرابطة والإعداد حتى لا نؤخذ على غرة، وأن نكون على استعداد كامل للتضحية في سبيل حماية الأمة والدين والعرض. وقد دعانا الحق تبارك وتعالى إلى فريضة الجهاد القائمة والماضية إلى يوم القيامة لحماية الإسلام أمة ودولة ووجوداً، وقد وضع الإسلام على أساس طلب الغلبة الشركة والغزة والعلم فالناظر في أصول هذا الدرس يعتقد بأنهم لابد أن يكونوا أول ملة حربية في العالم وان يسبقوا جميع الأمم إلى اختراع الآلات الحربية واتقان العلوم العسكرية.
(عاشراً): معنى الإسلام هو إسلام الوجه لله وحده، وكان هو الرسالة الأولى، وكان هو الرسالة الأخيرة وأن تعاليم الإسلام ليست حلولاً للمشاكل بقدر ما هي وقاية من المشاكل قد وردت كلمة إسلام ثماني مرات في القرآن بمعنى إسلام النفس إلى الله.
ويقوم الإسلام على مجموعة من الأصول العامة: عقيدة سليمة، عبادة صحيحة، كتاب منير، أسوة حسنة (الرسول) شريعة عادلة، أخلاق إيجابية، جهاد في سبيل الله، تربية صالحة، الصمود في وجه العدو. هذا هو إسلام القرآن الذي يحث على الإعداد الإنساني لهذه الحياة وعدم إلغاء الشخصية الفردية.
(حادي عشر): إن قانون المعرفة في الإسلام (يجمع بين العقل والقلب) في ضزء الشريعة، ولا يستطيع العقل وحده التعرف على المصلحة بل إنه في حاجة إلى إرشاد الشرع (قرآناً وسنة) والعقل لن يهتدى إلا بالشرع فالعقل كالأساس والشرع كالبناء، وأن العقل قد تحجبه الأهواء والشهوات فالعقل لن يهتدى إلا بالشرع، العقل كالبصر والشرع كالشعاع، ولن يغني البصر ما لم يكن شعاع من خارج العقل كالسراج والشرع كالزيت الذي يجده فما لم يكن الزيت لم يحصل السراج وما لم يكن سراج لم يضيء الزيت.
( ثاني عشر): الرجوع إلى الحق متى تبين للمسلم، هذه قاعدة أساسية لبناء العقل الإسلامي المؤمن، وفي ذلك قول عمر بن الخطاب ’’ولا يمنعك قضاء قضيته بالأمس هديت فيه إلى رشدك أن ترجع فيه إلى الحق فإن الحق قديم والرجوع إلى الحق خير من التنادي في الباطل’’.
(ثالث عشر): على المثقف المسلم أن يعلم أن أكبر أخطار الفكر الحديث هو إنكاره صاحب الكون وصانعه وصانع العلوم ومعلمها للإنسان نفسه وهو الحث تبارك وتعالى والخطأ الثاني هو عدم الاستسلام للوجهة الربانية في بناء المجتمع وصناعة الحضارة وتطبيق العلم ومن هنا فقد حاولت الأمم الغربية أن تضع قوانين وشرائع مختلفة بل ومتعارضة مع أحكام الله، وهذا هو سر أزمتها واضطراب مجتمعها والأخطار التي تواجه الإنسان المعاصر، فلابد من العودة إلى الإيمان بأن الله هو الصانع وليست الطبيعة وأنه لابد من قوة علوية تشرف على الإنسان من فوقه وتمنحه الأسلوب المتوازن الشامل الذي يتعامل به مع جهازه الإنساني الصعب، إن فقدان الإيمان بالله كحقيقة علمية وكهدف أساسي من أهجاف المجتمعات هو مصدر كل الأزمات.
(رابع عشر): لابد من فهم دور المرأة الحقيقي ومهمتها في المجتمع، ولابد من معرفة تركيبها العضوي والعصبي الذي يكشف العلم اليوم عن أنه مختلف وأن لها رسالة خاصة تتعلق بالبيت والأسرة وتربية الطفل ولذلك فإن تجاوزها ذلك من شأنه أن يحطم حياتها كذلك فإن للإسلام مفهوماً في الملابس والأزياء والعلاقات بين الرجل والمرأة.
(خامس عشر): يجب أن يقيم المسلم مجتمع الإسلام في نفسه وبيته وأهله وأن يتحول إلى العرف الإسلامي في عاداته ومعاملاته، في قلبه ولسانه وإننا لابد أن نعيد للإسلام سلطانه على الحياة الاجتماعية كلها ولا نقف به عند العبادات وأن نخضع معاملاتنا له.
( سادس عشر): الإيمان بصلاحية الإسلام لكل زمان ومكان، وأن منهج الإسلام الرباني الواسع الأطر، لا يحتاج حاجة إلى مناهج الأمم في الاقتصاد أو الاجتماع او التربية، وإنما إلى تطور أو تطوير شأن المناهج البشرية وليس المسلم في يحتاج إلى الأساليب المستحدثة في وسائل التنفيذ، فلا يحتاج المسلمون إلى نظم وإنما إلى تنظيمات وكل ما يتصل إليهم من الحضارات فإنما هو مواد خام تنصهر في بوتقة الإسلام.
(سابع عشر): الإيمان بالله تبارك وتعالى خالقاً ومدبراً لكل أمر، والإيمان بأن محمداً صلى الله عليه وسلم هو قائد البشرية إلى الحق.
(ثامن عشر): إن علينا أن نحرر الفكر الإسلامي من مفاهيم فاسدة في الفومية والعلمانية والمادية وأن نكشف بأن للإسلام مفاهيم أكثر إنسانية ورحمة هي التي تجمع الناس تحت لواء الإخاء الإنساني والارتباط بالله تبارك وتعالى وفهم الحياة والإنسان فهماً جامعاً بين المادة والروح، ولقد نقل الإسلام البشرية من اختلاف الأجناس وصراع العناصر إلى وحدة البشرية الصادرة عن أب واحد، المؤمنة بري واحد، ودين واحد.
(تاسع عشر) لقد ربى الإسلام معتنقيه على الاعتزاز بالله والإيمان بأنهم خلقوا ليقدموا رسالة التوحيد إلى البشرية، سادة معتزين بكرامتهم لا يعرفون العبودية لغير الله وحده.
(العشرون) ليس الإسلام مذهبًا ولا نظرية ولا ثورة ولا يجوز للكاتب المسلم أن يدخل الإسلام في مقارنة مع الثورات العديدة التي قام بها الإنسان على مر التاريخ، فالإسلام منهج رباني شاء الله تبارك وتعالى أن لا يرتبط اسمه بزمن معين ولا مكان معين ولا جنس معين ولا بفرد معين كما ارتبطت أسماء الأديان والنحل؛ وإنما هو مطلق، ماض إلى يوم القيامة يعز عزيزًا ويذل ذليلا ويبسط جناحيه على البشرية.
(واحد وعشرون) تميز الإنسان بالتكامل الجامع؛ فلهو يضم العقيدة والشريعة والأخلاق:
العقيدة هي: معرفة الله سبحانه وعالم الغيب والبعث والآخرة.
الشريعة: تنظيم الحياة على منهج الله.
الأخلاق: معرفة الخير والشر والحق والباطل.
وأهم عناصرها مسئولية الإنسان عن عمله، والثبات على الحق والاستمساك به والرفق في سوق الناس إلى الله، والصبر على أذاهم وألا يتعجلوا النصر فيطلبوه من غير سبيله ويسعوا إليه من غير بابه، وفي الإسلام كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته، وليس فيه أعطوا ما لقيصر لقيصر وما لله لله، فيقصر وكل شئ لله، وفيه درء المفسدة مقدم على جلب المنفعة، وإننا لا نعرف الحق بالرجال ولكن نعرف الرجال بالحق، وللإسلام ضوابط للاجتهاد وحدود تمنع من استغلال الأهواء والأغر اض لظروف التغيير.
وصدق الإمام الشافعي حين قال: ’’إن هذا العلم دين؛ فانظروا عمن تأخذون دينكم’’.
(اثنان وعشرون) أكبر ما أعطى الإسلام: الفكر والذكر (معرفة قدرة الله واقتدارها قدرها) والبيان والارتفاع فوق طفولة البشرية بالنظرة الشاملة ذات الأبعاد التي ترتبط بالأزل والأبد وبالدنيا والآخرة وتستمد أول نقطة انطلاقها من الله تبارك وتعالى، ثم تعود إليه جل شأنه بعد تمام الرجولة.
وإن الله تبارك وتعالى يحب الواقفين ببابه المتمسجين بأعتابه والطالبين منه والملحين في الدعاء؛ فالدعاء اعتراف وإذعان بالعبودية لله، وأن الله وحده هو القادر على كل شئ وأن الله تبارك وتعالى يحب أن يسمع صوت تذلل عبده له: ادعوني أستجب لكم.
(ثلاث وعشرون) التربية تربيتان: تربية العقل من الضلالة وتربية النفس من الهوى، اقتناع العقل بالدليل واقتناع القلب باليقين، وفي الإسلام توازن قائم بين الجانب الروحي والجانب المادي بين العلاني والوجداني بين الفردي والجماعي.
(أربعة وعشرون) لقد علمنا الإسلام أن نقف بين المعرفة المعروضة علينا موقف التعرف الصحيح عليها في ضوء القرآن والسنة، وقد رفض الإسلام التطور على حساب الأصالة والقيم الأساسية، كما رفض تضحية القيم العليا في سبيل التقدم المادي، ولم يخضع الإسلام قيمة لتبرير الحضارات وأهواء الأمم، وليس في المناهج والأيدلوجيات المطروحة من شئ إلا وعند المسلمين مثله أو خير منه، ويزيد عليه أنه في الإسلام موصول بالله تبارك وتعالى.
والمسلم كما قال إقبال: لم يخلق ليندفع في التيار ويساير الركب البشري حيث سار؛ بل خلق ليوجه العالم والمجتمع والمدنية ولابد من تطويع الدنيا لأمر الله ونصرة تعاليمه ومقاومة أكبر علل الحضارة الحديثة: عبادة الحياة.
(خمس وعشرون) منذ أن شكل الإسلام لونه المميز على خريطة العالم وهو عالم مستقل له طابعه المفرد، صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة، ومنهجه المتكامل المتجدد بالتوحيد والإيمان والأخلاق، ومنذ ذلك اليوم أصبح للمسلمين قبلتهم الواحدة التي لم يحيدوا عنها وتهوى إليها قلوبهم وأفئدتهم بالإيمان والفكر والنظر، ولم يكن لهم بعدها منذ ذلك اليوم وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها قبلة أخرى.
(ست وعشرون) إن منهج القرآن يختلف عن مناهج ثلاث: هي منهج الفلسفة ومنهج العلم ومنهج التصوف. إن علينا أن نلتمس مقاييس الله تبارك وتعالى في تقدير الأمور المادية وفي تقدير الأنساب وفي فهم معاني الكلمات ونرفض مقاييس البشر (إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان).
إن علينا أن نعرف الفوارق العميقة بين الإسلام والنحل المختلفة، ويجب أن يكون واضحًا في أذهاننا موقف الإسلام من الأمور المتشابهات: فيما أحدثت الحضارة من فعاليات اجتماعية خاصة في الآداب والفنون، وعلاقات الرجل والمرأة، ووسائل التسلية والترفيه ولنعلم أن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، وعلينا أن نحافظ على ذاتيتنا الإسلامية المميزة لنا عن الاسم؛ لأننا مسئولون أمانة تبليغ الإسلام إلى العالمين حتى يرث الله الأرض ومن عليها، وأن مهمة الداعية إلى الله المسلم اليوم هو تحرير الأمور في ضوء الإسلام وتصحيح المفاهيم، وأن علينا أن نفهم القانون الأساسي لحركة المسلم؛ وهو قانون مترابط بين الثوابت والمتغيرات، بين القيم الأساسية التي جاء بها الإسلام وبين متغيرات البيئات والعصور، فلا نندفع مخدوعين وراء صيحة التطور والتطور المطلق والنسبية الأخلاقية الجبرية الاجتماعية.
اللهم اجعلنا هادين مهتدين، غير ضالين ولا مضلين، سلمًا لأوليائك حربًا لأعدائك، نحب بحبك من أحبك، ونعادي بعداوتك من خالفك.
وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحابته ومَن دعا بدعوتِه إلى يوم الدين ...
أنور الجندي
الأستاذ أنور الجندي
أيها الأخ الكريم: سلام الله عليك..
مالي أراك تجري فوق موج الحياة دون أن تتبين خطوك أو تنظر حولك أو تعرف هدفك ترتبط بغاية واضحة تمتلك عليك وجدانك وعقلك وتوجه إليها كل قصدك وتقدم لها كل جهدك.
ألا تعرف أن لك رسالة وأنك مكلف وأنه لابد من هوية واضحة، وغاية صريحة تتوجه إليها.
إننا نحن – بني الإنسان – جئنا هذا الوجود لغاية ولم نأت عبثاً وهي غاية عالية كريمة، وليست جرياً وراء المطامع والأهواء، فإذا نظرنا حولنا فرأينا هذا المجتمع المزدحم بالغايات وجب علينا ألا نندفع وراء التيار دون علم أو وعي، وإنما نقف وقفة ونسأل صديقاً ناصحاً أو أستاذاً مرشداً، أو والداً موجهاً، فسنعرف أن في الحياة وجهة صالحة ووجهة تائهة، فإذا ذهبنا وراء البريق وجدنا أنفسنا في دوامة، يتموج لذات خاطفة، تذهب بشبابنا ومالنا وتنحرف بنا عن الطريق السليم، أما إذا تريثنا ووعينا وجدنا أنفسنا على مرتقى الأصالة والرشد، وإني لأربأ بك وبعقلك وشخصيتك الكريمة ومحتدك الأصيل أن تكون جارياً مع التيار أو ضائعاً في المجموع، وأتوسم فيك أن تكون من النخبة الممتازة من أبناء هذه الأمة التي تتطلع إلى أن تقدمك خصائصك الكاشفة من ذكاء وفهم ونبل فتعرف لك غاية واضحة، ومهمة صالحة، وخير الغايات وأعظم المهام، هي أن تكون داعية لكلمة الله ولساناً من السنة الحق وعاملاً من عوامل الإسلام تنشر كلمته وتذيع فضله وتسير على طريقه، قدوة طيبة ومثلاً يحتذى وطيفاً قرآنياً يستمد سمته وفعله مما كان عليه سيدنا رسول الله (الأسوة الحسنة) للمسلمين منذ جاء الإسلام إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
فإذا تبينت ذلك في أعماق فطرتك النقية وهداك الله تبارك وتعالى إلى طريقه وجدت نفسك، وأحسست بأن للك كياناً مؤثراً فاعلاً، ورأيت أمامك ضوءاً كاشفاً، فعزفت نفسك عن الأهواء والمطامع وتطلعت إلى أن تكون من أولئك الذين هدى الله الملتمسين سبيله، المتطلعين إلى فضله ورحمته، الراغبين في أن يكونوا من خدام دعوته ومن العاملين لإعلاء كلمته.
وليس معنى هذا أنك تنسحب من الحياة، إلى عزلة صوفية أو خصومة مع المجتمع، أو إلى عزوف عن العمل، كلا كلا بل إلى اقتحام الحياة بأسلحة جديدة هي الإيمان والعمل لخير الناس ومعاملة الناس بالحسنى وإحلال وتحريم الحرام في مطعمك ومشربك، ودعوة أهلك إلى الصلاة والزكاة وعمل الخير، والاستجابة لكل أمر الله والوقوف عند حدوده، فدعوة الإسلام دعوة إيجابية لإصلاح الحياة لا لاعتزالها ولدعوة الناس الحسنى إلى طريق الله، ولهداية الخلق إلى الحق، من غير تزمت في وسيلة أو إسراف في توجيه، أو تعصب على أسلوب، وإنما بالمرونة والتدرج والتماس الأعذار والالتقاء في نقاط الخير، ’’أدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة’’ و ’’قولول للناس حسناً’’.
والزمن جزء من العلاج، ولنعرف أولاً حقائق ديننا الذي هو عصمة أمرنا، ونجعله الضوء الكاشف على طريقنا في الحياة، مؤمنين بأننا قد جئنا هذه الحياة لنؤدي رسالة، ولنعمر الأرض، ونبني، ونقيم المجتمع الرباني، على أساس المسئولية الفردية والالتزام الأخلاقي والإيمان بالجزاء الآخروي والبعث وعلى ضوء هذا الفهم المستنير تستطيع أن تواجه الحياة وأن نتعامل مع الناس وأن نمضي على طريق الله، في بيوتنا وفي أعمالنا، وفي كل مكان نحل فيه، ومع كل إنسان نلتقي به.
وأن نرعى هذه الأسر ة الصغيرة: الزوجة والأبناء وأن نشكلهم على الإيمان فإنها مسئوليتنا الأولى ’’يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً’’ ولنباشر هذه المسئولية يوماً بعد يوم وساعة بعد ساعة فلا يبعدنا عنها شيء، ولنجعلها اولى مهامنا ولنصادق أبناءنا ونجعل بيننا وبينهم مودة وأمناً فنعرف احوالهم وظروفهم ونعالج أمورهم في أول أشواطها، ونرعى أمر صداقاتهم ومعارفهم فنحميهم من الصديق السوء، ونذلل أمامهم الأمور حتى تضيء أنفسهم بتجربة آبائهم فلا يسقطون في المآزق، ويكونوا دائماً على حذر من مطبات الحياة. ذلك أن القدوة الحسنة هي أسرنا وبيوتنا على مفاهيم الإسلام الحقيقية، انقشعت عن أمتنا تلك السحب المظلمة والغيوم الكثيفة ومن ثم تشرق الشمس ويبدو الأفق مضيئاً بنور الله.
ويقتضي هذا الاتجاه أنم نفهم أسلافنا فهماً صحيحاً، وأن نعرف التحديات التي تواجه الإسلام من قوى كثيرة تتآمر بها.
أما الإسلام فهو منهج رباني جامع، يعمل على بناء الفرد والأسرة والجماعة على أساس الإيمان بالله، وعلى أساس التكامل والتضامن والعدل والرحمة والإخاء الإنساني وهو دعوه إلى بناء مجتمع ومنهج حياة يقام لإسعاد البشرية، وهو مختلف تماماً عن المناهج والأيديولوجيات التي قدمها الإنسان لنفسه والتي ما تزال تضطرب وتتخبط ولا تحقق للبشرية شيئاً إيجابياً، وها نحن نرى كيف يعيش المجتمع العالمي حياة مأزومة مضطربة لألأنها خلت من الاستمداد من الله والتماس منهجه، ولما فصلت المناهج البشرية نفسها عن دين الله المنزل عجزت عن تحقيق الأمن للناس ذلك أن هذه المناهج فصلت بين الروح والمادة وبين السياسية والأخلاق وبين الدنيا والآخرة، وما تزال المجتمعات العالمية تضطرب منذ أربعمائة عام وتتخبط عندما أقامت المنهج المادي العلماني الذي يمزق وحدة الإنسان الجامع بين الروح والمادة، فأنت أيها الأخ الكريم ترى كيف نتخبط هذه المناهج، وتضيف وتحزف، ولا تستطيع أن تحقق شيئاً.
وقد نشأت في المجتمع العالمي تلك الأزمة العميقة: وتلك الغربة والتمزق والغثيان نتيجة الانفصال عن الإيمان بالله وأخلاقية المجتمع والحضارة، وقد ثبت لصيحات الأعلام والبارزين من المفكرين الغربيين بأنه لا طريق صحيح للبشرية إلا بالإسلام وحده وقد اعتنق هؤلاء الأعلام العقيدة الإسلامية بعد أن بحثوا سنوات طويلة وعجزوا عن أن يجدوا سبيلاً إلا عن طريق هذا النور الإلهي (وإسلام الدكتور بوكاي والفيلسوف جارودي) أخيراً من العلامات التي سبقتها علامات كثيرة.
ولقد جرب الغرب مذاهب ودعوات مختلفة من الشرق والغرب وقد فشلت جميعها والعالم يتطلع إلى منهج جديد يحرره من العبودية والإباحية والشك والتمزق، وليس غير الإسلام هو الذي ينقذ البشرية، ولكن كيف يمكن ذلك وأهل الإسلام أنفسهم مكبلون بقيود وثيقة للنفوذ الغربي بشقيه، أنهم لابد أولاً أن يتحرروا من هذه القيود وأن يقيموا مجتمعهم ثم يقدموا الإسلام للبشرية.
والحقيقة أن الإسلام يواجه تحديات خطيرة اليوم، ويطالب المؤمنين به بأن يؤمنوا حتى يقوم الصف المسلم القادر على حماية الأمة من الانهيار والتمزق والسقوط في حلقة التبعية الخطيرة، وهي المؤامرة التي تعمل الحضارة العالمية لي تذويب المسلمين فيها بعد أن تفسد مفهومهم الصحيح لعقيدتهم، وإثارة الشبهات حولها حتى يضيع ذلك النور القوي الذي يملأ القلوب ويدفعها إلى العمل لحماية بيضة هذا الدين، والدفاع عنها والإعداد لمقاومة كل من يفكر في السيطرة عليها، وذلك بالمرابطة في ثغور الإسلام المادية والمعنوية لحماية الأمة من مؤامرة إذابة هذه الأمة في بوتقة الأممية، فليس للمسلمين اليوم من مهمة في الحقيقة أكبر من الحفاظ على ذاتيتهم الإسلامية وشخصيتهم التي كونها لهم الإسلام منذ أربعة عشر قرناً، حتى يظلوا مسلمين حقيقة، وليسوا صورة ممسوخة من الأمم الأخرى، وفي سبيل حماية هذه الذاتية يجب ان يحافظ المسلمون على عقيدتهم وعبادتهم ومفاهيمهم في المجتمع والسياسة والاقتصاد والتربية، حقيقة واضحة، فلا يقبلون بالتبعية لفكر غير فكرهم، أو الانبهار بمذاهب أو مناهج غير مذهبهم ومنهجهم الأصيل الذي كونهم منذ أربعة عشر قرناً وحماهم من الذوبان أو التمزق في حضارات أخرى، فلن تستطيع أي أيديولوجية وافدة أن تعطي المسلمون قوة لأو تمكنهم من امتلاك إرادتهم وقد حدثت التجربة خلال السنوات الماضية وعجزت عن أن تحقق لهم شيئاً، بل كانت سبيلاً للأزمة والهزيمة والنكسة وسقوط بيت المقدس وفلسطين في أيدي أعدائهك، وقد جرى ذلك نتيجة الخداع الذي كان يخدع هذه الأمة بأن التبعية للغرب هي التي ستمكنهم من الوصول إلى القوة وامتلاك الإرادة، وقد ظهر كذب هذا، وكانت كل الخطوات ترمي إلى إذابتهم في البوتقة العالمية وإضاعة ذاتيتهم ووجودهم الخاص المستقل، كافة تحمل رسالة التوحيج الخاص، إن المحافظة على الذاتية الإسلامية بعيدة الانصهار في بوتقة الأمم الأخرى هي أساس عميق من أسس الإسلام الذي جاء ليعيد الإنسان إلى الفطرة بعد أن أفسدته المطامح والشهوات التي غيرت كلمة الله، وأن أكبر الأخطار التي تواجه المسلمين هي خطر النفوذ الغربي والصهيوني والماركسي (مجتمعين) على إذابة المسلمين في بوتقة الحضارة الغربية التي تمر بأسوأ مراحل انهيارها وتمزقها.
إن أول ما يدعونا إليه الإسلام بعد التوحيد الخالص أمران:
أولهما: المحافظة على الشخصية الإسلامية بكل معالمها.
ثانيهما: القدرة على تقديم النفس خالصة لله في مرابطة دائمة يقظة حتى لا يعتدى على العقيدة والوطن الذي يحمي العقدة معقد، فإذا كانت أرض الوطن الإسلامي في أي جزء منها قد وقع عليها اعتداء فإننا مطالبون بمؤازرته.
إننا نعرف أنك أيها الشاب المسلم تواجه الآن إغراءً خطيراً هو إغراء ذلك البريق المتصل بالحياة الاجتماعية وما يتصل بها من صور عارية وأفلام مكشوفة وتحلل في محيط المرأة، واستهانة بالحلال في محيط التجارب والعمل، مما يغري بالاندفاع وراء الأهواء أو المكاسب الحرام ولكن من يمتلك إرادة الإيمان يستطيع أن يقف وقفة الحسم، إزاء ذلك خوفاً من مجاوزة حدود الله، مضحياً بهذا الزخرف الحرام في سبيل انتظار عطاء الله الحلال المبارك الذي يمنحه لأولياء الخير واليقين.
فالمسلم دائماً على طريق الله يسأل عن حق الله وما أحل وما حرم، ويستفتي قلبه، فهو ما دام يقرأ القرآن والسنة النبوية فهو على أول الطريق، فعليه أن يلتمس الفهم العميق من مصادره الراشدة، بعيداً عن العنف والتطرف والتعصب فطريق الله كله رحمة ’’أدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة’’ وعلى الشباب المسلم أن يعرف أن للأمور الكبرى مراحل تمر بها، وأن التربية وبناء العقول والنفوس هو العامل الحقيقي للوصول إلى الغايات الكريمة وهو تأصيل المجتمع وإعادته إلى الله، وأن أية خطوة من خطوات العنف ستكون عاملاً في تأخير النهضة، بينما تؤدي خطوات بناء النفوس والعقول في ضوء الإسلام ونور القرآن إلى الغاية المرتجاة.
إن المسلم إذا وهب نفسه لدعوة الله فقد ارتفع فوق مطامع الحياة وأصبح من خدام دعوة التوحيد، فإذا وقر في قلبه فعليه:
(أولاً): أن يطهر نفسه من المطامع والأهواء. وأن يحصن نفسه بالعلم والإيمان والصبر الطويل على مكاره العمل وأن يهب وجوده كله، عافيته وثقافته وماله لكشف طريق الله أمام الناس غير متزيد ولا متطاول.
(ثانياً): أن يكون مؤمناً صادق الإيمان بالمسئولية الفردية، وأن يرفض مفاهيم الفسلفات الوافدة التي تقول أن المسئولية في الأخطاء والانحراف على المجتمع فنحن المسلمون نؤمن بأن كل إنسان مسئول عن عمله، وأن له إرادة حرة يستطيع أن يتحرك من خلالها لعمل الخير، ولدفع الشر، وأنه ملتزم بالمسئولية الأخلاقية في كل عمله وأنه مطالب بالمساهمة في بناء المجتمع الرباني الأصيل الذي تتطلع إليه البشرية، وأنه محاسب عن ذلك كله في الآخرة.
وقد أشار القرآن إلى الإرادة الحرة في ثلاثة وستين موضعاً.
(ثالثاً): أن تكون عبادته هي عبادة المجاهدين العاملين، الذي يفنون أنفسهم في خدمة أمتهم ومجتمعهم وذلك ببناء لبنة في المجتمع، على قدر استطاعته، وأن لا يقبل مفهوم العبادة الفردية المنعزلة التي تدعو إليه بعض الطرق الصوفية، فذلك مفهوم قاصر، لأنه يحرم المسلم من ثواب النضال في دائرة المجتمع وهداية الناس وتصحيح المفاهيم، وما خلق المسلم ليعتزل الناس ويعبد الله بالذكر والانفصال عن المجتمع، ذلك أن عبادة الله تبارك وتعالى في الإسلام إنما تكون بمخالطة المجتمع والتعامل معه، وإبلاغ الناس كلمة الحق والخير على قدر المستطاع.
(رابعاً): وعلى المسلم الذي يدعو إلى الله أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، بالحكمة والموعظة الحسنة، وإبلاغ المسلم الآخر ما لا يعلمه، حتى يعلمه، وإن ينصح أهله وأسرته وأبناءه وأن يقيمهم على الحق، بالرضا والإحسان.
وعندما يكون المسلم مؤمناً حقاً، يستطيع ذلك ’’فلولا كان من القرون من قبلكم أولو بقية ينهون عن الفساد في الأرض إلا قليلاً ممن أنجينا منهم’’.
(خامساً): أن يكون المسلم قدوة حسنة، لا يأمر أهله بشيء وهو يقترفه، فإنه إذ ذاك لا يبلغ نفوس الناس ولا يقبلوا منه إلا إذا هو مثلاً حقيقياً لذلك في حياته وعمله.
(سادساً): أن يختار عملاً في الدعوة الإسلامية يباشره، ويتخصص فيه ويفهم كل ما يتصل به، دون أن ينسى أن الإسلام كل جامع متصل لا ينفصل فيه فرع عن باقي الفروع فإذا كان أديباً فعليه أن يعرف المسئولية الأخلاقية وإذا كان عالماً نفسياً أو اجتماعياً عليه أن يفهم معنى التكامل بين القيم الإسلامية التي تشكل المفهوم الإسلامي الجامع بين الروح والمادة.
(سابعاً): أن يكون المسلم واضح الوجهة إزاء ما يرضي الله وما حرمه الله، وأن يعرف هذه الحدود، وأن يقيمها في نفسه وأسرته وأهله فيما استطاع إلى ذلك سبيلاً.
(ثامناً): أن يجعل رابطة ’’لا إله إلا الله’’ أعلى الروابط وهي التي تجمع المسلمين جميعاً فتجعلهم أمة واحدة، وأن لا يعلي من شأن روابط الدم أو العنصر او الإقليم فهذه كلها روابط تفصل ولا تجمع، وقد حرم الإسلام التفاضل بالأنساب والأجناس والطبقات والعصبة. فنحن مطالبون بالتآخي تحت لواء الإسلام.
(تاسعاً): أن نعرف أن هذه الأمة قائمة على شاطئ التحدي فهي دائماً موضع طمع الامبراطوريات والقوى الكبرى، تعمل على السيطرة عليه واحتوائه وتعمل على القضاء على شخصيته الإسلامية وذاتيته الربانية المستمدة من التوحيد الخالص، ولذلك فيجب أن نحس دائماً بالحذر ونعمل على المرابطة والإعداد حتى لا نؤخذ على غرة، وأن نكون على استعداد كامل للتضحية في سبيل حماية الأمة والدين والعرض. وقد دعانا الحق تبارك وتعالى إلى فريضة الجهاد القائمة والماضية إلى يوم القيامة لحماية الإسلام أمة ودولة ووجوداً، وقد وضع الإسلام على أساس طلب الغلبة الشركة والغزة والعلم فالناظر في أصول هذا الدرس يعتقد بأنهم لابد أن يكونوا أول ملة حربية في العالم وان يسبقوا جميع الأمم إلى اختراع الآلات الحربية واتقان العلوم العسكرية.
(عاشراً): معنى الإسلام هو إسلام الوجه لله وحده، وكان هو الرسالة الأولى، وكان هو الرسالة الأخيرة وأن تعاليم الإسلام ليست حلولاً للمشاكل بقدر ما هي وقاية من المشاكل قد وردت كلمة إسلام ثماني مرات في القرآن بمعنى إسلام النفس إلى الله.
ويقوم الإسلام على مجموعة من الأصول العامة: عقيدة سليمة، عبادة صحيحة، كتاب منير، أسوة حسنة (الرسول) شريعة عادلة، أخلاق إيجابية، جهاد في سبيل الله، تربية صالحة، الصمود في وجه العدو. هذا هو إسلام القرآن الذي يحث على الإعداد الإنساني لهذه الحياة وعدم إلغاء الشخصية الفردية.
(حادي عشر): إن قانون المعرفة في الإسلام (يجمع بين العقل والقلب) في ضزء الشريعة، ولا يستطيع العقل وحده التعرف على المصلحة بل إنه في حاجة إلى إرشاد الشرع (قرآناً وسنة) والعقل لن يهتدى إلا بالشرع فالعقل كالأساس والشرع كالبناء، وأن العقل قد تحجبه الأهواء والشهوات فالعقل لن يهتدى إلا بالشرع، العقل كالبصر والشرع كالشعاع، ولن يغني البصر ما لم يكن شعاع من خارج العقل كالسراج والشرع كالزيت الذي يجده فما لم يكن الزيت لم يحصل السراج وما لم يكن سراج لم يضيء الزيت.
( ثاني عشر): الرجوع إلى الحق متى تبين للمسلم، هذه قاعدة أساسية لبناء العقل الإسلامي المؤمن، وفي ذلك قول عمر بن الخطاب ’’ولا يمنعك قضاء قضيته بالأمس هديت فيه إلى رشدك أن ترجع فيه إلى الحق فإن الحق قديم والرجوع إلى الحق خير من التنادي في الباطل’’.
(ثالث عشر): على المثقف المسلم أن يعلم أن أكبر أخطار الفكر الحديث هو إنكاره صاحب الكون وصانعه وصانع العلوم ومعلمها للإنسان نفسه وهو الحث تبارك وتعالى والخطأ الثاني هو عدم الاستسلام للوجهة الربانية في بناء المجتمع وصناعة الحضارة وتطبيق العلم ومن هنا فقد حاولت الأمم الغربية أن تضع قوانين وشرائع مختلفة بل ومتعارضة مع أحكام الله، وهذا هو سر أزمتها واضطراب مجتمعها والأخطار التي تواجه الإنسان المعاصر، فلابد من العودة إلى الإيمان بأن الله هو الصانع وليست الطبيعة وأنه لابد من قوة علوية تشرف على الإنسان من فوقه وتمنحه الأسلوب المتوازن الشامل الذي يتعامل به مع جهازه الإنساني الصعب، إن فقدان الإيمان بالله كحقيقة علمية وكهدف أساسي من أهجاف المجتمعات هو مصدر كل الأزمات.
(رابع عشر): لابد من فهم دور المرأة الحقيقي ومهمتها في المجتمع، ولابد من معرفة تركيبها العضوي والعصبي الذي يكشف العلم اليوم عن أنه مختلف وأن لها رسالة خاصة تتعلق بالبيت والأسرة وتربية الطفل ولذلك فإن تجاوزها ذلك من شأنه أن يحطم حياتها كذلك فإن للإسلام مفهوماً في الملابس والأزياء والعلاقات بين الرجل والمرأة.
(خامس عشر): يجب أن يقيم المسلم مجتمع الإسلام في نفسه وبيته وأهله وأن يتحول إلى العرف الإسلامي في عاداته ومعاملاته، في قلبه ولسانه وإننا لابد أن نعيد للإسلام سلطانه على الحياة الاجتماعية كلها ولا نقف به عند العبادات وأن نخضع معاملاتنا له.
( سادس عشر): الإيمان بصلاحية الإسلام لكل زمان ومكان، وأن منهج الإسلام الرباني الواسع الأطر، لا يحتاج حاجة إلى مناهج الأمم في الاقتصاد أو الاجتماع او التربية، وإنما إلى تطور أو تطوير شأن المناهج البشرية وليس المسلم في يحتاج إلى الأساليب المستحدثة في وسائل التنفيذ، فلا يحتاج المسلمون إلى نظم وإنما إلى تنظيمات وكل ما يتصل إليهم من الحضارات فإنما هو مواد خام تنصهر في بوتقة الإسلام.
(سابع عشر): الإيمان بالله تبارك وتعالى خالقاً ومدبراً لكل أمر، والإيمان بأن محمداً صلى الله عليه وسلم هو قائد البشرية إلى الحق.
(ثامن عشر): إن علينا أن نحرر الفكر الإسلامي من مفاهيم فاسدة في الفومية والعلمانية والمادية وأن نكشف بأن للإسلام مفاهيم أكثر إنسانية ورحمة هي التي تجمع الناس تحت لواء الإخاء الإنساني والارتباط بالله تبارك وتعالى وفهم الحياة والإنسان فهماً جامعاً بين المادة والروح، ولقد نقل الإسلام البشرية من اختلاف الأجناس وصراع العناصر إلى وحدة البشرية الصادرة عن أب واحد، المؤمنة بري واحد، ودين واحد.
(تاسع عشر) لقد ربى الإسلام معتنقيه على الاعتزاز بالله والإيمان بأنهم خلقوا ليقدموا رسالة التوحيد إلى البشرية، سادة معتزين بكرامتهم لا يعرفون العبودية لغير الله وحده.
(العشرون) ليس الإسلام مذهبًا ولا نظرية ولا ثورة ولا يجوز للكاتب المسلم أن يدخل الإسلام في مقارنة مع الثورات العديدة التي قام بها الإنسان على مر التاريخ، فالإسلام منهج رباني شاء الله تبارك وتعالى أن لا يرتبط اسمه بزمن معين ولا مكان معين ولا جنس معين ولا بفرد معين كما ارتبطت أسماء الأديان والنحل؛ وإنما هو مطلق، ماض إلى يوم القيامة يعز عزيزًا ويذل ذليلا ويبسط جناحيه على البشرية.
(واحد وعشرون) تميز الإنسان بالتكامل الجامع؛ فلهو يضم العقيدة والشريعة والأخلاق:
العقيدة هي: معرفة الله سبحانه وعالم الغيب والبعث والآخرة.
الشريعة: تنظيم الحياة على منهج الله.
الأخلاق: معرفة الخير والشر والحق والباطل.
وأهم عناصرها مسئولية الإنسان عن عمله، والثبات على الحق والاستمساك به والرفق في سوق الناس إلى الله، والصبر على أذاهم وألا يتعجلوا النصر فيطلبوه من غير سبيله ويسعوا إليه من غير بابه، وفي الإسلام كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته، وليس فيه أعطوا ما لقيصر لقيصر وما لله لله، فيقصر وكل شئ لله، وفيه درء المفسدة مقدم على جلب المنفعة، وإننا لا نعرف الحق بالرجال ولكن نعرف الرجال بالحق، وللإسلام ضوابط للاجتهاد وحدود تمنع من استغلال الأهواء والأغر اض لظروف التغيير.
وصدق الإمام الشافعي حين قال: ’’إن هذا العلم دين؛ فانظروا عمن تأخذون دينكم’’.
(اثنان وعشرون) أكبر ما أعطى الإسلام: الفكر والذكر (معرفة قدرة الله واقتدارها قدرها) والبيان والارتفاع فوق طفولة البشرية بالنظرة الشاملة ذات الأبعاد التي ترتبط بالأزل والأبد وبالدنيا والآخرة وتستمد أول نقطة انطلاقها من الله تبارك وتعالى، ثم تعود إليه جل شأنه بعد تمام الرجولة.
وإن الله تبارك وتعالى يحب الواقفين ببابه المتمسجين بأعتابه والطالبين منه والملحين في الدعاء؛ فالدعاء اعتراف وإذعان بالعبودية لله، وأن الله وحده هو القادر على كل شئ وأن الله تبارك وتعالى يحب أن يسمع صوت تذلل عبده له: ادعوني أستجب لكم.
(ثلاث وعشرون) التربية تربيتان: تربية العقل من الضلالة وتربية النفس من الهوى، اقتناع العقل بالدليل واقتناع القلب باليقين، وفي الإسلام توازن قائم بين الجانب الروحي والجانب المادي بين العلاني والوجداني بين الفردي والجماعي.
(أربعة وعشرون) لقد علمنا الإسلام أن نقف بين المعرفة المعروضة علينا موقف التعرف الصحيح عليها في ضوء القرآن والسنة، وقد رفض الإسلام التطور على حساب الأصالة والقيم الأساسية، كما رفض تضحية القيم العليا في سبيل التقدم المادي، ولم يخضع الإسلام قيمة لتبرير الحضارات وأهواء الأمم، وليس في المناهج والأيدلوجيات المطروحة من شئ إلا وعند المسلمين مثله أو خير منه، ويزيد عليه أنه في الإسلام موصول بالله تبارك وتعالى.
والمسلم كما قال إقبال: لم يخلق ليندفع في التيار ويساير الركب البشري حيث سار؛ بل خلق ليوجه العالم والمجتمع والمدنية ولابد من تطويع الدنيا لأمر الله ونصرة تعاليمه ومقاومة أكبر علل الحضارة الحديثة: عبادة الحياة.
(خمس وعشرون) منذ أن شكل الإسلام لونه المميز على خريطة العالم وهو عالم مستقل له طابعه المفرد، صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة، ومنهجه المتكامل المتجدد بالتوحيد والإيمان والأخلاق، ومنذ ذلك اليوم أصبح للمسلمين قبلتهم الواحدة التي لم يحيدوا عنها وتهوى إليها قلوبهم وأفئدتهم بالإيمان والفكر والنظر، ولم يكن لهم بعدها منذ ذلك اليوم وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها قبلة أخرى.
(ست وعشرون) إن منهج القرآن يختلف عن مناهج ثلاث: هي منهج الفلسفة ومنهج العلم ومنهج التصوف. إن علينا أن نلتمس مقاييس الله تبارك وتعالى في تقدير الأمور المادية وفي تقدير الأنساب وفي فهم معاني الكلمات ونرفض مقاييس البشر (إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان).
إن علينا أن نعرف الفوارق العميقة بين الإسلام والنحل المختلفة، ويجب أن يكون واضحًا في أذهاننا موقف الإسلام من الأمور المتشابهات: فيما أحدثت الحضارة من فعاليات اجتماعية خاصة في الآداب والفنون، وعلاقات الرجل والمرأة، ووسائل التسلية والترفيه ولنعلم أن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، وعلينا أن نحافظ على ذاتيتنا الإسلامية المميزة لنا عن الاسم؛ لأننا مسئولون أمانة تبليغ الإسلام إلى العالمين حتى يرث الله الأرض ومن عليها، وأن مهمة الداعية إلى الله المسلم اليوم هو تحرير الأمور في ضوء الإسلام وتصحيح المفاهيم، وأن علينا أن نفهم القانون الأساسي لحركة المسلم؛ وهو قانون مترابط بين الثوابت والمتغيرات، بين القيم الأساسية التي جاء بها الإسلام وبين متغيرات البيئات والعصور، فلا نندفع مخدوعين وراء صيحة التطور والتطور المطلق والنسبية الأخلاقية الجبرية الاجتماعية.
اللهم اجعلنا هادين مهتدين، غير ضالين ولا مضلين، سلمًا لأوليائك حربًا لأعدائك، نحب بحبك من أحبك، ونعادي بعداوتك من خالفك.
وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحابته ومَن دعا بدعوتِه إلى يوم الدين ...
أنور الجندي