مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2014/08/17 20:10
قراءة في تجربة الحركة الإسلامية السياسية باليمن
قراءة في تجربة الحركة الإسلامية السياسية باليمن

نبيل البكيري
[email protected]
صحفي يمني متخصص في الحركات الإسلامية
لعبت ولاتزال الحركة الإسلامية اليمنية منذ نشأتها في ثلاثينيات القرن الماضي وحتى اليوم دوراً بارزاً في تاريخ اليمن، مما أكسبها حضوراً شعبياً قوياً بين مختلف فئات وأبناء الشعب اليمني. ولقد مرت الحركة الإسلامية اليمنية المعروفة اليوم ب ’’التجمع اليمني للإصلاح’’ بمراحل تاريخية مهمة.

امتدت مرحلتها الأولى من بداية ثلاثينيات القرن الماضي وحتى سقوط مشروع الحركة السياسي المتمثل بفشل ثورة 1948م الدستورية ضد حكم بن حميد الدين، وامتدت المرحلة الثانية للحركة من نهاية خمسينيات القرن الماضي وحتى قيام الوحدة في عام 1990م، فيما امتدت المرحلة الثالثة من قيام الوحدة اليمنية في 1990م وحتى اليوم..

بدايات التجمع اليمني للإصلاح

قبل 22 -5-1990م كانت اليمن دولتين مختلفتين تمام الاختلاف في الأيديولوجية والنظام السياسي القائم، وإن كانت الشمولية هي القاسم المشترك بين النظامين في صنعاء وعدن..

ففي الشمال ’’الجمهورية العربية اليمنية’’، حكمها نظام الحزب الواحد ’’المؤتمر الشعبي العام’’، الذي ما زال يحكم اليمن بزعامة الرئيس علي عبدالله صالح منذ عام 1978م، بعد اغتيال سلفه أحمد حسين الغشمي.
وقدم عبدالله صالح، على مشهد سياسي معقد، زاد من تعقيده المحاولة الانقلابية الفاشلة التي قادها الناصريون للثأر لزعيمهم ’’إبراهيم الحمدي’’ (19771974م) الذي قضى هو الآخر في حادثة اغتيال.. وزادت المواجهات المسلحة التي خاضتها ’’الجبهة الوطنية’’ المدعومة من النظام الماركسي في الجنوب، من تعقد وتفاقم الأوضاع السياسية.

تحالف مع الإسلاميين

وإزاء هذه التعقيدات لم يجد الرئيس صالح بدّاً من البحث عن حليف قوي في الساحة آنذاك، فلم يجد غير الحركة الإسلامية ’’الإخوان المسلمون’’ فتحالف معهم، واستطاع من خلالهم القضاء على خصومه في الجبهة الوطنية الذين كانوا يخوضون معارك ضارية ضد نظامه، بدعم من النظام الاشتراكي في عدن.
ولتفادي مخططات الجنوبيين لإسقاط حكم صالح، والاضطرابات والانتقادات السياسية الموجهة لحكم صالح العسكري، أسس ’’المؤتمر الشعبي العام’’ في 24 -8-1982م كمظلة سياسية تضم كل التيارات والأحزاب: إسلاميين وقوميين ويساريين وشيوخاً وتجاراً.
فيما بقي الحزب الاشتراكي مسيطراً على حكم الجنوب، وكان قد تسلم السلطة بعد رحيل المستعمر البريطاني في 30-11-1967م، والذي كان يسمى بالجبهة القومية حتى 1969م، وظل يحكم الجنوب حتى قيام الوحدة في 22-5-1990م.

وبقيام الوحدة اليمنية في22-5-1990م والتي تم بموجبها إقرار دستور جديد لدولة الوحدة، نص على إقرار التعددية السياسية والحزبية والتي بموجبها تم إعلان العديد من الأحزاب التي كانت تعمل في السر قبل الوحدة، فأعلنت الحركة الإسلامية في 13-9-1990م تأسيس ’’التجمع اليمني للإصلاح’’ كتجمع مدني ذي مرجعية إسلامية، ما أحدث نقلة نوعية للتعددية السياسية لما يتمتع به من حضور جماهيري وشعبي واسع، ولما امتاز به من تنظيم دقيق؛ أعاد التوازن إلى الحياة السياسية التي كانت محصورة بين حزبين رئيسين هما المؤتمر الشعبي والحزب الاشتراكي اليمني..

معارضة من الوهلة الأولي

من أول وهلة وجد الإصلاح نفسه في مربع المعارضة، وخاصة خلال ما عرف بالفترة الانتقالية التي امتدت منذ عام 1990م حتى 1993م، فبرز دور الإصلاح في دائرة المعارضة خلال مدة الاستفتاء على دستور دولة الوحدة، التي استمرت قرابة ثلاثة أشهر من فبراير إلى مايو 1991م، حيث كان يرى الإصلاح وجوب إجراء بعض التعديلات على هذا الدستور قبل الاستفتاء عليه؛ لكثرة التناقضات التي اشتمل عليها. ناهيك عن الغموض في كثير من مواده، الذي سببَّ غموض هوية النظام السياسي، فقاد الإصلاح معارضة شعبية واسعة لهذا الدستور، لما فيه من ثغرات في مقدمتها النص القائل: ’’بأن الشريعة الإسلامية المصدر الرئيس للتشريع’’، داعين لأن يكون ’’المصدر الوحيد’’، ثم عدم الإشارة إلى تبني نظام ديمقراطي يقوم على التعددية السياسية والتبادل السلمي للسلطة.

التعديلات دستورية

وبفعل الحملة الشعبية الإعلامية التي أدارها الإسلاميون لتعديل الدستور، استقطبوا أكثر من عشرين حزباً سياسياً من مختلف الاتجاهات، توجت هذه الحملة بالمسيرة المليونية التي نظمها الإسلاميون في العاصمة صنعاء التي توجهت إلى دار الرئاسة، مطالبين بتعديل الدستور قبل الاستفتاء عليه.

فأصدر مجلس الرئاسة الحاكم حينها بياناً سياسياً ضمنه أهم مطالب الإصلاحيين، على رأسها الالتزام بأن الشريعة الإسلامية هي المصدر الوحيد للتشريع، وبطلان أي قانون يخالفها، وكذا الالتزام بالنظام الديمقراطي القائم على أساس التعددية الحزبية والتداول السلمي للسلطة، والالتزام أيضاً بتعديل الدستور إثر أول انعقاد لمجلس النواب المنتخب بعد نهاية الفترة الانتقالية.

ورحب الإصلاح والأحزاب المتحالفة معه بهذا البيان، مطالبين بجعله جزءاً من الدستور، ومن ثم الاستفتاء عليه، ليكتسب قوة دستورية وقانونية. ولما لم تستجب السلطة لهذا المطلب أصدر علماء اليمن فتوى بوجوب مقاطعة الاستفتاء على الدستور، وهذا ما تم فعلاً فبدأ الاستفتاء هزيلاً لضعف الإقبال الشعبي.
وبرغم مقاطعة الإصلاح للاستفتاء على الدستور، إلا أنه ساهم بقوة من خلال ثقله السياسي والجماهيري وقيادته للقوى المعارضة في صياغة أهم القوانين التي صدرت أثناء الفترة الانتقالية مثل؛ قانون الأحزاب وقانون الصحافة والمطبوعات، وقانون حمل وحيازة السلاح، بالإضافة لقانون الإدرة المحلية وقانون الانتخابات، وكانت مجمل هذه المعارك السياسية تدور على خلفية العداء العقائدي بين كل من الإسلاميين والاشتراكيين.

من المعارضة إلى السلطة

وبالرغم من عدم تعديل أي من مواد الدستور التي طالب الإسلاميون بتعديلها قبل الاستفتاء عليها، وما ترتب على ذلك من مقاطعة الإسلاميين ومن تحالف معهم من قوى المعارضة للاستفتاء على هذا الدستور، إلا أن الإسلاميين كانوا قد حسموا أمرهم، وقرروا خوض أول انتخابات برلمانية أجريت بعد قيام الوحدة.
فقد رأى الإصلاح أن الاحتكار القائم للسلطة من قبل حزبي المؤتمر والاشتراكي سيؤدي إلى استمرار الأوضاع على ما هي عليه من سوء وتدهور، مما قد يدفع البلاد إلى انهيار شامل، تلوح بوادره في الأفق.
وحقق الإسلاميون فوزاً كبيراً في انتخابات أبريل 1993م، كأول انتخابات تعددية تمتعت بقدر من الشفافية، حيث حصلوا على المرتبة الثانية (63 مقعداً) من مقاعد البرلمان (301) بعد المؤتمر الشعبي العام الذي حصد (122 مقعداً)، وتراجع الحزب الاشتراكي إلى المرتبة الثالثة (56 مقعداً) وتلاهم المستقلون (47 مقعداً)، والبعث (7 مقاعد).

وتم تشكيل حكومة ائتلاف بين الأحزاب الفائزة: المؤتمر الشعبي العام (حزب الرئيس صالح)، والحزب الاشتراكي اليمني (بقيادة علي سالم البيض) والتجمع اليمني للإصلاح، حيث تولى المؤتمر الشعبي العام رئاسة مجلس الرئاسة، المكون من خمسة أعضاء: اثنين من المؤتمر واثنين من الاشتراكي وواحد من الإصلاح ’’الشيخ عبدالمجيد عزيز الزنداني’’.
وأُسندت رئاسة الوزراء للاشتراكيين بقيادة حيدر أبو بكر العطاس، بينما أسندت رئاسة البرلمان للإصلاحيين ’’الشيخ عبدالله ابن حسين الأحمر’’.

أما حقائب مجلس الوزراء فتم توزيعها بحسب نتائج البرلمان؛ فحصل المؤتمر على 14 حقيبة، والاشتراكي على 9 حقائب، والإصلاح على 6 حقائب، منها حقيبة نائب رئيس الوزراء والتي تولاها أمينه العام ’’عبد الوهاب الآنسي’’ (متنازلاً عن بعض الحقائب استرضاءً للاشتراكيين لدخولهم في الائتلاف الحاكم).
لكن ذلك لم يحل دون دخول البلاد في أزمة مفتوحة بين حزب المؤتمر والحزب الاشتراكي، والتي انتهت بالحرب الأهلية في 4-5-1994م.
وبعد تشكيل الحكومة الجديدة بمشاركة المؤتمر الشعبي والإصلاح تمت إعادة صياغة وتعديل الدستور، وتضمينه أهم مطالب الإصلاحيين وجعل الشريعة الإسلامية المصدر الوحيد للتشريع..

المؤتمر العام الأول للإصلاح

وفي هذه الأثناء، وبعد ثلاثة أشهر من انتهاء الحرب، فاجأ الإسلاميون الساحة السياسية بعقد المؤتمر العام الأول لحزبهم ’’التجمع اليمني للإصلاح’’ في بادرة منهم لتكريس مبدأ التعددية السياسية والتمسك بها خيارًا لا رجعة عنه، كأول حزب سياسي على الساحة. ونتيجة لاختلال توازن معادلة القوى السياسية على الساحة لصالح حزب المؤتمر الشعبي العام؛ نتيجة غياب شريكه في الوحدة ’’الحزب الاشتراكي’’، بدت هنا بوادر فتور وانفراط في التحالف الإستراتيجي بين الرئيس صالح والإصلاحيين الذين بدوا كقوة منافسة لحزب صالح.
ومع اقتراب موعد ثاني انتخابات برلمانية في 1997م والتي انحصرت المنافسة فيها بين المؤتمر الشعبي العام والتجمع اليمني للإصلاح، في ظل غياب الاشتراكي الذي قاطع الانتخابات، زادت حدة المنافسة بين الإصلاح والمؤتمر، حتى وصلت إلى حد المواجهة المسلحة في بعض المناطق..

إلا أن الإسلاميين نجحوا في الحفاظ على مقاعدهم البرلمانية ال63، رغم الحملات العدائية الحكومية التي استهدفتهم، بل ضاعف الإسلاميون أصوات مؤيديهم من 383 ألف صوت إلى 653 ألفاً.
واكتشف الإسلاميون أن شعبيتهم في ازدياد سواء كانوا في السلطة أو المعارضة، مع تفاقم الأوضاع المعيشية، بعد رفع الدعم الحكومي عن السلع الأساسية، بعد تشكيل حكومة المؤتمر التي لم تقتنع بسياسية ترشيد الإنفاق الحكومي وإعادة هيكلة المؤسسات، وهذا ما كان يطرحه عليهم وزراء الإصلاح أثناء حكومة الائتلاف المشكلة بعد حرب 1994م. ورغم العرض الذي تقدم به رئيس المؤتمر الشعبي العام رئيس الجمهورية للإصلاحيين للمشاركة في تشكيل الحكومة التي أوكلت رئاستها للتكنوقراطي المستقل فرج بن غانم، إلا أن الإسلاميين رفضوا المشاركة لشعورهم أنهم سيستخدمون كذريعة أو شماعة لتدهور الأوضاع الاقتصادية بفعل سياسة حكومة المؤتمر، والتي استقال منها فرج بن غانم قبل اكتمال عامها الأول لنفس الأسباب التي كان يخشاها الإسلاميون.

وخلال الفترة من (20011997م) كان للإصلاحيين موقف جديد في تجربة العمل السياسي، وشهدت هذه الفترة عدداً من المنعطفات كان من أبرزها التدهور الحاد للأوضاع الاقتصادية وإجراء الانتخابات الرئاسية وما رافقها من تعديلات دستورية وكذا إجراء انتخابات محلية عام 2001م.

إستراتيجية جديدة

خلال هذه الفترة تميز الأداء السياسي للإسلاميين الإصلاحيين بخط سياسي أطلق عليه ’’المعارضة المستقلة’’، تمثلت في عدم الدخول في صدام مع السلطة لغياب ما يوجب هذا الصدام معها، وإن كان الاختلاف مع سياستها واجباً سلمياً. كما شهدت هذه الفترة حملة من المراجعات الفكرية السياسية للحركة التي يفرضها العصر، ويتطلبها الواقع وتمليها ظروف المرحلة، مما دفع مسيرة العمل الإسلامي خطوات إلى الأمام.
وتركزت إستراتيجية الإصلاحيين على العمل السياسي الهادئ والنضال السلمي، بعيداً عن الضجيج أو المعارضة المفتعلة والحادة التي تولد العنف وتؤجج عناصر المواجهة مع الآخر، ما أكسب الحركة شعبية وحضوراً جماهيرياً تمثل في سيطرة كوادر الحركة على معظم النقابات الطلابية والمهنية كالمعلمين والأطباء وغيرها.

وتركز جل اهتمام الحركة في الحفاظ على تماسك وحدة البنية التنظيمية للحركة المتمثل بحزب التجمع اليمني للإصلاح بين القواعد والقيادات.

المشاركة لا المغالبة

لا شك أن الفترة التي قضاها الإسلاميون بعد خروجهم من السلطة في 1997م والممتدة حتى عام 2001م أحدثت لديهم قناعة أخرى، وهي ضرورة أن يفعّلوا دورهم الحقيقي كمعارضة، بعد قراءة عميقة لمتغيرات الواقع، فقرروا العودة إلى مربع المعارضة القوي، والذي زاد من صلابتها وجديتها، تشكيل تكتل ما يسمى ب ’’أحزاب اللقاء المشترك’’، تلك التجربة الفريدة الرائعة، والتي تعد إحدى ثمار المؤتمر القومي الإسلامي والذي ضم في صفوفه كلاً من الإسلاميين ممثلين بحزبهم ’’التجمع اليمني للإصلاح’’’’، والإشتراكيين والقوميين ممثلين بالتنظيم الوحدوي الشعبي الناصري’’، والبعثيين الذين انشقوا مؤخراً عن هذا التكتل، بالإضافة إلى حزبي الحق واتحاد القوى الشعبية.
وبتشكيل هذا التكتل الذي ضم فرقاء العمل السياسي من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار يكون الإسلاميون قد دشنوا مرحلة جديدة من العمل السياسي القائم على مبدأ المشاركة لا المغالبة، أقلقت الحزب الحاكم الذي يسعى بكل قواه إلى تشويه صورة اللقاء المشترك بصور لا أخلاقية!!
.مرصدالظاهرة
أضافة تعليق