مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2016/05/10 17:29
الحرف الأخير...عن لغز القاعدة في اليمن
نبيل البكيري
لم يكن الانسحاب المفاجئ في 24 من الشهر الماضي و غير المتوقع لعناصر القاعدة المسيطرة على مدينة المكلا عاصمة إقليم حضرموت، منذ أكثر من عام من الآن، إلا واحدة من المؤشرات عن نمط جديد وغير معهود من تشكيلات قاعدة مغايرة عما هو معتاد من القاعدة التي لم تكن تسعى يوماً ما إلى التموضع و الاستقرار في حكم مناطق ومدن كما رأينها في حالة المكلا هذه المرة والتي انسحبت منها بطريقة غير معهودة أيضاً في سلوكيات القاعدة.

هذا التحول الكبير في تكتيكات القاعدة و أدواتها، هو الذي وضع أمامنا جملة تساؤلات عن حقيقة ما جرى ويجري على مدى أكثر من عام من حرب طاحنة تعيشها اليمن على أكثر من صعيد، حرب وفرت أفضل الأجواء لتوسع القاعدة و تمددها وإعادة انتشارها لكنها هذه المرة، لم تفعل و تدخل كطرف في حرب طالما تمنتها ودفعت إليها هذه الجماعة لتمرير أجندتها التي طالما سعت لخلق مبررات كثيرة لتحقيقها كما في إدارة التوحش لإبي بكر ناجي.

فمنذ انقلاب 21 سبتمبر 2014م وما تلاه من حروب طاحنة شهدتها اليمن ، مثلت القاعدة واحدة من حالة الاختبار التي أثبتت فيها أنها أي القاعدة أقرب منها إلى ظاهرة وظيفية منها إلى حالة عقائدية صلبة لا يمكن توظيفها أو اختراقها، وهذا ما ظهر جلياً خلال حروب العام الماضي والتي زادت التطورات الأخيرة و المتسارعة في المكلا و أبين تأكيدات مثل هذه الفرضية المستندة إلى إمكانية التوظيف والاستخدام لفزاعة القاعدة و توظيفها في سيقات مختلفة لإثبات وجهات نظر سياسية معينه.

فعلى سبيل المثال، ترفع القاعدة لافتة قتال الروافض و هي من تقصد بهم الشيعية أي الحوثية في الحالة اليمنية، وتضع هذا الشعار في مقدمة شعاراتها بعد قتال اليهود والصلبيين، وكذا بالمثل جماعة الحوثي ترفع شعار قتال القاعدة والدواعش كهدف استراتيجي كبير لتوجهاتها و شعاراتها التي ترفعها لاستجلاب الدعم والرضي والقبول الدولي الذي هو الأخير يعجبه كثيراً هذه الشماعة التي يستخدمها لتمرير سياساته و توجهاته طوال العشرية الماضية والراهنة.

لكي لا نذهب بعيداً، فبرغم كل حالة العداء والتكفير المتبادل بين القاعدة والحوثية، إلا أنه لم يسجل طوال شهور الحرب الدائرة، أي موجهة مباشرة بين الجماعتين طوال أيام الحرب في المناطق الجنوبية حيث يفترض التواجد الكبير للقاعدة هناك، بل على العكس من ذلك تم في بعض المناطق ما يشبه الاستلام والتسليم كما حصل على سبيل المثال لمدينة الحوطة عاصمة محافظة لحج التي سقطت يوم 23/3/ 2015م بيد الحوثيين وهي التي كانت تحت سيطرة تنظيم القاعدة، وسقطت بيد الحوثيين بطريقة أشبه بعملية استلام وتسليم.

مثل هذه العملية تكررت في عدد من مناطق محافظة شبوة التي تعتبر منطقة نفوذ كبير للقاعدة، لكنها سقطت بسهولة ويسر بيد الحوثيين وقوات الرئيس السابق على عبد الله صالح، وبطريقة دراماتيكية مكشوفة، أشبه ما تكون أيضاً بعملية استلام وتسليم، ومثل هذه الحالة وحالات أخرى وضع أكثر من علامات استفهام حول حقيقة العداء الموجود بين القاعدة والحوثيين.

تكرار مثل تلك العملية كان أشبه بدور تقوم به القاعدة، في تلك المناطق التي يسعى الحوثيون للسيطرة عليها، و كأن القاعدة كانت تقوم بدور الطعم والمبرر لتقدم الحوثيين إلى تلك المناطق، وهو الوضع الذي استفاد منه الحوثيين أمام القوى الدولية التي تستخدم فزاعة القاعدة في هذا الإتجاة، كشماعة لتواجدها و تحكمها بهذه المنطقة أو تلك.

الأخطر من هذا، أن الحوثيين استخدموا فزاعة القاعدة بطريقة ذكية و قاموا حتى بتوظيف سلسلة تفجيرات في مساجد صنعاء لهذا الغرض وكانت تخرج القاعدة على صفحات فيسبوكية و تويترية تعلن مسؤليتها عن هذه العمليات، وكل هذا كان يستخدم من قبل جماعة الحوثي أمام القوى الدولية التي تدعي محاربة القاعدة ككرت صداقة و كرت عضوية في هذه النادي العجيب.

أما مؤخراً وفي ضوء ما جرى ويجري في عدد من مدن الجنوب وخاصة في سواحل حضرموت وأبين فإن الانسحاب المفاجيء ودون قتال من قبل من عرفوا بتنظيم القاعدة، فقد كان الأمر فارق وجديد من نوعه، فكانت هذه الظاهرة هي الأولى في تاريخ القاعدة، وهي أن تنحسب عناصرها من أرض المعركة دون قتال ، وتختفي وكأنها فص ملح ذاب، وهي التي كانت قد حققت من القوى و اكتسبت من الإمكانيات الشيء الكثير من خلال المعسكرات التي تم نهبها و تحويلها معسكرات لتدريب أفرادها، ثم فجأة تسحب أفرادها وقواتها وتختفي بشكل مفاجئ فهذا غير المفهوم حتى اللحظة وتحت أي بند تم ذلك.

بل الأغرب بالنسبة للبعض، أن تقوم جماعة الحوثي وصالح بطلب التحالف العربي بعدم قصف القاعدة في حضرموت، حضرموت التي مثلت موانيها أثناء سيطرة القاعدة عليها أهم شرايين إمداد الانقلابين بالوقود والسلاح التي كانت تأتي من إيران وغيرها وتدخل عبر هذه المواني بدوي أي اعتراض من قبل تنظيم القاعدة الذي كان يستفيد كثيراً مالياً على الأقل من هذه العملية التي بموجبها رفض الحوثيون وصالح ضرب التحالف للقاعدة في هذه المدن، وطالبوا التحالف بوقف الضرب بالطيران لمناطق القاعدة التي هي الأخرى اختفت هناك من أمام قوات التحالف.

 

أضافة تعليق