سبق و أن اشرت بأنني لم أتابع حملة الإنتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2016، فقط ركزت علي المرشحة الديمقراطية السيدة هيلاري كلينتون الجديرة برئاسة أمريكا آنذاك. لهذا بعد فوز دونالد ترامب، راجعت مباشرة برنامجه و الذي ساعدني كثيرا متابعتي له منذ 1986.
أول ما إسترعي إنتباهي في برنامجه الرئاسي الفائز إصراره علي بعث الصناعات الأمريكية، توظيف العمال، إعادة توطين في امريكا مصانع الشركات الأمريكية العابرة للحدود، إعادة بناء البنية التحتية لأمريكا و مواجهة المد الصيني عمليا في ميدان التجارة.
فهمت هدفه لأنه كرجل أعمال أمريكي تسنت له عدة مرات الفرص في الوقوف علي مهالك العولمة و إنعكاساتها السلبية جدا علي الطبقة الوسطي الأمريكية و التي صوتت له بكثافة بالمناسبة.
طوال مسيرته، كان يسجل نقاط الضعف في الأداء الإقتصادي لدولته و كيف أصبحت امريكا تابعة و ليست متبوعةـ لهذا رأيناه و قبل تنصيبه كرئيس لبلده حرصه علي إرسال إنذارات لكبار الشركات الأمريكية بتسليط عليها ضرائب ضخمة إن لم تغلق مصانعها خارج الحدود الأمريكية و العودة بها إلي أرض الوطن.
و حالما دخل البيت الأبيض، أمر الرئيس دونالد ترامب بمراجعة إتفاقيات نافتا التي تربط أمريكا بكندا و المكسيك ثم الإتفاقيات الإقتصادية مع أوروبا و أهتم شخصيا بملف الصين.
نراه في كل هذا له هم واحد : النهوض إقتصاديا بأمريكا و عند كل إعصار و حرائق و فياضانات يصرح : "هشاشة البني التحتية و قدمها وراء الخسائر المعتبرة علي المستوي البشري و المادي."
و طيلة رئاسته، كان منشغلا و لا يزال بجمع الأموال و إستثمارها في الإقتصاد الأمريكي، و طبقا لبرنامجه الرئاسي الفائز أمر بترشيد نفقات الجيش الأمريكي و سحب قواته من العديد من النقاط في كوكب الأرض أولها سوريا، دول الساحل و أفغانستان، و هو أول من بدأ بسياسة التقشف : لا ينزل في إقامات الدولة و عائلته بل في فندقه في مار أ لاغو بفلوريدا، هذا و السيدة الأولي ميلانيا ترامب إعتمدت فريق صغير من الموظفين لتطبيق برنامجها "كن الأفضل" عوض جيش الموظفين و العمال الذي كان يعمل تحت إمرة السيدة الأولي السابقة ميشال أوباما.
و أقام في سياساته الخارجية مع الحلفاء و الأصدقاء و الأعداء علاقة نفعية بحتة، لا يهمه ما يجري في العالم بقدر ما يهمه تلبية إحتياجات شعبه و الإيفاء بوعوده لناخبيه و أما الأنظمة الديكتاتورية في مصر و السعودية فهو يبتزهم ماليا لحمايتهم و عند قصف لمجمع نفطي في السعودية العام الماضي لم يكلف نفسه الدفاع عن السعودية بل طلب من اليابان و كوريا الجنوبية بحماية ناقلات النفط في الخليج الفارسي بإعتبار أن أمريكا لا تعنيها صادرات النفط السعودية الموجهة لآسيا هذا و لنا أمثلة أخري ملموسة :
تقليص التدخلات العسكرية الأمريكية خارج حدود أمريكا و تركيز جهد الجيش الأمريكي لضمان حدود أمريكا الجنوبية مع المكسيك لمواجهة خطر المخدرات و خطر الهجرة الغير الشرعية.
كانت إحدي تعليماته و منذ جانفي 2017 أي شهر تنصيبه لوزير دفاعه :
" إسحب جنودنا من سوريا، فالنزاع هناك لا يعنينا."
تملص البنتاغون من الطلب الرئاسي داعيا إلي مزيد من الوقت و الدراسة لسحب متدرج و هكذا المجمع الصناعي العسكري مسيطر علي قرارات الرئيس الأمريكي في إدارة تدخلاته خارج أمريكا.
ماذا فعل الرئيس ترامب بعد نفاذ صبره ؟
قرر سحب الجنود الأمريكيين من دون مراجعة وزير الدفاع. فقدم هذا الأخير إستقالته، قبلها الرئيس ترامب و لم يسمح له بإنهاء مدته القانونية و طرده من المنصب و عوضه بوزير دفاع مؤقت.