مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2019/04/22 11:51
كيف لنا إعتماد الفاعلية في النظام الديمقراطي ؟
في مقالته الفصل الأول من مبحثه بعنوان "الإنسان كلا و عدلا" للمفكر السوري السيد جودت سعيد، إستوقفتني فقرة جديرة بأن نناقشها في هذه السطور و تبيان مدي أهميتها في عالم عربي إسلامي إفتقد أسباب التلاحم و التوافق علي قواسم مشتركة تعينه علي تجاوز مرحلة اللافعالية التي هو عليها منذ خروجه من دائرة الإستدمار المباشر، ها هي الفقرة : "يساهم في فعالية الفرد جانبان : 1 - جانب ما يبذله الفرد من جهد شخصي في جعل سلوكه مطابقاً مع مُثُل المجتمع الذي يعيش فيه و يكون ذلك بالضغط على نفسه في ترك رغائبه الشخصية التي لا تتلاءم مع مطالب المجتمع، و يحمل نفسه على الاستجابة لرغائب المجتمع و مطالبه. 2 - و جانب ما يبذله المجتمع من جهد في حمل الفرد على اتباع المَثَل الأعلى الذي قَبِله المجتمع، و ينشِّئ أفراده عليه بممارسة مختلف وسائل الضغط و التي منها المادي :كالعقوبات و الغرامات، و منها المعنوي : كالاحتقار و النبذ و الإشعار بالضَّعة و الهوان، و بممارسة وسائل الترغيب المادية منها : كالمكافآت المادية، أو المعنوية منها : كالاحترام و التقدير الذي يوليه المجتمع للأفراد الذين يُضحُّون من أجل مُثُل المجتمع العليا. و على قدر حرص الفرد و المجتمع على أداء كل منهما واجبه يساهم ذلك في فعالية الفرد و المجتمع. " نحن منذ تبنينا للديمقراطية كحل شامل لمشاكل الإستبداد و الحيف الإقتصادي و التخلف الحضاري وقعنا في مطبات خطيرة منها : لم تأخذ نخبنا الحاكمة إلا ما يوافق مصالحها من النظام الديمقراطي، بينما نهلت بعض النخب المفكرة من المنظومة القيمية للممارسة الديمقراطية كحرية المعتقد و الحريات الفردية، فماذا وقع ؟ إذا ما أخذنا الجانب الأول الذي يجعلنا فاعلين و الذي تفضل بذكره في الفقرة السابقة الأستاذ جودت سعيد سنقف علي ما يلي : أن الفرد الممثل للأقلية في مجتمعاتنا أصبح يفرض مثله علي الأغلبية بل بات متنكرا لقيم مجتمعه ثائرا عليها متمردا فعشنا و لا نزال إنحطاط أخلاقي رهيب من جراء ذلك، فقد قام هذا الفرد بإسقاط موقفه من وجوده و من الحرية علي مجتمع ككل، فارضا عليه نموذج تحكمه الأهواء أكثر مما يحتكم إلي القانون الإلهي أو الوضعي. فالأزمات المتعددة و المتداخلة و المتشعبة التي نعاني منها و هذا علي كل المستويات تم علاجها بالرجوع دائما إلي الترتيب العمودي و ليس الأفقي بمعني أننا نطالب أصحاب السلطة مثلا بتسيير شؤون الرعية وفق مباديء العدل و ننسي أن صاحب السلطة المستبد و الظالم ما هو إلا إنعكاس لسلوك الأفراد و ما كان بإمكانه أن يطغي لولا قابلية أفراد الشعب و المجتمع للفساد، فالظالم الكبير يستقوي بالظالم الصغير و هكذا تتدحرج كرة ثلج لتصبح بعبع يؤرق حياة الملايين منا. فماذا لو إستقام الأفراد داخل المنظومة الإجتماعية هل كان بإمكان للفساد و الإستبداد أن ينتشرا هذا الإنتشار الواسع ؟ طبعا لا. فالفاعلية التي تتولد عن الإيمان بالله الواحد الأحد تجعل من الفرد مواطنا صالحا غير قابل للفساد أو الإفساد و هكذا ستصبح مهمة المفسد شبه مستحيلة لأنه بكل بساطة لن يجد من يعينه علي الفساد بل من سيصطدم بهم هم مواطنون ذو ضمائر حية تقاوم فساده بكل السبل المتاحة فتضيق دائرة الظلم و يرتدع كل من تسول له نفسه أن يزيغ عن الصراط المستقيم. فالديمقراطية كنظام سياسي ذات صبغة وضعية أي غير كاملة و طبقا لذلك، لن نحصل بموجب تبنينا لهذا النظام علي الدولة المثالية و المجتمع المثالي، فبعض النخب فهمت بأن حرية المعتقد هي حرية التنصل من الحلقة الوحيدة التي تجمع بين كل أفراد الشعب ألا و هو الدين و منظومته القيمية و هذا خطأ، فأن تستورد من الغرب مفهوم فصل الدين عن الدولة هذه مغالطة كبيرة جدا لأن الغرب ببساطة، دائما ما فعل الوصايا العشر الأخلاقية التي ورثها عن الديانتين اليهودية و المسيحية. هذا و الإسلام هو الحصن الذي يحفظ للمجتمع عافيته الأخلاقية و تلاحمه الإجتماعي و إستقراره النفسي، فكيف بأصوات من النخبة تدعو للتحرر من رابط العقيدة بإسم حرية الرأي و المعتقد و إحترام الحريات الفردية ؟ لا يجب أن تأول الحريات الفردية علي أنها الرخصة لفرض علي الأغلبية مفاهيم حياة تتعارض و مقاصد الشريعة. الحريات الفردية كما نفهمها تدخل في إطار واضح ألا و هو إحترام خصوصية الحياة الشخصية و هذا الأمر حفظه ديننا أما أن نعتقد بأن الحرية الفردية تكفل لصاحبها حق ممارسة الرذيلة و لا يجب ان نعترض عن ذلك فهذا مرفوض جملة و تفصيلا. لماذا ؟ لأن النظام الديمقراطي يقول أنه يتعين علي الجميع بما فيها الأقلية أن يحترموا قيم الأغلبية و قيم الأغلبية في مجتمعاتنا مستمدة من ديننا الحنيف، فأن يجاهر المواطن بإلحاده في العلن هذا غير مسموح به أما أن يبقي أمر إلحاده بينه و بين نفسه فهذا نعم يدخل في إطار الحرية الفردية أي خصوصيته و هكذا يحترم مشاعر الأغلبية من مواطنيه. لهذا في الجانب الثاني الذي ذكره المفكر السوري الأستاذ جودت سعيد الذي يضمن فعالية الفرد هو الشق الخاص بدور المجتمع في ذلك. فنحن نري في أيامنا هذه مدي إرتباط الخاص بالعام و مدي تأثير المجتمع علي فعالية الفرد سلبا أو إيجابا و كيف أن الدورة الحضارية للمجتمعات تتأثر بفعل تردي فعالية الفرد و شل إرادته عبر ممارسات كابحة للمبادرة الفردية. فإيجاد السبل التي تحمل الفرد علي قبول المنظومة القيمية للجماعة و التفاعل معها أعده ضروريا إذا ما اردنا أن ننبعث حضاريا، فالتحدي الحقيقي في نظري حاليا هو في كيفية التوافق علي قواسم مشتركة تأخذ بنا إلي التفاعل إيجابيا مع تصور لنمط حياة تكون فيه الكلمة لإحترام القوانين المنظمة للحياة السياسية و الإقتصادية و الإجتماعية مع تفعيل مواطنة كل فرد معني بمصير الجماعة الذي هو عضو فعال فيها. راجع رابط المقالة : http://www.natharatmouchrika.net/index.php/articles/kadaya-hadaria/item/3749-2019-03-21-18-32-2
أضافة تعليق