مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2019/03/28 18:32
الكتلة أكثر نشاطا في أمريكا: الأساطير المروعة للإنجيليين البيض تقود سياسة الولايات المتحدة

الكتلة أكثر نشاطا في أمريكا: الأساطير المروعة للإنجيليين البيض تقود سياسة الولايات المتحدة

2019-3-28 | الكتلة أكثر نشاطا في أمريكا: الأساطير المروعة للإنجيليين البيض تقود سياسة الولايات المتحدة

تعترف الولايات المتحدة بمعاداة السامية للسم الذي تتعرض له، لكن رهاب الإسلام الملهم دينياً يستمر في صياغة سياسة واشنطن الخارجية، وتصريحات كراهية الإسلام غالباً ما تُمرَر في المجال العام، كما كتب الصحافي المستقل "كريستوفر ستروب" في مجلة "فورين بوليسي".

ولا شك في أن التصريحات التي أدلت بها "إلهام عمر" (أول نائبة مسلمة محجبة انتُخبت في الكونغرس الأمريكي عن الحزب الديمقراطي) استحضرت حُمَى معاداة السامية. في مقالها الأخير نشر في صحيفة "واشنطن بوست"، اختارت كلماتها بعناية أكبر، متجنبة خطاب "الولاء" الذي تسبب في انتقاد لغتها. ومع ذلك، فإن بعض هذه الانتقادات لم تكن مدفوعة بسوء نية فحسب، بل صاغها كره الإسلام ذاته الذي يعكس معاداة السامية بصورة قاتمة.

ورأى الكاتب أن رئاسة دونالد ترامب تشكلت بسبب الخوف من تراجع سلطة ونفوذ البروتستانت البيض المحافظين. وهذه اللحظة من رد الفعل العكسي ضد التنوع المتزايد وإرساء الديمقراطية أمر مألوف. فمنذ وقت ليس ببعيد، استخدم البروتستانت الأمريكيون فكرة الولاء المزدوج ليس لإثارة الوطنية لليهود، وفقط، ولكن أيضًا للكاثوليك، وكان ذلك بارزًا في انتخابات عام 1960، عندما أصبح جون كينيدي أول رئيس كاثوليكي للولايات المتحدة.

وهناك فكرة مماثلة في مسرح اللعب اليوم عندما يتلاعب المحافظون -المسيحيون الإنجيليون في كثير من الأحيان، إلى جانب عدد صغير من اليهود الأمريكيين- بنظريات المؤامرة حول تسلل الإخوان المسلمين للحكومة الأمريكية، ويشيرون إلى أن المسلمين يسعون إلى فرض الشريعة على الولايات المتحدة.

ولكن قد يكون مجال التأثير الأكثر ضررًا لرهاب الإسلام الديني يتركز في السياسة الخارجية. فالإسلاموفوبيا، وأحد دعاتها رئيس وكالة المخابرات المركزية ووزير الخارجية الحالي، مايك بومبو، تلوح في الأفق في الإدارة الحاليَة.

في ظل ترامب، وربما أكثر مما كان عليه الحال في عهد الرؤساء السابقين، تشكلت السياسة الخارجية الأمريكية من قبل المسيحية المتطرفة المناهضة للتعددية، والتي يُظهر أتباعها عداء شديد القسوة تجاه المسلمين. ثم إن الإنجيليين البيض ليسوا قاعدة لترامب فحسب، بل هم أيضًا المجموعة الديمغرافية الأكثر نشاطًا في الولايات المتحدة.

في خلال الحرب الباردة، كان البروتستانت الإنجيليون، الذين التزم معظمهم (وما زالوا ملتزمين) بمجموعة من المعتقدات الباطنية المستندة إلى تفسير كتاب الوحي في القرن التاسع عشر والنصوص التوراتية الأخرى التي اعتبرت نبوية، يميلون إلى ربط الأعداء الرئيسيين للمسيح بالاتحاد السوفيتي. لقد كان تأسيس دولة إسرائيل الحديثة غير المحتمل تاريخياً في عام 1948 يستخدم لدعم صحة فهمهم للنبوءة التوراتية، وكتاب "هال ليندسي" الشهير "الكوكب العظيم المتأخر للأرض"، الذي نُشر عام 1970، السرد الإنجيلي القياسي لـ"نهاية" الأزمان.

قدم "ليندسي" روسيا كما لو أنها مملكة "ماجوج"، التي "تنبأت" للعب دور قيادي بين قوى الشر في معركة هرمجدون. فمنذ نهاية الحرب الباردة، وخاصة في السنوات الأخيرة التي تبنى فيها بعض الإنجيليين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بسبب موقفه من "القيم التقليدية"، واجهوا صعوبة في العثور على مرشح بديل بالإجماع لمصلحة "ماجوج"، وفي الوقت نفسه معاد للإسلام.

في هذه الأثناء، ازدادت المشاعر المعادية للإسلام بين الإنجيليين، وقد اقترح المؤلف الإنجيلي جويل ريتشاردسون أن المسيح الدجال سينشأ من الإسلام. ورأى الكاتب أن تأثير معتقدات نهاية الزمان عند الإنجيليين في السياسة الأمريكية تجاه إسرائيل هو مصدر قلق بالغ. ويمكن العثور على هذين النوعين من التفكير الإنجيلي الشعبي -ما قبل الألفية القديمة وكراهية الإسلام- في بومبيو، المشيخي الإنجيلي الذي عبر عن تأييده لآراء مؤامرة الإسلاموفوبيا لصاحبها: فرانك فرانك جافني، والذي تعهد بالكفاح ضد الشر. ومن المؤكد أن بومبو قد صرح مؤخرًا: "نحن جميعًا أبناء إبراهيم"، لكن عندما تفهم أن الإنجيليين قد علموا أن اليهود ينحدرون من إسحاق والعرب من إسماعيل، وأنه لن يكون هناك سلام بينهم ، يأخذ البيان معنى مختلفًا مشفرًا.

يسعى الإنجيليون إلى إتباع إرادة الله كما يفهمونها، ويشير فهمهم الأكثر شيوعًا للنبوءة التوراتية إلى أنه يجب على إسرائيل توسيع حدودها لتتماشى مع حدود المملكة التوراتية القديمة التي وعد الله بها أحفاد إبراهيم وإسحق ويعقوب، ولذلك يجب على إسرائيل إعادة بناء "المعبد" قبل أن يأتي آخر الزمان. وهذا هو السبب وراء دعم الإنجيليين منذ فترة طويلة للاعتراف بالقدس، وضغطها من أجل الاعتراف بالقدس عاصمة غير مقسمة لدولة يهودية.

كانت رغبة ترامب في مواصلة البرنامج الراديكالي للإنجيليين البيض بروح نهاية العالم واضحة ليس في قرار إدارته نقل السفارة الأمريكية  من تل أبيب إلى القدس، وفقط، ولكن أيضا في اختيار القساوسة البروتستانتية الذين أُحضروا للتحدث في افتتاح السفارة.

ووجهات نظر أمثال بومبيو وريتشاردسون وهاجي وجيفريس ليست بريئة، حتى وإن كانوا يهتمون عمومًا بتجنب التصريحات العنصرية بشكل واضح مثل تلك الموجودة بين القوميين البيض المعاصرين، فإن لغتهم الدينية هي مجرد قشرة على التعصب، وكلماتهم تغذي النار التي تؤدي إلى مجازر جماعية، سواء داخل الولايات المتحدة أو خارجها. وعواقب الكراهية القائمة على التفوق الأبيض قد ظهرت مؤخراً في الهجمات المدمرة على كل من اليهود والمسلمين، وفي إطلاق النار على الكنيس في "شجرة الحياة" في بيتسبيرغ والذي أودى بحياة 11 شخصًا في 27 أكتوبر 2018، وفي الهجوم على مسجدين في كريست تشيرش بنيوزيلاندا الذي خلف 50 مسلما في 15 مارس الجاري.

وبينما توجد طرق مشروعة للضغط على النائبة في الكونغرس، من أصول صومالية، إلهام عمر، للتأكد من أنها تستخدم لغة تنتقد السياسة الإسرائيلية بدلاً من انتقاد الشعب اليهودي، يجب حرمان أولئك الذين يستخدمون وجودها للانخراط في التخويف من "التسلل" الإسلامي أو "الشريعة الزاحفة" من المجال العام لنشر دعايتهم.

ولسوء الحظ، يقول الكاتب، فإن مثل هذه الآراء شائعة بين الإنجيليين البيض الذين يمارسون تأثيرًا غير مسبوق على إدارة ترامب ، 72 في المئة منهم يؤيدون شكلاً ما من أشكال حظر المسلمين. وسيطرة مثل هذه المذهب القومي على أعلى مستويات السلطة الأمريكية أمر مخيف وخطير. وسوف ينتج عن ذلك المزيد من العنف الجماعي ويزيد من زعزعة الاستقرار في المنطقة، وهو تهديد أكبر بكثير مما يشكله انتقاد لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية.

**مجلة العصر
**رابط المقال الأصلي: https://foreignpolicy.com/2019/03/26/americas-islamophobia-is-forged-in-the-pulpit/


أضافة تعليق