مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2014/08/17 20:10
السعودية والإخوان المسلمون: عداوات غير متوقعة
خدمة العصر
الموجز:

جددت المكاسب السياسية للإخوان المسلمين في مصر الحياة لقوى إسلامية طال قمعها سياسيًا في العالم العربي. في حين يبدو للعيان أنَّ السعودية هي الداعمة للنهضة السياسية للإخوان المسلمين-إخوانهم من السُنة- إلا أنَّ خلافا هادئا ولكن متناميا بين السعودية وتركيا حول التأثير الإقليمي المتزايد للإخوان المسلمين، كشف النقاب عن عداء الأسرة الحاكمة في السعودية طويل الأمد لواحدة من أكبر وأقدم الحركات الإسلامية في العالم.

التحليل:

في أول انتخابات برلمانية في مصر منذ سقوط الرئيس السابق حسني مبارك، فاز حزب الإخوان المسلمين (الحرية والعدالة) بما يقرب من نصف المقاعد المتاحة. ومن المتوقع أن يتولى الحزب وبالتالي جماعة الإخوان المسلمين دورا رياديا في الحكومة المصرية القادمة.

للوهلة الأولى، أن تتولى حركة إسلامية السلطة في واحدة من أهم الدول العربية في المنطقة قد يبدو تطورًا ترحب به السعودية بحماسة، ذلك أن الإسلام فيها مكون رئيس لثقافة الدولة وهويتها السياسية. بالرغم من ذلك، فإنَّ الرياض قلقة بشكل كبير بسبب ازدياد شعبية الحركة السياسية حول المنطقة، والعواقب التي تترتب على نهوض تشكيل جمهورية إسلامية يمكن أن تنزع الملكية المطلقة للعائلة الحاكمة السعودية.

* الجذور الفكرية المتنافسة:

الانقسام الفكري والسياسي بين النظام السياسي السعودي والإخوان المسلمين متأصل في تاريخ كل منهما. يتبع أغلبية المواطنين في السعودية الوهابية، وهي مذهب أسسه محمد بن عبد الوهاب، وقد عمل على تطهير العقيدة والممارسات الدينية للمسلمين في القرن الثامن عشر. ترتكز الوهابية على التفسير الصارم لابن عبد الوهاب لتعاليم السلف (أصحاب الرسول محمد وما تلاهم بجيلين). لذا يُفضل الوهابيون مصطلح السلفيين لوصف أتباعهم. في نظر السلفيين، أي انحراف عن المبادئ الدينية الجوهرية يُعد بمثابة نقض للدين ويتم رفضها فورًا.

تم تزوير تحالف في عام 1744 بين ابن عبد الوهاب ورب العائلة السعودية الحاكمة محمد بن سعود؛ مما أدى إلى تقسيم المجالات الدينية والسياسية للدولة السعودية بفاعلية. مع تولي عائلة آل سعود الشئون السياسية للدولة، أًصبح زملاء وأتباع ابن عبد الوهاب قادرين على ممارسة سلطتهم من خلال النظام الديني دون الحاجة للارتباط بنشاط سياسي.

على الجانب الآخر، فإنَّ الإخوان المسلمين يتبعون أسلوب أكثر مرونة في تطبيق الإسلام. تمزج بين فكر السياسة الغربية الحديثة مع الموروث الثقافي الإسلامي. الحركة التي أسسها الإخوان المسلمون تنظر إلى الإسلام كعلاج سياسي للأمراض التي ابتُلي بها العالم الإسلامي في القرون العديدة السابقة.

في عام 1928، حينما أسس حسن البنا جماعة الإخوان المسلمين في مصر، استندت لأكثر من جيلين من الفكر الإسلامي السياسي في الفترة الأخيرة من الحكم العثماني لاستخدامه في الجدال لصالح قضية أنَّ المذهب السياسي مدمج في الإسلام، مما شكَّل إجابة ضرورية للعلمانية الأوروبية.

وهذا سيساعد في إنعاش العالم الإسلامي والمنافسة بفاعلية مع الغرب. وعلى النقيض من السلفيين غير السياسيين إلى حد كبير، تسعى جماعة الإخوان المسلمين إلى إنشاء دول إسلامية حول العالم العربي والإسلامي لمجابهة القومية العربية العلمانية.

* تهديدات للحكم الملكي السعودي:

عندما تم تأسيس المملكة العربية السعودية بشكل راسخ في عام 1932، كانت جماعة الإخوان المسلمين في مصر لا تزال في مراحلها الوليدة، ولذا لم تُشكل تهديدًا على العائلة الحاكمة في السعودية.

بالرغم من ذلك، لم تظهر في نهاية الأربعينيات من القرن العشرين جماعة الإخوان المسلمين كحركة اجتماعية سياسية رئيسية في مصر فقط، ولكنها كانت تنتشر أيضًا كتنظيم له امتداد في العالم العربي. في هذه اللحظة من الزمن، بدأت العائلة الحاكمة السعودية تنظر إلى انتشار جماعة الإخوان المسلمين المتألق إسلاميا بنظرة ريبة. ذلك أن دعوة الجماعة لشكل جمهوري للحكم الإسلامي يمثل تناقضا صارخا للنظام الملكي الذي تستمد منه العائلة الملكية السعودية قوتها.

ولكن قبل التعامل مع جماعة الإخوان المسلمين ذات الأسلوب الإسلامي، كان على العائلة الحاكمة السعودية التعامل مع تهديد أكبر. كان تأسيس الجمهورية المصرية في عام 1952 تحت زعامة جمال عبد الناصر علامة على بداية علمانية اشتراكية للقومية العربية في المنطقة.

بدعمٍ من الإتحاد السوفيتي، جعل ناصر مهمته تصدير مذهبه للعالم العربي. هددت الناصرية بنزع الأساس المتوازن بعناية للمملكة السعودية من أسفل العائلة المالكة السعودية. في الوقت نفسه، اعترضت الحركة العلمانية -القومية أيضًا- سبيل نفوذ الإسلاميين السياسيين ودفعت العديد من مجموعات الإخوان المسلمين في العالم العربي للعمل السري.

بهذه الطريقة أدى انتشار الناصرية إلى تحالف غريب ومؤقت بين جماعة الإخوان المسلمين والعائلة المالكة السعودية. حاولت العائلة المالكة السعودية استخدام جماعة الإخوان لمجابهة الناصرية حول العالم العربي، بينما نزح العديد من قادة جماعة الإخوان إلى السعودية بحثًا عن ملجأ. كان من بين هؤلاء القادة محمد قطب وهو شقيق رمز من رموز جماعة الإخوان سيد قطب، والذي كان واحدًا من أكثر المفكرين الإسلاميين تأثيرًا في القرن العشرين وتم إعدامه في مصر في عام 1966.

كان تبادل الأفكار بين المعسكرين في الغالب لا غنى عنه، حيث اشترك السلفيون وجماعة الإخوان في محاربة الناصرية المدعومة من الإتحاد السوفيتي حول العالم الإسلامي.

وكانت أفغانستان في الغالب أكثر مكان واضح لأرض المعركة، حيث كان المقاتلون من السلفيين والإخوان تجمعهم أفكار مشتركة، مما ينتج عنه نوع من الفكر المركب. التزم مذهب الإخوان المسلمين إلى حد ما في ذلك الوقت بشخصيته الأساسية، ولكن أصبحت السلفية التي كانت تفتقر إلى الفلسفة السياسية، متأثرة بشكل كبير بأفكار الرموز البارزة مثل سيد قطب، وبذلك ضعفت شبكة الدعم السلفي في السعودية.

في الغالب المثال الأكثر شهرة لهذه العملية التفاعلية هو العلاقة بين أسامة بن لادن وعبد الله عزام عالم الدين الفلسطيني المنضم لجماعة الإخوان وزعيم المقاتلين العرب في أفغانستان في الثمانينات. بتوجيهات عزام خضعت أفكار ابن لادن السلفية إلى تغيير جذري. كان ذلك حتى بدأ أيمن الظواهري يؤثر في ابن لادن في مطلع التسعينيات، وحينها بدأ ابن لادن في اعتناق الجهادية.

* انتشار الإسلام في المملكة:

شهدت المملكة السعودية أول تحدي إسلامي كبير لها في عام 1979، حينما أدت الثورة الإيرانية إلى تأسيس جمهورية إسلامية. كان هذا أول مثال حديث على الدولة الإسلامية، وهي التجربة التي دعمتها الفكرة الأساسية لجماعة الإخوان المسلمين، ألا وهي أن الدولة يُمكن أن تُحكم طبقًا لمبادئ إسلامية.

رغم أن العائلة المالكة كانت قلقة بخصوص إمكانية إلهام الثورة الإيرانية لتغييرات شبيهة في العالم الإسلامي، فإنه كان يمكنهم الاطمئنان بسبب حقيقة أنَّ التركيب العرقي والطائفي للدولة الشيعية الفارسية في الأساس من المُمكن أن يحد من قدرته على تصدير نموذجه الإسلامي للعالم العربي ذي الأغلبية السُنية.

في حرب العراق- إيران عام 1980-1988، انقسمت المنطقة لخطوط عرقية وطائفية، ساعدت أيضا السعودية على احتواء التهديد الإسلامي القادم من إيران.

ما لم تستطع العائلة المالكة السعودية منعه هو انتشار الأفكار الإسلامية بداخل المملكة نفسها. وهذا أضحى جليًا في أعقاب حرب الخليج عام 1991.

بعد غزو العراق للكويت تحت حكم صدام حسين في محاولة لتغيير ميزان القوى في المنطقة، اعتمد السعوديون بشكل كبير على الولايات المتحدة لتأمين الأمن القومي للسعودية. تم انتقاد المملكة بشدة من العديد من المؤسسات الدينية السعودية بالإضافة إلى منظمات المجتمع المدني؛ لأنَّ الحرب كشفت عن الضعف الفطري للمملكة. زادت دعوات الإصلاح في حدتها بين مجموعة من طلاب العلم المتدينين السُنة الذين تطلعوا لحقهم في نقد الحكومة، موسعين مجال السلطة لصُناع السياسة من وراء العائلة المالكة، ويُشار إلى هذه النزعة الإصلاحية بلفظ الصحوة.

حاول ملوك السعودية في البداية استرضاء هؤلاء الطلبة السلفيين بالإضافة إلى أصوات غير دينية من المعارضة عن طريق إصدار قانون أساسي، وكان أول محاولة للدولة وأقرب شيء للنظام الدستوري في عام 1992.

شجعت الخطوة الإصلاحيين، لكنها أدت أخيرًا في عام 1994 إلى قمع حكومي للمعارضين واعتقال العديد من العلماء البارزين. أثار القمع انشقاقات داخل المؤسسة السلفية. وتم تحريض من ظلوا أوفياء للمملكة ومؤيدين بشكل صارم للأفكار السلفية التقليدية ضد من اتخذوا موقفًا معارضا حاسما ضد سياسات المملكة. اتهم الأول الأخير بأنَّه منحرف إسلامي وتم وصفهم بإخوانجية وقطبيين، في إشارة سلبية لجماعة الإخوان المسلمين وسيد قطب.

رغم أنَّ انقسامات السلفيين استمرت في أوائل التسعينيات، فإن العائلة الحاكمة السعودية احتوت نزعة الصحوة في بيتها، وكانت مسرورة لرؤية الإخوان المسلمين تحت رقابة مشددة من المصريين والسوريين والأردنيين. بالرغم من ذلك كان هناك تهديد إسلامي آخر يتطور تحت قيادة بن لادن، والذي خطوته بالتورط في ثورة مسلحة ضد الأنظمة الفاسدة والدعم الدولي لها- الولايات المتحدة- كانت متأثرة بشكل كبير بأفكار سيد قطب.

ابتعد بن لادن عن عائلة آل سعود بالفعل؛ بسبب قرارها بالسماح لنصف مليون من القوات الأمريكية أن تتمركز في المملكة خلال حرب الخليج. في الوقت نفسه، عاد عدد كبير من المحاربين السعوديين المشهورين من التمرد في أفغانستان عام 1979- 1989 بأفكار مركبة من الجهاد والحكم الإسلامي وغضب شديد تجاه عائلة آل سعود لسماحها للقوات الأمريكية استخدام دولتهم كقاعدة يقُتل منها المسلمون في العراق.

في بداية التسعينيات، كان بن لادن لا يزال في جدال مع المملكة حول سياساتها، ولكن تخلت المملكة عن أراء بن لادن الجهادية المتخطية لحدود الدولة، باعتبارها انحرافا آخر، ولذا رأت فيه امتدادا غير شرعي للمذهب الإٍسلامي للإخوان المسلمين.

* تعقيدات ما بعد الحادي عشر من سبتمبر(أيلول):

وضعت هجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) العائلة الحاكمة السعودية في موقف غير مريح بسبب اضطرارها للإجابة على أسئلة الغرب حول التفسير المتطرف للقاعدة عن السلفية. رأت الولايات المتحدة بأنه يجب على المملكة السعودية أن تتحمل مسؤوليتها في احتواء التطرف الهامشي للسلفية المؤيد من القاعدة ، وهذا مغاير لرؤية السعودية.

بحلول عام 2003، أصبحت السعودية هدفا رئيسا للحركة الجهادية، ومن ثم برزت الحاجة الملحة لإصلاح السلفية في المملكة بشدة للحفاظ على مكانة العائلة المالكة وتحطيم التهديد الجهادي.

عملت المملكة على تدعيم تحالفها التاريخي مع العلماء. كانت الرسالة بشكل بسيط: إذا نجحت ثورة القاعدة في شبه الجزيرة العربية، لن يتمكن الحكام السعوديون من منع القوى الغربية من التدخل، وبذلك إثارة أزمة أكبر من إشكالية شرعية العائلة الحاكمة والعلماء، والتي يمكن أن تقضي على أساس الدولة السعودية.

استلم الجزء الأكبر من العلماء الرسالة. والقنوات الدينية والقبلية والأمنية والتجارية نفسها التي اعتمدت عليها القاعدة في بناء شبكتها، انقلب عليها عندما تحالف القادة الدينيون مع العائلة الحاكمة التي قادت حملة لكشف الانحراف المذهبي للقاعدة عن الفكر السلفي التقليدي، وأوهنت بشكل سريع شرعية الحركة الجهادية في المملكة.

ولكن لا يزال السعوديون يواجهون مشكلة كبيرة في الشرعية. تم تصميم محاولات إصلاح الحكومة السعودية لاستبعاد أي فكرة إصلاح سياسي، والتي من الممكن أن تهدد المملكة. جادلت الحركة الجهادية بالفعل لصالح قضية أنَّ الحوار السياسي مع الحكام السعوديين لتجنب الثورة كان أمرًا مستحيلًا في ظل غياب مؤسسات سياسية في المملكة للعمل من خلالها. في الوقت نفسه، استغلت جماعة الإخوان المسلمين عمليات القاعدة لتمييز نفسها كتيار شرعي إسلامي، بينما وصفوا السلفيين والقاعدة وشركائهم بالمتطرفين المهمشين.

بدأت القوى الإسلامية السياسية في الصعود إلى السلطة عن طريق الانتخابات، حيثما أُتيحت لهم المشاركة. في عام 2002 وحده، حققت القوى الإسلامية السياسية على طريقة الإخوان المسلمين مكاسب جوهرية في تركيا والمغرب وباكستان في الانتخابات.

وفي عام 2005، خاض مرشحون من جماعة الإخوان المسلمين التي كانت لا تزال محظورة الانتخابات كمستقلين، وفازوا بنسبة 25% من المقاعد البرلمانية. في العام نفسه، فازت جماعة الإخوان المسلمين العراقية بأغلبية المقاعد التي فاز بها السُنة في ثاني انتخابات برلمانية بعد صدام حسين. حتى الجناح المسلح من جماعة الإخوان -حماس- اكتسح الانتخابات في قطاع غزة في أول ظهور انتخابي له في عام 2006.

في قضية منفصلة في البحرين -حيث تحكم الملكية السُنية الأغلبية الشيعية- لجأ حكام السعودية والبحرين إلى دعم كل من جماعة الإخوان المسلمين والسلفيين فيما يُعد خيارا إستراتيجيا أوسع لمجابهة الكتلة البرلمانية الأساسية الشيعية.

وبذلك أًصبحت السعودية محتارة بين جهاديي القاعدة والحركات الإسلامية السياسية. وكانت الدعوات المتكررة من إدارة الرئيس الأمريكي جورج بوش للسعودية ومصر والحلفاء الآخرين المدعومين من أمريكا للمُضي قُدمًا نحو إصلاحات ديمقراطية، تشكل عبئا معقدا على المملكة.

فمن وجهة النظر السعودية، سيساعد أي انفتاح ديمقراطي جماعة الإخوان المسلمين وفقط، وسيساعدها على جعل مذهبهم السياسي الإسلامي شرعيا في حين سيتم التشكيك في الملكية.

كانت السعودية قادرة على إدارة هذه المجموعة المنوعة من التحديات في بدايات الألفية، لكن الاضطراب العربي الذي اجتاح المنطقة في عام 2011م، شكل تهديدا مرة أخرى لتقويض إستراتيجية الاحتواء السعودية تجاه الإسلاميين.

* رد الفعل السعودي على ’’الربيع العربي’’:

ضاعف انتشار الاضطراب العربي من شمال إفريقيا إلى شبه الجزيرة العربية عدد التهديدات التي تواجهها المملكة السعودية. في العمق، كانت السعودية مرتبكة للغاية لسقوط المستبدين في تونس ومصر وليبيا. فهذه الأنظمة كانت قوية البنية ومع ذلك خضعت للضغوط المحلية، الأمر الذي زاد من قلق العائلة الحاكمة السعودية على نفسها وعلى الممالك العربية الصديقة لها. ذلك أن آخر شيء كانت السعودية تود سماعه في منتصف طريق الاضطرابات هو المزيد من البيانات الرسمية الديمقراطية من الولايات المتحدة التي تُحمس المعسكر الإصلاحي السعودي.

أزمة اليمن السياسية -والتي لم يكن هناك حل للسعودية إلا أن تتوسط فيها- أعادت فتح الانشقاقات في الدولة وأمدت المجاهدين من القاعدة في شبه الجزيرة العربية بفرصة لمحاولة إنعاش التجمعات المسلحة في السعودية وأكسبت الإخوان المسلمين اليمنيين-حزب الإصلاح- حضورا أكبر.

ثم هناك قضية إيران. انتشار الاضطراب الشيعي في الحافة الشرقية للجزيرة العربية، حيث تواجه القلة السُنية الحاكمة في البحرين وفي الإقليم الشرقي للسعودية الغني بالنفط، حركة احتجاجية، وهو ما أكد على الضرورة الملحة للسعودية أن تحتوي تنامي تأثير إيران في المنطقة.

ورأت السعودية (وتركيا والولايات المتحدة وقطر ودول عربية أخرى) في انتشار الاضطراب في سوريا -الحليف المقرب للنظام الإيراني- فرصة تاريخية لاستهداف الهيمنة الإيرانية في الشام. ولكن التحدي الذي تواجهه السعودية هو أن إستراتيجيتها للاحتواء ضد إيران في سوريا تسير عكس حاجة السعودية المُلحة في احتواء الإسلام كحركة سياسية.

تم اكتساح الإخوان المسلمين للانتخابات البرلمانية في كل بلد من بلدان الاضطراب العربي تقريبا. تختلف قوة فروع جماعة الإخوان المسلمين بشكل كبير من بلد إلى آخر، ولكن حتى بعد عقود من القمع السياسي لا تزال جماعة الإخوان المسلمين وشركاؤها قادرين على الحفاظ على أوسع وأكثر شبكات المجتمع المدني تنظيمًا.

عندما كان يُحكم بالفراغ في الدول الاستبدادية، كانت شبكات الإخوان المسلمين في موضعها الصحيح لتحويل الدعم الشعبي لخدماتهم الاجتماعية إلى أصوات. هذه العملية كانت واضحة جدًا في مصر، حيث ظهر الجناح السياسي للإخوان باعتباره الحزب الأكبر في البرلمان. وحققت النماذج الأكثر ليبرالية من الإخوان المسلمين في تونس والمغرب أيضًا مكاسب سياسية هامة في عام 2011.

يُمثل الاضطراب في سوريا تعقيدا آخر للنظام السعودي. فالمملكة بالتأكيد منجذبة لاحتمالية إضعاف قوة نفوذ إيران في الشام، ولكنَّها أيضًا لا يمكن أن تتجاهل جماعة الإخوان المسلمين السورية كقوة قوية في حركة المعارضة.

تهتم المقاومة السُنية المسلحة التي تعمل تحت شعار الجيش السوري الحر بإبعاد نفسها جهرًا عن أي مذهب إسلامي أملا في الحصول على الدعم الغربي، ولكن الواقع أظهر إلى حد كبير الدعم القوي لفكرة أن تطرح جماعة الإخوان المسلمين الصراع السياسي للتصويت.

لذا، فالسعودية متحيرة بين الضرورة المُلحة الجغرافية السياسية لاحتواء إيران والضرورة الإستراتيجية المحلية المُلحة لاحتواء الإسلام كقوة سياسية.

وضعت هذه المعضلة السعودية مباشرة في خلاف مع تركيا، البلد القوي الصاعد الذي شكل عامل التوازن في المنطقة أمام طموحات إيران والشريك السعودي في دعم المعارضة السنُية السورية ضد نظام الأسد. الليبرالية الإسلامية الخاصة بتركيا التي تشكلت عبر تفاعلات الحضارة الإسلامية الصوفية والقيم الدينية العثمانية والعلمانية الكمالية، تختلف عن الأنموذج المتحفظ للإخوان المسلمين في الإسلامية العربية وتتيح مساحة أكبر للممارسات العلمانية، ولكنهما يتشاركان في مبدأ مذهبي رئيس في استخدام الإسلام كممر للحُكم. وبينما تحاول تركيا التأثير في إخوان في سوريا برؤيتها الإسلامية المعتدلة، لا تريد السعودية أكثر من أن ترى الإخوان المسلمين مهمشين في المعارضة السورية.

لجأت السعودية لطرقها القديمة في دعم السلفيين لينشطوا كجبهة مضادة للإخوان. في مصر، على سبيل المثال، فاجأت الكتلة السلفية الشعب المصري والمنطقة الأوسع عندما حصلوا على أكثر من ربع المقاعد في مجلسي الشعب والشورى، وجاءوا في المركز الثاني بعد الإخوان المسلمين. وقد لعبت السعودية كما جاء في التقارير دورًا هامًا في إمداد التمويل والدعم للكتلة البرلمانية السلفية. في سوريا، من المُرجح أن توزع السعودية دعمها على المجموعات السلفية لتنافس الإخوان المسلمين المدعومين من تركيا.

رغم ذلك، فإن إستراتيجية دعم السلفيين تعود بالمخاطر. كان السلفيون متأخرين في الوصول إلى السياسة، في حين ولدت جماعة الإخوان المسلمين كحركة سياسية، ويفتقر السلفيون إلى القبول الواسع الذي يحظى به الإخوان وشركاؤهم.

والسلفيون لم يرتبطوا بالصرامة الفكرية نفسها التي يتحلى بها الإسلاميون في تطوير مذهبهم السياسي، لالتصاقهم بالجانب المتزمت في الفكر. في النظرة السلفية الكلاسيكية، من الخطأ أن تفكر أنَّ قانون البشر يحل محل قانون الإله. ورغم ذلك، أثبت السلفيون قدرتهم على تحقيق مكاسب سياسية ملحوظة في مصر ويمكنهم على الأقل التشكيك في قدرة الإخوان المسلمين في الهيمنة على المشهد السياسي الإسلامي الواسع.

علاوة على ذلك، فإنَّ هناك جزءا من السلفيين في الشام ممن اعتنقوا الجهادية وتم استخدامهم من قِبل مخابرات عدة دول في المنطقة لتنفيذ هجمات. من الممكن أن يكون هؤلاء السلفيون- الجهاديون أداة في يد السعودية تستخدمها في محاولة لزعزعة وإسقاط حكم النظام السوري في النهاية لمجابهة إيران.

وبالرغم من ذلك، ونظرًا لتطور السلفيين- الجهاديين، خاصة في العقود الأخيرة، فإنَّه من غير المرجح أن تحكمَ السعودية سيطرتها على السلفيين في الشام كما يبدو.

تُشكل الانقسامات بين الداعمين الأجانب للمعارضة السورية واحدة من عدة عوائق أمام المهمة في سوريا. الولايات المتحدة وشركاؤها الغربيون بالفعل متخوفون من أن فكرة العلمانية تمهد الطريق إلى الإسلامية في سوريا. بالتأكيد لن يكونوا داعمين للإستراتيجية السعودية، والتي تفضل السلفيين الأكثر تطرفًا على من يقدمون أنفسهم كمعتدلين. وتركيا أيضا أكثر قربا والتصاقا بتطورات الأحداث في سورية من السعودية، كما لن تسحب أنقرة من جدول أعمالها دعم نهوض الإخوان المسلمين كقوة سياسية مهيمنة في سوريا.

* مخاطر التساهل في التعامل مع الإسلاميين من طراز الإخوان المسلمين:

سواء كان الحكام السعوديون مستعدين لهذا التحدي أم لا، فإنَّ إسلاميي جماعة الإخوان في ازدياد ولديهم مساحة أكبر لتوسيع شرعيتهم السياسية أكبر مما كان لديهم منذ عام.

في الماضي، كان يُمكن للسعودية أن تعتمد على اهتماماتها المشتركة مع الأنظمة العربية، خاصة في سوريا ومصر والأردن والعراق، للحفاظ على سياسة احتواء الإسلاميين. الآن، وحتى في الحالات التي ظلت فيها الأنظمة محروسة، يجب على القادة العرب أن يعقدوا اتفاقيات سياسية مع الإسلاميين خوفًا من تفجر صراع أكبر في الوطن والتعرض لمزيد من الضغط من الغرب لإجراء إصلاحات ديمقراطية.

ولا تزال السعودية تدرس كيف تروض هذا التهديد الإسلامي بالضبط. من المُرجح أن تكون المناقشات متقدة داخل العائلة الحاكمة حول ما إذا كانت السعودية لا تملك خيارًا آخر سوى الوصول إلى اتفاق مع بعض من أكثر المنظمات الإسلامية قدرة على البقاء والنمو مثل الإخوان المسلمين أم هناك خيار آخر. وسيُتيح مثل هذا الاتفاق للسعودية وسائل للتأثير في التطور السياسي للدول قيد الجدل وستقوم نظريًا بتطوير حصن سُني موحد ضد إيران.

ولكن هذه المشكلة ليست محصورة في مجال السياسة الخارجية، فإذا قررت السعودية العمل مع الإخوان في الخارج، ستكون مسألة وقت فقط قبل أن تواجه العائلة المالكة حركة إصلاحية متحمسة في الداخل. النزعة الإصلاحية التي تتمركز بشكل كبير في منطقة ساحل البحر الأحمر للحجاز، ولها القدرة على التطور لتصبح حركة أوسع.

ويبدو أن الحكام السعوديين منقسمون حول كيفية إدارة هذا الأمر عند ظهوره في السعودية. وتتحدى نهضة الإسلاميين السياسية الإدعاء التاريخي السعودي بأنَّ نظامهم السياسي المدعوم بالعلماء هو نموذج رسمي للسلطة، بينما لا يمكن ببساطة أن يتعايش مع الانتخابات البرلمانية..وهنا يبرز السؤال الحرج على المدى البعيد، هو هل الحكام السعوديون سيكونون قادرين على إدارة ما يمكنه أن يكون تحولا حتميا إلى مملكة شرعية دستورية.
2012-3-18 | خدمة العصر السعودية
موقع ستراتفور الأمريكي ـ 05/03/2012

*العصر
أضافة تعليق