كنت أقرأ منهمكة و منشغلة بكتاب السيد سليمان مظاهر بعنوان : "العنف الإجتماعي في الجزائر"
شعرت بحنق و أنا أتأكد من تشخيصي الذي توصلت إليه منذ سنين عديدة و هذا قبل مطالعتي للكتاب :
الوضع في الجزائر يعرقل أي حركة نمو خلق أو إبداع و هذا بسبب تحكم نسيج العلاقات الإجتماعية التقليدية التي ورثناها عن حقبة ما قبل الإسلام و التي تلبست الدين الحنيف بعد الفتح الإسلامي لشمال إفريقيا و بات فعل التغيير للنهوض و نفض عنا غبار التخلف و الإنحطاط عدوها اللدود.
فالكاتب سليمان مظاهر أكد فعليا و عبر عمله العلمي و القريب من الموضوعية أن لا مجال للحديث عن نمو و تطور في الجزائر إذا بقي المجتمع الجزائري وثنيا في سلوكاته و ممارساته و الوثنية هنا مقصود منها كبح فينا أي علاقة إجتماعية صحية تقوم علي الموضوعية و الإستقامة الأخلاقية و العمل علي التغيير السليم في سبيل سلامة و إزدهار كل المجتمع و ليس حفنة من الإنتهازيين و التشبث بالمحسوبية و الرشوة و الأنانية و الربح السريع و إفساد مجموع النسيج الإجتماعي لأغراض نفعية جد ضيقة.
هذا و النظام السائد يلغي شخصية الفرد بل يشعر المرء أن لا قيمة له بدون الجماعة و هذه الأخيرة و منذ آلاف السنين تمارس وصاية غير شرعية علي الفرد بحيث تتحكم في قراراته المصيرية. فصار الفرد عندنا ممسوح الشخصية و لا وجود له إلا عبر منظومة الأفعال التي تفرضها عليه الجماعة و التي تلفها بغطاء من القدسية الذي يقتل كل رأي مستقل او كل مقاومة ذاتية.
بل تكونت لدي العوام ذهنية سلبية مريضة تؤمن بأن الرزق حبيس المفاهيم الخاطئة التي شب عليها و التي تدعوه إلي اللجوء إلي الحيلة و الغش و الكذب و الإستيلاء علي حقوق الغير و علي تجاوز القوانين و كل ما هو صحيح من وجهة نظر الأخلاق. فكيف يتأتي لمثل هذا المجتمع المريض المهزوز و المنهار قيميا أن ينهض أو يدخل دورة حضارية ؟
يستحيل ذلك و هو علي ما هو من تمسك بنسيج علاقات إجتماعية حولت الأباء و الأجداء و الأقرباء إلي آلهة يتوسل منهم الحماية عوض أن يطلب أسباب الآمان من الله عز و جل و بسلوكه السلوك المستقيم الذي يضمن له صيرورة صحيحة.
و قد شرح الكاتب معضلة دور الدين الإسلامي في حياة الجماعة في الجزائر و شخص القضية تشخيص صحيح بإعتبار أن عند الفتح الإسلامي سكان البلاد من البربر لم يأخذوا من الإسلام صفاءه و قواعده السليمة بل قاموا بعملية إضفاء عليه مفاهيمهم الوثنية التي حولت الحياة إلي طريقة عيش بعيدة كل البعد عن المعاني السامية للدين الحنيف و هذه فقرة من الفصل السابع تحت عنوان " عنف المقدس" صفحة 167 تثبت ذلك :
"أكد أوغستان بيرك :" ليس صحيح أن يقال أن العرب أسلموا البربر، نحن نعتقد علي خلاف ذلك أن البربر قاموا ببربرة الإسلام، هم جعلوه محليا، دمجوه، عجنوه و كيفوه بحسب ذهنيتهم و أخلاقهم."
و طبعا و مما لا شك فيه أن ذهنية البربر و أخلاقهم آنذاك كانت وثنية بإمتياز و نحن نعيش اليوم رواسبها و تراكماتها في سلوكاتنا و أفعالنا.
La violence sociale en Algérie, Slimane Medhar, Editions Thala 2011