مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2018/04/19 23:35
على عتبات نص قشة  للكاتبة نجاة شمسان - قراءة الاستاذ خالد عبد الله الخامري

على عتبات : ** قشـــــة .. للمبدعة اليمنية نجاة شمسان.
قراءة نقدية .... بقلم خالد عبدالله الخامري
 أولا النص الإبداعي :. ***قــشّــة* ** الكثير من شوارع القلب لا تحتاج إلى إنارة ، حتى لانستطيع اختلاس النظر إليها ، ونرى ما يُشعرنا بالمرارة ، والخذلان ، كم كانت تحبس أنفاسها حتى لا تعبر رئتيها أقدام المارة ، وتصبح عيناها شاطئا يكتظ بأجساد وأشلاء متهالكة ألقــى بهم الموج كطعامٍ على رأس سنارة صيد ، وخاصرتها مرْمى يتلقى كرات الترجيح !! لتعلن الصفارة نهاية اللعبة و يتســلم أحدهم الكثير من الرؤوس المفصولة كأسا لفوزه ، كانت تحاول أن تبعثر كل ما فيها حتى لا تصبح الريشة الأخيرة ، التي يجب أن تُنتــف ليتدحرج الطير في قيعان الحياة ، ويتلقى صفعات الأيام وهو لا يمتلك حتى مجرد القدرة على الوقوف ، تعثر بصرها بأحدهم ، وهو يحاول لملمةَ أوراقه التي تلقّت صفعة من الرياح فتبعثرت وتطايرت لتستقر في أيدي الكثيرين ; ممن أخذوا يمسحون بها ، ما علق على أحذيتهم من قاذورات و بقي هو ينظر إليهم بعينيه التي امتطتها صهوة السهر الطويل و صفرة الوجع . يا سيدي :- هل جربت قبل الآن أن تكون يداك مسرحا !!؟ يكبر على خشبته الصغار ، ويموت الكبار، في مشهدٍ هزلي منقطع النظير ; مسرحا لا يمكن إنارته إلا بأقطاب سالبة , يا سيدي :- كم كنت أشبهك قبل هذه اللحظة ; يمــدّني الترقب ويجزرني الخوف حتى شعرتُ بأني قشــة يابسة تارةً تدركها الرمال لتغطيها و تارات كثيرة لتمزقها على صحاري الحياة الشاسعة ، ولم يعد أمامي إلا أن أصكّ قدميّ على الصخور و أعبر فوق هذا الجسد الميت . **نجاة شمسان
تهدف هذه القراءة الي : محاولة واعية لتذوق النصوص بحس القارئ لا الناقد ...فسميتها قراءة عمدا . والقراءة تسلم بأن النص / المقروء قطعة جمالية فهي تتحسس محاسنه فقط.. وهي كذلك وساطة بلا وصاية بين النص / المقروء والقراء لتقريب النص للقراء العاديين ربما لعدم وجود الوقت الكافي لقراءته باثارتهم لتتبع جمالياته من جهة ولتقريب النص للقارئ المبتدئ . الارتقاء بمفهوم القراءة النقدية للنصوص من مستويات فك الرموز الصوتية الى مستويات انتاج دلالة جديدة للمقروء تبرز فلسفة المبدع الجمالية وامكاناته الابداعية رؤية وتشكيلا ...وكذا الارتقاء من دور القارئ من مستقبل/ متلقي للمعرفة .إلى المتذوق والمشارك في الكشف عن درر المقروء وتتبع مظاهره الإبداعية الرؤيوية والتشكيلية ودعوته ضمنيا إلى تشكيل رؤيته الخاصة وادواته الخاصة به وتكون له قراءته الخاصة به .. ايمانا بتعدد القراءات للنص الواحد.

*** *******

تجربة ابداعية امتلكت مقومات الكتابة الإبداعية السردية ..رؤية وتشكيلا .. افتتحت الذات المبدعة / الحكي/ السرد بالوصف للمكان : *( الكثير من شوارع القلب لا تحتاج إلى إنارة.. حتى لا نستطيع اختلاس النظر إليها ....). تستنطق المكان / ترسم أبعاده/ لتحدد فضاءات السرد ..حيث تمكنت الذات المبدعة من الكشف عن أبعاده المكانية وجمالياته الشكلية .. وديناميكته في صناعة الحادثة / الفكرة .وعلاقته ببقية عناصر القصة ؛ وكشف زاويا السرد في النص .وتنامي /تطور الحادثة وتشكل الحبكة وتعقدها / لحظة التنوير وانفراج العقدة ...والافصاح عن موقفها من العالم والواقع وعلاقتها الرمزية به . لعل ابرز ما تضمنته الأفتتاحية تهيئة الآخر / القارئ نفسيا وثقافيا واجتماعيا للارتقاء بدوره التقليدي من متقبل / متعاطف للموضوع/ الحادثة. الى مشارك فاعل مع المبدعة ..ليسهم في تحديد ملامح الوعي الفني الجمالي مابعد القراءة باعتبار أن النص الابداعي / الخطاب السردي فكرة ورؤية وموقف من العالم والقضايا الإجتماعية ... شكلت كلمة (انارة ) في سياق الحكي بصيغة النكرة بعموميتها /شموليتها ...وبما دعمتها الجملة الغائيةبعدها: *( حتى لانستطيع اختلاس النظر إليها ؛ ونرى ما يشعرنا بالمرارة ...) وما تشع منها( إنارة ) من دلالات مكنتها من ان تتبوأ دورا أساسيا في الكشف عن فضاءات مجهولة للذات المبدعة بات كشفها للآخر / القارئ . نافذة أساسية لفهمها، ومشاركتها في الموقف ... ومما يؤكد ذلك: يجدر بالقارئ الوقوف عند سياقاتها في المتن السردي لتبين انها محطة رئيسة تنبثق عنها ومنها مسارات الذات المبدعة وكالتالي : *في الافتتاح : ( الكثير من شوارع القلب لا تحتاج إنارة .....) . ترغب الذات المبدعة في عدم الكشف والبوح عن حقائق الأشياء وكنهها ، وهو ما افصحت عنه ب: *( حتى لانستطيع اختلاس النظر إليها ) وها /تعود لشوارع القلب .وتزيد: * ( ونرى ما يشعرنا بالمرارة ؛ والخذلان ؛ ) لأن موقفها تسرع في الفهم السريع القاصر لظواهر الأشياء فقط .والخاطئ أيضا ... عاودت الذات المبدعة وفي سياقات أخرى متصلة بالرؤية أيضا : *( تصبح عيناها شاطئا يكتظ بأجساد ....) *( تعثر بصرها بأحدهم ؛ وهو يحاول لملمة أوراقه ....) *( بقي هو ينظر إليهم بعينيه ؛ التي امتطتها صهوة السهر الطويل ؛ وصفرة الوجع؛......) *( يا سيدي هل جربت أن تكون يداك مسرحا ؟؟!! ........؛ مسرحا لا يمكن إنارته ألا بأقطاب سالبة، !) لتمثل هنا ( إنارة ) قمة العقدة .كمكون بنائي أساسي في النص / الموضوع .لتبدأ لحظة التنوير/ كما يحلو وصفها للنقاد/ لحظة انفراج العقدة ...بما فيها من ضبابية تحتاج الى اعمال الفكر من القارئ، وعدم التسرع في الحكم فيها ظاهريا .... لتبدأ الحبكة تنازليا في الانفراج ..: *( يا سيدي :- كم كنت أشبهك قبل اللحظة ؛ يمدني الترقب ؛ ويمزرني الخوف ؛ حتى شعرت بأني قشة يابسة ؛ تدركها الرمال لتغطيها ؛ وتارات كثيرة لتمزقها على صحاري الحياة الشاسعة ..) في جنبات وتعاريج هذه الرحلة الإبداعية وبطريقة غير مألوفة عند المبدعين ، ابرزت الذات المبدعة وكاستنتاج موقفها / الفكرة الأساسية / الحادثة والمتمثلة ب(صعوبة وقساوة ظروف الحياة وتداخل الظروف المؤثرة فيها في بلادنا وبشاعة استغلال الجماهير من كيانات فاعلة محلية واقليمية ودولية بدلالة ما ورد في السياق السردي من ألفاظ تدلل علئ العمومية كالنكرات مثلا ) من جهة ومدى تأثير المواقف السلبية والإيجابية فيها من حهة أخرى .وهو ما رمزت الذات المبدعة لوجودهم العبثي الثقيل ؛ والمؤثر سلبا وحتما عليها في : * (....، وتصبح عيناها شاطئا ؛ يكتظ بأجسادٍ ؛وأشلاءٍ متهالكة ، ألقى بهم الموج كطعام على رأس سنارة صيد ).. ومما يكشف عبء هذه الأشياء التي ربما يعتقد الآخر / المتابع أنها ثانوية عديمة الأثر..: * ( خاصرتها مرمى يتلقى كرات الترجيح لتعلن الصفارة نهاية اللعبة ) . وفي سياق آخر تتشكل بمظهر آخر وتسمية أخرى: * (ويتسلم أحدهم الكثير من الرؤوس المفصولة كأسا لفوزه ) .
وفي كل مرة تتخذ موقفا ووظيفة مغايرة فهي: * ( الريشة الأخيرة؛ التي يجب أن تنتف .....) لأنها تعيق حرية الحركة .و احيانا تمثل: * ( صفعات الأيام ) التي تتحول الي قوة سلبية تفقد الذات المبدعة القدرة على الوقوف والصمود....وأخرى: * ( اوراقه التي تلقت صفعة الرياح فتبعثرت وتطايرت ....) في اشارة لهشاشة تكوينها وسرعة تحولها الي الى قوة مضادة لها : *( لتستقر في أيدي الكثيرين ...) . وهو ما تتألم الذات المبدعة من بشاعة توظيفها بنهج غير اخلاقي: * ( ممن أخذوا يمسحون بها ، ما علق على أحذيتهم من قاذورات ) . بكل أسى ومرارة تكشف الذات المبدعة وبلسان السارد من هناك ومن قلب الحدث، تصف بشاعة الموقف : *( وبقي هو ينظر إليهم بعينيه التي امتطتها صهوة السهر الطويل وصفرة الوجع ) ..
تتداخل زوايا الرؤيا / السرد في إطار الزمن السردي .. تذوب المسافات من البعيد الى القريب ما يسهل تحول السارد معه أيضا من السرد المباشر الذي يكتفي بالوصف للحادثة وتطورها وتعقد تمظهرها الى السرد الذاتي التي غدا حقيقة السارد جزء من الحادثة، نظرا للقرب النفسي / الاجتماعي / الفكرة للحادثة .
*( يا سيدي :-هل جربت قبل الآن أن تكون يداك مسرحا ؟!!!!) وحتى تتضح الرؤية أكثر يبرزه لتتضح الغرض من التشبيه / لإبراز المماثلة بينه وبين الواقع الحقيقي للذات المبدعة: * ( يكبر على خشبته الصغار ؛ ويموت الكبار ؛ في مشهد هزلي ....) في اشارة لتوظيف فكرة نظرية مووريه النفسية للحياة ،التي تقوم على اساس أن الحياة مسرحا كبيرا ، و الناس ممثلون على خشبة هذا المسرح ، ومن أكمل دوره ينتقل الى خارج المسرح / الهاوية / الموت ... في اشارة لا تحتمل التخفي أكثر في ابراز حقيقة ما أفرزته ظروف الواقع / زمن الحرب اليمنية التي تجرعت الذات المبدعة ويلاته ومراراته و هو ما ساهمت ابداعا في ابرازه ابداعيا هنا ...
 تمثلت في بروز أسماء ومسميات وكيانات مجتمعية وساسية وطائفية ومناطقية وجهوية كانت غير موجودة قبل ...ما افرزت من خفوت وتلاشي دور أسماء كبيرة في سماء السياسة والفن والفكر والوطنية ...لعبت الظروف المحلية والأقليمية والدولية دورا بارزا في تشكيل هذا المسرح العبثي ..بتوظيف البسطاء والفقراء وهم غالبية الشعب اليمني في صناعة احداث واشخاص تمتهنها وتستغل حاجاتها الضرورية من مأكل ومشرب لأهداف دنيئة ولا انسانية أعاقت هذه الجموع مسيرة رواد الوطنية والسياسة والفكر والثقافة بقصد او بغير قصد من جهودهم وشكلت بجهلها لمصلحتها عقبة حدت من تفكير وممارسة الشريف والحر والوطني والمثقف والمصلح من العمل لها ولخروجها من هذه الحلقة المفرغة ...بل تحولت إلى عقبة افرزت المصائب والمتاعب للمثقفين وارباب الفكر ... في اشارة تمترس القوى السياسية اليمنية وراء هذه الجموع المسكينة تحركها كيفما شاءت ولأجندتها واهدافها .... لم تستثني الذات المبدعة أيا من الموجود منها في الساحة .

.... ----** ------

(قشة ) عالم ابداعي اختزلت الذات المبدعة الأزمة اليمنية واستغلال الجماهير في تحريك الشارع لأهداف سياسية ..جسدت المبدعة مأساة التوظيف اللإنساني لهذه الجماهير من قبل اطراف في الداخل والخارج .. موظفة توقها للتغيير لتحقيق اهداف ومشاريع ضيقة ..مستغلة حاجاتها الإنسانية بصورة بشعة .. العنوان ( قشة) لبساطتها وخفتها وسطوة الرياح / المؤثرات/ في سرعة تغييرها بسهولة ويسر في اشارة لعفوية الجماهير وبساطة فهمها ووعيها لا ايدلوجية سياسية او طائفية تحركها كما يعتقد البعض وتحاول جاهدة وسائل الإعلام ترسيخه اليمنية والعربية والعالمية فطبيعة الشعب اليمني موحد ومتعايش منذ الأزل.. لم تستثن المبدعة طرفا او جماعة ولم تتعصب لأخرى .. النص من أدب الحرب اليمنية ... وظفت المبدعة امكاناتها الابداعية ..فتبرز اللغة كأداة ابداعية رئيسة امتازت بكثافة الدلالة والحمولة الوجدانية والرمزية ...فوظفت الوصف لاغراض فنية تكشف وتبرز زوايا المكان والظروف التي رافقت تطور الفكرة/ الحادثة ...تضفي نوعا من الحيوية ..كما وظفت السرد بأنواعه المباشر لغرض الابراز ايضا وكذا ابراز حيادية التناول للحادثة وبما أن الحادثة اجتماعية تداخلت الذات المبدعة بالسارد تداخلت الزوايا وذابت المسافات لتبرز موقفها منها ... برزت خبرة المبدعة في الحياة والكتابة معا من خلال توظيف اللغة الرمزية والدعوة لعدم التسرع في الحكم على ظواهر الأشياء لقصور هذه الرؤية ورمزت لذلك( إنارة ) لما توحي المفردة من عموميتها بصيغة النكرة وترددها في سياقات مختلفة كما هو مبين ...لتستخلص معا دلالة العنوان التي ابدعت الكاتبة في اختياره لموضوعها ..و الافصاح عن رؤيتها وبما يتناسب مع رؤيتها الابداعية .....في سريالية تجنبها الوقوع في الإحراج والاتهام معا ..مع او ضد ..أضفت المبدعة على النص وبما حباها الله من قدرات لغوية وخيال ابداعي خصب من رسم مشاهد حية ناطقة ..تتداخل فيها الألوان والأضواء.. تتموسق بالحركة معا ..لتشكل ايقاعا نفسيا متناغما للذات المبدعة مع الموضوع / الحادثة ..تحقق الابداعية في الأسلوب والنأي من التقليد وهو ما يعطي القارئ الحق في توقعه لمستقبل ابداعي واعد وريادي للمبدعة في كتابة فنون السرد ....

اخيرا ليعذرني القارئ الكريم والمبدعة معا ربما من تقويل النص ما لم يقله ...فهذا تقصير وجهل القارئ في القراءة والفهم للنص .. والنص لازال حيا بانتظار قراءاتكم ...
خالد عبدالله الخامري تعز 4 1 / 4 / 2018 م


مقالات اخرى
أضافة تعليق