مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2014/08/17 20:10
الخذلان (المسكوب)!
الخذلان (المسكوب)!
د.فؤاد البنا
11/01/2009


لقد أكرم الله أمة الإسلام بعدد من الخصائص والميزات، منها ما جاء بدعوة محمد صلى الله عليه وآله وسلم لربه، ذلك أن لا يسلط عليها عدواً من خارجها يستأصل شأفتها. وهذا يلقى المسؤولية على المسلمين أنفسهم، وهاهو مشهد غزة يجسد هذه الفكرة. إن عملية بني صهيون المسماه (الرصاص المسكوب) بغرض اجتثاث (حماس) من الوجود لا يمكن أن تجد إمكانية التحقق إلا إذا توافرت أرضية مناسبة من الداخل، بمعنى أن تتولى أعداد من المسلمين (التآمر المسكوب) و(الإسعاف المسكوب) و(الحصار المسكوب) و(الخذلان المسكوب)! وبالتالي فإن الجيش الإسرائيلي لم يتجرأ على محاولة استئصال (حماس) بسبب امتلاكه (طابوراً خامساً) داخل الأمة، بل لثقته بوجود أربعة طوابير في الداخل، تمكن للطابور الخامس الذي هو جيش (إسرائيل)! إن ما يحدث في غزة يعتبر سورة من سور الواقع، يجب قراءتها بتدبر لاكتساب فقه الواقع بصورة أكثر نضوجاً، كجزء من فقه الحياة الجامع بين فقهي الواجب والواقع في سياق المغادرة من الغثائية إلى (الفاعلية) وفي طريق النهوض الحضاري المنشود. إن عشرات الوقائع ومئات القرائن تؤكد اليوم أن طوابير الأعراب الأربعة هي من تحرض وتدعم الطابور الصهيوني وممارسة كل وسائل القتل المعنوي والمادي ضد واحة الحرية والعزة والممانعة في غزة، وسط صحراء شديدة الاتساع في عبوديتنا، مما يؤكد وجوب التفات حركات الممانعة إلى صفوف الأمة لاقتلاع القابلية للاستبداد من عقولها ومن حياتها في خطة استراتيجية شاملة، تعطي الفكر أولوية هامة، منطلقة نحو التزكية المتوازنة والعمل السياسي الرشيد، ومتمكنة من كل وسائل البناء والتعبئة، وخاصة في ميادين الاقتصاد والإعلام والفن. إن غزة هي مرآة ربانية، (منحها) الله للمسلمين لكي يعرفوا (محنتهم) ولكي يروا الوجوه القميئة لبعضهم، ولكي يدركوا كم هم أعراب، ولكي يتأكد عقلاؤهم من الضرورة القصوى لإعادة تشكيل الوعي الإسلامي المعاصر، وإعادة بناء المنظومة الأخلاقية المهترئة التي سمحت بولادة (ابن العلقمي) في صور رؤساء وملوك وأمراء ووزراء. لقد أثبتت (غزة) أن قيادات عربية عديدة تستحق بجدارة أن تقيم لها (إسرائيل) تماثيل ضخمة في أهم ميادين (تل أبيب) بجانب بن جوريون، ومناحيم بيجن، وشارون، ورابين، وشامير، وهذا يقتضي من تيارات الممانعة في بلدانها أن تعمل على تأسيس مداميك نظام سياسي شوروي يستفيد من آليات الديمقراطية، مع البدء بحرث العقل حتى تستأصل منه نباتات التبعية، وأشواك التقديس، ومفردات الاستخذاء، وكل ما يمت بصلة لثقافة القطيع! هذا الطريق يستطيع أن يتحول عبر بضع سنوات إلى سكاكين لقطع (أشجار الغرقد) التي وفرت كل سبل الحماية لإسرائيل، وبالتالي يتم تجفيف منابع (الخذلان المسكوب) وحينها تعود الأمة عزيزة كريمة، حرة أبيه، متمتعة بجسم حي ذي مناعة قوية، يرفض الإيدز السياسي (الاستبداد) ويعالج الفشل الاجتماعي (الفرقة) ويستأصل السرطان الصهيوني (التبعية) وهذه واحدة من فضائل فلسطين وهبات غزة لأمتها الإسلامية، ولو كان الثمن دماء عزيرة، وأشلاء ممزقة، ومدنا مدمرة. وإذا كانت أعداد اليتامى ستزداد في غزة، لكنها بذلك سترفع عن هذه الأمة إن شاء الله حالة اليتم الحضاري، ما أحسن المسلمون نصرة غزة، وما أحسن الإسلاميون قراءة هذا الحدث المدوي واستخلاص الدروس والعبر من آياته. وفي هذه الأثناء (لا صوت يعلو فوق صوت غزة) وكل أصوات المخذّلين هي أصوات عورة يجب أن تستتر على الأقل، ويجب أن ترى الشعوب عورات المرجفين من الأعراب، حتى تتحقق نبوءة المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم في أهل فلسطين ’’لا يضرهم من خالفهم ولا من خذلهم’’ إن كل مسلم اليوم هو منبع وبإمكانه أن يكون منبعاً (للخذلان المسكوب) رديف (الرصاص المسكوب) ويمكن أن يكون منبعاً من منابع الفاعلية بانحيازه إلى واحة الحرية والإرادة والرجولة، إذ بدعمه لغزة إنما يمزق عن نفسه أغلال العبودية، وقيود التخلف، ويستنقذ نفسه من مستنقع الغثائية الآسن، وهو المستنقع الذي جعل جماجم المسلمين دعاية انتخابية عند أولاد الأفاعي ورعاة الخنازير!
*عن الصحوة نت
أضافة تعليق