د.عبدالقوي القدسي
من بين جبال مكة القاسية صدع النبي محمد(ﷺ) بدعوة الإسلام .
فهم (ﷺ) رسالته بوضوح،إنها رسالة تتجاوز شعاب مكة لتكون للعالمين رحمة، غير مرتبطة بنسب، ولا أسرة، ولا قبيلة أو عشيرة . رسالة لا تلتقي مع الفساد في منتصف الطريق،بل ترفع شعار لكم دينكم ولي دين ، ولا تبيع أو تشتري في القيم أو الضمير مقابل عرَضٍ من الدنيا قليل،لا تستسلم للإرهاب ولا تتبناه، دعوة متحررة من كل الروابط الأسرية أو الطائفية أو التراب، مجالها الأرض بكل رحابتها وسعتها، وأهلها الإنسانية بكل ألوانها ولغاتها.
عرف رسول الله(ﷺ) طريقه فانطلق مع أتباعه على بصيرة، يحملون رسالة الخير للبشرية ويمتلكون رؤية تصل بدعوة الإسلام ما بلغ الليل والنهار .
قَبلَت قريش بمحمدٍ ناسكاً، وجعلت تودع لديه أماناتها وتحتكم إليه في بعض خلافاتها،وهو عندها الصادق الأمين، ولا يضيرها تنسّكه وخلوته، وعبادته في غار حراء ما دام لا يهدد سلطتها وسيادة كبرائها .
لم تقف قريش ضد النبي(ﷺ)
باديء الأمر، ولم تأبه لما كان يدعو إليه، فقد دعا قسّ بن ساعدة، وورقة بن نوفل من قبله لعبادة الله عل دين أبيهم إبراهيم عليه السلام .
عرض أهل مكة على محمد(ﷺ)
المال، وأجمل النساء ،بل والملك إن كان له طالباً، لا لشيء إلا لتدفع عن نفسها تهمة التطرف والإرهاب،ومعارضة دين الآباء والأجداد، واعتبروا أن إيقاف محمد(ﷺ) عن دعوته هو هدف يجب أن ترخص في سبيله المُهج والأرواح .
لم يراعِ أهل مكة نسباً، ولا قرابة، ولم يأبهوا ليقينهم بصدق محمد (ﷺ) وأمانته ، ولم يحُل بينهم وبين قرار إعدامه عُرْفٌ ولا قانون .
حينما قررت قريش قتل محمد(ﷺ) كانت تعلم تماماً بأنها لا تستهدف شخصه ، بل تستهدف مشروع التغيير الذي يحمله.
التقى كبراء قريش جميعاً بما فيهم أقرب الناس إلى محمد(ﷺ) ،عمه عبدالعُزى بن عبدالمطلب المعروف بـ (أبي لهب) ، التقوا جميعاً وقرروا قتله بعد أن أعيتهم الحِيل في ثنيه عن عزمه.
قررت قريش وأْد الدعوة الوليدة دفاعاً عن قيم الجاهلية، وحفاظاً على قانون الغاب، واستماتة في إبقاء العبودية، وسلطة الملأ من الناس.
أرسل النبي(ﷺ) سفراء إلى الحبشة لعلهم يمهدون للدعوة مكاناً ينطلقون منه للعالم ،فما كان خروجهم هروباً من عذابات قريش وطلباً للنجاة بأنفسهم ،بل كان للقيام بمهمة التمهيد لوطن الدعوة البديل في بيئة صالحة بجوار ملك لا يُظلم عنده أحد.
ما كان يدور بخلد النبي (ﷺ)
بأن "يثرب" -وليست الحبشة- ستكون هي المدينة التي ستشع منها أنوار الإيمان حتى يغدو اسمها"المدينة المنورة" لاحقاً.
اتخذ النبي(ﷺ) كل وسائل النجاة من قريش حال هجرته، فتخفّى عن الأنظار وموّه المشركين في اختياره طريق اليمن بدلاً من يثرب باديء الأمر، واستاجر عبدالله بن اريقط دليلاً،وإن لم يكن مؤمناً آنذاك،لكنه صاحب خبرة، وجهز الراحلة وحمل الزاد، واصطحب الصديق الوفي أبا بكر رضي الله عنه ، ولم يتخذ من الخوارق بساطاً يصل بها إلى أهدافه، فهو بشر ولا بد أن يتخذ كل ما يتخذه البشر من وسائل وأسباب .
خرج النبي(ﷺ) من "مكة" خائفاً يترقب، ودخل "المدينة" آمناً، يترقب أهلها وصوله بكل لهفة وشوق.
هجرة النبي(ﷺ) كانت إيذاناً ببناء منظومة قيم مختلفة تماماً عن كل قيم الجاهلية، فلم يعد للعصبية في قيم الإسلام مكان.
قريش تآمرت على قتله، وهو ابنها، والأوس والخزرج استقبلوه رغم بُعد المسافة المكانية، والنّسبيّة بينهم وبينه؛ للتأكيد على أن الدعوة الجديدة ليست فئوية، ولا أسرية، ولا قومية، بل هي دعوة للعالمين جميعاً.
ترافقت ذكرى الهجرة النيوية مع ذكرى كارثة الـ (٢١) من سبتمبر،عشية إسقاط الحوثي للدولة اليمنية، ولنا أن نُذكّر هؤلاء الذين يدعون -زوراً- انتماءهم لرسول الله(ﷺ) بأن محمداً خرج من مكة مطارَداً محكوماً عليه بالإعدام؛ لذا فليس لقريش أي فضل على دعوته ليقدم هؤلاء أنفسهم حكاماً بحكم الانتماء، بل إنهم قد قطعوا صلتهم بمحمد رسول الله(ﷺ) عندما اتخذوا قرار قتله وحاصروا منزله، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن محمداً دخل المدينة بقوة ما يملكه من قيم، ومباديء تنتشل البشرية من جاهليتها، وتقديسها للأصنام الطينية والبشرية على السواء، في حين دخل الحوثي صنعاء بقوة الدبابة والمدفع ، وفَرَض قيماً تتناقض كلية مع توجّه الناس وإيمانهم وصفاء عقيدتهم، وشتّان بين مُشَرِّقٍ ومُغرّبِ.
تظل ذكرى الهجرة النبوية ملهمة لأصحاب المباديء والمشاريع النهضوية بالأمة بأن الاغتراب عن الوطن، أوسحب الجنسية، والأحكام بالإعدام أو السجن المؤبد ليست نهاية المطاف، فالمباديء تستمد قوتها من قوة الحق والخير الذي تملكه،والناس يموتون، لكن مبادئهم تزداد قوة عندما يموتون كما تموت الأشجار واقفة،ويمدون بدمائهم تلك المباديء بالحياة .
ذكرى الهجرة تبث الأمل بحسم الصراع لصالح المباديء والقيم والحق،فما ينفع الناس سيمكث -لا شك- في الأرض، وأما ما يطفو على السطح من زبَدٍ وظلم فإنه سيذهب جفاءً،عاجلاً غير آجل بإذن الله.
من بين جبال مكة القاسية صدع النبي محمد(ﷺ) بدعوة الإسلام .
فهم (ﷺ) رسالته بوضوح،إنها رسالة تتجاوز شعاب مكة لتكون للعالمين رحمة، غير مرتبطة بنسب، ولا أسرة، ولا قبيلة أو عشيرة . رسالة لا تلتقي مع الفساد في منتصف الطريق،بل ترفع شعار لكم دينكم ولي دين ، ولا تبيع أو تشتري في القيم أو الضمير مقابل عرَضٍ من الدنيا قليل،لا تستسلم للإرهاب ولا تتبناه، دعوة متحررة من كل الروابط الأسرية أو الطائفية أو التراب، مجالها الأرض بكل رحابتها وسعتها، وأهلها الإنسانية بكل ألوانها ولغاتها.
عرف رسول الله(ﷺ) طريقه فانطلق مع أتباعه على بصيرة، يحملون رسالة الخير للبشرية ويمتلكون رؤية تصل بدعوة الإسلام ما بلغ الليل والنهار .
قَبلَت قريش بمحمدٍ ناسكاً، وجعلت تودع لديه أماناتها وتحتكم إليه في بعض خلافاتها،وهو عندها الصادق الأمين، ولا يضيرها تنسّكه وخلوته، وعبادته في غار حراء ما دام لا يهدد سلطتها وسيادة كبرائها .
لم تقف قريش ضد النبي(ﷺ)
باديء الأمر، ولم تأبه لما كان يدعو إليه، فقد دعا قسّ بن ساعدة، وورقة بن نوفل من قبله لعبادة الله عل دين أبيهم إبراهيم عليه السلام .
عرض أهل مكة على محمد(ﷺ)
المال، وأجمل النساء ،بل والملك إن كان له طالباً، لا لشيء إلا لتدفع عن نفسها تهمة التطرف والإرهاب،ومعارضة دين الآباء والأجداد، واعتبروا أن إيقاف محمد(ﷺ) عن دعوته هو هدف يجب أن ترخص في سبيله المُهج والأرواح .
لم يراعِ أهل مكة نسباً، ولا قرابة، ولم يأبهوا ليقينهم بصدق محمد (ﷺ) وأمانته ، ولم يحُل بينهم وبين قرار إعدامه عُرْفٌ ولا قانون .
حينما قررت قريش قتل محمد(ﷺ) كانت تعلم تماماً بأنها لا تستهدف شخصه ، بل تستهدف مشروع التغيير الذي يحمله.
التقى كبراء قريش جميعاً بما فيهم أقرب الناس إلى محمد(ﷺ) ،عمه عبدالعُزى بن عبدالمطلب المعروف بـ (أبي لهب) ، التقوا جميعاً وقرروا قتله بعد أن أعيتهم الحِيل في ثنيه عن عزمه.
قررت قريش وأْد الدعوة الوليدة دفاعاً عن قيم الجاهلية، وحفاظاً على قانون الغاب، واستماتة في إبقاء العبودية، وسلطة الملأ من الناس.
أرسل النبي(ﷺ) سفراء إلى الحبشة لعلهم يمهدون للدعوة مكاناً ينطلقون منه للعالم ،فما كان خروجهم هروباً من عذابات قريش وطلباً للنجاة بأنفسهم ،بل كان للقيام بمهمة التمهيد لوطن الدعوة البديل في بيئة صالحة بجوار ملك لا يُظلم عنده أحد.
ما كان يدور بخلد النبي (ﷺ)
بأن "يثرب" -وليست الحبشة- ستكون هي المدينة التي ستشع منها أنوار الإيمان حتى يغدو اسمها"المدينة المنورة" لاحقاً.
اتخذ النبي(ﷺ) كل وسائل النجاة من قريش حال هجرته، فتخفّى عن الأنظار وموّه المشركين في اختياره طريق اليمن بدلاً من يثرب باديء الأمر، واستاجر عبدالله بن اريقط دليلاً،وإن لم يكن مؤمناً آنذاك،لكنه صاحب خبرة، وجهز الراحلة وحمل الزاد، واصطحب الصديق الوفي أبا بكر رضي الله عنه ، ولم يتخذ من الخوارق بساطاً يصل بها إلى أهدافه، فهو بشر ولا بد أن يتخذ كل ما يتخذه البشر من وسائل وأسباب .
خرج النبي(ﷺ) من "مكة" خائفاً يترقب، ودخل "المدينة" آمناً، يترقب أهلها وصوله بكل لهفة وشوق.
هجرة النبي(ﷺ) كانت إيذاناً ببناء منظومة قيم مختلفة تماماً عن كل قيم الجاهلية، فلم يعد للعصبية في قيم الإسلام مكان.
قريش تآمرت على قتله، وهو ابنها، والأوس والخزرج استقبلوه رغم بُعد المسافة المكانية، والنّسبيّة بينهم وبينه؛ للتأكيد على أن الدعوة الجديدة ليست فئوية، ولا أسرية، ولا قومية، بل هي دعوة للعالمين جميعاً.
ترافقت ذكرى الهجرة النيوية مع ذكرى كارثة الـ (٢١) من سبتمبر،عشية إسقاط الحوثي للدولة اليمنية، ولنا أن نُذكّر هؤلاء الذين يدعون -زوراً- انتماءهم لرسول الله(ﷺ) بأن محمداً خرج من مكة مطارَداً محكوماً عليه بالإعدام؛ لذا فليس لقريش أي فضل على دعوته ليقدم هؤلاء أنفسهم حكاماً بحكم الانتماء، بل إنهم قد قطعوا صلتهم بمحمد رسول الله(ﷺ) عندما اتخذوا قرار قتله وحاصروا منزله، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن محمداً دخل المدينة بقوة ما يملكه من قيم، ومباديء تنتشل البشرية من جاهليتها، وتقديسها للأصنام الطينية والبشرية على السواء، في حين دخل الحوثي صنعاء بقوة الدبابة والمدفع ، وفَرَض قيماً تتناقض كلية مع توجّه الناس وإيمانهم وصفاء عقيدتهم، وشتّان بين مُشَرِّقٍ ومُغرّبِ.
تظل ذكرى الهجرة النبوية ملهمة لأصحاب المباديء والمشاريع النهضوية بالأمة بأن الاغتراب عن الوطن، أوسحب الجنسية، والأحكام بالإعدام أو السجن المؤبد ليست نهاية المطاف، فالمباديء تستمد قوتها من قوة الحق والخير الذي تملكه،والناس يموتون، لكن مبادئهم تزداد قوة عندما يموتون كما تموت الأشجار واقفة،ويمدون بدمائهم تلك المباديء بالحياة .
ذكرى الهجرة تبث الأمل بحسم الصراع لصالح المباديء والقيم والحق،فما ينفع الناس سيمكث -لا شك- في الأرض، وأما ما يطفو على السطح من زبَدٍ وظلم فإنه سيذهب جفاءً،عاجلاً غير آجل بإذن الله.