بقلم:د.فؤاد بن عبده محمد الصوفي
ينشط الكثير من المسلمين في أداء العبادات المتنوعة في أيام وليالي شهر رمضان فمتصفحي المصحف الكريم والمنفقين للافطارات الجماعية المسجدية والمؤدين لزكاة الأموال يكثر نشاطهم فقط في هذه الأيام، كما أنك تجد المساجد تكتض بمصليي التراويح يكثر عددهم ويتابعون الأئمة ذوي الحناجر الذهبية.
ولكن ما يبدأ رمضان بشد رحيله إلا وقد عادت نفوس الناس لماكانت عليه قبل رمضان. وهذا يدعونا إلى أن نذكر المنتسبين للصلاح بضرورة الثبات على الطاعات بعد رمضان وأن يكون لهم خبايا بينهم وبين مولاهم يختلون مع ربهم في الخلوات، تدمع له أعينهم في الظلمات منيبين إليه فيمنحهم الله الهداية كما قال تعالى :( قل إن الله يضل من يشاء ويهدي إليه من أناب) [الرعد:27]. وقال سبحانه: (الله يجتبي إليه من يشاء ويهدي إليه من ينيب) [الشورى:13] فتدفعهم إنابتهم إلى الاشتغال بربهم وعبادتهم له ومحبته. قال ابن القيم في الفوائد: “الإنابة عكوف القلب على الله عز وجل كاعتكاف البدن في المسجد لا يفارقه. وحقيقة ذلك عكوف القلب على محبته، وذكره بالإجلال والتعظيم، وعكوف الجوارح على طاعته، بالإخلاص له، والمتابعة لرسوله صلى الله عليه وسلم، فمن تعلق قلبه بالله ونشطت جوارحه في طاعته واكتسب خشوع المنيبين يجوعون حين يشبع الناس ويسهرون حين ينام الناس يبكون مهما ضحك الناس يذكرون مولاهم حين يغفل الآخرون يبذلون حين يبخل الناس يخدمون الآخرين غير آبهين منهم بجزاء ولا شكور.
يحسنون لو أساء لهم الناس يصلون من قطعهم ويعفون عمن ظلمهم ويتواضعون مهما تكبر الآخرون عليهم، إن رزقوا شكروا وإن ابتلوا صبروا ، مع الله في السراء ومعه في الضراء يعيشون سعداء بذكره آناء الليل وأطراف النهار .
قال تعالى في ذكر جزاء من قامت به هذه الأوصاف بقوله:( ادخلوها بسلام ذلك يوم الخلود. لهم ما يشاءون فيها ولدينا مزيد)[ق:34-35]
وقد لفت الإمام ابن القيم الانتباه إلى التماثيل المتنوعة وما أكثرها في عالمنا اليوم فقال :"ومن لم يعكف قلبه على الله وحده، عكف على التمائيل المتنوعة".
ثم صف تلك التماثيل فقال : "فتعلق القلب بغير الله، واشتغاله به، والركون اليه، عكوف منه على التمائيل التي قامت بقلبه، وهو نظير العكوف على تماثيل الأصنام، ولهذا كان شرك عبادة الأصنام بالعكوف بقلوبهم وهممهم وإرادتهم على تماثيلهم، فاذا كان في القلب تماثيل قد ملكته واستعبدته بحيث يكون عاكفا عليها، فهو نظير عكوف الأصنام عليها، ولهذا سماه النبي صلى الله عليه وسلم عبدا لها ودعا عليه بالتعس والنكس فقال صلى الله عليه وسلم:« تعس عبد الدينار، تعس عبد الدرهم، تعس وانتكس واذا شيك فلا انتقش» البخاري برقم (2887).
فليكن المصلحون مخبتين إلى الله مركزين على الأعمال الربانية الدقيقة التي كان يتميز بها الأصلح عن الصالحين والأبرار عن المقتصدين ويسموا بها العابدون سيماهم في وجوههم من أثر السجود وقد روى الترمذي وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:" اذا دخل النور القلب، انفسح وانشرح" قالوا فما علامة ذلك يا رسول الله؟ قال:" الإنابة إلى دار الخلود، والتجافي عن دار الغرور، والاستعداد للموت قبل نزوله" أخرجه ابن جرير في التفسير 8\20، والبغوي في شرح السنة 6\72. اللهم ارزقنا الإنابة إلى دار الخلود، والتجافي عن دار الغرور، والاستعداد للموت قبل وصوله.