وقفة تأمل :
حين نقرأ بعض صفحات التاريخ الدعوة المشرقة في العهد الأول من الدعوة الإسلامية . يبهرك روعة البناء و روعة الباني نكاد نجزم أن ذلك الجيل الأول حمل كل الصفات . تصدق فيهم الصفات العشر للرجال الذين حملوا تكاليف الرسالة الهادية في كمالها و جمالها . استخلصها الإمام البنا رحمه الله من القراءة الفاحصة لمسار التربية في الصدر الأول في الإسلام .
فهم و إخلاص :
فهم شامل لمقتضيات الفكرة محصن بالإخلاص لله في القصد و العمل فكل عمل ينجز و كل مشروع يقام و كل قضية ينتصر لها و كل فكرة يرعاها ، لها في الشرع أصل . فالمسلم يحصن كل مناحي حياته بلزوم الشرع مستحضرا النية أن ما نقوم به فهو حسبة لله نريد به وجه الله تعالى وحده . ﴿ قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ ﴾ [الأنعام: 162، 163].
عمل و جهاد :
لا تقوم الحياة إلا بالعمل فالإسلام حارب البطالة و حض على العمل . عن الزبير بن العوام رضي الله عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال : ” لأن يأخذ أحدكم أحبله فيأتي الجبل فيجيء بحزمة من حطب على ظهره فيبيعها فيستغني بثمنها خير له من أن يسأل الناس أعطوه أو منعوه ” رواه البخاري . بل يرتقي هذا الجهد المبذول ليكون جهاد في سبيل الله جهاد تنوير و جهاد تعمير و جهاد دفع ، لا يخرج عن الشمول الذي دعا إليه الإسلام .
تضحية و طاعة :
و إن التضحية هي بذل أقصى الوسع في العمل و الجهاد ، و لا يستقيم العمل في المشاريع أو في إدارة الأعمال ما لم يكن لتلك المشاريع ضوابط حازمة تمنع الانزلاق و الخروج عن ضوابط العمل ، و الأمر تقره كل تنظيمات العمل فلهذا كانت الطاعة أمرا مستلزما ، بل موجبا لنجاح المشاريع في المؤسسات أو في إدارة الحياة الخاصة للفرد ، و تلك الطاعة إنما تكون في المعروف و في حدود الوسع و الطاقة .
ثبات و تجرد :
إن كثرة الأعمال و التكاليف و المهمات قد يترب عنها شيء من الضعف والوهن ، لهذا كان لزاما أن يستشعر الفرد عظمة المهام بطلب العون و النصرة من الله ، أن يوفقه ليكمل مشواره الطويل و أن يجبر ضعفه ، فالمرء لا يستغني عن مدد السماء فهي وحدها المثبتة ، فيحرص المسلم ليراقب نفسه و أعماله قي السر و العلن أن يعلم أن الله محيط بكل تصرفاتنا في السكون و الحركة في اليقظة و المنام في الإقبال و الإدبار في الضعف و القوة فهما العاصمة و دونها عناصر تقوية .
أخوة و ثقة :
لهذا كان شان الأخوة كبير في صدر الإسلام الأول و قد أولاها الرسول محمد صلى الله عليه و سلم الأهمية الكبرى فكانت المؤاخاة بين الصحابة يقول تعالى ذكره : قال الله لموسى عليه السلام " قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا ۚ بِآيَاتِنَا أَنْتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ " و حتى تنجح الفكرة و تسود المبادئ فلابد لها من عنصر وثيق و مهم فكانت الثقة ركنا حصينا و تكون الثقة في الله و نصره ، و ثقة في المنهاج و صلاحيته ، و ثقة في القائد و كفاءته ، ثم ثقة في أخوته التي هي شقيقة الإيمان . فبهذه الصفات العشر المحصنة يعلو البنيان و يقوى الصرح و تنصر المبادئ فتحصل السيادة و الريادة .
و الله أكبر و لله الحمد الجزائر في 19 / 02 / 2016