فلسطين لا تحزني..دمعي من دمعك
سميرة بيطام
اسمك الحرة ومجمع الأسرى.. وعَدوكِ بالنصرة من أول شِبر لآخر شبر من
أرضك، أهدوك حلة لقدسِك، إذًا ألبسيها لقدسك وقدسنا زينة أخرى من حنايا مجدِك، فداك كل العمر من بدء فطام الطفل حتى يكبر على نفس الدرب، هو الحِمى منا، عبقرية أنت يافلسطين، فارفعي رأسك ولا تَحزني على حالك، حلِّليها عُقدًا كبرى حتى تصير صغرى، كفكفي دمعَكِ؛ حتى أفرح بدموعي حال صمودِك، لا تبكي فتُبكيني؛ فأنا بك أتشجَّع وأواصل مَسير الدنيا.
كوني في نظري أبهة بحجارة أولادك، فإني أحببتكِ من أول نظرة وأنا صغيرة ألعب على وقع الحَصى الصُّغرى في مرمى أن أغدو أردِّد اسمك حتى أصبح أقصاك قِبلتي، عانقتُ أحزانك وأنا أقرأ عنك صفحة من صفحات تُراثِك، فالأصحُّ في صحة تاريخك من أنك محتلة ممَّن أرادوا منك فناءً وأنتِ بعدُ حُرَّة؛ لذلك رددتُها بلهفٍ أنك المثل الأعلى في الصمود، فلو سألوني إن كنتُ زرتكِ، سأجيب من أن صورتك بين جفوني في غمضة احتواء لصورة الصخرة.
هو صوتي أنك فِلسطيني، تركن عيناي حزينة عليك، فلا تزيدي بحزنك على حزني، فلم يبق الكثير وأراك منارة فوق كل الظنون وكل النيات.
دعيني أستظل في باحة الأقصى بعد أن أصلي صلاة الحاجة أن ينصرك الله وينصر أولادك الأبطال، فأنت حرة وستبقين حرة.
دعيني أسأل نساءك وأطفالك عن مجرى نهر الأردن والخضيرة والعوجا، دعيني أَجُلْ في أحياء القدس بخيالي في غزة والشيخ سعد وخلة الشريف، ولمَ لا تدَعين فكري يجول بين صفحات تاريخك في ومضة كرامة بين ماضيك وحاضرك؟ أليس لاسم العزَّة والقوة اسمًا لغزة سابقًا لتغدو بوابة العالم؟
في قلبك يا فلسطين اتركي لي مكانًا؛ حتى أقطف زيتونًا من حي الزيتون، وفي جولة أخرى لأَقطِف تفاحًا من مزارع التفاح، وليتك تعطيني رخصة أن أكون حرة في أرض المسرى.
وصفتْ لي الآثار أن شوارعك في كتب فضلى كشارع الثورة المشهور، فنلتِ الشُّهرة في بطولة حرة، وشارع النفق، ولغزة اشتقاق من مدن العرب استئناسًا لأسماء شوارعك في مدينة بغداد والقاهرة والمنصورة وبورسعيد، فكان الدفء في حضن الجوار خير سند.
تشجعي وازرعي الشجاعة في قلمي لا لكي أكتبَ، ولكن لأرسم لك أجمل لوحة بألوان الربيع في ذكرى عيد ميلادي، فأنا أملك بألواني عبارات الافتخار بك؛ لأنك منحتِني مجدًا فأصبح مصدر إلهامي منك وفيكِ، فلا تحزني؛ فالنصر زاحف إليك بعون الله، فامسحي دمعك؛ حتى أكتب عنك عنوانًا للصبر والشموخ والفداء يَليق بك يا بطلة، لا تحزني يا أمَّنا الحُرة، فمَن قال: "إن الصعب لن يهون"، فهو لا يدري حقيقة دورك على مرِّ الزمن، اتركي للأمل مفتاحًا لكل صعب على أرضك، فالله ناصرك.
والآن عِديني ألا تحزني، فلون الصخرة هو لون الذهب في أعين محبِّيكِ، وفي أعين كل من يتمناها صلاة في الأقصى، وبما أن دمعي من دمعك، أترجاك ألا تحزني، فأنا أعي عمق جراحك، وهذا ما يُحزن قلبي كلما دوى الرصاص في سمائك، ولك من بلد المليون ونصف المليون شهيد تحية ودٍّ ووفاء وكبرياء تصلك من الجزائر إلى أقصانا، إلى أرضك، إلى أبطالك، إلى إمائك، إلى شيوخك، إلى شهدائك، إليك.... فلسطين.