لا داعي للندم
سميرة بيطام
على تراكيب نوتات موسيقا الصرامة أطلقت سراحي من احتشام مُقلتي سفرًا، لستُ أدري فيما كنت أفكر لما طرقت بابي صدفة من غير ميعاد مُسبق، فكان مني أن استقبلت فيك إحساسكِ بالندم من غير أن تنطقي بكلمة واحدة، فقد قرأت في عينيك ندمًا واضحًا.
فمَن منا وُلد بغير صراخ الحياة الجريئة، انتفاضة للعالم الجديد بعيدًا عن رحم الأم العطوف فطامًا واضحًا؟ فلطفًا تفضَّلي وخذي مكانك بارتياح الضمير منك، ولا تَخشي مني رفضًا قاطعًا لما أنت فيه من تردُّد؛ لأني سأحضن فيك كل ارتداد لعبراتك الخجولة، فقط كفِّيها عني حتى لا تثير حزني فأنساق وراء الثقل في قراراتي، وأصبح على غير عادتي من الصفح الجميل بعيدة المقصد، لطفًا ورجاءً أتمناهما أن تتركي لي مجالاً أنتقي حرفًا طيبًا وتعبيرًا صادقًا؛ لأنقل لك تعابير قلبي في أني لا أبغي حوارًا فيه جدال كثير قد يثير شجوني فأنزوي عن سماع نقاش الندم منك، ولو أني أفضل ألا تندمي حتى لا يسرق الندم مني وقتي ونسياني لما قد يحير في ركود الأحاسيس النائمة بداخلي، فلا داعي لأن تحركي ماءً راكدًا نعمت فوقه أوراق خفيفة انطلقت تسبح بكل شاعريَّة بريئة لتصل إلى آخر نقطة من محيط الرحيل.
شموخي اللحظة أمامك فيه الكثير من الندم مني أني لم أتعلم جيدًا ثقافة السير الحسن وجر أحمال الماضي إلى ما وراء ظلي، حتى بالكاد إن التقيتُك أكون قد نسيت أيًّا من قصص الصراع التي كانت بيني وبينك، فكفِّي ندمك واتركي ندمي يغادر عني دون أن أشعر بفراقه لي، أوَلست أنت وأنا نعرف خبايا الضعف في كل منا وأواصر التأقلم فيما بيننا، فلمَ التحسر اليوم أمامي؟! أوَنسيتِ أني أنهار بمجرد إحساسي بك أنك لم تشدي حبل الوصال جيدًا، فلا تطمئني لقوتي لأني قد أخذلك في لحظة انسياق وراء ذكريات الماضي، إذًا شدِّي عني حمل الثبات لحين أنهي استقبال الجرأة منك وبعده سيكون لنا حديث آخر أو تناوب في مهام تبادل مسؤولية شد الوثاق بيننا.
سافري أنت أولاً أو اسحبي مني تذكرة الاطمئنان، واتركي لي أثرًا طيبًا في سلام تبقينني عليه إلى أن ألقاك مجددًا وبأحلى ابتسامة ترسمينها على وجنتيك بداية؛ لأني سألتقط عنك سعادة بريق العينين الذي أمدني بكثير من الارتياح على العكس من اللقاء الأول الذي حمَّلني الكثير من المسؤولية في أن من تمام الإنسان وكماله أن يكون مرتاضًا بمكارم الأخلاق، ومتنزِّهًا من مساوئها ومَقابحها، ومن أجل ذلك وجب علينا أن نقول قولاً لينًا في مخاطبة سوء الخلاف؛ ليستقيم حال النفس في أن يَبقى كل منا على عادته ويمشي على سيرته، وما دام التوضيح بين في السلوك فلا داعي للندم؛ بل أريني فواصل من الشجاعة والجرأة.
إن الحنين لساعات الأخوة قد عادت لنصابها الأكمل في أن ما كان لله دام واتصل، وما كان لغيره زال وانفصل، وبقدر ما كنت واثقة المطلب أن لا داعي للندم، إلا أني سأنفجر بكاءً على ما ضاع مني من لحظات العمر ولم أقل لك فيها مرارًا وتكرارًا وبعبارة صاحَت مني صدقًا: أحبك في الله.